عند إجابة روزيتا الصادقة، رفعت إيميليا وجهها لتنظر إليها، بدت ملامحها مزيجًا بين الدهشة والارتباك.
لكن روزيتا لم تتراجع عمّا قالته. فعند التفكير في الأمر، لم تكن العلاقة بين أفراد العائلة دائمًا جيدة. غالبًا ما كانت تسوء رغم محاولاتهم للتقرب من بعضهم.
بل على العكس، في كثير من الأحيان، كانوا يتقاربون أكثر بعد الخلاف، حين يحاول كل طرف فهم الآخر. لذلك قررت روزيتا ألا تُخفي مشاعرها عن إيميليا.
“إذًا، هل هذا ما جعلكِ حزينة؟”
“لا، ليس الأمر كذلك.”
عندما هزّت روزيتا رأسها نافية، وضعت إيميليا وجهها على فخذ أمها.
“لقد صُدمتُ لأن أمي صرخت بصوتٍ عالٍ جدًا.”
“حقًا؟ أنا آسفة يا حبيبتي، كنتُ خائفة جدًا ومتفاجئة في تلك اللحظة.”
عند سماع كلمات روزيتا، أومأت إيميليا برأسها وكأنها تفهم.
“أنا فقط… كنتُ أريد أن نلعب لعبة صالون التجميل. لم أقصد أن أُسبب لكِ المتاعب.”
“واو! إيميليا، تعرفين معنى كلمة ‘متاعب’؟”
اتسعت عينا روزيتا دهشةً وهي تسألها، فسرعان ما أشرق وجه إيميليا ابتهاجًا.
“بالطبع!”
وقفت إيميليا فجأة وهي تهز رأسها بحماس، فشدّتها روزيتا إليها واحتضنتها بقوة.
“لقد كان الأمر صعبًا عليكِ، أليس كذلك؟”
أطلقت إيميليا شهقة صغيرة وهي في أحضان أمها. راحت روزيتا تهز جسدها يمينًا ويسارًا وهي تحتضنها، تمامًا كما لو كانت تتأرجح على أرجوحة. تراخت عضلات إيميليا تمامًا واستسلمت بين ذراعي أمها، لتبدو الاثنتان كزهرتين متفتحتين تتعانقان فوق السرير.
“……”
“في ذلك الوقت، صرختُ فقط لأنني خفتُ كثيرًا. لم أفعل ذلك لأنني غاضبة منكِ.”
“أعرف.”
فصلت روزيتا إيميليا عن صدرها لتنظر في عينيها مباشرة. التقت نظراتهما، وكانت عينا إيميليا الزرقاوان صافيتين كسماء خريفية بلا نسمة ريح.
“تعرفين؟”
أومأت إيميليا برأسها بسرعة دون أي تردد، فأربك ذلك روزيتا.
“أعرف أن أمي لا تكره إيميليا.”
“وكيف عرفتِ ذلك؟”
سألت روزيتا.
لقد تراكمت الأحداث وازدادت تعقيدًا. كان عليها أن تشرح لكل شخص على حدة ما حدث ليفهموه. لكنها، أمام شكوك آرون، اختصرت كل ذلك ولم تُفسر شيئًا.
ورغم أنها لم تكن شاهدة على كل ما حدث، إلا أنها علمت جيدًا كم عانت بيتي في تبرير الأمر عنها.
وكانت المتضررة الأكبر من سوء العلاقة بين روزيتا وآرون هي إيميليا.
رغم أنهما تظاهرا أمامها بالهدوء والانسجام، إلا أن الصغيرة التقطت ذلك التوتر الخفي بينهما وأحسّت به.
عضّت روزيتا شفتها بأسى.
شعرت بالخجل لأنها تسرّعت في الحكم على مشاعر ابنتها. وبينما كانت تلامس خدّيها الساخنين بظهر يدها لتبردهما، فتحت إيميليا فمها لتتحدث.
“عندما تناديني أمي باسمي، أشعر بدغدغة في قلبي.”
“تشعرين بدغدغة في قلبك؟”
ابتسمت إيميليا برقة وأومأت.
“كلما قالت أمي ‘إيميليا’، تنبت هنا زهرة صغيرة.”
أخذت يد روزيتا ووضعتها على صدرها.
نبضة.
نبضة.
نبضة.
وصلت ارتجافات القلب إلى كف روزيتا.
“إيميليا.”
نبضة.
تزامنت دقات القلب مع نداء روزيتا، فحدّقت بها روزيتا بدهشة، بينما انفجرت إيميليا ضاحكة.
“قال أبي إن أمي زرعت زهرة جميلة في قلب إيميليا. وهذا الشعور بالدغدغة يعني أن الزهرة تحاول أن تتفتح.”
وضعت روزيتا راحة يدها برفق على صدر إيميليا من جديد.
وما إن فعلت حتى أحسّت بدقةٍ قويةٍ تحت كفّها، لتغمرها موجة من المشاعر حتى اغرورقت عيناها بالدموع.
استدارت سريعًا حتى لا ترى ابنتها دموعها.
“……”
“قال أبي أيضًا إنه كلما منحتني أمي حبًا، نمت الزهرة أكثر وأكثر. وعندما تكبر تمامًا، سأقدمها أولًا لأمي.”
همست إيميليا بسرٍ كبير في أذن روزيتا، فبادلتها روزيتا عناقًا حارًا.
استسلمت الصغيرة في هدوء بين ذراعي أمها.
“أنا آسفة يا أمي.”
“……على ماذا؟”
خفت صوت إيميليا وهي في أحضان أمها.
“آسفة لأني قصصتُ شعري، ولأني ذهبتُ إلى مدبّرة الخدم عندما نادتني أمي… وآسفة أيضًا على أشياء أخرى.”
أخذت تعدّ بأصابعها وهي تعتذر، فهزّت روزيتا رأسها نافية.
“لا بأس يا إيميليا، أمكِ نسيت كل ذلك منذ زمن.”
نظرت روزيتا بصمتٍ إلى ضوء القمر الذي وصل إلى طرف السرير، وهي تمسد ظهر إيميليا.
ومع اللمسات المنتظمة، أغمضت الطفلة عينيها ونامت بسلام.
نظرت روزيتا إلى كتاب القصص الموضوع بجانبها، والذي كانت قد وضعته من قبل.
وبينما كانت تحدق فيه، تذكرت فجأة أمره وفتحته بسرعة.
“إلى زوجتي روزيتا.”
‘زوجتي؟’
الكتاب الذي أرادت إيميليا قراءته كان في الحقيقة رسالة اعتذار كتبها آرون إلى روزيتا.
مرت أصابعها برفق على الكلمات التي كُتبت بعناية.
رغم زواجها من آرون، شعرت روزيتا بأن كلمة ‘زوجة’ لا تزال غريبة على مسامعها، ومختلفة تمامًا عن لقب ‘أم إيميليا’.
ابتلعت ريقها بصعوبة، وقلبت الصفحة التالية بحذر.
بدت نهايات الحروف ممسوحة قليلًا، وكأن كاتبها أمضى وقتًا طويلًا مترددًا في اختيار كلماته.
راحت روزيتا تمسح على الكتابة دون وعي.
وألقت اللوم على ضوء القمر الأبيض الغامر الذي جعل قلبها يفيض بالمشاعر، ثم تابعت قراءة رسالة آرون ببطء.
وضعت أصبعها على خدّها وهي تميل برأسها بزاوية، تمامًا مثل الصورة المطبوعة على غلاف لعبة الأميرات التي اشترتها سابقًا من المتجر.
“ما رأيكِ؟”
سألت إيميليا بعد تفكير طويل، بعينيها اللامعتين، ففتحت روزيتا فمها لكنها لم تعرف ماذا تقول.
‘ما الذي يفترض أن أقوله في موقف كهذا؟’
إن قالت الحقيقة فقد تُصاب الصغيرة بخيبة أمل، وإن كذبت فسيؤنبها ضميرها.
وفي تلك اللحظة…
طرق. طرق.
سمعت طرقًا على الباب، فأنزلت روزيتا المرآة بسرعة.
“إيميليا، إن لم نتحرك الآن، فقد نصل متأخرين أكثر من الجميع.”
طرق آرون الباب بخفة، ثم وقف مائلًا وهو يُلقي نظرة داخل غرفة إيميليا. كانت الغرفة في حالة فوضى تامة، وكأن قنبلة قد انفجرت فيها. التقت عيناه بعيني روزيتا التي رفعت كتفيها بتعب، وكأنها تقول “ما بيدي حيلة”. كانت العلاقة بينهما لا تزال متوترة.
لكن روزيتا لم تعد تتجنب نظره بعد الآن، وكان آرون ممتنًا لذلك كثيرًا. فهو يعلم أن خطأه كان كبيرًا جدًا، ولم يتوقع أن يُغفر له دفعة واحدة. لذلك كان يتقدم نحوها بخطوات بطيئة، حذرة، حتى لا يُفزعها.
كانت روزيتا تشعر بثقل متزايد من نظرات آرون الدافئة التي تلاحقها في كل لحظة. وبينما هي على هذه الحال، شدّت إيميليا حقيبتها على ظهرها وأمسكت بيد روزيتا وهي تحثها على الإسراع.
“هيا يا أمي! إن تأخرنا أكثر، سنصل متأخرتين!”
قبل لحظات فقط كانت تُعدّل زاوية الزهرة المثبتة على رأسها بدقة متناهية، والآن صارت تسحب أمها بعجلة، تقودها كقائدة جيش عائدة من نصرٍ عظيم. نظر آرون إلى هذا المشهد ثم غطّى عينيه بيده، فقد بدا له الأمر وكأن زهرة مفترسة تمشي أمامه وقد انتهت لتوّها من وجبتها.
“عودا سالمتين!”
كانت بيتي واقفة عند الباب تلوّح مودّعة بابتسامة مشرقة، بينما بدت على وجه كبير الخدم ملامح الاستسلام، وأغلقت مدبّرة الخدم عينيها تنهيدةً. وحدها بيتي كانت متحمسة، تلوّح لهم بحيوية.
ركب الثلاثة العربة معًا، متجهين نحو الأكاديمية الملكية.
“أمي! انظري هناك!”
أخرجت إيميليا رأسها من النافذة وهي تصرخ بفرح. كانت الأكاديمية مزدانة بالأعلام، والمكان يعجّ بأجواء احتفالية زاهية.
“إيميليا، هذا خطر.”
سحبها آرون إلى الداخل وضمّها إلى صدره، فجلست على ركبتيه تهزّ ساقيها بسعادة. وبينما كانت بين ذراعيه، رفع آرون رأسه لينظر إلى روزيتا.
كانت روزيتا تبتسم بودّ وهي تنظر إلى ابنتها، لكنها ما إن التقت نظراتها بنظرات آرون حتى خفّضت رأسها سريعًا وتجنّبت عينيه.
“هل الجو حار؟”
سأل آرون وهو يراقبها تلوّح بمروحتها الصغيرة بعصبية.
“أنا لا أشعر بالحر، لكن يبدو أن أمي تشعر بذلك. وجهها صار أحمر!”
ثبتت نظرات آرون وإيميليا على وجه روزيتا، فاشتدّ احمرار وجهها أكثر فأكثر تحت نظراتهما.
“هاه! لا تتوتري يا أمي!”
وبينما ازدادت حركة المروحة في يد روزيتا سرعة، بدأت إيميليا، الجالسة على ركبتي آرون، تلوّح بيديها وتنّفخ الهواء من فمها وكأنها تساعدها على التبريد، معتقدة أن أمها تعاني من الحرّ فعلًا.
“ما الذي تقولينه يا إيميليا؟”
سألتها روزيتا بابتسامة مرتجفة وهي ترفع كتفيها.
“أمي متوترة لأنها قلقة على إيميليا!”
‘هل حلم ابنتي أن تصبح طبيبة؟’
فكّرت روزيتا بابتسامة محرجة وهي تراقبها تُصدر حكمًا دقيقًا دون أي فحص. بدأت تشعر بوخزٍ في صدغيها من توقع ما قد تقوله الصغيرة بعد ذلك.
“هل كنتِ تعلمين أن أمك تقلق بشأنك؟”
سأل آرون وهو يتنقل بنظره بين الاثنتين.
“نعم، تقلق إن كنتُ آكل جيدًا، وإن كنتُ أتعامل بلطف مع أصدقائي، وإن كانت حذائي الفروي اليوم لا يسبب لي الحر، وإن كنتُ أستمع جيدًا للمعلمة.”
“م-مهلاً إيميليا، ما الذي تقولينه؟”
توقفت روزيتا عن التلويح بمروحتها وحدّقت في ابنتها، التي كانت تعدّ مخاوف أمها على أصابعها وهي تبتسم بفخر.
“إنها نفس الأسئلة التي تسألني إياها أمي كل يوم عندما تأتي لاستقبالي!”
تلاقت نظرات روزيتا وآرون في الهواء. بدت على وجه آرون ملامح الدهشة، وعلى وجه روزيتا علامات الارتباك، حتى بدت تعابيرهما متشابهة بشكل غريب.
“أنتِ تتذكرين كل هذا؟”
“بالطبع! أتذكرها كلها حتى لا تقلق أمي، لذلك أدرس جيدًا وأكوّن صداقات.”
ابتسمت روزيتا وهي تنظر إلى ابنتها المشرقة التي تهز رأسها بحماس.
‘كانت تعرف كل شيء… لكنها لا تلتزم إلا بشيئين فقط.’
ربّتت روزيتا برفق على خدّ ابنتها، وشعرت بحرارةٍ لطيفة تتصاعد في صدرها.
تبادلت الأم وابنتها الابتسامة، ثم انفجرتا ضاحكتين في الوقت نفسه.
“لماذا تضحك يا أبي؟”
عندما رأى آرون الاثنتين تضحكان، شاركهما الابتسام، فمالت إيميليا برأسها باستغراب وهي تسأله بجدّية.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات