غضب آرون بحق من خيانة ابنته التي، حتى قبل لحظات فقط، كانت تشاركه روح الرفاقية وهما يوجهان الباغيت نحو البجعة.
كان آرون يجر خطاه خلف الأم وابنتها.
ويبدو أنه لم ينتبه بنفسه، لكن خطواته كانت بالفعل قد تباطأت كما قالت إيميليا، حتى كادت تشبه خطوات السلحفاة.
لقد كان غارقًا في التفكير بما حدث قبل قليل، فبطؤه لم يكن إلا لذلك السبب.
غير أن من يشاهدون المشهد لم يروه إلا رجلاً ارتكب حماقة ثم تبع زوجته مترقبًا رد فعلها.
ومضى آرون بخطوات سريعة خلف روزيتا وإيميليا، غير مدرك لسبب ضحك الناس من حوله.
‘يا إلهي… لقد نادتني للتو “يا عزيزي”.’
ارتفعت حرارة وجه آرون من تلقاء نفسه، فمسحه بيده وهو يرفع رأسه.
وقع بصره على ظهر روزيتا الصغير وهي تمشي، ممسكة بيد إيميليا، تهزها بفرح.
كانت روزيتا ترتدي فستانًا من المخمل الأخضر، وإيميليا فستانًا من المخمل الأصفر، فبدتا معًا كزهرتي هندباء أزهرتا في الشتاء.
“ليس سيئًا… أبداً.”
تفاجأ آرون من نفسه حين خرجت هذه الكلمات من بين شفتيه، فتوقف عن السير.
وحدق في روزيتا بصمت، غير مصدق لما قاله بنفسه، بينما هي تلمحه من حين إلى آخر وتتابع سيرها.
“أبي! أسرع وتعال!”
نادته إيميليا بصوت عالٍ، فتألقت خصلات شعرها الوردي تحت ضوء الشمس، وامتلأت عيناها الزرقاوان الصافيتان بالسعادة.
كانت تلك هي الصورة التي لطالما تمناها آرون لابنته.
لكن عينيه لم تكفا عن الانجذاب مرارًا نحو روزيتا الواقفة إلى جوارها.
‘هل كانت دائمًا بهذا الجمال؟’
لقد كان زواجه قرارًا اتخذه من أجل إيميليا فقط.
لم يكن ثمة داعٍ لأن يشعر بأي خفقان تجاه روزيتا الآن.
لقد كانت إيميليا تبكي باستمرار ولا تبحث إلا عن روزيتا، فلم يكن أمامه خيار آخر حينها.
ضغط آرون بيده على موضع قلبه، إذ بدا خفقانه اليوم أشد من المعتاد.
وبينما كان منصتًا لدقات قلبه، كانت روزيتا تمسح رقبتها بيدها.
“ثم إن أبي رفع الباغيت وصوبه نحو البجعة!”
“أها، صحيح.”
ردت روزيتا بإجابات فاترة، تمسك بيد إيميليا التي لا تتوقف عن الثرثرة.
وسرعان ما وجد آرون نفسه وقد صار يمشي بمحاذاتهما لا خلفهما.
مدت إيميليا يدها الأخرى وأمسكت بيده.
“أبي، أنا جائعة. لنذهب الآن إلى مطعم العم إيريك في شارع لاونيا لنتناول معكرونته!”
قالت ذلك بابتسامة مشرقة وهي تمسك يده.
هز آرون رأسه موافقًا، لكنه ألقى نظرة على روزيتا التي بدا عليها التوتر والانكماش، فلم يستطع تجاهل ذلك.
‘أيعقل أن مبارزتي مع البجعة كانت خطأً فادحًا إلى هذه الدرجة؟’
لا يزال الباغيت الذي لم يتركه بعد في يده.
وبينما بدوا كعائلة عادية في نزهة تحت شمس الظهيرة، ذاب مشهدهم في الضوء مثل الظلال.
سعل آرون بخفة، فأفاقت روزيتا من شرودها ونظرت إليه.
ثم سرعان ما حولت بصرها بعيدًا عنه، وأسرعت بالكلام موجهةً حديثها إلى إيميليا:
“إيميليا، ما رأيك أن تتنزهين قليلًا مع والدك في الجوار بينما أقوم بترتيب المكان؟”
هل كان خطأً أنهن لم يحضرن الخدم عمدًا نزولًا عند رغبة إيميليا؟
حينها فقط ألقى آرون نظرة على المكان الذي كانوا يجلسون فيه.
فرش المكان كان بيديه وبيد روزيتا معًا.
وسلة الطعام أعدتها روزيتا.
وهي أيضًا من مسحت يدي إيميليا المتسختين، وهي من أعطتها الباغيت.
صحيح أن الرحلة كانت لرغبة إيميليا، لكن كل شيء تم بيد روزيتا.
والآن وقد تُرك لها حتى ترتيب المكان وحدها، شعر آرون بانقباض في صدره. بل شعر بالحرج لأنه جعل ذلك كله يبدو وكأنه أمر بديهي من نصيبها.
“حسنًا، إذن… هل يمكنني أن أذهب إلى البجعة لأعتذر لها بدلًا من أبي؟ أود أن أقدم لها الخبز عربون اعتذار.”
استعادت إيميليا كلمات روزيتا عن أهمية العيش بودّ مع الأصدقاء، فسألت بابتسامة مشرقة.
وقد راحت تنظر بلهفة إلى روزيتا وإلى آرون الواقفين إلى جانبيها بالتناوب، فتلألأت خصلات شعرها تحت أشعة الشمس، وكانت الضفائر التي عقدتها لها روزيتا تتمايل كلما أدارت رأسها.
ورغم أنها فشلت مرة أخرى في انتزاع الشريط الضخم الذي رغبت فيه، إلا أنها كانت راضية عن مظهرها على أي حال.
“إذن!”
هزّت روزيتا رأسها موافقة نحو إيميليا، فما إن حصلت الصغيرة على الإذن حتى استدارت مسرعة بالسؤال، ورأسها يتحرك بخفة مقلقة.
“أبي، ستأتي معي، أليس كذلك؟”
ألحّت إيميليا وهي تهز يده الممسكة بيدها. فانحنى آرون حتى صار بمستواها، محدقًا في عينيها.
“إيميليا، ما رأيك أن نساعد أمك في ترتيب المكان معًا؟ بذلك يمكننا أن نغادر إلى شارع لاونيا أبكر.”
“أن نرتّب معًا؟”
اتسعت عينا إيميليا دهشة وهي تحدق في أبيها، فأومأ برأسه مؤكدًا وهو يربت على شعرها.
لكن روزيتا بدت مرتبكة، فلوّحت بيديها نافية وقد أربكها اقتراحه غير المتوقع.
“لا داعي، دَعْ الأمر لي. الأفضل أن تذهب مع إيميليا، وتتصالحا مع البجعة أيضًا.”
غير أن آرون هز رأسه رافضًا، وأخذ يفكر قليلًا وهو يمسح ذقنه، قبل أن يوجه نظرة رقيقة إلى ابنته.
“التصالح مع البجعة مهم، صحيح، لكن في نزهة ممتعة كهذه لا يصح أن تتحمل الأم وحدها عناء الترتيب. برأيك يا إيميليا، أليس كذلك؟”
لم تكن إيميليا وحدها من تفاجأ بكلماته؛ فقد فتحت روزيتا عينيها على وسعهما، وارتجفت كتفاها، بينما صدرها يعلو ويهبط باضطراب.
مساعدة من آرون؟ هذا غير معقول!
كان من الأفضل أن تنهي كل شيء وحدها بسرعة، حتى لو كان مرهقًا جسديًا، فذلك أهون على صحتها النفسية.
“حسنًا! سأساعد أمي أنا أيضًا!”
قالت إيميليا رافعة يدها عاليًا. وكعادتها ألصقت يدها اليمنى بجانب أذنها، فابتسم آرون لذلك التصرف الطفولي المحبب.
“لا يا إيميليا. نحن لا نساعد فقط، بل نفعل كل شيء معًا. أكلنا معًا، ولعبنا معًا، لذا علينا أن نرتّب معًا أيضًا. فنحن عائلة واحدة.”
ثم ألقى آرون بنظره إلى روزيتا.
تجمدت روزيتا مكانها وقد باغتها سيل النظرات من الأب وابنته، فتشبثت بأطراف فستانها وهي تلتفت حولها مرتبكة. وكان المخمل الناعم يتمايل بخفة مع حركتها.
“ما الذي تفعلينه؟”
سأل آرون وهو يتابع بحيرته حركاتها المرتبكة.
“كنت فقط أتساءل… هل تلك النظرة موجهة إليّ فعلًا؟”
ما إن أجابت حتى بدا وكأن ملامحه انهارت، فمرر يده على وجهه بخشونة وتنهد عميقًا.
أما روزيتا فظلت تحدق به بحذر، كتفاها مرفوعان بتوتر.
منذ زواجهما وهي تعيش تحت عينيه المترصدتين، تمضي أيامها بقلق وتوجس. لكنها أدركت منذ فترة أن نظراته بدأت تلين.
صحيح أنه لم يكن سوى تحسن طفيف عن نظرة الشك التي تحملها عادة حين يظن أنها قد تسيء إلى ابنته، لكنه لم يسبق له أن غمرها بنظرات كهذه من قبل.
فالآن، وبشكل لا يُصدق، كان ينظر إليها دون أي أثر للريبة أو عدم الثقة.
لقد كانت عيناه الزرقاوان تنعمان عليها بدفء يشبه أشعة الربيع التي تذيب الثلج الدائم، وكانت تلك النظرات حنونة أكثر مما تستطيع احتماله.
لم تملك روزيتا إلا أن تنظر إليه مأخوذة لبرهة، قبل أن تبدأ بترتيب المكان.
لكن كلماته اللطيفة ونظراته المليئة بالثقة جعلت جسدها يقشعر من إحساس أشبه بدغدغة لطيفة.
‘ما هذا؟ نحن نبدو كزوجين عاديين تمامًا!’
بينما كانت روزيتا غارقة في دوامة أفكارها، بقيت إيميليا في عالمها المرح، تحرك يديها الصغيرتين كأوراق الخريف، وتتابع أمها بخطوات سريعة.
“أمي، ماذا نفعل بهذا؟”
“ضعيه في السلة هناك.”
فتحت إيميليا السلة الخشبية وهي تحمل زجاجة عصير، ثم توقفت متفحصة ما بداخلها.
“أمي، لقد بقي الكثير من البسكويت. ألن يُصاب الطاهي بخيبة أمل إذا أعدناه هكذا؟”
أمالت إيميليا رأسها قليلًا وهي تعقد حاجبيها وتنظر بجدية بالتناوب إلى روزيتا وآرون.
كان من الواضح أن أوّل نزهة عائلية لها قد أثارت حماسة كبيرة في قصر الدوق أيضًا. فالطعام الذي ملأ السلة الثقيلة كان كثيرًا بشكل ظاهر، بحيث لا يكفي ثلاثة أشخاص فقط لاستهلاكه.
“يا لها من فكرة جميلة يا إيميليا.”
قالت روزيتا مبتسمة وهي تمسح بخفة على خصلات شعر ابنتها الوردية المتناثرة كزغب ناعم. وقد بدا جليًا على وجهها أنها مفتونة بجمالها.
لم تكن قد علمتها شيئًا كهذا، ومع ذلك فإن إيميليا كانت مفعمة بالاهتمام بالآخرين. لا تكفي كلمة “طيبة” لوصف مدى رهافة شعورها ومراعاتها للناس.
باستثناء شخص واحد فقط.
‘لو أنها تراعي مشاعري أنا أيضًا بنفس القدر، لكان الأمر أجمل.’
زفرت روزيتا زفرة طويلة وهي تسترجع معركتها اليومية مع إيميليا صباحًا بسبب الملابس. لكن بعيدًا عن ذلك، كان قلب الصغيرة رقيقًا لدرجة يَسحر حتى الكبار.
“كما قالت إيميليا، إن عدنا بهذه الحال إلى القصر فربما يصاب كبير الطهاة بخيبة أمل.”
تمتمت روزيتا وهي تجلس إلى جانب ابنتها، تطلّ برأسها في السلة. كانت البسكويتات الملونة التي أُعدّت خصيصًا لذوق الصغيرة تبدو لذيذة ومغرية. لكن المشكلة أن لا روزيتا ولا إيميليا رغبتا بتناول المزيد.
عندها، بدأ رأس إيميليا الصغير يدور هنا وهناك بنشاط. فقد كان في الحديقة أنواع مختلفة من الناس؛ بعضهم يتنزه على مهل، وبعضهم من حرس العاصمة يمرّون بخيولهم في جولة تفقدية.
“ما رأيك أن نوزّعها على الناس؟”
قالت بعيونها الزرقاء التي تلألأت بالحماس، فيما ارتجفت شفتاها الحمراوان وكأنها تتذوق متعة الفكرة التي ابتكرتها بنفسها.
“هاه؟”
“لقد سبّب أبي جلبة عندما تشاجر مع البجعة قبل قليل، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، لكن…”
كان الوقت قد تجاوز الظهيرة بقليل، والحديقة مكتظة بالزوار.
وبما أنها قريبة من القصر الإمبراطوري والشارع الكبير، فقد قصدها الكثير من الناس ممن خرجوا للتنزه بعد غياب طويل.
في تلك اللحظة، مرّت سيدة أرستقراطية ترتدي فستانًا باذخًا كذيل الطاووس على متن عربة، وهي تلوّح بمروحتها ببطء، ثم حدّقت قليلًا في روزيتا وإيميليا قبل أن تدير رأسها بعيدًا بازدراء.
خفضت روزيتا بصرها، ثم نظرت إلى ثوبها وثوب ابنتها. كان مظهرهما اليوم أبسط من المعتاد، تماشيًا مع رغبة إيميليا في قضاء يوم عادي.
“أنا وأبي سنذهب بأنفسنا. أمي، ابقي هنا!”
“أحقًا؟”
أثار كلام إيميليا ارتياح روزيتا، التي لطالما شعرت بالانزعاج من وجود آرون. عندها نهضت الصغيرة وقد ارتسمت على وجهها ملامح التصميم.
قبضت كفيها بقوة وزفرت أنفاسها من أنفها في حماس، ما جعل روزيتا تتراجع خطوة للوراء خفية. لم ينقصها سوى أن تُعلّق على ظهرها قطعة قماش حمراء لتبدو وكأنها على وشك التحليق في الهواء.
“أبي! هيا بنا.”
“هاه؟ إلى أين؟”
رفع آرون رأسه بدهشة من مكانه، حيث كان يرتّب الأغراض، وحدّق في روزيتا بارتباك. لكن الأخيرة اكتفت بهز كتفيها ولوّحت بيدها بلا مبالاة.
وحين خطت إيميليا بخطواتها وهي تحمل سلة الطعام الكبيرة، لم يجد آرون بُدًا من الإسراع خلفها وهو لا يزال يجهل مقصدها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 28"