في اللحظات التي كانت فيها إبريل تكره هيلين، كانت تبدو وكأنها طفلة في عمرها الحقيقي، على الرغم من نضجها الذي يفوق أقرانها. حتى لو كانت تقرأ كتبًا قديمة مكتوبة بلغة عتيقة يعجز عنها العلماء، وحتى لو كانت أقل بكاءً من أختها الكبرى ليليانا، وأكثر هدوءًا من جينا، فإن إبريل لم تكن سوى طفلة في العاشرة من عمرها. كانت مجرد طفلة صغيرة تحمل قلبًا يعج بالمشاعر المكبوتة.
بدأت مشاعر الغضب والحزن والوحدة التي تراكمت في قلب إبريل على مر السنين تنفجر فجأة. لم تكن إبريل، التي لم تشارك يومًا في شجار جسدي، تفكر بعقلانية عندما دفعت جسد هيلين بعنف. كل ما أرادته هو إفراغ غضبها على هيلين بأي طريقة ممكنة، حتى لو كانت غير منطقية.
عرفت هيلين أن إبريل غاضبة بشدة، لكنها لم تتوقع أن تهجم عليها بهذا الاندفاع غير المحسوب. دفعتها إبريل مرة أخرى بقوة أكبر، فتعثرت هيلين وسقطت للخلف نحو رف الكتب. ارتطم الرف بالجدار، ثم بدأ يميل نحو إبريل وهيلين في حركة خطيرة.
وفي لحظة حرجة، انهار الرف على ظهر هيلين. شعرت بألم شديد في ظهرها نتيجة الاصطدام، لكنها كانت محظوظة على الرغم من ذلك. فقبل أن ينهار الرف تمامًا، تمكنت هيلين من احتضان جسد إبريل الصغير وحمايتها من السقوط. تطاير الغبار الكثيف من الكتب المتساقطة، مملأً الهواء بدخانٍ أبيض كثيف.
بينما كانت هيلين تسعل بشدة وتكافح من أجل التنفس، كانت إبريل لا تزال مليئة بالطاقة. صرخت إبريل وهي تحاول التملص من حضن هيلين: “أتركيني، هيا!”.
حاولت هيلين تهدئتها وهي تصرخ: “توقفي عن الحركة، هذا خطر!”.
شعرت هيلين بألم حاد جعل رأسها يدور. مدت يدها بحذر لتلمس أنفها، فشعرت بسائل دافئ يتدفق.
“دم…!”.
عندما رأت إبريل الدم يسيل من أنف هيلين، هدأت أخيرًا. ثم استلقت على الأرض بحذر، خائفة من أن يتلطخ جسدها بالدم. نهضت هيلين ببطء، محاولة خلق مساحة تتيح لإبريل الخروج.
“إبريل، الآن! اخرجي!”.
لم تنتظر إبريل أكثر من ذلك، فقد زحفت بسرعة لتخرج من تحت الرف. بدأت على الفور في إزالة الكتب المتناثرة من الرف، مما خفف من وزنه تدريجيًا. تمكنت هيلين من رفع الرف وإعادته إلى مكانه بجهد كبير.
نظرت إبريل إلى هيلين، التي كانت مغطاة بالغبار وتنزف من أنفها. حتى لو كانت هيلين الشخص الذي تكرهه أكثر في العالم، فإن هذا المظهر البائس أثار شيئًا من الشفقة في قلب إبريل. مدت إبريل منديلًا ورديًا إلى هيلين. أخذت هيلين المنديل ومسحت أنفها، ثم نظرت إلى المرآة. كانت صورتها في حالة يرثى لها: شعرها مبعثر، ووجهها مغطى بالغبار، حتى جمالها اللافت لم يتمكن من إخفاء هذا المظهر المزري.
نظرت خلفها لترى إبريل تتسلل وتنظر إلى انعكاس هيلين في المرآة. فجأة، لم تستطع إبريل كبح ضحكتها.
“… هه… هههههه!”.
كانت هيلين تبدو مضحكة للغاية، ليس فقط بسبب مظهرها، بل بسبب تعبير وجهها الغريب. حاولت إبريل كبح ضحكتها، لكن رؤية هيلين في هذه الحالة جعلتها تفقد السيطرة وتنفجر ضاحكة.
‘يبدو أنكِ حقًا تكرهينني…’ فكرت هيلين في نفسها. لكن ضحكة إبريل كانت نقية وصافية للغاية، مملوءة بالبراءة. ربما لم يكن هذا انتقامًا بالمعنى الحقيقي، لكن هيلين قررت أن تسد أنفها تمامًا بمنديل إبريل الوردي.
“… هل هدأ غضبكِ الآن؟” سألت هيلين.
“… مستحيل!” أجابت إبريل وهي تدير وجهها بعيدًا، محاولة إظهار تعبير غاضب. لكن زاوية فمها كانت ترتفع بابتسامة خفيفة.
نظرت هيلين إلى حالة الغرفة المزرية. النافذة محطمة، والأرضية مغطاة بالكتب القديمة التي ألقتها إبريل. كانت هذه المرة الأولى التي تزور فيها هيلين غرفة إبريل. بالنسبة لغرفة طفلة في العاشرة، كانت الغرفة خالية من أي لمسة طفولية، مليئة فقط بالكتب.
التقطت هيلين كتابًا قديمًا وفتحته. كان مليئًا بالحروف الصغيرة السوداء المكتوبة بلغة قديمة. حتى مع معرفتها المحدودة، وجدت هيلين صعوبة في قراءة سطر واحد.
“… لا يوجد شيء آخر أفعله سوى هذا،” ردت إبريل وهي تخفي وجهها المحمر قليلًا.
يقال إن المديح يمكن أن يجعل حتى الحيتان ترقص، ويبدو أن هذا المديح جعل إبريل نفسها تشعر بالبهجة. لم يكن مجرد مديح، بل كان إعجابًا صادقًا. أدركت هيلين أن ليليانا وجينا لم تكونا مبالغتين عندما وصفتا إبريل بالعبقرية. كيف يمكن لفتاة مثلها، موهوبة بهذا الشكل، أن تُحرم من إظهار مواهبها وتعيش كمنعزلة؟ شعرت هيلين بالذنب، وكأنها هي المسؤولة عن ذلك.
“… لكن، أليس هذا كتابًا عن السحر؟” سألت هيلين. حتى مع معرفتها المحدودة باللغة القديمة، استطاعت تمييز كلمة “سحر” في النص.
في تلك اللحظة، هبت ريح قوية فجأة من النافذة المحطمة. بدأت صفحات الكتاب القديم الملقى على الأرض تتقلّب من تلقاء نفسها. ارتفع شعر هيلين وإبريل في الهواء بفعل الريح العاتية، وكادت عيونهما لا تستطيعان الرؤية.
ثم، ظهر نسر فضي عبر النافذة. كان هو نفس النسر الفضي الذي رأته هيلين قبل دخولها المنزل. ما إن لامست قدماه الأرض، حتى لفّت ريح دوّامة جسده، وتحول إلى رجل وسيم ذي شعر فضي.
‘… أهو قزم؟ أم جني؟’ تساءلت هيلين.
كان وجهه صغيرًا وملامحه دقيقة، لكن بروز تفاحة آدم في رقبته جعلها تعتقد أنه رجل، على الرغم من جماله الأنثوي. عيناه الرماديتان النادرتان جعلتا هيلين تشعر أنه ليس شخصًا عاديًا.
تبعه نسر آخر ذو عيون كبيرة وغاضبة، تحول بدوره في دوامة ريح إلى رجل نحيف بعيون كبيرة. توقفت عينا الرجل ذي العيون الرمادية على إبريل.
“… هل هذه هي المرشحة الخامسة؟”.
“… أشعر بالسحر ينبعث منها، إنها هي بلا شك!” رد الرجل ذو العيون الكبيرة وهو يرفع نظارته المكبرة، محدقًا في وجه إبريل بنظرة ثاقبة.
***
لم يكن هناك أحد يستطيع التحدث عن لوكايل بثقة تامة. حتى تشي، الذي خدمه لعقود طويلة، لم يكن يعرف سوى أن لوكايل هو سيد برج السحر، وأن قوته تضاهي قوة اتباع الآلهة. كان هذا هو اليقين الوحيد.
على الرغم من أن عمر السحرة يتجاوز عمر البشر قليلًا، إلا أن تجاوز المئتي عام كان أمرًا نادرًا. لكن لوكايل، بجماله الثابت وقوته الهائلة، عاش لألف عام، وربما أكثر. لم يكن أحد يعرف بالضبط، ولم يكن هناك من يجرؤ على السؤال. كان تشي قد سمع من مساعد سابق، الذي سمعه بدوره من مساعد أقدم، أن لوكايل ربما اقترب من ألفي عام.
ألف عام. ربما حتى لوكايل نفسه لم يكن يعرف عمره بدقة. بالنسبة له، الزمن لم يكن له معنى، فلم يكن بحاجة إلى عده كما يفعل البشر.
في صباح أحد الأيام، شاهد لوكايل شروق الشمس. على الرغم من أنه رأى الشمس تشرق وتغرب مئات الآلاف من المرات، إلا أنه في ذلك اليوم أدرك لأول مرة معنى شروق الشمس وغروبها. جلس لأيام يراقب الشمس وهي تتحرك في السماء، مدركًا أن لكل شيء نهاية، حتى لو كان خالدًا.
أدرك لوكايل أن خلوده ليس نعمة، بل لعنة تمنعه من إيجاد هدف في الحياة. لم يكن يرغب يومًا في أن يكون سيد برج السحر. لقد بنى البرج بشكل طبيعي، كما تتفتح الزهور في موسمها، وتبعه السحرة بعمى، مُقدسين إياه.
لكنه شعر أن الوقت قد حان لإنهاء هذا. كان عليه، هو الذي لا يقيده الزمن، أن يصنع نهايته بنفسه. ولهذا، كان عليه أن يجد خليفة لبرج السحر.
فتش في البرج عن مواهب جديرة، لكن السحرة الكبار كانوا منشغلين بالبحث، والسحرة الأقل شأنًا كانوا يتسابقون ليصبحوا رؤساء في قصور الملوك أو أساتذة في الأكاديميات. أصبح السحرة متعجرفين، منعزلين عن البشر، مشكلين مجتمعهم الخاص. أصبح الزواج بين السحرة قانونًا غير مكتوب، وأطفالهم، الذين يُطلق عليهم “الدم النقي”، كانوا يولدون بقوة سحرية، لكنها كانت عادية ومملة.
تنهد لوكايل بعد فحص قوة الأطفال في البرج. لم يكن بإمكانه تسليم البرج لهؤلاء الأطفال العاديين. أدرك لوكايل مهمته الأخيرة: إيجاد ساحر هجين متحور.
كان هناك سحرة قديمون تخلوا عن حياة السحر واختاروا حياة البشر. أحيانًا، كان أحفادهم يولدون بلا قوة سحرية، لكن في حالات نادرة، كان بعضهم يرث قوة سحرية مضخمة تفوق قوة السحرة ذوي الدم النقي.
جاب لوكايل العالم بحثًا عن هؤلاء الأطفال الخمسة، أحفاد السحرة القدماء ذوي القوة المضخمة. والآن، كانت هذه الفتاة ذات الشعر الأحمر التي تقف أمامه هي المرشحة الخامسة والأخيرة.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 36"