ارتجفت البارونة الجالسة بجانب روزيتا للحظة من ابتسامتها الفاسدة، لكن الأخيرة لم تعد تكترث بنظرات الآخرين بعد الآن.
في هذه الأثناء، كان ذهن مركيزة لوستر التي نادت بكل ثقة على المدير أندرسون في غاية الاضطراب.
‘أنا خريجة الأكاديمية الملكية، لا يمكن أن أخسر أمام مثل تلك الصغيرة!’
“السيدة إيرينا؟”
نادى المدير أندرسون مجددًا على مركيزة لوستر. وبسبب النداء الثاني، تركزت أنظار جميع من في قاعة الاجتماع عليها.
“نعم، مدير الأكاديمية.”
“إن كان لديكِ رأي مختلف، فتفضلي بالحديث دون حرج.”
حثّها المدير أندرسون بابتسامة ودودة.
“ذاك هو…”
في الحقيقة، كل ما فعلته هو رفع يدها بدافع الغيظ من كون روزيتا محط الأنظار. لكنها إن لم تقل شيئًا الآن، فمن المؤكد أنها ستُصبح أضحوكة في المستقبل.
رفعت مركيزة لوستر طرف شفتيها بتكلف، وبدأت بالكلام بحذر.
“فكرت… ماذا لو وفرنا لهم إخوة وأخوات؟”
“إخوة وأخوات؟”
تفوهت بذلك عفويًا دون تفكير مسبق. لكن ما إن نطقت به حتى بدا لها أنه اقتراح جيد فعلًا. علت نبرتها وهي تستوعب الموقف بسرعة.
“نعم. إيرينا ابنتي وحيدة، وقد كانت دومًا تشعر بالغيرة من الأطفال الذين لديهم إخوة أو أخوات.”
قالت مركيزة لوستر وهي تتفقد من حولها.
“أليس كذلك؟ معظم الأطفال في هذا العمر يغارون فعلًا من أقرانهم الذين لديهم أشقاء.”
أومأ المدير أندرسون برأسه كما لو كان يتفهم.
“في الواقع، أعلم أن في الأكاديمية عددًا كبيرًا من الطلاب الذين قدموا من مناطق أخرى للدراسة بمفردهم. فما رأيكم أن نُقيم علاقة ‘أخوة رمزية’ بينهم ليصبحوا بمثابة مرشدين لبعضهم؟”
“ليست فكرة سيئة.”
ابتسمت مركيزة لوستر ابتسامة عريضة وقد ابتلعت ريقها. بالنسبة لاقتراح عابر خرج من فمها فجأة، كان يبدو رائعًا حتى لها.
“أليس كذلك!”
قالت المركيزة بابتسامة مشرقة وهي تنظر من حولها. أخذ الجالسون بقربها يهزون رؤوسهم موافقين على اقتراحها.
“لكن لإقامة مثل هذا الدرس، علينا أن نأخذ آراء الآخرين أيضًا. قد لا يكون هناك إقبال كبير.”
قال المدير أندرسون وهو يميل برأسه قليلًا ويرفع كتفيه.
“ماذا؟”
ما إن سمعت كلام المدير حتى خبت البهجة التي علت وجه مركيزة لوستر قبل لحظات.
‘متى أثنى على اقتراحي وعدّه رائعًا؟ ولماذا غير موقفه فجأة؟’
“الأمر لا يقتصر على طفلك فقط، بل يعني دعوة طفل آخر إلى المنزل. هناك من قد يجد الأمر مرهقًا بالتأكيد. كما يجب أخذ آراء العائلات الأخرى في الاعتبار.”
قال المدير أندرسون بهدوء وهو يعدد نقاط الضعف في اقتراحها.
“مستحيل. فهم يعرفون بعضهم بالفعل، وهذا سيمنح أطفالهم والدًا أو أمًا ثانية إلى جانب أخ أو أخت إضافيين يعتنون بهم عن قرب. لا أظن أن أحدًا سيرفض ذلك.”
هزّت المركيزة كتفيها بمبالغة وهي تنظر حولها. صحيح أن الحاضرين أومأوا برؤوسهم أمامها خوفًا من سطوتها، لكن وجوههم لم تبدُ سعيدة حقًا.
“فكرة التوجيه رائعة بالفعل، لكن أظن أنها تحتاج إلى الكثير من التحضير.”
قال المدير أندرسون وهو يتفقد أولياء الأمور الجالسين. ولأن صاحبة الاقتراح كانت مركيزة لوستر، لم يبدُ أن أحدًا منهم يرغب في رفض الأمر صراحة.
“ماذا لو حسمنا الأمر بالتصويت برفع الأيدي، مدير الأكاديمية؟”
قالت مركيزة لوستر رافعة ذقنها عاليًا وكأن رأيها قد أُهمل ظلمًا. وتحت نظراتها الباردة، خفض الجميع رؤوسهم وتجنبوا عينيها.
“لا أظن أن هذا أمر يمكن حسمه فورًا في هذا المكان. والدة إيرينا. علينا جمع الآراء المطروحة اليوم ومناقشتها مع باقي المعلمين أولًا.”
لكن المدير أندرسون كان أكثر حزمًا مما توقعت مركيزة لوستر. فهي كانت تعلم جيدًا موقع المركيزة بين أولياء الأمور، وإن جرى التصويت برفع الأيدي كما قالت المركيزة، فسيكون هناك من يرفع يده مجبرًا رغبة في نيل رضاها.
“هكذا إذن؟”
تراجعت مركيزة لوستر خطوة إلى الوراء بعد كلام المدير أندرسون، لكن نظراتها ظلت حادة وقاسية.
ومن بين الحاضرين، خرج صوت البارونة التي جلست مترددة لكنها أرادت اغتنام الفرصة لتكسب ود المركيزة.
“أنا أعتقد أن اقتراح المركيزة رائع للغاية.”
وعلى الرغم من نبرتها المرتجفة ووجهها الذي احمرّ خجلًا، فإن البارونة لم تُخفض صوتها.
“هكذا ترين الأمر. هل لكِ أن توضحي لنا ما الذي أعجبك فيه تحديدًا؟”
شجعها المدير أندرسون بابتسامة لطيفة.
“لدي في البيت ثلاثة أطفال. وجميعهم أولاد. لطالما تمنيت أن أجرب شعور أن أكون أمًا لابنة!”
فانفجرت القاعة بالضحك، وسرعان ما عمّ جو من الألفة والمرح، حتى المدير أندرسون لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك.
“أشكركم جميعًا على آرائكم القيمة. سأناقش الأمر مع باقي المعلمين، وسنوافيكم بالنتائج من خلال الأطفال لاحقًا.”
‘ماذا؟’
ارتجفت روزيتا الجالسة بصمت من ذلك اللمعان الغامض في عيني المدير أندرسون. ولم تمضِ فترة طويلة حتى وصل الإشعار الذي طالما انتظرته، محمولًا في حقيبة إيميليا الصغيرة.
—
—
—
“آنسة إيميليا. لقد تجاوزنا وقت نومك منذ مدة طويلة.”
قالت كبيرة الخدم بنبرة صارمة وهي تحدق فيها بعينيها البنيتين اللامعتين تحت حاجبيها المرتفعين بغضب.
“لكن أبي لم يأتِ بعد.”
تمتمت إيميليا وهي تفرك عينيها المثقلتين بالنعاس، بينما ظلت عيناها مثبتتين على المدخل. أثار عنادها هذا انزعاج كبيرة الخدم، فزمّت ما بين حاجبيها.
“إن لم تطيعي الأوامر، فسيخيب أمل الدوق بك. لم تكوني هكذا من قبل. ما الذي يجعلك لا تنصاعين مؤخرًا؟”
ثم تحولت نظراتها نحو روزيتا. بالنسبة لعائلة بيورن، التي كانت تُعتبر الأشرف في الإمبراطورية، لم يكن وجود إيميليا – التي ظهرت فجأة في حياتهم – سوى عبء يكفيهم.
لكن رغم ذلك، فقد تزوج آرون بيورن من روزيتا إيفلبري سيئة السمعة، فقط لأنها كانت المرأة التي اختارتها ابنته.
بالنسبة للتابعين والخدم الذين خدموا عائلة بيورن بإخلاص لسنوات طويلة، لم تكن الأم وابنتها سوى طفيليتين قذرتين تكبلان أقدام آرون.
وفوق ذلك، اعتقدت كبيرة الخدم أن سبب تمرد إيميليا مؤخرًا يعود لتدخل روزيتا في تربيتها.
أمام نظراتها المليئة بالاستياء، انكمشت إيميليا قليلًا، وشعرت بشفتيها تتدلّيان دون وعي.
كان أفراد المنزل لطفاء معها، لكنهم لم يكونوا دافئين. فقد كانوا يقدمون لها الطعام في وقته، ويرتبون لها سريرها، لكنهم لم يضموها يومًا إلى صدورهم.
خفضت إيميليا بصرها إلى دفتر الإشعارات الصغير في يدها. ووفقًا لما قاله المعلمون، فإن فيه واجبًا يجب أن تقوم به برفقة والدها. تذكرت جيدًا قولهم إنه يجب عليها تسليمه له بنفسها، فرفعت عينيها إلى روزيتا.
“إيميليا. ألا تشعرين بالتعب؟”
سألتها روزيتا، وهي تنحني قليلًا وتنظر إليها. كانت هي نفسها قد أنهت استعداداتها للنوم منذ وقت طويل.
“أنا بخير.”
رغم امتلاء عينيها بالنعاس، إلا أن إيميليا تمسكت بالدفتر في يديها الصغيرة بعناد.
“ما رأيك أن أسلمه أنا لوالدك بدلاً منك؟”
عرضت روزيتا عليها برفق، لكن إيميليا هزت رأسها نافية.
“… أريد أن أعطيه له بنفسي.”
خرجت تنهيدة من صدر كبيرة الخدم إثر كلماتها. ومع هذا الصوت، ارتجفت أكتاف إيميليا الصغيرة. ارتعشت عيناها الزرقاوان بقلق واضح. كان هذا أول مرة تُصر فيها على شيء بهذه الصورة. عندما لم تكن روزيتا بجانبها، لم يكن ليخطر ببالها أن تتجرأ حتى على مجرد التفكير بمثل هذا.
“حسنًا، ما رأيك أن تنامي قليلًا الآن؟ وعندما يعود الدوق، سأقوم بإيقاظك.”
قالت روزيتا بابتسامة مطمئنة، لكن إيميليا أشرقت عيناها فجأة ثم هزت رأسها بعناد.
انتقلت نظراتها نحو كبيرة الخدم. كانت تعلم أنه إن حاولت روزيتا إيقاظها عند عودة والدها، فسوف يمنعونها بالتأكيد.
ازدحم عقل روزيتا بمفاهيم علم نفس الطفولة التي درستها في محاضرات الثقافة.
“آنسة… لماذا لا تطيعين الأوامر هكذا؟ لم تكوني هكذا من قبل.”
قالت كبيرة الخدم بنبرة توبيخ، لكنها في الواقع كانت تُلقي باللوم على روزيتا نفسها. وتحت تلك النظرات القاسية، انكمشت إيميليا أكثر وتيبست أطرافها من الخوف، خشية أن تكون قد تسببت بوقوع روزيتا في موقف صعب.
“لا بأس يا إيميليا.”
ركعت روزيتا على ركبتيها لتقابل عينيها مباشرة، ثم مدّت يدها تداعب شعرها وتُرجعه للخلف. شعرت الطفلة بدفء يدها، ففركت خدها بها دون وعي، مما جعل روزيتا تضحك بخفة.
“يا دوقة، لا ينبغي لكِ أن تشجعي آنسة صغيرة على عنادها. لقد تجاوزنا وقت النوم بكثير، وهذا سيؤثر سلبًا على برنامجها غدًا.”
هزّت روزيتا رأسها موافقة على كلام كبيرة الخدم. وبمجرد فعلها ذلك، ارتجفت إيميليا قليلًا.
“صحيح. فإيميليا ما زالت طفلة صغيرة.”
“هذا ما كنتُ أقوله!”
تنفست كبيرة الخدم تنهيدة طويلة وهي تهز رأسها، لكن نظراتها إلى روزيتا أصبحت أكثر ليونة قليلًا بعد أن أبدت موافقة على كلامها.
“إيميليا. كما قالت كبيرة الخدم، إن لم تنامي الآن فقد تجدين صعوبة في الاستيقاظ غدًا. هل أنتِ متأكدة أنك بخير مع ذلك؟”
بقيت إيميليا صامتة، ضاغطة شفتيها بإحكام بينما كانت عيناها تتقلبان هنا وهناك.
“إن لم أسمع كلام أمي، فهذا يعني أنني لستُ فتاة مطيعة، أليس كذلك؟”
هزّت روزيتا رأسها نافية.
“لا، إيميليا. ما أريده هو أن تعرفي أن لكل فعل تقومين به نتيجة، وأنكِ مسؤولة عنها.”
“مسؤولة؟”
“نعم.”
أومأت روزيتا برأسها وهي تخلع الكارديغان الذي كانت ترتديه وتلفه حول جسد إيميليا الصغير.
“إن لم تنامي الآن، فستشعرين بالنعاس غدًا، ولن تستطيعي الاستمتاع باللعب مع أصدقائك. هل أنتِ موافقة على ذلك؟”
“إعطاء دفتر الإشعارات لأبي أهم من اللعب مع الأصدقاء.”
قالت إيميليا وهي تضغط شفتيها بعناد. كان قلبها يتوجع قليلًا من تأخر عودة أبيها بشكل غير معتاد هذا اليوم، حتى شعرت أن دموعها ستنهمر.
“حسنًا إذن. فلننتظر والدك معًا.”
“يا دوقة!”
رفعت كبيرة الخدم صوتها غاضبة، وهي التي لم تكن راضية أصلًا عن ترك روزيتا للطفلة لتلهو بحرية دون دروس خصوصية.
‘ماذا لو أدى ذلك إلى رسوب آنستها في النهاية؟’ هزّت رأسها بشدة، فهذا أمر لا يمكن أن يحدث أبدًا في بيت دوق بيورن.
“إيميليا الآن تُنجز واجبها الذي كُلّفت به من المعلم. وإذا تأخر الدوق عن العودة فلم يكن أمامها خيار آخر. سيكون المعلم متفهمًا للأمر بالتأكيد.”
ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه إيميليا وهي ترى روزيتا تقف في صفها ضد غضب كبيرة الخدم.
وحين تبادلت الأم وابنتها ابتسامة صافية، ازدادت ملامح الغضب والامتعاض على وجهي كبيرة الخدم والقيّم.
قبضت إيميليا على يد روزيتا، فما كان من كبيرة الخدم إلا أن شدّت شفتيها أكثر وأحكمت تقطيبة وجهها.
ومع إصرار الاثنتين على البقاء أمام المدخل وعدم التحرك، ازداد الارتباك في أرجاء القصر.
كان ذلك مشهدًا غير مسبوق، جعل جميع العاملين في بيت الدوق ينشغلون بقراءة الجو الغريب المشحون بين روزيتا وإيميليا من جهة، وكبيرة الخدم والقيّم من جهة أخرى.
وفي تلك الأثناء، عاد بطل الموقف المنتظر، آرون بيورن، إلى القصر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"