بينما كانت إيميليا وآرون يتسوقان الكعك بعد انتهاء اليوم الدراسي في الأكاديمية، كانت روزيتا تستقبل ضيفًا غير متوقع.
“هل جئتم جميعًا معًا؟”
عند سماع كلام روزيتا، ابتعد الأولاد عن بعضهم وهم يحدّقون بحدة، ثم وكأنهم اتفقوا سلفًا، لزموا الصمت وأخذوا يراقبون بعضهم البعض.
“أنا من جاء أولًا يا دوقة.”
حينها رفع تومي يده عاليًا واندفع إلى الأمام بخفة.
“آه! تومي، مرّ وقت طويل.”
نظرت روزيتا بالتناوب إلى الصبيان الثلاثة، ثم أشرق وجهها ابتهاجًا بحديث تومي.
“سمعت أنك لستِ على ما يرام، فجئت راكضًا فور انتهاء الدروس في الأكاديمية يا دوقة.”
لكن دانيال هو من أزاح تومي جانبًا بعد أن انتفخ صدره وهو يتحدث بفخر. ومع بداية تومي تكلم الجميع دفعة واحدة، وكأنهم وجدوا الفرصة، وبدأوا يتسابقون لدفع بعضهم ليحظوا بكلام مع روزيتا.
“يا إلهي! صحيح. السيد الصغير فوبيل، أشكرك على قدومك. يا للعجب، هل هذا من أجلي؟”
ابتسمت روزيتا بابتسامة مترددة وهي تنظر إلى دانيال الذي ناولها باقة ورد حمراء وهو خجلان.
“لا يمكن المجيء لزيارة مريض من دون شيء. وقد صادفت للتو وردة تُشبه الدوقة تمامًا.”
كذب.
فقد أنفق مصروفه الشهري كاملًا ليشتري تلك الورود، بل وركض بكل قوته إلى محل الزهور بعد انتهاء الدروس.
لكن حين رأى روزيتا تدفن وجهها في الباقة وهي تضحك، شعر دانيال وكأن كل تعبه قد كوفئ. بينما هو يبتسم ابتسامة عريضة، كان وجه تومي متجهّمًا وهو يذرع المكان بخطوات مرتبكة.
فكل ما فكّر فيه هو الزيارة فقط، ولم تخطر بباله فكرة إحضار هدية كما فعل دانيال.
‘يا له من صبي ساذج.’
ابتسم دانيال ابتسامة واسعة وهو ينظر إلى تومي بفخر، ابتسامة المنتصر الكاملة.
“دوقة، لقد أعددنا الشاي.”
عند كلام بيتي، أومأت روزيتا ببطء.
ورغم أنهم جاؤوا دون موعد، إلا أن الصينية بدت فاخرة بحق. فقد امتلأت الطاولة في لحظة بأنواع ملوّنة من الكب كيك وكعكات مختلفة.
“بما أنكم جئتم مباشرة بعد الدروس فلا بد أنكم جائعون جدًا، تفضلوا.”
وما إن أنهت روزيتا كلامها حتى دوّى صوت واحد بصوت جماعي وكأنهم كانوا بانتظار الإذن.
“شكرًا على الطعام!”
ارتجفت أكتاف روزيتا من دهشة الأصوات العالية، لكنها ما لبثت أن ابتسمت. ظنّت أنها تدربت كفاية على ذلك مع إيميليا، لكن بدا أن الأمر مختلف مع الأولاد.
“……الأولاد لديهم طاقة عجيبة فعلًا.”
تمتمت بيتي بصوت خافت وهي تنظر إلى الصحون الفارغة بسرعة مذهلة. فأومأت روزيتا بدورها موافقة. ولمّا بالكاد ارتشفت رشفة من الشاي، كانت الصحون قد فرغت تمامًا.
“صحيح. قولي للمطبخ أن يُحضّر مزيدًا من الوجبات الخفيفة.”
حتى وهي تتهامس مع بيتي، كانت الصحون تُفرغ بلا توقف.
“دوقة، تفضلي أنتِ أيضًا. لقد نحُلتِ كثيرًا.”
قدّم تومي لروزيتا أجمل قطعة كب كيك اختارها بعناية. ولم تستطع روزيتا، وهي ممسكة فنجانها، أن تمنع ابتسامتها أمام تصرفه. وكأن الحمل الثقيل الذي كان يُطبق على صدرها بدأ يخف.
“يا إلهي! تومي، من أين تعلمت أن تقول مثل هذه الكلمات؟”
رغم أنه الأصغر سنًا، كان يهتم بها بنضج ملحوظ. فأشرق وجه روزيتا، وهي تمسح على رأسه بحنان.
“ههه، أبي دائمًا يقول هذا لأمي. ‘آه، لقد نحفتِ كثيرًا، تناولي المزيد’.”
ضحكت روزيتا بلا وعي وهي ترى تومي يُقلّد السيد ميلتون.
‘لا يمكن تجاهل أثر البيئة العائلية.’
وبينما كانت روزيتا تتخيل حياة زوجية سعيدة لإيميليا، رفعت رصيد تومي في ذهنها كخيار مثالي كزوج مستقبلي.
“صحيح! أبي أيضًا يقول كل يوم على مائدة الطعام إن أمي قد نحفت. لكن، برأيي، أمي تكبر يومًا بعد يوم.”
قال تيسكا وهو يهز رأسه نافيًا، فيما كان يلوك قطعة كب كيك.
“…….”
“أبي يمنعني من الكذب، ومع ذلك يكذب على أمي يوميًا.”
تنهد تيسكا وهو يمسك آخر قطعة كعك بيده. بدت على وجهه علامات العجز عن فهم حديث الكبار.
“ذلك مجرد غريزة بقاء، أيها الأحمق!”
قال دانيال وهو ينتزع الكعكة من يد تيسكا ويضعها في فمه دفعة واحدة.
“غريزة بقاء؟ أي هراء هذا؟ هل نسيت من يكون أبي؟”
رمقه تيسكا بعينين غاضبتين وهو يرى الكعكة تختفي في فم دانيال في لحظة.
“يا له من صبي تافه. أن أُضطر لمبايعة شخص كهذا كسيدي!”
“كفّ عن الهراء واشرحها جيدًا يا دانيال.”
نظر دانيال إلى تيسكا بعينين مشفقتين وهو ينقر بلسانه، ثم فتح فمه قائلًا:
“سيد البلاد هو جلالة الإمبراطور، لكن سيد الإمبراطور هو جلالة الإمبراطورة.”
“ماذا؟ أي كلام فارغ هذا؟!”
حدّق تيسكا بدهشة في دانيال. فمنذ نعومة أظفاره وهو يتعلم علوم الحكم، وكان منصب الإمبراطور عنده مقامًا لا يمكن المساس به.
“يبدو أنك لن تعرف الحب في حياتك.”
تنهد دانيال بعمق وشرب عصيره دفعة واحدة حتى فرغ الكأس.
“تسخر مني!”
رد تيسكا بعناد، فرفع تومي يده بهدوء.
“تومي، هل لديك ما تقول؟”
عند تدخل روزيتا، نال تومي حق الكلام، فأومأ برأسه.
“أعتقد أن كلام دانيال صحيح. أحيانًا تكون الأكاذيب البيضاء ضرورية، كما قال أبي.”
عند كلام تومي، رفع دانيال ذقنه عاليًا بفخر. كان الحوار جادًا بشكل لا يصدق مقارنة بمتوسط أعمارهم البالغ تسع سنوات.
“ماذا؟ تعني أنني لن أعرف الحب؟!”
نظر دانيال وتومي معًا إلى تيسكا بعينين متعاطفتين. وروزيتا بدورها انحازت لرأيهما وهي تقيّم تيسكا.
‘مكانته الأعلى بلا شك. لكن، هممم.’
فحين تفكّر في سعادة إيميليا، بدا أن تيسكا يفتقر كثيرًا لفهم النساء. بل وربما بسبب نشأته في القصر، كانت لديه بقايا من نزعة أبوية.
في تلك اللحظة، جاءت بيتي بصمت وهي ترفع الصحون الفارغة وتضع مكانها أطباق فطائر ساخنة يتصاعد منها البخار، وكأن الطباخ بذل جهدًا إضافيًا.
“إنها باللحم!”
حين وقعت عينا تومي على فطيرة اللحم، لمعت عيناه واتسعت ابتسامة سعادته.
سارعت بيتي، التي كانت قد وزعت قطعة كبيرة من الفطيرة على الأطباق، إلى تقديمها بسرعة للثلاثة فتيان.
“انتظري، أعطيها أولًا للدوقة قبلنا.”
تذكّر دانيال كيف أن تومي قدّم قبل قليل كب كيك إلى روزيتا، فرفض الطبق الذي قُدِّم له وقال ذلك لبيتي.
“آه!”
احمرّ وجه بيتي على الفور.
“أنا بخير، يا سيد فوبيل. لا يزال من الصعب عليّ تناول مثل هذا الطعام.”
أشارت روزيتا بيدها برفق وهي ترفض، غير أنّ الابتسامة لم تفارق شفتيها.
“إذا كان الأمر كذلك، فسأتناولها إذن. شكرًا لكِ يا دوقة.”
قال دانيال ذلك بأدب وانحنى تحية لها.
“أمي!”
جاء صوت إيميليا من وراء الباب المغلق بإحكام لغرفة الاستقبال. تلاه صوت خطوات تركض في الردهة، وسرعان ما انفتح الباب بعنف.
“إيميليا. ألم أقل لكِ ألا تركضي، فهذا خطر؟”
غير أنّ توبيخ روزيتا لم يثنِ إيميليا، بل اندفعت نحوها بلا خوف. كان هذا أول لقاء بينهما منذ أن سقطت روزيتا مريضة قبل ثلاثة أيام.
“لقد اشتقت إليكِ كثيرًا.”
اقتربت إيميليا بخطوة سريعة من الأريكة حيث كانت روزيتا جالسة، ودفنت وجهها في فخذها. أما روزيتا، فمسحت ببطء على ظهرها وهي تستنشق عطرها المألوف.
“وأمكِ أيضًا اشتاقت إلى إيميليا. لكن، صغيرتي، لدينا الآن ضيوف…….”
رفعت إيميليا رأسها عند كلمات روزيتا وأخذت تنظر حولها.
“تومي! والأخ دانيال! وحتى سمو الأمير تيسكا!”
حدّقت إيميليا بدهشة إلى الفتيان الثلاثة، واختفت دموعها في لحظة.
“مرحبًا، إيميليا.”
حيّاها الثلاثة بتحفّظ، وهم يتبادلون النظرات المرتبكة. فقد كانوا قد سمعوا في الصباح من إيميليا خبر مرض روزيتا.
“هل جئتم لرؤيتي؟”
سألت إيميليا بعينين متلألئتين. وعلى الرغم من أنهم قد التقوها صباحًا في الأكاديمية، إلا أن رؤيتهم في القصر بدت لها أمرًا يسعدها من جديد.
“لا!”
هزّ الفتيان الثلاثة رؤوسهم في اللحظة نفسها كما لو كانوا قد اتفقوا مسبقًا.
“إذًا لماذا؟”
“جئنا لزيارة الدوقة بعد أن أخبرتنا صباحًا بأنها مريضة.”
قال دانيال بابتسامة محرجة، حريصًا ألا يجرح مشاعرها، حتى إنه لم ينسَ أن يبتسم لها بلطف.
“زيارة مريضة، تقول؟”
ظهر آرون، وهو يحمل علبة كعك، متأخرًا إلى غرفة الاستقبال. ولدى رؤية ظله الضخم، ابتلع الصبية الثلاثة ريقهم بتوتر.
“مرحبًا، يا دوق.”
قفز تومي ودانيال بسرعة على أقدامهما وانحنيا. أما تيسكا، فظل على طبيعته غير مكترث حتى بظهور آرون.
“هاه، يا دوق. رؤيتك هنا أمر غير معتاد.”
وضع آرون يده على جبينه وهو يتأمل الصبية الثلاثة المتجمعين أمامه. كان مجرد النظر إلى تيسكا يسبب له صداعًا، فكيف وقد اجتمع الاثنان الآخران معه! بدا وكأن معدته ستضج بالانزعاج.
“إيميليا. هلا غسلنا أيدينا معًا مع أمكِ قبل تناول الحلوى؟”
قالت روزيتا ببرود وهي تحدّث ابنتها بعد دخول آرون.
“حسنًا. لقد جلب أبي كعكة الليمون من متجر ميلكي الذي تحبه أمي كثيرًا. لنتناولها معًا جميعًا.”
“بالطبع. سنستأذن للحظة.”
استأذنت روزيتا من الصبية الثلاثة، ثم أمسكت يد إيميليا وغادرت معها. في تلك اللحظة، ساد جو بارد في الغرفة، فارتسمت على وجه تيسكا ابتسامة جانبية خطيرة.
“أليس من المفترض أن يكون الأمير الآن في القصر الإمبراطوري يتلقى درس المبارزة؟”
“والمعلم موجود هنا، فلمن عليّ أن أتعلم؟”
قال تيسكا وهو يعبث بشفتيه ويتمايل بكسل.
“كان من المفترض أن يحل السيد ويلنغتون مكاني في درس سمو الأمير اليوم.”
“حقًا؟”
أشاح تيسكا بنظره بعيدًا عن آرون. عندها جلس آرون على الأريكة بتنهيدة ثقيلة.
“لا بأس. سنعوض درس اليوم غدًا.”
ارتجف كتفا تيسكا عند سماع كلمات آرون. صحيح أن درس المبارزة غدًا أزعجه، لكنه أقنع نفسه أن ‘غدًا أمره لغد’.
صوت آرون البارد جعل دانيال وتومي يتجمدان في مكانهما كالعصافير الصغيرة في العش. أما تيسكا، وعلى العكس منهما، فقد رفع جانب فمه قليلًا ونظر إلى آرون بعينين مليئتين بالتحدي.
“نظرات الأمير إليّ فيها كثير من الجرأة. مع أنني ما زلت أستاذه.”
خفض آرون صوته عمدًا وجعله متسلطًا ومهيبًا.
“أيها الدوق. هل اعتذرت للدوقة؟”
“ا، اعتذار؟”
كان آرون جالسًا متراخيًا وهو يراقب الصبية الثلاثة، لكن كلامه خرج عفويًا فأسرع ليضع يده على فمه. بدا ممتعضًا جدًا وقد أوقعه تلميذه الصغير في فخ لا مفر منه.
“لقد رأيتُ، حين دخلت قبل قليل، وجه الدوقة البارد نحوك.”
“…….”
مال تيسكا برأسه وهو يحدق بآرون بنظرة كلها استهزاء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات