The stepmother is actually raising children - 4
بعد لحظة من التردد، سألت بيتي بحذر وهي تنظر إلى روزيتا:
“هل أستدعي الطبيب؟”
“لا أريد الذهاب إلى الدير.”
هزّت روزيتا رأسها بحزم، مما جعل بيتي تضع يدها على جبينها بقلق. كانت روزيتا ماهرة في إحداث المشاكل، لكن دائمًا في حدودٍ لا تدفع الكونت وزوجته إلى حبسها تمامًا.
لكن هذا انتهى اليوم.
الليلة الماضية، تسببت في فوضى عارمة بعدما فقدت عقلها من شدة السكر في أحد الصالونات، مما دفع عائلة الماركيز لتقديم شكوى في الصباح الباكر.
غاضبًا بشدة، أصدر الكونت أمرًا بمنع روزيتا من مغادرة القصر.
“ليس الدير، بل القصر. لقد أمر الكونت بعدم السماح لكِ بأخذ ولو خطوة واحدة خارجه.”
تنهدت بيتي بعمق وضغطت على جبهتها. لم تكن تتوقع أن تكون عواقب تصرفات روزيتا بهذه الخطورة، خاصة أنها كانت تفعل ذلك مقابل المكاسب التي تحصل عليها.
“حقًا؟ إذن، انشري إشاعة اليوم بأن روزيتا المحبوسة في القصر بدأت في تكسير الأثاث وإثارة الفوضى.”
قالت روزيتا بلا مبالاة وهي بالكاد تُخرج رأسها من تحت الأغطية، وكأنها تعيش حياة مترفة بلا هموم.
تراخت كتفا بيتي وهي تنظر إليها باستسلام.
“هل هذا هو خبر ’فضائح روزيتا إيفلبري اليومية‘ لهذا اليوم؟”
أصبحت بيتي معتادة تمامًا على طلبات روزيتا، فسألتها بنبرة ساخرة.
“بالضبط! فقط قومي بالمبالغة قليلاً، لماذا تتصرفين وكأنكِ هاوية؟ لقد فعلنا هذا كثيرًا!”
رغم أنها كانت تعاني من صداع واضح، لم يمنعها ذلك من قول كل ما تريد.
تنهدت بيتي مرة أخرى، ثم أجابتها بحزم:
“لن أفعله.”
“لماذا؟”
رفعت روزيتا رأسها بسرعة، كان مظهرها في تلك اللحظة بعيدًا كل البعد عن كونها ابنة لعائلة نبيلة، مما جعل بيتي تقترب منها بخطوات حازمة.
حتى لو كانت تتظاهر بتصديق الشائعات التي تنشرها روزيتا، فإنها، بصفتها خادمتها الشخصية، لا يمكنها السماح لها بالبقاء في هذا الحال المزرِ.
“لقد أمر الكونت كبير الخدم بالتحقيق ومعرفة من ينشر الشائعات. أنتِ تعرفين وضعي، صحيح؟”
قالت بيتي وهي تفتح باب الحمام الملحق بغرفة النوم، ثم نظرت إلى روزيتا بطرف عينها.
“ثلاث قطط، أربعة كلاب، وستة إخوة صغار؟ هل أنتِ خادمة أم عازفة ناي تجذب المخلوقات؟”
نقرت روزيتا لسانها وهي تذكر أفراد عائلة بيتي واحدًا تلو الآخر.
“نعم، وإن طُردتُ من منزل الكونت، فستجوع عائلتي بأكملها. لهذا، يجب أن أحافظ على منصبي.”
“أبي! هل الشائعات أهم من حياة ابنتك؟!”
رفعت روزيتا يديها عاليًا وهي تنظر إلى السقف احتجاجًا، بينما كانت بيتي ترفع أكمامها استعدادًا للعمل. كانت رائحة الكحول تفوح من الآنسة، وإذا خرجت من المنزل بهذه الحالة، فمن المؤكد أن عمل بيتي كخادمتها شخصية سينتهي معها.
كان الوقت قد حان لتؤدي بيتي واجبها كخادمة مخلصة. دفعت روزيتا كما لو كانت تسوق ماشية، وأجبرتها على دخول الحمام.
“حسنًا، هيا، اغتسلي أولًا. على الأقل يجب أن تبدي كبشرية.”
قضت روزيتا وقتًا طويلًا في الماء الساخن، محاولة تخفيف أثر الكحول الذي يملأ جسدها. وعندما انتهت أخيرًا، جلست أمام مرآة التزيين.
حتى بعد الاستحمام، بدا وجه روزيتا شاحبًا، ربما لأنها أمضت الأيام الأخيرة غارقة في الكحول.
‘حتى حياة الكسل والترف مرهقة بدورها.’
ما زالت تشعر وكأنها تعيش في حلم.
‘شعر أحمر، وعينان خضراوان؟’
حدقت في وجهها المنعكس في المرآة، ثم شعرت بغثيان شديد.
“أووووه!”
قفزت بيتي بسرعة إلى الوراء قبل أن تتمكن من وضع ماء الورد على وجه روزيتا، مبتعدة عن روزيتا التي كانت على وشك التقيؤ. كانت هذه حركة مكتسبة من الخبرة.
“هل أنتِ بخير؟”
“لست بخير، لذا أبعدي هذا عني!”
وضعت روزيتا يدها على فمها، ولوّحت بيدها الأخرى بانزعاج.
يا لها من ابنة كونت تتقيأ لمجرد شمّ رائحة أفخم مستحضرات التجميل المصنوعة من خلاصة الورد!
في مواجهة الوضع غير المألوف، ترددت بيتي ونظرت بحيرة بين زجاجة ماء الورد ووجه روزيتا.
“هل أستدعي الطبيب؟”
“لا، لقد شربتُ كثيرًا البارحة. يمكنني القول إنني شعرت برائحة الكحول القابل للشرب حتى في هذا الكحول الذي يُوضع على البشرة.”
نظرت بيتي إلى روزيتا التي كانت شاحبة اللون وتحك رأسها، ثم قبضت يديها بإحكام بغضب.
“لهذا كان عليكِ أن تشربي باعتدال!”
“لا يوجد شيء يُدعى ‘الاعتدال’ عندما يتعلق الأمر بالبقاء على قيد الحياة، بيتي. لا أريد أن ينفصل رأسي عن جسدي.”
“ما هذا الكلام المفاجئ؟ ألم تكوني متلهفة للزواج من الدوق بيورن؟ هل تدمرين نفسكِ الآن لأنكِ قد تضطرين إلى الزواج منه؟ أيُعقل هذا؟”
كانت بيتي تمسح برفق شعر روزيتا المبلل أثناء توبيخها، متحاشيةً الضغط على رأسها الشاحب بسبب الغثيان.
“بيتي.”
“نعم، آنستي؟”
“الحب… شيء متغير.”
تقلصت ملامح بيتي كما لو أنها سمعت شيئًا مروعًا، بينما بقيت روزيتا جالسة ببرود على الكرسي، مسترخية كأن الأمر لا يعنيها.
“من بين كل ما قلتِه سابقًا، هذا أكثر شيء لا يمكنني تصديقه.”
لم تكن المعاناة من صداع الكحول وحدها كافية، فبعد الاستحمام القسري وتمشيط شعرها على يد بيتي، بدأت روزيتا تشعر بالنعاس.
وبينما كانت تغفو ببطء تحت لمسات بيتي، دوّى صوت طرق غير متوقع على الباب.
“ادخل.”
ردّت روزيتا بلا مبالاة، وما إن فُتح الباب حتى ظهر كبير خدم عائلة إيفلبري. بدا وجهه أكثر جدية من المعتاد، رغم أنه كان يعاني مؤخرًا من فقدان الشعر بسبب تصرفات الابنة الثانية الغريبة.
“آنستي، لديكِ زائرة.”
“زائرة؟”
تبادلت روزيتا وبيتي النظرات قبل أن تهزّا أكتافهما. لم يقتصر الأمر على تدهور سمعتها، بل كانت قد وصلت إلى الحضيض تمامًا.
كان الجميع يتجنبها حتى النظر إليها، فكيف يكون لديها زائرة الآن؟
“نعم، إنها تنتظر في غرفة الاستقبال.”
“إذن، لنذهب!”
نهضت روزيتا فجأة دون أن تسأل حتى عن هوية الزائرة. بما أن الكونت إيفلبري منعها من الخروج، لم يكن بإمكانها تفويت فرصة استقبال الزوار.
إذا لم تستطع إثارة المشاكل في الخارج، فبإمكانها فعل ذلك داخل المنزل. ستنتشر أخبار فوضاها من خلال الزائرة نفسها، مما يغنيها عن بذل جهد إضافي لنشر الشائعات بنفسها.
‘عليّ فقط تجنّب الزواج!’
سارت روزيتا بخطوات واثقة خلف كبير الخدم، وكأنها جنرال عائد من معركة منتصرًا. تبعتها بيتي بتوتر، غير قادرة على إخفاء قلقها.
“من هذا الشخص حتى يتم استقباله في غرفة الاستقبال الرئيسية؟”
“ستعرفين عندما تدخلين.”
تجاهل كبير الخدم سؤالها واكتفى بقرع الباب بلطف قبل أن يفتحه.
كان الوقت قد تجاوز الظهيرة، وتدفقت أشعة الشمس الطويلة عبر النوافذ، لتملأ الغرفة بضوء دافئ. وبينما كانت روزيتا تغمض عينيها قليلًا بسبب الضوء المفاجئ، سمعت صوت خطوات صغيرة متسارعة.
“أمي!”
وسط ضوء الشمس الأبيض، اندفعت طفلة صغيرة وردية الشعر نحوها.
“آه!”
قبل أن تستوعب روزيتا الموقف، كانت إيميليا قد عانقتها بشدة، دافنة وجهها في ثنايا ثوبها.
“كاذبة!”
“…….”
“كيف تتركينني وترحلين دون أن تخبريني بعد أن وعدتني؟!”
كان صوت إيميليا المرتجف مشوبًا بالدموع وهي تعاتبها، فيما لم تستطع روزيتا إلا أن تربت على ظهر الطفلة بلا وعي.
عندما تلقى الكونت إيفلبري رسالة من الدوق بيورن، توجهت روزيتا إلى قصر إيفلبري، حيث أُعيدت إلى المنزل برفقة الكونت. في خضم محاولتها استيعاب الواقع الجديد، كانت قد نسيت أمر إيميليا تمامًا.
“أنا آسفة، إيميليا.”
لكن اعتذارها لم يكن كافيًا، إذ شدّت الطفلة ذراعيها أكثر حول خصرها، رافضة تركها.
حاولت روزيتا بلطف إبعادها لتتمكن من التحدث إليها، إلا أن إيميليا تمسكت بفستانها بشدة.
“لا! ستهربين مجددًا!”
ارتجفت كتفيها، وبدأت بالبكاء.
رفعت روزيتا نظرها لتلتقي بامرأة في منتصف العمر كانت قد جاءت برفقة إيميليا. كانت المرأة تنظر إليها بأسى واعتذار، وكأنها تشعر بالذنب تجاه هذا المشهد.
“أنا آسفة، لم تتناول الآنسة طعامها وبقيت تبكي فقط.”
كانت مربية إيميليا تتنقل بقلق حول روزيتا، متوترة من الموقف. يبدو أنها أحضرت الطفلة سرًا دون علم الدوق بيورن.
“إيميليا، هل يمكنك أن تريَني وجهك؟”
توقفت يد روزيتا التي كانت تربت ظهر الطفلة بلطف، ونطقت اسمها بصوت دافئ. كان الاسم يذوب بين شفتيها كما يذوب السكر في الماء، فعضّت شفتيها لا إراديًا.
كانت إيميليا صغيرة جدًا على فهم تعقيدات عالم الكبار.
‘أن تكوني قاسية على طفلة لطيفة كهذه، يبدو وكأنه موهبة بحد ذاتها. حقًا.’
تنهدت روزيتا بصوت خافت وهي تفكر في زوجة الأب القاسية من الرواية.
“هييئ… هييئ…”
تصاعدت شهقات بكاء إيميليا، وهزّت رأسها بعنف، رافضة رفع وجهها. ومع مرور الوقت، كانت دموعها تبلل ثوب روزيتا أكثر فأكثر.
عندها، تحدثت روزيتا بلطف:
“أنا هنا لأنني اشتقت إليكِ، إيميليا. ألم تشتاقي إليّ أنتِ أيضًا؟”
انزلقت يدها بحنان على ظهر الطفلة، وعندما انتبهت إيميليا لتلك اللمسة، رفعت رأسها ببطء.
‘هل هذه هي القدرة التي تمتلكها البطلة!’
على الرغم من أن الدموع كانت تتدفق بلا توقف من عينيها، إلا أن وجه إيميليا كان يلمع كأنه يضيء.
عندما رأت روزيتا ذلك، جلست على ركبتيها لتصبح في مستوى نظر الطفلة.
بمجرد أن تلاقت أعينهما، انفجرت إيميليا بالبكاء بصوت أعلى.
“وااه! أمي!”
قفزت إلى أحضان روزيتا، متشبثة بعنقها بقوة. احتضنتها روزيتا بكلتا يديها وربّتت على ظهرها بلطف.
بينما كانت دموع الطفلة تنهمر، أدارت مربيّتها وجهها وهي تمسح عينيها بصمت.
“وااه! أكرهك! لم تفي بوعدك معي… ههوييئ.”
كان جسد إيميليا الصغيرة يهتز وهي تفرغ حزنها المكبوت، مما جعل روزيتا تضمّ إيميليا إليها بقوة، متأثرة بتلك المشاعر الجارفة.
“أنا آسفة، آسفة يا إيميليا.”
تشبثت إيميليا بعنق روزيتا بكلتا يديها، كأنها تخشى أن تبتعد عنها مجددًا، واستمرت في لومها دون توقف. كانت دموعها المتدفقة تبلل صدر روزيتا، تغمرها بمشاعر مؤلمة من الذنب والأسى.
بعد فترة طويلة من البكاء، رفعت إيميليا رأسها ونظرت إلى روزيتا بعينيها الرطبتين، واللتين كانتا تشبهان السماء الصافية بعد هطول المطر.
“أنا آسفة.”
قالت روزيتا مجددًا، وعيناها تتلاقى مع عيني الطفلة. لم تستطع منع نفسها من مسح وجه إيميليا المبلل بلمسة دافئة، وكأن قلبها ينفطر عليها.
“هل كنتِ مريضة أيضًا، أمي؟ ههويئ… هل كنتِ مريضة لأنكِ اشتقتِ إليّ؟”
تمتمت إيميليا بصوت مرتجف، بينما كانت يديها الصغيرتين تلمس خد روزيتا، اللتين بدتا كورقتي شجر خريفيتين. وعلى الرغم من أنهما كانتا مبللتين بالدموع والمخاط، لم تبتعد روزيتا عنهما.
‘لا، هذا مجرد صداع من أثر الخمر.’
لكن بدلًا من الإجابة، جذبت روزيتا إيميليا إلى حضنها، مدركة أن هناك حقائق لا ينبغي للأطفال معرفتها بعد. وبما أنها لم تجب، فلم يكن ذلك كذبًا، أليس كذلك؟ هكذا برّرت روزيتا تصرفها، بينما تواصل تهدئة الصغيرة بين ذراعيها.
وفي ذلك المساء، جاء إلى قصر عائلة إيفلبري شخص لم تكن روزيتا ترغب أبدًا في لقائه.
دخل آرون غرفة الاستقبال برفقة كبير الخدم، لكن ملامحه كانت أكثر صلابة من أي وقت مضى، توحي بعاصفة وشيكة.