“لكن من يتأذى من تلك الأمور هم أطفال مثلنا. أنظر بنفسك الآن. دانيال، ذاك الذي كان يلتهم الطعام كالتنين، والصغير تومي، لم يجرؤا حتى على لمس فطيرة واحدة.”
عند كلمات تيسكا، توجهت أنظار آرون نحو الاثنين. وبالفعل، كان الأمر كما قال تيسكا. فقد كانا ملتصقين ببعضهما مثل فرخي طير التقيا بعدوّهما الطبيعي، تتقلب أعينهما في توتر ظاهر.
“الطفل قد لا يفهم الموقف بدقّة، لكنه يجيد قراءة الأجواء. حتى إيميليا لا بد أنها تراقب الدوق والدوقة دون أن تشعر.”
ضحك آرون بخفة وهز رأسه نافيًا عند استماع كلام تيسكا.
“هذا محض هراء.”
“إذن، فإيميليا مطيعة جدًا، تسمع الكلام، تأكل جيدًا، لا تستيقظ متأخرة، وتنفّذ ما يقوله الدوق أيضًا؟”
قطّب تيسكا وجهه بشدة وهو يرتشف عصير الطماطم. كان وجهه كمن يبتلع شيئًا لا يطيقه.
“لماذا تشرب عصير الطماطم وأنت لا تحبه إطلاقًا؟”
“أمي قالت إنه لتهدئة هيجان التنين في داخلي، عليّ أن أشرب كوبًا واحدًا يوميًا.”
أجاب تيسكا وهو يعبس بشتى التعابير ردًا على سؤال دانيال، وبدا كمن أنجز أمرًا جللًا.
“ولكن، من أين لك أن تعرف أن إيميليا مطيعة وتسمع الكلام؟”
سأل آرون وهو يرمق تيسكا بنظرة تنمّ عن استياء كبير. كان كلام تيسكا صحيحًا. فكر قليلًا وتذكر أن إيميليا اليوم لم تضع تلك الأشرطة الضخمة المضحكة، ولم تنتعل أحذية لا تناسب الفصل.
“حين تسوء العلاقة بين الوالدين، لا بد أن يتحول الطفل إلى ملاك مطيع.”
أمال تومي رأسه في حيرة عند كلمات تيسكا ثم رفع يده فجأة.
“تومي؟ لماذا رفعت يدك؟”
“أظن أن السبب هو دقات قلبي. ففي الأيام التي يتشاجر فيها أبي وأمي، أشعر وكأن قلبي سيقفز من مكانه من شدة الخفقان، فلا أستطيع فعل أي شيء.”
هزّ كل من تيسكا ودانيال رأسهما موافقين على كلامه.
“إذن، هل يعني هذا أن قلب إيميليا الآن في حالة اضطراب؟”
“أغلب الظن. حتى هذا الصباح، حين التقينا بها، كانت تبكي. يبدو أنه لم يشرح لها أحد سبب مرض الدوقة أو ما الذي يحدث بالضبط.”
“إيميليا كانت تبكي؟”
اصفرّ وجه آرون عند سماع كلمات دانيال. فهو وإن كان يتجاهل نصف ما يقوله تيسكا بسبب طبيعته الفوضوية وجرأته، إلا أن الأمر مختلف مع دانيال.
فصغار الشمال قد يكونون مخادعين وماكرين، لكنهم لا يخدعون الآخرين بالكذب.
“لقد تشاجروا بسبب شعر إيميليا، أليس كذلك؟”
لم يعد هناك أحد في الأكاديمية يجهل قصة شعر إيميليا المقصوص. وكان تيسكا أسرع من غيره في معرفة الإشاعات التي انتشرت حول ذلك.
“ما الذي تعرفه بالضبط لتقول هذا؟”
“لا أحد في الأكاديمية يجهل الأمر. لكن قلّة فقط يعرفون الحقيقة.”
ضاق آرون عينيه ونظر إلى تيسكا بحدة، إلا أن تيسكا، غير آبه، رفع رأسه بوقاحة متحديًا نظراته.
“الأطفال حين يلعبون قد يقصون شعرهم أو حتى يكسرون عظامهم، هذا أمر عادي.”
“يكسرون عظامهم؟”
“ألم يكن الدوق نفسه هو من كسر عظمي؟ أتكون قد نسيت؟”
صمت آرون وأطبق شفتيه عند كلمات تيسكا. صحيح أن الحقيقة هي أنه سقط من على الشجرة حين حاول الهرب من الحصص، إلا أنه لم يجد ما يرد به على تيسكا.
“تسك. يبدو أن الدوقة غاضبة جدًا. هل أعددت لها هدية؟”
“هدية؟”
رفع آرون رأسه من دوامة يأسه، وهو يهزها نافياً. شعر وكأن أحدهم ضربه بقوة على مؤخرة رأسه.
“لقد علمتنا والدتي أن الاعتذار الحقيقي بين الزوجين لا يكتمل إلا بالهدايا والدعوات، أما الاعتذار الذي يقتصر على الكلام فهو بلا روح.”
وعند ذكر أن هذا تعليم من جلالة الإمبراطورة نفسها، ارتعشت حاجبا آرون. ابتسم تيسكا وهو يدرك أنه نجح في إثارة اضطرابه.
“إن وعدتني بتقليل وقت تدريب السيف هذا الأسبوع فسأساعدك.”
“سمو الأمير ستساعدني؟”
“بالطبع. سأعطي الدوقة أكثر ما تحتاجه الآن.”
ضاقت عينا آرون وهو ينظر إلى تيسكا بريبة. أما تيسكا فقد ابتسم بخبث وهو يملأ الكأس بعصير الطماطم.
‘لم تنسَ سرنا المشترك وأعدّت خصيصًا عصير الطماطم من أجلي!’
داخل صدره، بدأ التنين الأسود المختوم في الهيجان دون إدراك للموقف.
“……حسنًا. سأقلّص وقت التدريب إلى ساعة ونصف.”
“ساعة واحدة.”
“هذا!”
“ساعة واحدة.”
عند لهجة تيسكا الحاسمة، هز آرون رأسه ببطء. كان فكّه المشدود يرتجف غضبًا.
نظر تيسكا إليه بعينين راضيتين، وفي تلك الأثناء عادت إيميليا إلى غرفة الاستقبال ممسكة بيد روزيتا.
“آنسة، كنا في انتظارك. تفضلي.”
“هل انتظرتم طويلًا؟”
هز تيسكا رأسه نافيًا. وبإيماءة متواضعة، خفض نظره ووضع يده على صدره، مما جعل وجه إيميليا يحمرّ خجلًا.
“دوقة، تفضلي بالجلوس. أود أن أتذوق الكعكة التي تقول إنها المفضلة لديك.”
وكأنما صار هو المضيف، أجلس تيسكا روزيتا وإيميليا في مقعديهما. فأحضرت بيتي طبقًا جديدًا وكأنها كانت بانتظار تلك اللحظة.
سأل تيسكا وهو ينظر نحو روزيتا. فابتسمت دون أن تشعر عند نظرها إلى عينيه نصف المغمضتين.
“أي أخبار؟”
تفاجأت روزيتا بالسؤال فرفعت كتفيها نافية. نظرت إلى بيتي، لكنها هي الأخرى بدت لا تعلم شيئًا.
“أمي قالت إنها سترسل دعوة إلى الدوقة، لكن يبدو أنها لم تصل بعد.”
“جلالة الإمبراطورة سترسل إليّ؟”
روزيتا حدّقت في تيسكا بوجه مليء بالدهشة. لم يكن خبرًا قد سمعته من قبل.
“نعم. والدتي قلقة لأن الدوقة، التي أصبحت أمًا على حين غرّة، تواجه مصاعب غير متوقعة كثيرة.”
“يا إلهي! لم أكن أعلم أن جلالة الإمبراطورة تفكر بي إلى هذا الحد.”
أومأت روزيتا برأسها وقد بدا عليها التأثر. كان كلام تيسكا صائبًا. فبعد أن أغضبت المركيزة لوستر، رئيسة مجلس أولياء الأمور، تعرّضت إيميليا للتنمر والتهميش، مما جعل كلمات تيسكا أكثر وقعًا.
“والدتي تحمل همومًا كثيرة. فهي على العرش إمبراطورة، لكنها أيضًا أم، ولهذا فهي تدرك مشاعر الدوقة أكثر من أي أحد.”
واصل تيسكا كلامه وهو يراقب نظرات آرون خلسة. أما آرون فقد هز رأسه متعجبًا من براعة تيسكا في الحديث.
كان تيسكا يتحدث بلسان رشيق يحرّك به قلب روزيتا كما لو كان إمبراطورًا بحق.
“رغم انشغالاتها الكثيرة، إلا أن قلبها يتسع بكل هذا الكرم.”
لم تبخل روزيتا بمديحها وهي متأثرة بكرم الإمبراطورة.
“قريبًا ستصلك دعوة من القصر الإمبراطوري. رجائي ألا ترفضها.”
“بالطبع. إنه لشرف عظيم لي.”
وضعت روزيتا يدها على صدرها وانحنت قليلًا تجاه تيسكا. فإذا توطدت علاقتها بجلالة الإمبراطورة، فلن تجرؤ المركيزة لوستر على التنمر عليها بعد الآن. فضلًا عن أنها أم لثلاثة أطفال، ومن المؤكد أن ذلك سيعود علي روزيتا بفوائد كثيرة.
“دعوة من جلالة الإمبراطورة، تقول؟”
أمال آرون رأسه متسائلًا. فقد التقى جلالة الإمبراطورة ظهر اليوم، لكنها لم تذكر شيئًا عن هذا. ولو كانت تنوي دعوة روزيتا إلى القصر الإمبراطوري، لكان بإمكانها أن تسلّمه الدعوة مباشرة بدلًا من إيصالها عبر الآخرين.
وفوق ذلك، كانت الإمبراطورة منشغلة بتحضيرات المهرجان وتعيش جدولًا مرهقًا حدّ القتل. لم يكن لديها وقت لتدعو أحدًا إلى حفل شاي مريح.
نظر آرون إلى تيسكا بعينين متشككتين. عندها، رفع تيسكا كأس عصير الطماطم وصدمه في الهواء مبتسمًا.
‘مستحيل؟’
دار بينهما حوار صامت بنظرات حادة.
‘الدعوة يجب أن يكتبها الدوق بنفسه.’
ابتسم تيسكا ابتسامة عريضة. وفي اللحظة التي رآه فيها آرون يبتسم مشرقًا بينما روزيتا تقدم له قطعة من كعكة الليمون التي اشترتها بنفسها، لم يستطع أن ينطق بحرف.
فالرشاوى والولائم كان من المفترض أن تكون من مسؤولية آرون. أما تيسكا، فببضع كلمات فقط تمكّن من التملص من تدريب السيف. عندها صرّ آرون على أسنانه.
‘لا عجب، إنه من نسل الإمبراطور.’
رفع آرون يده إلى جبينه وهو يراقب تيسكا الذي كان منذ الآن يبرع بلسانه كما يبرع السياسيين المحنكون. لقد جنى آرون ثمرة اعتماده على سياسي مخادع.
“السلطة هي كل شيء.”
تمتم تومي، الذي كان يصغي بصمت إلى حوار تيسكا وروزيتا، بينما يعض على شوكته. أما يد روزيتا، التي كانت تمسح على رأسه وتثني عليه، فقد غابت منذ لحظة. بدا أن تومي تلقى صدمة وهو يشاهد طعم السلطة عن قرب.
“حقًا.”
غمغم دانيال بدوره بصوت خافت، وقد أنفق مصروف شهر كامل. كان باقة الورد التي أهداها قد رُميت بالفعل إلى زاوية منضدة مهملة.
هكذا، بدأ المرشحان لبطولة القصة في التحول نحو الظلام، في مكان لم يتوقعه أحد.
***
“أمي، أريد أن تقرئي لي هذا الكتاب الليلة.”
بعد أن غادر الصغار الثلاثة، عادت الحياة في القصر إلى روتينها المعتاد. بقي آرون مترددًا بالقرب من روزيتا، لكن برودة معاملتها دفعته إلى حبس نفسه في مكتبه.
أما روزيتا، فعلى عادتها، كانت تختار كتاب حكايات لتقرأه لإيميليا قبل النوم.
“وهذا؟”
أمالت روزيتا رأسها باستغراب أمام كتاب قصص لم تره من قبل.
“أبي هو من اشتراه لي حديثًا.”
قدّمت إيميليا الكتاب إلى يد روزيتا ثم تسلقت سريعًا إلى سريرها، وضربت المكان الفارغ بجانبها بيديها الصغيرتين. عند إلحاحها، لم تجد روزيتا وقتًا للتردد، فصعدت إلى سرير ابنتها ممسكة بالكتاب الجديد.
تمدّدت إيميليا بهدوء، واضعة رأسها على الوسادة ومغمضة عينيها. قامت روزيتا بتعديل المصباح الخافت بجوار السرير وفتحت الكتاب الذي اختارته الصغيرة.
“آه…….”
ما إن فتحت روزيتا الصفحة الأولى من الكتاب حتى عضّت على شفتيها لا إراديًا. نظرت بطرف عينها نحو إيميليا، فوجدتها مغمضة العينين بلا حركة.
كانت جفنيها يرتعشان، مما دلّ على أنها لم تنم بعد، لكنها مع ذلك أصرّت على إبقائهما مغمضتين.
‘لا بد أن بينها وبين آرون حديثًا ما.’
مدّت روزيتا يدها لتمسح على شعر ابنتها ثم أعادت نظرها إلى الكتاب. ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه إيميليا من أثر تلك اللمسة، فما كان من روزيتا إلا أن قرصت خدّها برفق ثم تركته.
“آه!”
صرخت إيميليا بخفة وفتحت عينيها للحظة حين لمستها يد روزيتا، لكنها سارعت إلى إغلاقهما مجددًا عندما التقت بنظراتها.
وبينما كانت تراقب أمها من خلال عينيها نصف المغمضتين، مدّت ذراعيها لتطوّق خصر روزيتا.
“أغضبتك كثيرًا، أليس كذلك؟”
همست إيميليا وهي تفرك وجهها بخصر أمها. ابتسمت روزيتا ابتسامة مريرة وهي تربّت على ظهر ابنتها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات