– زوجة الأب مستمرة بسرقة الأبطال الذكور.
الفصل الحادي عشر
“لم أقصد استراق السمع…” تمتم سيغهارت، واقفًا أمام ليليانا، وهو يحاول إخفاء حرجه. كان الفتى ذو الشعر الأسود الكثيف، الذي بدا في مثل سنها، يقف في وسط المعبد الهادئ، عيناه القرمزيتان تعكسان توترًا وحزنًا عميقين. كان وجهه، الذي يحمل ملامح نبيلة وشابة، مشدودًا كمن يحمل عبئًا ثقيلًا على كتفيه الصغيرتين.
شعرت ليليانا بمزيج متضارب من الخجل والغضب يجتاحها كالموجة. كيف تجرأ هذا الغريب على التطفل على صلاتها الخاصة؟ كانت لحظاتها مع والدتها المتوفاة ملاذًا سريًا، زاوية هادئة في قلبها لا تشاركها مع أحد. لكن عندما التقت عيناها بعيني سيغهارت، رأت فيهما بحرًا من الحزن يعكس ألمها الخاص. أدركت أن نية الفتى لم تكن خبيثة، وأن ما يعانيه يشبه تلك الليالي التي قضتها هي تبكي فقدان والدتها.
“هل… يمكن حقًا التحدث مع الموتى إذا صلينا لإله الشمس؟” سأل سيغهارت، صوته يرتجف باليأس الممزوج بالأمل. كان يعلم أن اعترافه بسماع صلاتها قد يكون وقحًا، لكن رغبته في إيجاد طريقة للتواصل مع والده المتوفى كانت أقوى من أي قاعدة أدب. إذا كان هناك أمل، ولو ضئيل، لسماع صوت والده مجددًا، فإن كل المظاهر والتقاليد تصبح تافهة.
كادت ليليانا أن تعاتبه على تطفله، لكن حزن عينيه أوقف كلماتها في حلقها. كانت تلك العيون مرآة لما شعرت به عندما فقدت والدتها، تلك اللحظات التي شعرت فيها وكأن العالم قد تخلى عنها. “ربما…” أجابت بنبرة هادئة، محاولة أن تبدو مشجعة دون أن تكذب. لم ترغب في إعطائه أملًا زائفًا، لكن كلمة “ربما” كانت تحمل في طياتها الأمل الذي دفعها للصلاة يوميًا. “لكن عندما أتحدث هكذا، أشعر أن شوقي لأمي يخف قليلاً، كأنها تسمعني من مكان ما.”
“أفهم…” رد سيغهارت، وشعر بدفء غريب يتسلل إلى قلبه. كانت كلمات ليليانا البسيطة، الخالية من أي تزيف، مثل نسمة هواء منعشة في يوم صيفي خانق. أراد أن يبدأ صلاته، لكنه توقف عندما أدرك أن فتاة غريبة لا تزال بجانبه. لم يكن مستعدًا ليظهر هشاشته أمامها، فيصلي لوالده المتوفى أمام شخص لم يلتقِ به من قبل. لاحظت ليليانا تردده، فقامت من مكانها بهدوء، كأنها تمنحه خصوصية صلاته.
“أنا سيغهارت”، قال، مقدمًا نفسه بنبرة ودودة وهو يحاول كسر الصمت المحرج.
“وأنا ليليانا، ليليانا إيميلديا”، أجابت، وابتسامة خجولة تظهر على وجهها، كأنها زهرة تتفتح تحت أشعة الشمس الأولى.
لم تكن تعلم أن هذا الفتى هو سيغهارت، وريث دوقية ليلفلاديان الكبرى. في اليوم التالي، أثناء حضور ليليانا جنازة الأرشيدوق في القصر الإمبراطوري برفقة والدها، كادت أن تصرخ عندما رأته يقف بين النبلاء، مرتديًا زيًا رسميًا يليق بمرتبته. كبحت نفسها بصعوبة، مدركة أنها كادت ترتكب خطأً فادحًا أمام خليفة الأرشيدوق. بينما كانت تخفض رأسها في الجنازة الرسمية، ناداها سيغهارت بنبرة دافئة، كأنه يخاطب صديقًا قديمًا، مما جعل قلبها ينبض بالدهشة والفرح.
خلال الأيام القصيرة التي قضاها سيغهارت في ليفيا، أصبحا لا ينفصلان. كانا يلتقيان كل يوم في المعبد بعد الظهر، عندما يكون خاليًا من الزوار، يتبادلان القصص والأحلام. تحدث سيغهارت عن طموحه ليصبح فارسًا عظيمًا يحمي شعبه، بينما تمنت ليليانا أن يعيش الجميع في سعادة ووئام. في اليوم الذي كان من المقرر أن يغادر فيه سيغهارت إلى إقليم ليفلاديان، حاولت ليليانا وداعه في الميناء، لكن مرض والدها المفاجئ منعها من الوصول في الوقت المناسب. عندما وصلت متأخرة، كانت سفينة ليفلاديان قد ابتلعتها أشعة الغروب في الأفق. لوحت ليليانا بيدها بقوة، وودعته بمفردها، قلبها مثقل بالأسف والحنين.
بعد ذلك، أصبح سيغهارت أرشيدوقًا، وانتقلت والدته إلى ليفيا لتتولى واجبات الإمبراطورة المتوفاة. زار المعبد عدة مرات لرؤية والدته، لكنه لم يجد ليليانا. سمع شائعات عن الوضع الصعب لعائلة إيميلديا، وعن زوجة أبٍ جديدة، ووفاة والدها. بعد ثماني سنوات، التقيا أخيرًا مجددًا في المعبد، وكأن القدر قرر لم شملهما بعد طول فراق.
استمعت هيلين إلى قصة ليليانا بدهشة عميقة. لم تكن تتوقع أن تكون بين ليليانا وسيغهارت مثل هذه الرابطة القوية، وهي تفاصيل لم تُذكر أبدًا في رواية “الأميرة المثالية أنجلينا”، حيث كان اسم ليليانا بالكاد يظهر كشخصية هامشية. لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة كان تشابه دور ليليانا في مواساة سيغهارت مع دور أنجلينا في القصة الأصلية. فقدت أنجلينا والديها في حادث مأساوي، ومع ذلك، كانت مواساتها الصادقة لسيغهارت تجعله يراها كملاك سماوي. ليليانا، بمواساتها لسيغهارت في طفولته، لعبت دورًا مشابهًا، مما جعل هيلين تتساءل عما إذا كانت هذه مصادفة أم جزءًا من خطة القدر.
“قصة تافهة، أليس كذلك؟” قالت ليليانا، محاولة التقليل من شأنها، ووجهها يحمر وهي تُهوّي بنفسها بمروحة، محرجة من صمت هيلين. لكن هيلين كانت متأكدة الآن: ليليانا مغرمة حقًا بسيغهارت. كان الأرشيدوق ليس مجرد مرشح عادي في الرواية، بل منافسًا قويًا للأمير الإمبراطوري لقلب أنجلينا. وفي هذه المرحلة من القصة، كان سيغهارت قد وقع بالفعل في حب أنجلينا. ومع ذلك، لم تستطع هيلين أن تكسر قلب ليليانا المتلهف، الذي كان ينبض بالمشاعر الصادقة.
في داخل هيلين، استيقظت “يينا”، عشيقة الروايات الرومانسية من حياتها السابقة، متحمسة لهذا السرد الملحمي الذي يشبه قصص الحب الرومانسية. أمسكت هيلين بكتفي ليليانا بحزم، وبنبرة مليئة بالعزيمة، أعلنت قبل أن تتراجع: “ليليانا، سأجعلكِ أرشيدوقة ليبلاديان!” كانت كلماتها كالوعد المقدس، وكأنها تقسم على تحقيق حلم مستحيل.
***
في صباح مشمس في قلعة هيربيانت، استيقظت فتاة على سرير مزين بستائر دانتيل بيضاء، تمددت وفركت عينيها بنعاس. كانت أنجلينا، بشعرها الذهبي المتلألئ كأشعة الشمس الصباحية، وعينيها الزرقاوين اللامعتين كبحيرة صيفية صافية، وخديها النضرتين كالورود المتفتحة حديثًا. كان جمالها ساحرًا لدرجة أن أي شخص يراها سيفهم على الفور لماذا تُلقب بـ”ملاك الإمبراطورية” أو “الملاك بلا أجنحة”. حتى الخادمة ماريسول، التي كانت تحدق بها مفتونة، استعادت وعيها فجأة وسلمّتها مظروفين مختومين بختم شمعي يحمل شعاري عائلتين عظيمتين.
كان الأول من الأمير الإمبراطوري لهيرسن، والثاني من أرشيدوق ليفلاديان. كان كلاهما قد أكمل دراستهما في هيربيانت وعاد إلى العاصمة ليفيا منذ شهر واحد فقط. كان خطاب سيغهارت يشبه يوميات دقيقة، يعكس شخصيته الجادة والمنظمة، يسرد تفاصيل حياته اليومية بأسلوب رزين. أما خطاب الأمير الإمبراطوري، فكان مليئًا بالفكاهة المرحة، بخط يد متعرج يعكس طباعه المرحة. لكن كلا الخطابين اتفقا على رغبة واحدة: استضافة حفل عيد ميلاد أنجلينا الثامن عشر وحفلها الافتتاحي في القصر الإمبراطوري.
كانت أنجلينا الأميرة المحبوبة في هيربيانت، لكن الجميع أجمعوا أن حفلها الأول بدون والديها قد يكون مشوبًا بالحزن. اتحد الرجلان، اللذان كانا عادةً متنافسين شرسين، في إقناعها بقبول عرضهما. طوت أنجلينا الخطابين بعناية، وابتسمت ابتسامة مشرقة كأنها تضيء الغرفة، ثم نادت ماريسول: “لنستعد للسفر إلى ليفيا.”
كانت قصة “الأميرة المثالية أنجلينا” تقترب من منتصفها، حاملةً معها وعدًا بالدراما العاطفية والمنافسات الرومانسية التي ستغير مجرى الأحداث.
***
هيلين لم تكن من عشاق تسلق الجبال، لا في هذه الحياة ولا في حياتها السابقة ك’يينا”. كانت ترى حياتها كجبل هيمالايا بحد ذاته، مليئًا بالتحديات والصعوبات، فلماذا تضيف جبلًا آخر إلى معاناتها؟ لكنها الآن كانت تتسلق جبلًا بريًا، غير مطور، محاطًا بطبيعة شاسعة وخطيرة. كانت الدروب وعرة، مغطاة بالأشجار الكثيفة والصخور الزلقة، وكان خطر ظهور حيوانات برية أو حتى وحوش سحرية واردًا. بالنسبة لهيلين، التي لا تملك أي قدرات خارقة أو مهارات قتالية، كان هذا التسلق مغامرة محفوفة بالمخاطر. لكنها كانت مصممة على العثور على “ذلك الشيء”، وهو هدف غامض لم تكشف عنه بعد، لكنه كان بالغ الأهمية لخطتها.
بعد ساعات من التسلق الشاق، بدأت تشعر وكأنها قد تجد جذر جينسنغ عمره مئة عام بدلاً من هدفها. كانت الشمس تغرب بسرعة في هذا الجبل، مما زاد من إلحاح مهمتها. كانت قد سمعت أن هذا الجبل يشتهر بغروبه السريع، مما يجعل الليل يهبط كستارة سوداء في غمضة عين. كان عليها العثور على هدفها والنزول قبل أن يحل الظلام.
فجأة، سمعت حفيفًا يتسلل من بين الأشجار. أصبح الصوت أعلى، وكأن شيئًا ما يتحرك نحوها بسرعة. ‘يا إلهي، أرجو ألا يكون وحشًا أو مخلوقًا سحريًا!’ فكرت، قلبها ينبض بالذعر. بعد كل الجهود التي بذلتها لتحسين حياتها في هذه الحياة الجديدة، كان موتها على يد وحش سيكون ظلمًا لا تطيقه، كأن ينهار كل شيء بنيته في لحظة. ابتلعت ريقها، محدقة في الظل الذي بدأ يظهر من بين الأشجار الكثيفة.(اركض اركض اركض)
كان الظل مألوفًا بشكل مخيف. كانت جينا. لكنها لم تكن جينا التي اعتادت هيلين رؤيتها في القصر، مرتدية فساتين نبيلة أو ملابس يومية أنيقة. كانت ترتدي ملابس عملية، مصممة للحركة السريعة في البرية، مع وشاح من فراء الثعلب ملفوف حول رقبتها، جاهز لتغطية وجهها. على كتفها، كان هناك قوس صيد، مشدود وجاهز للاستخدام. في الرواية الأصلية، بعد موت هيلين، انهارت عائلة إيميلديا تمامًا، وأصبحت جينا صيادة في الجبال لكسب قوتها. لكن هيلين لم تكن تعلم أن جينا، في سن السابعة عشرة، قد بدأت بالفعل هذا العمل. كان من الواضح أن هذا النشاط، لابنة عائلة نبيلة مرموقة، سيضر بسمعتها بشكل كبير في الأوساط الاجتماعية، حيث كانت الفتيات النبيلات يُتوقع منهن التركيز على الفنون والزواج بدلاً من الصيد.
“جينا…؟” نادت هيلين بحذر، صوتها يحمل نبرة من القلق الممزوج بالدهشة.
لكن جينا لم تتحرك، ولم يرمش لها جفن. وقفت كتمثال، كأنها لا تتنفس، عيناها خاليتان من أي عاطفة، كأنها تنظر إلى فريسة وليس إلى زوجة أبيها. ببطء، بدأت تسحب وتر القوس، وأصابعها مشدودة كأنها تستعد لإطلاق النار. في تلك اللحظة، اجتاحت هيلين موجة من الإدراك المرعب، كأن صاعقة ضربت عقلها.
في الرواية الأصلية، كانت هيلين زوجة أبٍ فظيعة، كابوسًا حيًا للأخوات الثلاث. كانت تسيطر على كل جانب من حياتهن، فلم يكن بإمكانهن اتخاذ أي قرار دون موافقتها. بسببها، خسرن ثروتهن، عائلتهن، وحتى بعضهن البعض – أغلى ما يملكن. كانت هيلين الأصلية السبب في تحطيم أحلامهن ومستقبلهن.
‘هل فكرت الأخوات يومًا أن التخلص مني سيحل كل مشاكلهن؟’ تساءلت هيلين، وهي تتذكر كيف دمرت حياتهن في القصة الأصلية. كانت الفكرة تتردد في ذهنها منذ فترة، لكنها الآن أصبحت واضحة كالشمس. إذا كانت هيلين هي مصدر كل بؤسهن، فإن إزالتها من حياتهن قد تكون الحل الوحيد الذي رأته جينا.
نظرت هيلين إلى عيني جينا الباردتين، وهي ترى السهم يستعد للانطلاق. أطلقت جينا السهم أخيرًا، وكان يطير مباشرة نحو هيلين، حاملاً معه تهديدًا صامتًا قد يغير مصيرها إلى الأبد. في تلك اللحظة، شعرت هيلين وكأن الزمن توقف، وكل خططها وأحلامها معلقة على خيط رفيع بين الحياة والموت.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
التعليقات لهذا الفصل " 11"