كان أول من ارتبك هو آرون، إذ ابتلع ريقه جافًا وقد بدا عليه الاضطراب، فصاحت الإمبراطورة أليشيا وهي تنقر بلسانها مستاءة، وكان على وجهها تعبير يقول إنها تفهم ما يجري.
“سمعتُ القصة باختصار، لكن هل يعقل أن آرون لم يعتذر كما ينبغي؟”
احمرّ وجه آرون خجلًا من كلام الإمبراطورة أليشيا، فيما ابتسمت روزيتا ابتسامة محرجة.
فقد كان آرون قد اعتذر لها بالفعل قبل لقائهما بالإمبراطور وزوجته.
تدخّلت الإمبراطورة أليشيا بين آرون وروزيتا، فوجد آرون نفسه فجأة مُبعدًا عن جانب روزيتا، يحكّ مؤخرة رأسه بتوتر.
“…”
“إن حاول أن يطلب السماح بورقة اعتذار ركيكة، فمزّقيها إربًا.”
تراجع آرون خطوة إلى الخلف متجهمًا عند سماع كلام الإمبراطورة، بينما لمعت عينا روزيتا بفضول تجاه كلماتها.
“إنها أول مشاجرة بينكما بعد الزواج، أليس كذلك؟ والدة إيميليا كانت الضحية في سوء الفهم الذي وقع فيه زوجها.”
هزّت روزيتا رأسها بعنف، وكأنها في جلسة استشارة مع محامية بارعة، وبدأ صدرها يخفّ قليلاً من الضيق.
“صحيح!”
انطلقت الكلمة من فم روزيتا من دون وعي، من شدّة الارتياح الذي شعرت به من حديث الإمبراطورة.
“إذًا، ماذا فعل زوج والدة إيميليا ليُصلح الموقف؟”
“في الحقيقة… لقد تلقيت اعتذاره.”
“أوه! حقًا؟”
نظرت الإمبراطورة بدهشة إلى آرون.
“نعم، عبر تلك الورقة الركيكة وكلمات فحسب.”
تبدّل وجه الإمبراطورة إلى ملامح صارمة وهي تحدّق بآرون.
“أي اعتذار يخلو من الهدايا أو التعويض الملموس لا يُعد اعتذارًا حقيقيًا. من الطبيعي أن تُرفق الماسًا بقدر الندم يا والدة إيميليا.”
“أوه!”
“فالمسألة ليست بالأمر البسيط، بل هي نتيجة سوء ظن وتخمينات من طرف واحد. لو أنه سأل أحد الشهود الذين كانوا في موقع الحادثة لمَا حدث شيء من هذا أصلاً.”
لوّح آرون بيديه معترضًا على كلام الإمبراطورة الحازم.
“عمّ تتحدثين؟ لقد سمعت القصة من كبير الخدم ورئيسة الخادمات فقط!”
نظرت إليه المرأتان بنظرة حادة كأنهما كانتا تنتظرانه ليقول ذلك.
“وأين كنت حينها يا آرون، إلى أن صار يداك ورجلاك حجابًا يمنع عينيك وأذنيك من العمل؟”
“ذاك هو…”
نظرت روزيتا حولها وهي تراقب الإمبراطورة أليشيا التي تهاجم آرون بتشبيه لاذع، مستخدمة كبير الخدم ورئيسة الخادمات كناية عن يديه ورجليه.
ولاحظت أن الإمبراطور والإمبراطورة وآرون جميعهم يتبادلون الحديث بأريحية غريبة، حتى بدا الأمر وكأن العلاقة بينهم تتجاوز علاقة حاكم بخادمه.
“لكن… هل بينكم معرفة سابقة؟”
خرج السؤال من فم روزيتا دون قصد، متأثرة بالأجواء المريحة التي يصعب تصديق أنها بين الإمبراطور وزوجته وآرون.
لكن ما إن نطقت حتى تغيّر الجو تمامًا.
تبادلت الأعين رسائل صامتة سريعة، فأخذت روزيتا رشفة من الشاي وهي تراقب بحذر التبدّل الدقيق في الأجواء.
“سمعت من آرون أنك تغيّرتِ كثيرًا مؤخرًا.”
“أنا؟”
أومأت الإمبراطورة أليشيا برأسها.
“ألم تكوني تعرفين كل شيء عن آرون في السابق؟”
ارتجفت روزيتا قليلاً من نبرتها الحذرة. كانت مختلفة كليًا عن النغمة الودودة التي استخدمتها عندما خاطبتها بـ’والدة إيميليا’.
‘ما الذي كانت تفعله هذه المرأة بالضبط؟’
حتى لو انشقت الأرض، لما استطاعت أن تقول إنها تلبّست بجسد روزيتا بعد أن شربت علبة بيرة واحدة خطأ. لو قالت ذلك، لكانت سُحبت إلى الدير وظلّت فيه حتى تموت.
ابتسمت روزيتا ابتسامة متكلفة محاولةً تخفيف التوتر، لكن الإمبراطورة أليشيا لم تبدُ راغبة في إنهاء الحديث بعد.
“على أية حال، لقد مضى كل ذلك الآن.”
حوّلت الإمبراطورة أليشيا بصرها نحو ساحة اللعب الصاخبة. ومع تغيّر الجو المفاجئ إلى البرود، تاهت نظرات روزيتا في الفراغ.
“لا داعي لإهدار طاقتك في حديث لا طائل منه. الجو حار، هل تودين شيئًا باردًا تشربينَه؟”
كان آرون هو من تدخّل ليُنقذ الموقف بدلًا عنها، فانتزع بخفة فنجان الشاي من يد روزيتا ووضع مكانه كوبًا مملوءًا بعصير الجريب فروت المثلّج.
“اشربي.”
رفعت روزيتا نظرها إليه بهدوء ثم ارتشفت بحذر رشفة صغيرة.
وحين رآها تشرب، بدأ هو أيضًا في احتساء مشروبه.
وساد أخيرًا صمت ثقيل داخل البونغالو الذي كان صاخبًا قبل لحظات.
وفي تلك الأثناء، انطلق تيسكا راكضًا في الساحة وهو يصرخ بحماس، ملصقًا على جبينه ملصقًا شيطانيًا.
***
“واااه!”
تعالت الصيحات تحت شمس حارقة.
‘كيف انتهى بي الأمر هنا؟’
رفعت روزيتا رأسها إلى السماء الصافية الخالية من الغيوم، وحاولت أن تستعيد تركيزها على صوت تشجيع إيميليا.
ارتجف جسدها بقشعريرة باردة رغم حرارة الشمس اللاهبة. وحتى وقت الغداء، حين كانت جالسة في البونغالو وسط الضوضاء، لم يخطر ببالها مطلقًا أن الأمور ستتطور هكذا.
سباق جري؟ حقًا؟
“أمي! هيا!”
ابتسمت روزيتا ابتسامة مصطنعة وهي تنظر إلى إيميليا التي كانت تقفز في مكانها ملوّحة بذراعيها الصغيرتين.
لم يكن في ملامحها وهي تمسك بالعصا الحمراء أي أثر للتوتر، بل كانت تلوّح وتبتسم لروزيـتا عند خط البداية بطمأنينة زائدة جعلت الأم وحدها تشعر بالتوتر.
“لماذا أنا تحديدًا؟”
كانت النتيجة 95 مقابل 90.
حتى الآن، كان فريق الأحمر الذي تنتمي إليه إيميليا متقدّمًا، لكن الفارق البسيط في النقاط يمكن أن ينقلب تمامًا بناءً على نتيجة سباق الأمهات والأبناء التالي.
“هاه…”
رغم أنها ندمت متأخرة، إلا أن الأوان كان قد فات، فقد كانت روزيتا تقف بالفعل على خط الانطلاق. مسحت كفيها العرقين ببعضهما وأطبقت شفتيها بإحكام.
منذ طفولتها لم تكن ماهرة في أي نشاط بدني، والأسوأ أن المنافسة كانت في أكثر ما تجيده ضعفًا: الجري. ازداد توترها حتى صار تنفسها متقطعًا.
“نلتقي مجددًا هنا إذًا.”
استدارت روزيتا، فرأت بروشًا من الياقوت الأزرق يلمع تحت ضوء الشمس حتى كاد يؤلم عينيها. ضيّقت عينيها قليلًا ونظرت إلى ليلي لوستر.
“صحيح، من كان يتوقع أننا سنتسابق جنبًا إلى جنب؟ لم يخطر ببالي أبدًا أن والدة إيرينا سترشحني.”
نظرت روزيتا إلى بروش الياقوت المعلّق على صدرها، ثم إلى ليلي لوستر التي رسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة.
“فكّرتُ كثيرًا، ولم أجد خصمًا أنسب من والدة إيميليا.”
تجمّدت روزيتا للحظة عند سماع ذلك. لم يحدث قط أن انتهى أي لقاء لها مع المركيزة لوستر بخير، سواء في موقف نافورة المياه أو غيره. لم تكن تثق حتى في توصيتها، أما لطفها المفاجئ فكان كافيًا لإثارة القلق في نفسها.
“يبدو أنك أصبحتِ مقربة من جلالتها الإمبراطورة، هل أخبرتكِ بشيء عن ذلك أيضًا؟”
عبست روزيتا من التحول المفاجئ في الموضوع. وفي اللحظة نفسها، دوّى صوت الإشارة، وانطلقت إيميليا من خط البداية بأقصى سرعتها. كانت روزيتا تتابعها بعينيها وهي تركض حول المضمار، لكن حين التفتت مجددًا كانت إيميليا قد وصلت بالفعل إليها.
وقبل أن تمد يدها لاستلام العصا، فتحت ليلي لوستر فمها بعبارة وكأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة.
“يُقال إن أول حبّ لدوق بيورن قد عادت.”
سقطت العصا من يد روزيتا في اللحظة التي وصلت فيها إليها ابنتها. حدّقت بذهول في ليلي لوستر، التي تجاوزتها برشاقة بعدما تسلّمت العصا من إيرينا.
“أمي!”
عادت روزيتا إلى وعيها على صوت صرخة إيميليا، وانحنت تلتقط العصا من الأرض وبدأت بالركض، لكنها لم تستطع تعويض الفارق بينهما. فقد كانت ليلي لوستر قد ابتعدت بالفعل في المقدمة.
‘قالت أول حبّ الدوق…’
داعب النسيم أذنيها وهي تركض. لقد تجاوزت اللحظة التي كان عليها أن تموت فيها. روزيتا لم تكن تحب آرون بيورن، وإيميليا لم تتعرض لسوء معاملة من زوجة أبيها. كل شيء في ذهنها اختلط فجأة.
وأمام ذلك الاضطراب الذي اجتاحها، تشابكت ساقاها وهي تندفع للأمام.
“آه!”
صرخة قصيرة تلتها سقوطها على الأرض، لترتطم بالتراب وتغمرها سحابة غبار كثيف.
“أمي!”
صرخت إيميليا من خط النهاية، وقد اتسعت عيناها رعبًا.
تأوهت روزيتا وهي تنهض بسرعة من الأرض، فرأت ابنتها تلوّح بيديها بارتباك والدموع تملأ عينيها.
بدأت روزيتا بالركض مجددًا بكل ما تبقى من قوتها. لم يكن هناك أحد أمامها ولا خلفها، لكنها لم تتوقف. وحين بدأ طعم الدم المالح يملأ فمها، عبرت أخيرًا خط النهاية.
“أمّاه!”
قفزت إيميليا في أحضانها فور وصولها، فيما كانت روزيتا تلهث بشدة. على الجانب الآخر، كانت إيرينا و المركيزة لوستر محاطتين بالناس.
لكن روزيتا لم ترفع بصرها عن ليلي لوستر، التي لمحت نظرتها فبادلتها بابتسامة جانبية وإيماءة صغيرة برأسها.
كانت ابتسامة المنتصرة الكاملة.
“هاه… هاه…”
مدّ آرون إليها زجاجة ماء وهي منحنية تلتقط أنفاسها، لكنها لم تستطع مد يدها لتأخذها. وبينما كانت تحدق بالزجاجة صامتة، صاحت إيميليا فجأة وهي تبتعد قليلًا عنها.
“آه! أمي، تنزفين!”
جثت إيميليا على ركبتيها أمام والدتها تحدّق في ركبتها المجروحة بعينين دامعتين. عندها فقط بدأت روزيتا تدرك مظهرها البائس.
لقد تدحرجت على التراب، فلا شك أن وجهها وملابسها امتلأت بالوحل، والآن الدم يسيل من ركبتها كما قالت ابنتها. كانت حالتها مزرية بكل معنى الكلمة. لكن هناك ما يجب قوله أولًا.
“آسفة يا إيميليا. كنتِ الأولى، لكن أمكِ لم تستطع الحفاظ على النصر.”
مسحت دموعها بقبضتها الصغيرة وقالت بصوت ناضج يفوق سنها.
“ماذا؟”
تفاجأت روزيتا من كلامها، فيما انحنت إيميليا عند قدميها تنفخ بلطف على ركبتها المجروحة.
“قلتِ لي صباحًا، أمي، إن الأهم من الفوز بالمركز الأول هو أن أستمتع بيومي، أليس كذلك؟”
نظر الجميع حولهما إلى الصغيرة بدهشة، كبارًا وصغارًا على حد سواء، وقد ارتسمت على وجوههم علامات الإعجاب والمفاجأة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 41"