لم يكن لدى آرون وقت كافٍ حتى للنوم. كان يسهر ليلًا ونهارًا من أجل عائلته، ومن أجل استقرار الإمبراطورية.
“إنها مجرد يوم واحد، فماذا قد يحدث؟”
“لقد امتلأ جدول النصف الأول من هذا العام بالفعل.”
“جميع الطلاب في الأكاديمية يفعلون ذلك، فلا يمكن أن تُستثنى إيميليا وحدها.”
مع كلمات آرون الحاسمة، تراجع كبير الخدم.
لقد تزوج روزيتا خصيصًا لتتكفل بمثل هذه الأمور المزعجة، ومع ذلك فإن وجود إيميليا الذي عاد مجددًا ليقيد خطوات آرون لم يرق لأسوين.
“ألم يُعقد اجتماع أولياء الأمور مؤخرًا؟”
“نعم، حضرت الدوقة.”
أجاب كبير الخدم بسرعة.
“إذن، عليّ أن أسأل روزيتا.”
قال آرون وهو يضع دفتر الملاحظات على المكتب مغادرًا مكتبه. نظر أسوين إلى دفتر الملاحظات الذي استقر على مكتب آرون بنظرة غير راضية قبل أن يدير جسده مبتعدًا.
طَق.
حين فتح آرون باب غرفة إيميليا بلا حذر، لم يجد سوى غرفة مظلمة، فسار بخطوات هادئة هذه المرة. كانت خطواته مختلفة تمامًا عن لحظة دخوله الأولى.
“هممم.”
وأخيرًا، حين وقف بجانب السرير، خرجت من فم آرون أنة منخفضة. عيناه كانتا دافئتين وهو ينظر إلى روزيتا وإيميليا، النائمتين متعانقتين كالعصافير في عش واحد.
طالما اعتاد أن يرى إيميليا الصغيرة تنام وحدها في السرير الكبير، لكن رؤيتها هذه المرة بجوار روزيتا جعلته يفهم لماذا كانت تبحث دائمًا عن أمها.
“هـممم… أبي؟”
وكأنها شعرت بوجوده، مدت إيميليا يدها إليه بعينين نصف مغمضتين من أثر النوم.
“شـه… إيميليا. ما زال الليل.”
“هـم؟”
أمال آرون رأسه متعجبًا من تصرفها. روزيتا التي كانت تحتضن إيميليا بين ذراعيها، تقلبت قليلاً إثر حركة ابنتها المفاجئة.
“…أريد أن أنام مع أبي وأمي معًا.”
قالت ذلك بصوت متثاقل من النعاس، وعلى وجهها ابتسامة خجولة وهي تنظر إلى آرون.
اتجهت نظرات آرون نحو روزيتا. إذا استمر بالتردد أكثر، فإن إيميليا، وربما روزيتا أيضًا، ستستيقظان تمامًا.
“هيا.”
جاء صوت إيميليا أكثر وضوحًا هذه المرة وهي تحثه.
‘سأستلقي قليلًا، ثم حين تنام إيميليا سأخرج.’
خلع آرون رداءه، وانزلق بين ذراعي إيميليا الصغيرتين. امتلأ جسده بدفء لم يصدق وجوده. أغمض عيناه لا إراديًا وابتسم.
—
طَرق… دغدغة.
شعور أشبه بطرق خفيف على خده أيقظه، فتنهد آرون بصوت خافت وهو يتقلب. الملمس الناعم على جلده العاري جعل ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيه بلا وعي. في تلك اللحظة، كانت روزيتا أيضًا تستيقظ ببطء تحت لمسة حذرة تمس وجهها.
رفّة، رفّة.
ارتفعت جفونه المترددة أخيرًا تحت ضوء الشمس المتدفق.
“…هاه؟”
فتحت روزيتا فمها بدهشة حين رأت وجه آرون، وكذلك هو.
فتح عينيه ليجد روزيتا أمامه، فطرف بعينيه مرات عدة غير مصدق.
“لماذا أنتِ…؟”
كادت روزيتا أن تتحدث بدهشة وهي تواجه آرون، لكن…
“صباح الخير يا أمي، يا أبي!”
ظهر رأس صغير بشعر وردي فجأة أمام وجه آرون. إنها إيميليا.
“إيميليا؟”
“هل نمتم جيدًا يا أمي؟ وأنت أيضًا يا أبي؟”
وجنتا إيميليا امتلأتا بالانتفاخ وهي تنظر إلى آرون وروزيتا بالتناوب، قبل أن تفرك خديها الممتلئين بخديهما بابتسامة في غاية السعادة.
“…دخلت فقط لأطرح سؤالًا، لكن يبدو أنني غفوت دون أن أشعر.”
قال آرون وهو يتلقى سيل محبة إيميليا، متبادلًا النظرات مع روزيتا في موقف بدا غريبًا ومحرجًا لكليهما، رغم أنه لم يرتكب ذنبًا.
“أنا سعيدة جدًا! لا أصدق أنني استيقظت هذا الصباح مع أمي وأبي معًا!”
قالت إيميليا بابتسامة مشرقة، وهي تتأمل وجهَي والديها.
“لقد استيقظتِ باكرًا، إيميليا.”
وأخيرًا، وبعد صمت طويل، حولت روزيتا نظرها من آرون نحو إيميليا. أومأت إيميليا برأسها بإيجاب.
“ليلة أمس، بينما كنت أنام بجانب أمي، جاء أبي. ظننته حلمًا، لكن عندما فتحت عيني وجدت أمي وأبي يعانقاني معًا!”
امتلأت عيناها الزرقاوان الصافيتان بسعادة غامرة، حتى بدت كأنها على وشك أن تنفجر من الفرح. عندها، تنهدت روزيتا ببطء.
لقد كان من المحرج أن تجد نفسها في مواجهة آرون عند الاستيقاظ، لكنها لم ترد أن تُفسد سعادة إيميليا.
“لقد نمتِ متأخرة ليلة أمس، ألا تشعرين بالتعب يا إيميليا؟”
ابتسمت روزيتا بقلق وهي تسأل. لكن إيميليا هزت رأسها بسرعة.
“كلا! لم أشعر بأي تعب، لأنكما كنتما تعانقاني بقوة طوال الليل.”
ترددت روزيتا للحظة، وكادت أن تسأل عن العلاقة بين العناق وتخفيف التعب، لكنها سرعان ما هزت رأسها. فالطفلة كثيرة الكلام أصلاً، وإن طرحت عليها هذا السؤال فمن المؤكد أنهما سيتأخران عن الموعد.
“أها. إذن، هل نبدأ بغسل أسناننا أولاً؟”
“حتى تنظيف الأسنان سنفعله معًا؟”
ارتفع صوت إيميليا المفعم بالفرح ليملأ أرجاء قصر بيورن.
—
مرّ الوقت بسرعة كالسهم المنطلق. وجاءت أخيرًا صباحية اليوم الذي طالما انتظرته إيميليا وروزيتا.
“آنستي! لا تقصدين أنك ستذهبين بذلك الثوب، أليس كذلك؟”
“بلى!”
أومأت إيميليا برأسها بقوة وحزم، فوضعت المربية يدها على مؤخرة عنقها وبدأت تأخذ أنفاسًا عميقة محاولة السيطرة على نفسها.
فمنذ يومين، وتحت إشراف كبيرة الخادمات، قلبن غرفة فساتين إيميليا رأسًا على عقب، وأبعدن كل الملابس التي قد تسبب مشكلة.
لكن ما الذي ترتديه الآن أمام أعينهم؟
“من أين جئتِ بذلك الثوب بحق السماء؟”
“لقد اخترتُه مسبقًا كي أرتديه عندما أذهب مع أبي إلى عمله.”
استدارت إيميليا أمامهم في دائرة صغيرة، فألقت المربية بنظرة مرتعبة نحو روزيتا وكأنها على وشك أن تُغمى عليها.
“إيميليا. ألا تعتقدين أن هذا الثوب غير مريح؟”
قالت روزيتا كلمات لا تعكس حقيقة شعورها، محاولةً أن تثنيها عن ذلك. غير أنّ ابتسامة كادت تفلت من بين شفتيها، مما شوّه ملامح وجهها قليلًا، لكنها لم تلفت انتباه أحد.
“ليس غير مريح على الإطلاق.”
أجابت إيميليا بحزم وهي تهز رأسها، مما دفع روزيتا لأن تعضّ شفتها السفلى. لم يكن ارتداء سروال الفروسية مع الحذاء الجلدي العالي مشكلة في حد ذاته، لكن لم يتخيل أحد أن ترتدي فوقه فستانًا كذلك.
والكارثة أن الفستان بدا قصيرًا للغاية بسبب نموها، فكشف عن ساقيها حتى ما فوق الكاحل.
“ذلك الفستان الأحمر لا يناسبك بقدر ما يناسبك هذا الفستان الوردي.”
المربية، التي كانت قد اختارت خصيصًا فستانًا ورديًا لهذا اليوم، لوّحت به أمام عيني إيميليا.
“لا. ذلك الفستان لا يلمع.”
أجابت إيميليا بحزم، وقد تغير ذوقها مؤخرًا إلى كل ما يتلألأ ويبرق.
“إذن، على الأقل انزعي تلك المنديل من على رأسك.”
“مستحيل!”
كادت المربية تبكي وهي تتوسل إليها. فالمشهد كان: منديل أبيض خاص بالتنظيف على رأسها، وفستان أحمر لامع، وفوقه مئزر أبيض، وتحت ذلك سروال الفروسية مع الحذاء، يكتمل كله بحقيبة على شكل رأس أرنب بدت ظريفة إلى حد الرعب.
‘رائع!’
هتفت روزيتا في داخلها بذهول. لم تستطع إلا أن تبدي إعجابها بعناد الطفلة وقدرتها على ارتداء كل تلك الملابس دفعة واحدة.
“إيميليا. هل تعلمين ما هو هذا اليوم؟”
سألتها روزيتا برفق. فهزّت إيميليا رأسها بحماس.
“طبعًا!”
فالأطفال الأسرع حظًا كانوا قد مرّوا بالفعل بتجربة “يوم مع الأب”. أما إيميليا، التي كانت من المتأخرين، فقد انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر بعد أن سمعت عرض أصدقائها، وكانت تضرب الأرض بقدميها شوقًا إلى هذا اليوم. أما الآن، فخدّاها منتفخان وعيناها تلمعان بحماس، مما جعل ابتسامة عفوية ترتسم على وجه روزيتا.
“إذن، أنت تعلمين أيضًا أننا ذاهبون إلى القصر الإمبراطوري.”
“بالطبع، ولهذا ارتديتُ أجمل فستان عندي.”
قالت إيميليا بزهو وهي تنفخ صدرها.
كان ذلك الفستان هدية من آرون في عيد ميلادها العام الماضي، لكن كما هو الحال مع الأطفال في فترة النمو، فقد أصبح ضيقًا عليها منذ زمن.
“أها.”
ارتفعت ذقن إيميليا بفخر رغم أن مظهرها غريب في نظر الجميع. وما إن أومأت روزيتا برأسها، حتى بدأت إيميليا، المليئة بالحماسة، بإلقاء خطاب طويل عن “قوانين الأناقة” لهذا اليوم.
“أبي قال إن لديه أعمالًا كثيرة، كثيرة جدًا.”
وكأنها تقلد أسلوب معلم الأكاديمية، ارتسمت تلقائيًا على وجه روزيتا ابتسامة أمومة.
“حقًا؟ إذًا والدك لديه الكثير والكثير من الأعمال.”
وراحت روزيتا تهز كتفيها بخفة، منسجمة مع حماس إيميليا وموافقة لها بإيقاع مرح.
“أولًا، التنظيف.”
“التنظيف؟ تقصدين التنظيف الذي يُكنَس فيه الأرض وتُمسَح، يا إيميليا؟”
لم يكن من المنطقي أبدًا تخيّل آرون بيورن ممسكًا بمكنسة ويجول في أرجاء القصر الإمبراطوري لينظفه.
فأجابت إيميليا على سؤال روزيتا:
“أبي قال إنه ينظف القذارات الموجودة في الإمبراطورية ويجعلها نظيفة.”
وبالفعل، كان أحد أعمال آرون الكثيرة هو ‘تنظيف’ الإمبراطورية من أولئك الذين يضرون بها، لكن الفارق أن طريقة إيميليا في فهم الأمر كانت مختلفة تمامًا.
“ثانيًا، اللعب مع جلالة الإمبراطور.”
“يا إلهي!”
عند سماع كلمات إيميليا، تنهدت المربية بشدة. وقد ترنحت وكادت أن يغمى عليها من وقع الصدمة قبل أن تهوي جالسة على الأريكة. أما روزيتا فاكتفت بإلقاء نظرة سريعة عليها، دون أن توقف إيميليا.
“تقول إن جلالة الإمبراطور يجلس بلا حراك ولا يفعل شيئًا، لذا يجب أن يطعموه بيدهم في كل مرة. ولهذا السبب يحتاج إلى مريلة.”
ضحكت روزيتا ضحكة ساخرة خفيفة. وتذكرت المثل القديم: ‘حتى أمام الأطفال لا يمكنك شرب الماء بتهور.’
بالطبع، كان آرون قد قال ذلك لإيميليا فقط ليبسط لها شرح ما يقوم به من أعمال، لكن الصغيرة تقبّلت كلماته بصدق كامل وببراءة مطلقة.
‘هل يُسمى هذا الوقوع في الفخ الذي نصبه لنفسه؟’
أراد أن يبدو رائعًا أمام ابنته المحبوبة، فراح يشرح لها أعماله بطرق مختلفة، غير أن الأسلوب كان في غاية السوء.
‘هل لهذا السبب يقولون إنه لا ينبغي ترك الأطفال للعناية بالآباء؟’
بمجرد أن فكرت روزيتا بما ينتظر آرون اليوم، شعرت بالشبع حتى وإن لم تتناول الطعام.
“ثم بعد الظهر، قال إنه سيقوم بالتعليم العقلي لسمو الأمير، الذي لا يعرف حتى كيف يمسك لجام الحصان بشكل صحيح.”
رفعت إيميليا طرف فستانها عاليًا، فكشفت أسفله عن سروال ركوب الخيل مع الحذاء الجلدي.
‘ما الذي ستفعله الآن، يا آرون بيورن؟ إن لم تكن حذرًا، فستصير عاطلًا عن العمل لا محالة.’
ابتسمت روزيتا ابتسامة مشرقة، تلك التي اعتادت أن ترتسم على شفاه ‘زوجة الأب الشريرة’ ذات السطر الواحد الموصومة بعَلم الموت، والتي غيّرت مسارها لتصبح زوجة رجل عاطل عن العمل.
“ابنتنا إيميليا ذكية بشكل مذهل!”
أغدقت روزيتا الثناء على إيميليا. فارتفع أنف الصغيرة كأنما يوشك أن يلامس السماء من شدة الفخر.
“ماذا تقولين! هذا أمر بديهي بالنسبة لي!”
ضحكت إيميليا ابتهاجًا بكلمات المدح، وأخذت تدور حول نفسها بفرح. عندها وضعت روزيتا على كتفيها الرداء الأبيض الجديد الذي اشترته مؤخرًا. فكان المشهد النهائي وكأنها لصّة جبلية هبطت لابتزاز الآخرين!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"