لم يستطع الإمبراطور، الذي لم يتخلص بعد من “غشاوة الحلم الوردي” بشأن ابنته، أن يرى إيميليا إلا كطفلة لطيفة فحسب.
قبض آرون يده ثم بسطها مرارًا، غير قادر على أن يجرؤ ويطلب من الإمبراطور أن يُعيد الكعكات التي وُضعت فوق مكتبه.
قال الإمبراطور وهو يبتسم:
“بما أنني تلقيت هدية من الآنسة الصغيرة، فعليَّ أن أهديها بدوري شيئًا. ما الذي سيكون مناسبًا يا ترى؟”
أجابت إيميليا بجدية، وهي توجه كلامها نحوه:
“لم آتِ اليوم للحصول على هدية، بل جئت لأحل واجباتي. أمي قالت إنه لا يجوز أن أُزعج أبي وهو يعمل.”
عند رؤية إيميليا وهي تعبّر عن رأيها بثبات ووضوح، تألقت عينا الإمبراطور ببريق مبتهج.
“إذن عليَّ أن أترقب يومًا آخر.”
لكن إيميليا هزت رأسها، وكأنها تريد أن توقف نوايا الإمبراطور المليئة برغبة في إحراج آرون.
“أظن أن عليَّ الآن أن أذهب مع أبي لأساعده في عمله. جلالتكم، حان الوقت لكي تكفّوا أنتم أيضًا عن اللعب وتباشروا عملكم.”
“ماذا… ماذا قلتِ؟”
اتسعت عينا الإمبراطور دهشة، ثم التفت فورًا نحو آرون.
وأضافت إيميليا على مهل، بنبرة حازمة:
“إذا استمريتم في تناول الأشياء نيئة، قد تصابون بالديدان لاحقًا.”
“ماذا تقصدين؟”
قبل أن يتمكن الإمبراطور من الاستفهام، راحت إيميليا تسرع بالكلام دفعة واحدة:
“أبي يقول إنه قلق من أن جلالة الإمبراطور ينهب الضرائب من رعايا الإمبراطورية وكأنه يأخذها نيئة من دون جهد هذه الأيام. لكن إيميليا تريد أن تعيش مع أبي وأمي طويلًا هنا في الإمبراطورية، لذا أرجو أن تعملوا بجد، جلالتكم.”
نظر الإمبراطور بين آرون وإيميليا بالتناوب. لم يكن غريبًا أن يتقن الأب وابنته توجيه كلمات تصيب العظم مباشرة.
“يبدو أن لديّ الكثير مما يجب أن أقوله مع دوق بيورن لاحقًا.”
تمتم الإمبراطور وهو يلمس ذقنه، محدقًا في آرون بيورن بعينين نافذتين. لم يتوقع قط أن يتعرض لمثل هذا الإحراج أمام الابنة الصغيرة.
“لا، ليس لدي ما أقوله.”
هز آرون رأسه بحزم. لم يكن يتخيل أن حماسه حين تحدث أمام إيميليا سيعود عليه بهذه النتيجة الثقيلة.
حتى الإمبراطور نفسه لم يكن قادرًا على إيقاف اندفاع إيميليا.
قالت وهي تميل رأسها قليلًا:
“أبي قال إنه يجب العمل حين يحين وقت العمل، والدراسة حين يحين وقت الدراسة. وأن من واجب النبيل أن يتحمل ما يكره ويؤديه بصبر.”
أدارت إيميليا بصرها متفحصة وجهي الإمبراطور وآرون المتجهمَين، ويبدو أنها شعرت ببعض القلق.
قال الإمبراطور وهو يتنهد:
“إذن، تلك نصيحتك لي ألا آخذ شيئًا بلا جهد، صحيح؟”
“نعم، فالآن وقت العمل. وإذا لم تعملوا في وقت العمل، فهذا يعني أنكم تأخذون بلا جهد، أليس كذلك؟”
ربت آرون على شعر إيميليا الزهري بابتسامة هادئة، محاولًا طمأنة ابنته القلقة.
“أجل، إيميليا. لقد ورثتِ عني ذكاءً كبيرًا.”
لوّح الإمبراطور بيده بضيق أمام هذا الحوار بين الأب وابنته، شعر وكأن ضغط دمه ارتفع حتى وخز مؤخرة عنقه.
“يمكنكما الخروج الآن، دوق بيورن.”
“نعم، جلالتكم. أتمنى أن يكون يومكم مثمرًا بقدر ما تأخذون!”
انحنت إيميليا بحيوية وهي تتمنى له، فيما بدا الإمبراطور وكأنه يبحث عن مهدئ أعصاب.
“فلنذهب يا إيميليا.”
نهض آرون من مكانه، مرافقًا ابنته الصغيرة بخطوات رسمية. كان المشهد بين الأب وابنته غاية في الجمال والدفء، لكنه بالنسبة للإمبراطور كان مكانًا لا يطيق البقاء فيه.
“نعم يا أبي. هذا يعني أن وقت اللعب مع جلالة الإمبراطور انتهى الآن، صحيح؟”
“صحيح. والآن فلنذهب لرؤية الببغاوات التي لا تردد سوى الكلمات ذاتها.”
“واو! أنا متحمسة جدًا.”
صفقت إيميليا بيديها فرحًا، فيما ابتسم آرون وهو ينظر إليها بعينين مفعمتين بالسرور. غير أن كفّه الذي قبض يدها الصغير كان يتصبب عرقًا.
“أوه! دوق بيورن.”
كان الوزير الذي يقترب من الجهة المقابلة قد أشرق وجهه حين لمح آرون، لكنه ما لبث أن وجّه بصره نحو إيميليا.
“مرحبًا بك، يا معالي الوزير.”
لوّح الوزير بيده رافضًا تحية آرون، ثم صفق بيديه بفرح.
“هذا هو ذلك، أليس كذلك؟ ذلك اليوم الذي قضيته مع والدك!”
ارتسمت على وجه الوزير ابتسامة وكأنه يعرف كل شيء، ثم راح ينظر بالتناوب إلى آرون وإيميليا.
“نعم.”
أومأ الوزير برأسه راضيًا، وبملامح إمبراطورية ودودة. عندها وضعت إيميليا يدها فوق سرتها وانحنت برأسها احترامًا.
“مرحبًا. أنا إيميليا بيورن. جئت مع أبي لنقوم بالواجب.”
وما إن رآها الوزير تنحني ويدها على بطنها، حتى أسرع هو الآخر بثني ركبتيه لينظر إليها على مستوى عينيها.
“تشرفت بلقائك، آنسة بيورن.”
ابتسم الوزير بابتسامة ودودة، ثم انزلقت نظرته نحو حقيبة الأرنب الصغيرة التي تحملها إيميليا.
‘لقد جاء بعد أن سمع الشائعات طمعًا في الكعك.’
تضيقت عينا آرون وهو يحدق بالوزير، ولم يخطئ توقّعه إطلاقًا.
“آه! هذا كعك صنعته مع أمي. سأهديه لك.”
“يا إلهي، لم أُحضِر شيئًا بالمقابل، لكن شكرًا لكِ، آنسة بيورن.”
ابتسم الوزير ابتسامة عريضة وهو يحقق غايته، وسارع ليتسلم الكعك من يد إيميليا.
“أتمنى أن تستمتع به.”
“هل هذا على شكل أرنب؟”
“نعم! أنت أول شخص يصيب الإجابة من أول مرة يا سيدي الوزير.”
كان أي شخص سينظر إليه يراه مجرد عجينة كعك وردية مشوهة. لكن الوزير الداهية كان قد استمع مسبقًا إلى المعلومات من تابعيه.
وببراعة نال استحسان إيميليا. أما آرون فكان يراقب المشهد بانزعاج شديد أكثر من أي أحد آخر.
“لقد أخذتُ ولم أُعطِ شيئًا. آه! سأرسل لكم لاحقًا دعوة إلى قصر بيورن. أظن أن ابني سيُعجب بها كثيرًا.”
تجعد جبين آرون عند سماع الوزير يكشف عن نواياه الحقيقية.
لقد كان الوزير دائم الانشغال بأعماله، فما الذي جاء به يتسكع في الممرات؟ يبدو أن الكعك لم يكن غايته الوحيدة.
“هل ستذهبين للعب في بيت صديقة ما؟”
“لا. ليس صديقة، بل أخ أكبر!”
“رائع! أود اللعب مع الأخ الأكبر.”
ابتهجت إيميليا، فأومأ الوزير موافقًا. وبدا على محيّاه ارتياح عظيم بعد أن أبرم الوعد. لكن آرون سارع للتدخل.
“إذن سننصرف الآن. لقد تأخر وقت دوامي.”
جذب آرون يد إيميليا معه، وانحنى برأسه تجاه الوزير.
“أراك لاحقًا، آنسة بيورن!”
وما إن اختفى الوزير عن أنظارهم، حتى التفت آرون إلى إيميليا قائلاً:
“إيميليا. العالم مليء بالذئاب.”
“ذئاب؟”
“نعم. مثل هؤلاء الذئاب قد يلتهمون إيميليا الطيبة واللطيفة في قضمة واحدة.”
أومأت إيميليا برأسها بصوت آرون الجاد، وعلامات الجدية مرسومة على وجهها هي الأخرى.
“إذن… يجب أن نمسك بالذئب أولاً.”
“ماذا؟”
“أمي تقول إنه إن لم أرد أن أُمسَك، فعليّ أن أمسك أولاً.”
أذهل جواب إيميليا آرون حتى كاد يتيه في شروده، وخلال ذلك وصلا إلى المكتب. وما كاد يظن أنه سيستطيع أخيرًا أن يلتقط أنفاسه، حتى وجد ضيفًا غير مرغوب فيه بانتظاره لحظة فتح الباب.
“لماذا تأتي متأخرًا هكذا؟ أهذا مقبول أن يتأخر قائد فرسان؟”
عقد آرون حاجبيه في ضيق من هذا الترحيب غير المرحب به.
“ما الأمر؟ وفي مثل هذا الوقت.”
وبينما حجب إيميليا خلفه، حدق آرون إلى الأمير الثاني وهو جالس باسترخاء على الأريكة وكأن المكتب مكتبه، ممسكًا بفنجان شاي برشاقة، وهو منظر مزعج بحق.
“لقد جئت فقط لأستقبل آنسة بيورن.”
نهض الأمير الثاني فجأة من مقعده واقترب بخطوات واسعة نحو إيميليا.
“إنه لشرف عظيم أن ألتقي بكِ، آنسة.”
انبهرت إيميليا بالتحية الفخمة على الطراز الملكي، وظلت تحدق في تيسكا وكأنها سُحرت. كان فمها نصف مفتوح وعيناها متسعتين. وفي لحظة، احمرّ وجهها بالكامل مثل فتاة وقعت في الحب من النظرة الأولى.
“هل أنت صاحب السمو الأمير؟”
“هه! لقد وقعتِ في غرامي من اللحظة الأولى؟ هذا يضعني في موقف محرج، آنستي.”
عند سماع كلمات الأمير، رفعت إيميليا رأسها لتنظر إلى آرون. كان آرون يضغط بقوة على صدغيه، وكأنه يعاني من صداع شديد.
وبدا أن إيميليا أدركت أنها لن تجد عوناً منه، فظلت تنظر بذهول إلى الأمير أمامها.
“تشرفت بلقائكم، أنا إيميليا بيورن.”
وكما أوصتها روزيتا من قبل، انحنت أولاً برشاقة. لقد أخذت بنصيحة روزيتا: “إذا لم تعرفي ماذا تفعلين، فابدئي بالتحية.”
“إذن آنستي، أنتِ تلك المشهورة بين الناس. يا للأسف، يبدو أن الهاوية التي تَسكُن قلبك أعمق مما توقعت.”
“ما معنى الهاوية؟”
فتحت إيميليا عينيها على اتساعهما وسألت باستغراب من الكلمة الصعبة.
“إنها المعاناة، أو الحزن… أو ربما التوق العميق الذي لا يمكن احتواؤه.”
“……واو! يبدو أنها أمر عظيم حقاً.”
لقد كان لقاءً مهيباً بين أمير مبتلى بما يُسمى ‘متلازمة الصف الثاني’، وفتاة مصابة بمرض الدلال و’متلازمة الأميرة’ و’المرض الوردي’. وسط حوارهما، كان آرون عاجزاً تماماً عن استيعاب ما يجري.
“إن كان لا يزعجك، هل نكمل الحديث ونحن نحتسي عصير الطماطم؟”
“ط… طماطم؟”
قطبت إيميليا جبينها. فعصير الطماطم كان بلا طعم مقارنة بالعصائر الحلوة الأخرى.
“إنه الشراب السحري الوحيد القادر على إرواء عطشي للدماء. فكري في الحيوية الكامنة في ذلك اللون الأحمر القاني، آنستي.”
“هل تقصد أنكم تشربون عصير طماطم مصنوعاً من الدماء؟!”
شهقت إيميليا مدهوشة، ووضعت يدها على فمها بذهول من كلام تيسكا.
“لا خيار لي. فحتى هذه اللحظة، تصرخ روح التنين الأسود التي تسكن داخلي بكل ألم.”
مد الأمير يده بإفراط وهو يقطب حاجبيه متألماً، وبدت على وجهه ملامح عذاب عميق. فما كان من إيميليا إلا أن هرعت إليه في لحظة.
“صاحب السمو! هل أنت بخير؟ هل يؤلمك شيء؟”
وضعت كفها على جبين تيسكا بوجه مفعم بالقلق يكاد يبكي.
“أرجوك، أطبق فمك أيها الأمير!”
كان آرون يسد أذنيه بأصابعه بينما يخدش ذراعه بعصبية. لقد أصيب الأمير بمرض لا علاج له، حتى أن المشهد لم يعد يُحتمل النظر إليه. ومع ذلك، كان كل من تيسكا وإيميليا قد غرقا تماماً في عالمهما الخاص، ولم يعودا يسمعان شيئاً مما يقوله آرون.
“لكن… التنين الأسود؟ ألم يختفَ من الإمبراطورية منذ زمن؟”
نظرت إيميليا إلى الأمير تيسكا بوجه يكسوه القلق، فاختلج قلبه بين ضلوعه متأثراً بذلك القلق المنعكس في عينيها الزرقاوين.
“في ليلة اكتمال القمر… حين ظهر بصمت، ختمته داخل قلبي.”
“يا إلهي!”
“لم يكن أمامي خيار آخر… كان ذلك من أجل سلام الإمبراطورية. كَهْه…”
سقط تيسكا وهو يضع يده على صدره. كانت أنفاسه مضطربة ويده المرتجفة تمسح جبينه المتصبب عرقاً.
“صاحب السمو!”
أسرعت إيميليا لتتلقف جسده قبل أن يسقط أرضاً، فجلست على الأرض وهي تحتضن الجزء العلوي من جسده بين ذراعيها.
“إنها دماء الحياة الحمراء…”
كان تيسكا يهذي وهو يحدق في أطراف فستانها الملطخة، بينما أمسك آرون مؤخرة عنقه بيده من شدة الإحباط.
وهكذا، في غمضة عين، حول الأمير المراهق ذو ‘متلازمة الصف الثاني’ إيميليا إلى بطلة مأساوية. والأسوأ من ذلك، أن كليهما كانا يتبادلان الحديث بطلاقة بكلمات غامضة لم يفهم منها آرون شيئاً.
بينما كان آرون يوشك على الاختناق من شدة الضيق، كان الاثنان يبعثان جواً عاطفياً وهم يؤدون مسرحية سخيفة لا يشاهدها حتى الأطفال الصغار.
“توقفا كلاكما فوراً!”
لم يستطع آرون التحمل أكثر، فانفجر صائحاً. لكن طبعاً، لم يُعر أيٌّ من إيميليا أو تيسكا كلامه أدنى اهتمام.
“ذلك الغطاء على رأسك… وتلك السراويل التي بدت من تحت فستانك. لقد شعرت منذ البداية أن في الأمر شيئاً غير طبيعي.”
“م… مَن؟ أنا؟”
حدقت إيميليا في تيسكا بعينين متسعتين، وكانت نظرتها اللامعة أشبه بنظرة شخص غارق في طائفة دينية. عندها لم يعد آرون قادراً على احتمال ما يراه من ابنته.
“ابتعد عن ابنتي حالاً، أيها اللعين… يا ابن التنين الأسود!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات