“سمعتُ صراخك فذهبتُ إلى غرفة إيميليا، لكنهم قالوا إن شعر ابنتي كان قد قُص بالفعل.”
عضّت روزيتا شفتها المتشققة. انكمش حاجباها من طعم الدم المالح.
“…….”
“يقولون إنك كنت تحتضنين إيميليا وتعتذرين مرارًا، أهذا صحيح؟”
“نعم. لأنني صرختُ، ففزعت إيميليا.”
مررت روزيتا يدها في شعرها. نزعت بغيظ بعض الخصلات الملتصقة بوجهها كقناديل البحر، ثم أخذت نفسًا عميقًا. وإلا شعرت أنها ستصرخ مرة أخرى في أي لحظة.
‘اللعنة على تحامل زوجة الأب!’
“هاتِ عذرًا ولو واحدًا. سأستمع إليه.”
رفع آرون ذقنه عاليًا. رغم أنه أمر الناس بكتمان الأمر، فإن الشائعات التي تضخّمت على مدى يومين وصلت بالطبع إلى مسامعه.
حتى الغرباء أخذوا يقلقون على إيميليا ويلقون باللوم على روزيتا.
‘كما توقعت، لا مفر من كونها زوجة أب!’
ترددت في ذهن آرون كلمات سمعها مرارًا لا تُحصى، فأطرق برأسه. أما روزيتا، التي كان عليها أن تشرح الموقف، فقد كانت منهكة لا تقوى حتى على ترتيب أفكارها.
حتى الإمبراطور نفسه راقب رد فعل آرون بحذر. الجميع كانوا يدركون ما تمثل إيميليا بالنسبة إليه.
“هل قالت إيميليا إنني أنا من قص شعرها؟”
“ماذا؟”
كان صوت روزيتا أوطأ من المعتاد، فقد كانت قد نهضت من فراش المرض لتوها.
“أم أن أحدهم رآني وأنا أقص شعر إيميليا؟”
“……لكن كل الملابسات تدل على ذلك!”
“أي ملابسات هذه؟ مجرد استنتاج أحادي الجانب من خادمة تكرهني وظن مدبرة المنزل، لا أكثر.”
“روزيتا! أنا أسألك مباشرة الآن!”
“إذن! كان عليك أن تسأل أولًا ماذا حدث بالضبط! لكنك تعاملني وكأنك حكمت مسبقًا أنني أنا من قص شعر إيميليا، ثم تحاصرني بالاتهام!”
أرادت أن تتحدث بهدوء.
أرادت أن تفنّد الأمور بمنطق وروية.
لكن لم يكن لها في هذا القصر مؤيد واحد. شعرت وكأنها تقف وحيدة وسط أرض أعداء. كان عبء وصمة “زوجة الأب” يخنق أنفاسها. وما آلمها أكثر أن آرون يهاجمها وهو يستند إلى ذلك التحيز.
“هكذا إذن؟ إذن لماذا صرختِ؟”
ابتسمت روزيتا بسخرية مُرّة على مطاردة آرون. رفعت زاويتي شفتيها قسرًا حتى لا تنفجر بالبكاء، لكن ابتسامتها لم تدم طويلًا. ويبدو أن ذلك أثار حنق آرون أكثر، إذ تجمدت ملامحه ببرود.
“……ربما كنتُ أدرك أن مثل هذا الموقف سيأتي يومًا.”
“ماذا تقولين؟”
“لأن أول ما خطر ببالي حين رأيت شعر إيميليا مبعثرًا على الأرض… كان أنت.”
“…….”
“أعني تلك النظرة في عينيك الآن.”
بكلماتها مسح آرون عينيه بسرعة. كم مرة أقسم ألا يدع الشائعات تؤثر فيه وألا ينظر إلى روزيتا بعيون منحازة!
“لكن انظري إلى الوضع! في مثل هذه الظروف، كيف لا أشك فيك؟!”
“لماذا لم تسأل إيميليا أولًا؟”
“ماذا؟”
شحب وجه آرون كأنه تلقى ضربة بعصا غليظة. عندها لم تستطع روزيتا إلا أن تضحك بمرارة.
كانت تعلم أن الأمر لن يكون سهلًا، لكن مجرد التفكير بأنها ستُساء الفهم في كل صغيرة وكبيرة جعل رأسها يدور.
“هل يعقل أنك لم تسأل إيميليا أي شيء؟”
“……لقد كانت مرعوبة بشدة، فلم يكن الوقت مناسبًا لأسئلتي.”
وما إن قال ذلك حتى أدرك بنفسه أن حجته واهية، فأطبق عينيه بإحكام.
“إذن، هل تستطيع أن تصدق كلامي؟”
“ماذا قلتِ؟”
ثبت آرون نظره على روزيتا، لكنها ردت عليه بعينين خاليتين من أي بريق، وكأنها فقدت كل أمل ورغبة فيه.
كان وجهها يقول إنها تخلّت عن كل توقّع، عن كل رجاء.
فشعر آرون بقشعريرة غريبة، ومد يده نحوها لا إراديًا.
لكن روزيتا أطبقت شفتيها بقوة وقالت:
“اسأل إيميليا. ثم اعتذر لي كما يجب بعد ذلك.”
شدّت على طرف ثوبها دون وعي. أحست أن غصّة حزن طاغية ستنفجر فجأة. وما إن صارت الرؤية ضبابية حتى أدركت أن دموعها قد غمرت عينيها.
ومع ذلك، لم تُبعد بصرها عن آرون. لم تغمض عينيها.
انهمرت الدموع المتجمعة على وجنتيها.
“……روزيتا.”
مد آرون يده نحوها مرتبكًا.
صفعة!
أبعدت روزيتا يده بضربة.
“اذهب. اسأل ابنتك. لا تسألني أنا التي لا تثق بي أصلًا.”
وقفت روزيتا وأدارت له ظهرها. ارتجفت كتفاها الصغيرتان.
وبينما طردته بوضوح، نهض آرون متثاقلًا. لقد بدأت ليلة طويلة مظلمة.
***
“أين أمي؟”
توقفت إيميليا، التي كانت تمسك بيد مربيتها، أمام باب غرفة روزيتا المغلق بإحكام.
“ما زال برد الدوقة لم يشفَ بعد.”
ابتسمت المربية بتكلف وهي تشد يد الطفلة. رفعت إيميليا رأسها بخفة لتخفي شعرها القصير الذي ألقت به خلف أذنها بخشونة.
“سنكون متأخرين يا صغيرتي.”
لم تضع اليوم حتى ربطة الشعر التي تحبها كثيرًا، ولا ارتدت الأحذية غير الملائمة للفصول التي كانت تؤرق روزيتا دومًا. بل انتعلت حذاءً أسود اختارته لها المربية.
طوال الطريق إلى الأكاديمية لم تنطق إيميليا بكلمة، وظلت تنظر من نافذة العربة. وعندما نزلت…
“انظري! ها هي قادمة.”
“يا إلهي! أهذه إيميليا؟ كم مضى منذ أن رأيناها بمظهر مرتب كهذا؟”
همست بعض السيدات، ومن بينهن المركيزة لوستر، وهن يرمقن إيميليا بطرف أعينهن. لكنها مضت برأس منحنٍ تحدّق بالأرض.
“إيميليا!”
رفعت إيميليا رأسها للنداء الذي سمعته.
“آه! تومي.”
“ما بكِ؟ هل حصل شيء؟”
أخذ تومي يتفحصها بقلق، وقد لاحظ أن وجهها يعلوه حزن غير معتاد.
“ذلك….”
“يا آنسة! ما الذي جرى لك فجأة؟”
رأى تومي الدموع تتفجر من عيني إيميليا كأنه كان ينتظرها، فتراجع خطوة مرتبكًا. فمنذ صغره وهو يعتني بها، ولم يستطع إلا أن يلين أمام دموعها.
“إييه! هل يجوز أن تجعل الآنسة الجميلة تبكي؟”
ظهر تيسكا متمايلًا وهو يحمل حقيبته على كتف واحد.
“م، من أنت؟”
“فلنقل إنني شخص يشارك هذه الآنسة الجميلة بعض الأسرار.”
مدّ تيسكا إبهامه ليمسح الدموع المنهمرة على وجنتي إيميليا بصمت، فما كان من تومي إلا أن ارتعب وتراجع.
“سمو الأمير.”
“شـه! ألم تنسِ أننا جميعًا متساوون داخل الأكاديمية، يا آنسة؟”
ارتجف جسد تومي وهو يشاهد المشهد، وحك نفسه بانزعاج من كلمات تيسكا المتصنعة.
“ما هذا القرف؟ ما الذي تفعله يا تيسكا!”
صرخ دانيال فوبيل الذي ظهر فجأة، وقد كان يجري بعدما لمح إيميليا، على أمل أن يحظى بفرصة لإلقاء التحية على روزيتا أيضًا.
“س، سينيور فوبيل.”
وما إن رأت إيميليا دانيال حتى امتلأت عيناها بالدموع أسرع من أن تتحكم بها.
“لا أعرف ما الذي حدث، لكن لا تبكي يا إيميليا. إن بكيتِ ستحزن الدوقة كثيرًا.”
أخرج فوبيل من جيبه منديلًا وربت به على خدها. كانت لمسته دقيقة على عكس تيسكا الذي دفع وجنتها بخشونة.
“هف! انفخي!”
قالها دانيال وهو يمسك أنفها.
“مهلًا!”
أسرع تومي وأمسك بمعصم دانيال. بصفته صاحب خبرة لكونه يملك أخوين أصغر، شعر أنه ملزم أخلاقيًا بمنع دانيال من ارتكاب خطأ فادح.
“لماذا؟ لقد قرأت في الكتب أنه عندما تبكي الأخت، يفعلون ذلك.”
أمال دانيال رأسه متعجبًا وهو ينظر إلى تومي الذي كان ممسكًا بمعصمه. لم يكن لدانيال إخوة، لذا بدا عليه الاستغراب.
“منديلك رقيق جدًّا على أنف إيميليا، لن يحتمل الأمر.”
“ماذا تقصد؟”
تطلع دانيال إليهما بعينين غير فاهمتين، ينقل نظره بين تومي وتيسكا.
“دعه وشأنه! أحيانًا التجربة تكون خير معلّم.”
قال تسكا وهو يضع يده على كتف تومي ليجذبه إلى جانبه، بينما تراجع تومي واضعًا يده على أنفه وأغمض عينيه كأنه لا يحتمل الرؤية.
“إلى متى ستجعل هذه الآنسة الجميلة تنتظر؟”
قال تيسكا بتهكم، فاشتعل وجه دانيال وهو يحدق في إيميليا.
“هيا يا إيميليا، انفخي!”
“كخخخخخخخخخخخخخ!”
وبأمر دانيال المدوي، شدّت إيميليا أنفها بكل ما أوتيت من قوة. سرعان ما تجمدت ملامح دانيال من قرف شديد وهو يشعر بالملمس اللزج العالق في أصابعه.
“أرأيت يا فوبيل؟ لا تتجاهل كلام من لديه خبرة أبدًا.”
قهقه تيسكا باستهزاء وهو يسخر من دانيال الذي تجمد كالصنم.
“……لا بأس يا إيميليا. اليد يمكن غسلها.”
قال دانيال بصوت مرتجف وهو يسحب يده من أنفها، بينما أصابعه تتحرك بلا وعي. عندها تدخل تيسكا قائلًا:
“الآن وقد هدأت قليلًا، فلنسمع ما حدث.”
رافقها تيسكا بخفة وهو يوجّهها إلى مقعد في الساحة الهادئة للأكاديمية. وبما أن الدروس لم تكن قد بدأت بعد، انضم تومي ودانيال تلقائيًا.
جلست إيميليا على المقعد، فسارع تيسكا ليجلس بجانبها، فيما وقف تومي عند جانبها ودانيال خلفها. كل واحد منهم اتخذ مكانه وكأن الأمر مُرتب مسبقًا.
“حسنًا، أخبرينا الآن يا آنسة. ما القصة التي جعلت عينيكِ الجميلتين تذرفان الدموع؟”
تأفف دانيال ورفع بصره إلى السماء من كلام تيسكا المتصنع، بينما بدأ تومي يتقيأ جافًا وكأنه ابتلع شيئًا لا يحتمل.
وبعد لحظة طويلة، حركت إيميليا شفتيها أخيرًا وقالت بخجل:
“أمي…….”
“أمك؟ الدوقة بيورن؟ ماذا بها؟”
تفاجأ تومي وقطع كلامها بلهفة، بينما بدا وجه دانيال أكثر جدية وهو مطبق الشفتين.
“أمي مريضة. قالت إنها لا تستطيع رؤية إيميليا.”
ومع عودة الذكرى الحزينة، امتلأت عيناها الزرقاوان بالدموع مجددًا.
“مريضة؟”
قفز تيسكا واقفًا وأخذ يمسح خده متوترًا، يمشي جيئة وذهابًا أمامها. وما زال يشعر بوخز الخصلات المموجة التي لامست خده حين همس لها سرّه.
“ما معنى هذا يا إيميليا؟ الدوقة مريضة؟”
اقترب دانيال من خلفها، فارتجف قلب إيميليا وهي تومئ برأسها.
“قالوا إنها أصيبت بالحمى والبرد.”
“يا للمصيبة!”
وضع تيسكا يده على جبينه وزفر أنينًا طويلًا، كأنه فارس حزين على سيدة نبيلة أصابها مرض عضال. تمامًا كما في الحكايات الفروسية التي كان آرون يكرهها.
نظرت إيميليا إلى الفتيان الثلاثة من حولها. جميعهم، تومي وتيسكا ودانيال، كانوا يشاركونها القلق على روزيتا.
“أمم…….”
مدت يدها نحوهم بتردد، لكن فجأة دوى جرس البرج العالي في الأكاديمية.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات