عند إعلان روزيتا قرارها، حدّق آرون فيها بوجه مذهول، بينما تابعت هي تحرّكاتها بسرعة دون أن تلتفت إليه. وأول ما فعلته هو تنفيذ ما أعلنته للتو: قطع أي تواصل غير ضروري مع آرون بيورن.
قلبها كان يخفق بجنون كسمكة قفزت للتو من الماء، لكنها ضغطت عليه بقوة وهي تسحب يدها بعنف من بين يديه.
“روزيتا.”
“لا تقل لي إنك نسيته؟”
أخفت يدها المتشابكة خلف ظهرها، وبدت على وجهها ملامح الجفاء، فيما احمرّ خدّاها مثل تفاحتين ناضجتين، وعيناها التائهتان في الهواء بحثتاه أخيرًا بنظرة حازمة.
“كنت أتساءل منذ قليل، هل تريد أن نلعب لعبة الأسئلة العشرين؟”
رفع آرون كتفيه بابتسامة ساخرة، بينما كانت عيناه تتابعان يدها. أحست روزيتا بنظرته فسارعت إلى إخفاء يدها أكثر.
“أنا أتحدث عن ذلك!”
لكن على عكس جدّيتها، كان آرون يستمتع بالموقف بوضوح، متظاهرًا بالهدوء وكأن الأمر كله تسلية بالنسبة له.
“إذن، تبقّى لي تسعة عشر سؤالًا فقط؟”
ضربت روزيتا صدرها بضيق عدة مرات، ثم أومأت له أن يقترب. اقترب آرون وأمال رأسه نحو شفتيها ليستمع.
وقفت روزيتا على أطراف أصابعها، فانكمش كتفاه قليلاً من دفء أنفاسها الذي جعل شعر أذنه ينتصب دون إرادة، ورغم غرابة الوضع، لم يبدُ أن أيًّا منهما انتبه لذلك، بينما كانت العيون المتخفّية من حولهما تتلألأ دهشة.
“أنا أقصد عقدنا.”
تلاشت ابتسامة آرون ببطء. تلك الابتسامة التي لم تفارق شفتيه منذ لحظات اختفت فجأة، لكن روزيتا، التي لم ترَ وجهه بعد، تابعت حديثها هامسة في أذنه دون أن تدرك تغيّر ملامحه.
ورغم أن كتفيه توتّرا، إلا أن روزيتا لم تلاحظ شيئًا.
“…….”
ثم التفت آرون برأسه نحوها فجأة.
“آه؟”
تراجعت روزيتا مذعورة، لكنه خطا خطوة نحوها، مقتربًا منها حتى كاد شفاههما تتلامس.
توسّعت عيناها دهشة وهي تراه يهمس قائلًا:
“يبدو أن من نسي العقد هو أنتِ.”
“م… ماذا قلت؟”
مالت إلى الخلف محاولة الابتعاد عنه، حتى كادت تفقد توازنها.
“ما هذا؟ هل سيتبادلان القبل في وسط الأكاديمية؟!”
جاء صوت من أحد المراقبين الخفيين، فتجمد جسد روزيتا في مكانه، وفقدت توازنها فجأة.
“آه!”
صرخت وهي تسقط إلى الخلف، لكن بدلًا من أن تصدم رأسها بالأرض، ارتطم جبينها بشيء صلب. فتحت عينيها مذهولة لتجد وجهها ملتصقًا بشيء قاسٍ خشن الملمس.
“آآه!”
صرخة عالية شبيهة بصوت غراب دوّت في المكان.
“كنت تعرف بوجودهم؟”
سألت روزيتا وهي تحدّق بعينيها المتسعتين.
“كانوا يتبعوننا منذ قليل.”
اصفرّ وجهها من الصدمة، إذ كانت تظن أنهم وحدهم بعد ابتعادهم عن السيدات قرب النافورة.
“لا تقلقي، فبنظرهم نحن زوجان حديثان تعانقنا بشغف وسط الأكاديمية ووقعنا أرضًا.”
احمرّ وجه روزيتا بشدّة بعد أن كان قد شحب تمامًا.
“أما عن ‘العقد’ الذي ذكرتِه…”
“…….”
“أليس أحد شروطه الرئيسية ‘أن نؤدي دور الأب والأم بإخلاص من أجل سعادة إيميليا’؟”
أومأت روزيتا برأسها. كان هذا الزواج في بدايته قائمًا فقط لتكون أمًّا لإيميليا، ولهذا كان الحبّ مستبعدًا تمامًا من العلاقة.
“نعم، صحيح. تعهدنا أن نؤدي دورنا كزوجين من أجل سعادة إيميليا.”
لكن وجودها محصورة بين ذراعيه جعلها غير مرتاحة، وكلما حاولت التملص، شدّ آرون ذراعيه حولها أكثر.
كلما ابتعدت عنه اقترب منها، فاستسلمت أخيرًا، وأرخَت جسدها داخل أحضانه، مما جعله يبتسم راضيًا.
“كلما كان الوالدان متفاهمين، كانت إيميليا أسعد. لذا أرجو أن تبذلي جهدًا أكبر.”
“لكن…”
تلاشت نظرات روزيتا وتوهّمت أنها خُدعت، فمدّت يدها تتحسّس وجهها بتوتر، متأكدة أن أنفها ما زال في مكانه.
“هيا بنا.”
أمسك آرون بمعصمها وسار أمامها بخطى واسعة، فتبعته بصمت، وقد بدّل جديّته السابقة بهدوء غريب.
غطّاها ظلّه العريض وهي تمشي خلفه، وحرارة الشمس المتقدة لم تستطع أن تمسّ ظهره الواسع، فارتجف قلبها واشتعل وجهها دون سبب واضح.
عندما التفّا حول المبنى ووصلا إلى الساحة الغارقة بحرارة الشمس، لاحظ آرون أن السلة التي تركاها قد اختفت، فتبدّل وجهه.
“أين غداؤنا؟”
انتبهت روزيتا أيضًا لاختفاء السلة، وبدأت تتلفت حولها بقلق.
“والد إيميليا! هنا! هنا!”
لوّح أحدهم من شرفة كوخ مرتفع بيديه وهو ينادي آرون بصوت عالٍ.
“آرون، يبدو أن ذلك الرجل يناديك.”
قالت روزيتا، فالتفت آرون بتنهيدة ثقيلة، وقد بدا عليه الانزعاج أكثر من الارتياح، مما جعلها تميل رأسها حيرة.
“هل تعرفه؟”
واصل الرجل التلويح بقبعته الحمراء بحماس، فشيحت روزيتا بوجهها متفادية النظر إليه وسألت:
“من هذا؟”
ابتسم آرون قليلًا وقال:
“انظري جيدًا، ستدركين أنك تعرفينه أيضًا.”
عندما توقفت روزيتا للحظة عند سماع كلام آرون، مدّت عنقها قليلًا وحدّقت في الشخص الذي كان يلوّح بقبعته.
“أتقول إنني أعرف هذا الشخص؟”
أمالت روزيتا رأسها وهي تحدّق بعينيْن ضيّقتيْن، لكنها لم تستطع معرفة من يكون.
“نعم. إنه جلالة الإمبراطور.”
‘هذا الوغد!’
عضّت روزيتا شفتها دون وعي وقد انتابها الغضب. لو تأخّرت لحظة واحدة لكانت سيل الشتائم الذي يدور في رأسها قد أفلت من فمها. لكنّها بالكاد تمالكت نفسها، ثم ابتسمت ابتسامة متكلّفة.
وعندما تأمّلته جيّدًا، بدا لها وكأنه يشبه تيسكا قليلًا.
ولأن آرون وروزيتا لم يتحرّكا، بدأ الإمبراطور يلوّح بسلة الغداء المألوفة كما قال.
“لنذهب.”
وضعت روزيتا يدها على كتف آرون بثقل، كما لو كانت موظّفًا يرى مديره في حفل رياضي لابنته، ثم تقدّمت إلى الأمام.
“سمعت أن الأكاديمية أعدّت أيضًا وجبة غداء. ما رأيك أن نستغلّ الفرصة؟”
جرّت روزيتا آرون الذي كان يتلكأ في خطواته.
“إيميليا ستُصاب بخيبة أمل.”
عند سماع تعليق روزيتا، التزم آرون الصمت. كان الناس من حولهم يضحكون خفية وهم يرون الرجل الضخم يُسحب جرًّا، بينما كانت ملامح روزيتا التي أُخذت غداؤها كرهينة أمام الإمبراطور حازمة وجادّة.
“والدة إيميليا! هنا! هنا! لقد حجزت لكم المقاعد!”
عند نداء الإمبراطور العالي، مشى آرون بتكاسل نحو الجناح المؤقّت.
رغم أنه كان جناحًا مؤقت البناء، إلا أنّه، كما يوحي اسمه “رويال”، كان يتمتّع ببيئة مريحة جدًا، ويبدو أن السحر قد استُخدم في بنائه.
‘إذن هذا ما سيبنيه تومي لاحقًا؟’
كانت روزيتا، التي ترافق إيميليا يوميًا إلى الأكاديمية، على دراية عامة بمبانيها، لكنها لم تستطع إخفاء دهشتها أمام الجناح الذي أُقيم في ليلة واحدة. وإلى جانبها وقف آرون بصمت، منتظرًا أن تنتهي من تأملها.
“يبدو كأنك ترين السحر لأول مرة.”
استفاقت روزيتا على كلمات آرون وابتسمت ابتسامة محرجة، كطفلة أُمسكت وهي تفعل شيئًا خاطئًا. عندها مدّ آرون يده نحوها بصمت.
كان الجناح مكوّنًا من طابقين، وقد كان الإمبراطور وزوجته يجلسان في الطابق العلوي، يناديان الزوجين للصعود.
تردّدت روزيتا قليلًا أمام الدرج الحلزوني، ثم وضعت يدها بخجل فوق يد آرون الممدودة. نظر آرون إلى يدها الموضوعة فوق يده، كانت يدها لا تتعدّى نصف حجم يده تقريبًا.
“صغيرة.”
قال آرون وهو يضيّق عينيه عابسًا.
“ألست أنت من يملك يدًا ضخمة بلا داعٍ؟”
‘لماذا يفتعل الشجار معي منذ قليل؟’
ردّت روزيتا بوجه متجهّم.
وبينما كانا على الدرج، تابع آرون سيره ممسكًا بيدها، فارتفعت نظرات روزيتا لتستقرّ على شعره الأشقر اللامع تحت أشعة الشمس، ثم على عنقه العريض، وكتفيه الواسعين. دون أن تشعر، انخفض رأسها قليلًا. ومع كل خطوة يخطوها آرون، كانت عضلاته تحت القميص ترتجف كأنها تنبض بالقوة.
“أهلًا بقدومك، والدة إيميليا!”
ما إن رآهما الإمبراطور حتى لوّح بحرارة مرحّبًا.
“تشرفنا بلقائكم، والد تيسكا.”
لم تتوقّع روزيتا يومًا أن تستخدم هذا اللقب في مخاطبة الإمبراطور نفسه. ورغم أنها أجابت ببراعة، إلا أنها كانت تتجنّب عينيه وهي تحرّك بصرها هنا وهناك.
“ليست هذه المرة الأولى التي نلتقي فيها.”
قال الإمبراطور بابتسامة ودودة.
“أهكذا تقولون؟”
“رأيتك في حفل الزفاف، لذا فهذه هي المرة الثانية، والدة إيميليا.”
قادها الإمبراطور بلطف إلى مقعدها، بينما كانت الإمبراطورة أليشيا منهمكة في صبّ الشاي لروزيتا وآرون.
“تفضلي بالجلوس هنا، والدة إيميليا.”
سحبتها الإمبراطورة لتجلس بجوارها.
“مرحبًا بكم.”
قالت روزيتا بابتسامة متأخرة، فربّتت الإمبراطورة على يدها برفق وابتسمت بهدوء. تحت نظراتها التي بدت كأنها تعرف كل شيء، ابتلعت روزيتا ريقها بصعوبة.
فهي ليست أي شخص… إنها الإمبراطورة.
كانت روزيتا تشتعل قلقًا من الداخل، فقد شهدت بنفسها كيف تعرّضت إيميليا للتهميش بسبب عدم انضمام والدتها إلى تجمعات الأمهات.
لذلك كانت تأمل أن تحصل على نصيحة من الإمبراطورة. ولذا كانت ممتنّة لاهتمامها، لكنّ الإمبراطور بدا أكثر اهتمامًا بها من زوجته.
“يبدو أن السيدة تحافظ على سرّ يخصّ ابني، أليس كذلك؟”
“آه! نعم…….”
استعادت روزيتا ذكرى الشيطان الذي يمتلك تيسكا، ونظرت إلى الإمبراطور بعينين غائمتين. تبادل الاثنان نظراتٍ يغمرها الشعور بالعطف.
“كنت أرغب منذ مدة في أن أشكرك على إسكات تيسكا.”
“عذرًا؟”
قدّمت الإمبراطورة أليشيا فنجان الشاي لروزيتا بحركات أنيقة. كانت مجرد جلستها وابتسامتها تكفي لتبعث الهيبة.
“أقصد أنك منعتِ ذلك الطفل تيسكا من ارتكاب حماقاته. تأخر شكرنا، لكننا حقًا نُقدّره كثيرًا، والدة إيميليا.”
هزّت روزيتا رأسها فهمًا، بينما كانت نظرات الإمبراطور وزوجته نحوها دافئة للغاية. حينها فقط أدركت أنها ربما كانت الشخص الذي حلّ أكبر مشكلة لدى الزوجين الإمبراطوريين.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات