تجهّمت ملامح روزيتا وهي تنظر إلى ملابسها التي تبلّلت بعصيرٍ انسكب من السلة التي كانت تحملها، على ما يبدو لأن الغطاء لم يكن مُحكمًا بما يكفي.
نظرت إلى البقع على ثوبها ثم تفحّصت ما حولها.
“عليّ المرور بمكان الصنبور قليلًا قبل أن أعود.”
حتى لو لم تستطع فعل شيء بشأن الثوب المتسخ، إلا أنها لم تستطع تحمّل الإحساس باللزوجة في هذا الجو الحار.
“هل أرافقكِ؟”
هزّت روزيتا رأسها نافية. فالسلال التي أعدّها الطاهي بعناية كانت كثيرة وثقيلة، وكان من الصعب أن يحملها أحدهم جميعًا ليذهب معها.
“لا داعي، من الأفضل أن أذهب وحدي.”
“حسنًا، سأنتظرك هنا إذن.”
وضعت روزيتا السلال أرضًا وسارت مبتعدة. كان مكان الصنبور قريبًا، لكنه كان في موضع مظلل وغير ظاهر، وهناك كان بعض الناس بالفعل.
“هل رأيت دوق بيورن وزوجته؟”
“آه! كانت تلك ابنتهما إيميليا، أليس كذلك؟ تلك الصغيرة التي جاءت وهي تضع زهورًا على رأسها؟”
توقفت روزيتا في مكانها عند سماع صوت المياه الجارية يتداخل مع أحاديث النساء.
“يا للعجب، ما الذي وضعته تلك الطفلة على رأسها؟ مظهرها بشع! ظننتها مخلوقًا غريبًا حين رأيتها!”
وبين النساء اللواتي كنّ يهززن رؤوسهن اشمئزازًا، رأت روزيتا ماركيزة لوستر.
“أوه! والدة إيميليا! ما الذي تفعلينه هنا؟”
لم تستطع روزيتا أن تختبئ قبل أن تناديها ليلي لوستر بابتسامةٍ مصطنعة، فتقدّمت بخطى ثابتة. ومع ظهورها، صمتت النساء اللواتي كنّ يتحدثن عن إيميليا كأن أفواههن قد أُغلقت بإحكام.
وصلت روزيتا إلى الصنبور وفتحت الماء لتغسل يديها. كانت قد سمعت بالفعل ما يكفي من الإهانات التي وُجهت إلى ابنتها حتى نسيت أمر ثوبها المتسخ.
“لو كنتِ هنا، لكان عليكِ على الأقل أن تُظهري وجودكِ بدلًا من التنصّت خفية. لم أكن أعلم أنكِ شخص فضولي هكذا، والدة إيميليا.”
تصلّبت روزيتا في مكانها، والتفتت ببطء نحو ماركيزة لوستر.
“ما الذي سمعتِه لتو؟”
“أوه! ولماذا تتظاهرين بأنكِ لم تسمعي؟ كنتِ تمدّين عنقكِ محاوِلة سماع المزيد. يا لكِ من امرأة مريبة!”
كان وجه ليلي لوستر لا يزال يحمل ابتسامة خفيفة، بينما وجه روزيتا صار باردًا كالجليد.
“لا أظن أنني بحاجة إلى الاستماع لكلام شخصٍ بالغ يسخر من طفلة.”
قهقهت ليلي لوستر بازدراء، والتفتت إليها النساء من حولها بنفس النظرة المتعجرفة.
نظرت إليهن روزيتا بهدوء، وكأنها تواجه جدارًا منيعًا لا يمكن اختراقه، وتنهدت في سرّها.
“هل تظنين أننا ننتقد طفلة مثل إيميليا؟ نحن ننتقد الأم التي سمحت لها بالخروج بهذا الشكل.”
تجمّدت روزيتا في مكانها، وتذوّقت طعم الدم من شدة ما عضّت شفتيها.
“حتى لو أصرت الطفلة على ذلك، فالأم الحقيقية يجب أن تُرشدها إلى الطريق الصحيح. ستندم إيميليا بالتأكيد على هذا اليوم.”
هزّت ليلي رأسها بأسفٍ مصطنع، بينما كانت تنظر إلى روزيتا بتعالٍ واضح.
وفي اللحظة التي كانت روزيتا على وشك الرد، قال بصوتٍ متهدّج من الغضب المكبوت:
“شكرًا لاهتمامكِ، لكن هذا لن يحدث أبدًا.”
“آه! سيد آرون!”
ظهر آرون فجأة، فدبّ الارتباك بين السيدات. اقترب بهدوء من الصنبور، بلّل منديله بالماء، وبدأ يمسح به ثوب روزيتا دون تردد.
احمرّت وجوه السيدات اللواتي راقبن المشهد بدهشة.
“يبدو أنهما في فترة شهر العسل فعلًا.”
تمتمت إحدى السيدات بدهشة، ثم أومأن برؤوسهن موافقات قبل أن يهربن من نظرات ماركيزة لوستر الحادة.
“اترك الأمر لي.”
سحبت روزيتا طرف ثوبها من يد آرون وتراجعت قليلًا، ووجهها يزداد احمرارًا. فخلع آرون سترته ووضعها حول خصرها.
بدت حركته طبيعية وكأنّه يحتضنها، فاستحالت روزيتا تمثالًا من الصمت، بينما واصل هو فعله دون اكتراث.
“العقدة ليست جميلة كما ينبغي.”
قطّب آرون حاجبيه غير راضٍ عن شكل العقدة.
“كفى، دعنا نذهب.”
قالت روزيتا، راغبة في الابتعاد من هذا الموقف ومن نظرات النساء الحائرة.
“آرون.”
جذبت يده محاولة دفعه للمغادرة، لكنّه أمسك بيدها بإحكام كأنه كان ينتظر تلك اللحظة.
توسّعت عينا روزيتا دهشة وهي تراه يبتسم وهو ينظر إلى السيدات المتجمّعات.
“والدة إيرينا.”
“نعم؟ ن-نعم.”
“إيميليا تقضي الآن أجمل أوقاتها. وحتى لو ندمت مستقبلًا على ما فعلت اليوم، فلن نهتمّ أنا وزوجتي بذلك.”
ضمّ آرون كتفي روزيتا إلى صدره وهو يتحدث، ونظر إلى كل سيدة على حدة. وكلّما وقعت عيناه على إحداهن، تراجعت خطوة إلى الخلف.
صرخت ماركيزة لوستر، يملؤها الإصرار على أن تجعل الطفلة تندم إن لم تفعل بنفسها.
“ربما ستندم لأنها لم تستمع لكلام أمها ولماذا وضعت تلك الزهور على رأسها.”
تنهد آرون وهزّ رأسه، إذ لم يكن هو نفسه يفهم تصرف ابنته، فلم يجد ما يقوله أكثر.
“بالضبط! الأم الصالحة تهتمّ بكل تفصيل كي لا تندم ابنتها أبدًا!”
ارتفع صوت ماركيزة لوستر أكثر، وكأنها وجدت دعمًا في كلماته.
لكن آرون ثبّت نظره فيها بقوة، ولم تهرب هي أيضًا من تحدي نظرته.
“ما إذا كانت زوجتي أمًا صالحة أم لا، فليس شأنكِ أنتِ، والدة إيرينا.”
“ماذا… ماذا قلت؟!”
شحب وجه ليلي لوستر.
“إيميليا تقول دائمًا إن والدتها هي الأفضل في العالم، لذا أرجوكِ، كُفي عن إطلاق الأحكام والافتراضات غير الضرورية.”
وانحنى آرون برأسه قليلًا احترامًا.
عندها ارتبكت السيدات الواقفات خلف ماركيزة لوستر، وشعرن كأن جدارًا من الغرور الذي أحطن أنفسهن به قد انهار فجأة.
“من فضلك، لا تفعل هذا، سيد آرون.”
لوّح آرون بيديه محاولًا تهدئة النبيلات الأخريات، ثم رفع رأسه. غير أن المركيزة لوستر وحدها كانت ترتجف بشدة وهي تحدّق بغضب في روزيتا، التي كانت بين ذراعي آرون.
خشية أن يُغمى على إحداهن إذا استمرّ الأمر أكثر، أمسكت روزيتا بيد آرون وجذبته قائلة:
“دعنا نذهب.”
أومأ آرون برأسه موافقًا، ثم انحنى قليلًا مودّعًا من تبقّى منهم.
“إذن، سننصرف.”
كان سلوكه حتى النهاية مفعمًا بالأدب، ما جعل وجوه النسوة اللواتي كنّ يتهامسن في ظهر روزيتا تحمرّ خجلًا، وبدأن يتبادلن النظرات المرتبكة.
“يبدو أن الشائعات لم تكن صحيحة.”
أومأ الجميع موافقين على تلك العبارة الحذرة، وتعلّقت أنظارهم بأيدي الاثنين المتشابكة. كانت أصابعهما المتداخلة تبدو كأنها تسند أحدهما الآخر كي لا يتعثّر.
“آه… كنت أعلم أنه أب عطوف، لكنني لم أتخيل أنه زوج محبّ بهذا الشكل.”
ومع تنهيدة الإعجاب تلك، تحوّلت الأنظار تدريجيًا من المركيزة إلى روزيتا نفسها. لكنها لم تلاحظ تلك النظرات، فقد كانت غارقة في أفكارها.
‘ما هذا؟ لماذا يتصرف هكذا فجأة؟’
كانت تحاول تبريد وجهها المتوهّج بيدها حين توقفت فجأة. فقد بدا ملمس اليد الغريبة المتشابكة بأصابعها غريبًا عليها.
وحين همّت بسحب يدها، سمعَت صوته يقول:
“آسف.”
توقفت كلّ حواسها المتوجّهة نحو يده، وتجمدت حركتها كأن الزمن توقّف.
“…….”
“أنا آسف.”
تردّد صوته الواضح في أذنها، وعندما التقت عيناه بعينيها كأنه كان ينتظر تلك اللحظة، حاولت أن ترسم ابتسامة معتادة لكنها فشلت.
“ما الذي تقوله الآن؟”
قالت وهي تنظر إليه واقفة في مكانها، وكأن الضوضاء المحيطة بهما خفتت فجأة.
“كنت أريد الاعتذار، لكن يبدو أنني استخدمت الطريقة الخطأ. أنا آسف.”
“…….”
“آسف لأنني ظننتكِ من قصّ شعر إيميليا دون أن أتحقق من شيء.”
عضّت روزيتا شفتها السفلى.
“فيما بعد سمعت من الخادمة بيتي أنكِ ركضتِ إليها حين علمتِ أنها وحدها، رغم أنكِ كنتِ محمومة ولا تقوين حتى على السير بشكل طبيعي.”
“آه…”
أغمضت روزيتا عينيها ثم فتحتهما مجددًا، وكان صدرها يعلو ويهبط بعنف. أحرقها الألم في عينيها لكنها فتحتْهما بكلّ قوتها، لأنها شعرت أن دموعها ستنهمر إن هي أغمضتهما.
‘يبدو أنني كنت أشعر بالوحدة.’
حين سمعت اعتذار آرون، اندفعت مشاعر الحزن المكبوتة فجأة، وأدركت أخيرًا أنها كانت تكافح وحدها طوال هذا الوقت.
“سأظل أعتذر حتى يهدأ قلبكِ.”
بدت كتفا آرون مثقلتين أكثر من المعتاد، بينما مضت روزيتا في طريقها دون أن تجيب. تعجّ دماؤها بمشاعر لا يمكن وصفها، فيما تبعه آرون خطوة بخطوة دون أن يفلت يدها.
راح المارّون يتهامسون بصوت خافت وهم يشاهدون الزوجين يسيران وسط أكاديمية غارقة بالخضرة، لكنّ روزيتا وآرون لم يعيرا تلك النظرات أي اهتمام، إذ كان كلّ تركيزهما منصبًّا على بعضهما البعض.
“ما بكِ؟ هل يؤلمكِ رأسكِ؟”
سألها آرون بقلق حين توقفت فجأة وأخذت تهزّ رأسها، وارتسمت على وجهه ملامح الخوف عليها، ما جعل روزيتا تعضّ شفتيها بقوة.
‘ما بال هذا الرجل؟ لماذا يتصرّف هكذا؟’
“ألم تنسَ ما بيننا، أليس كذلك؟”
خرجت كلماتها بلهجة جافة وحادّة، بدت كأنها دلال خجول فرّ من بين شفتيها وسط جوّ ثقيل من الحرج، فاحمرّ وجهها أكثر.
“يبدو أنكِ محمومة.”
ولمّا رفع آرون يده ليلمس جبينها، انتفضت روزيتا وابتعدت بسرعة.
“توقّف!”
اجتاحها إحساس غريب بالخطر جعل قلبها ينبض بجنون، فصرخت بنبرة حادّة متجاهلة حرارة وجهها واحمرار خديها.
“آه؟”
“أنزل يدك فورًا!”
نظر آرون إلى كفّه بدهشة، متفحّصًا إياه كما لو أن شيئًا ملوّثًا عالق به، لكنه لم يرَ سوى يد نظيفة غسلها مؤخرًا بماء بارد.
“ما الأمر؟”
أمال رأسه متسائلًا بعينين مليئتين بعلامات استفهام، إذ لم يفهم ما ترمي إليه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات