القاهرة
انتهى حفل طاهر عزت
ومعه عقد قران باكينام ويوسف
والربع ساعة المقررة أصبحت عدة ساعات
باكينام على وشك الانهيار
مازالت عاجزة عن التصديق
ما كل هذا؟!!
كانت ستحضر لربع ساعة مجاملة لوالديها تلقي التحية وتعود لجدتيها
فإذا الربع ساعة تتحول لكابوس من أسوأ كوابيس حياتها
وينتهي الكابوس بزواجها من يوسف
تبقى عدد محدود من الضيوف
باكينام تهمس لوالدتها بالانجليزية: ماما أنا ذاهبة
سوزان بحنان: انتظري 5 دقائق فقط وسنذهب كلنا
يوسف كعادته الرديئة التي برزت مؤخرا كان من تدخل: اسمحي لي سيدتي أنا سأوصلها
سوزان تبتسم: لا تستأذني فهي أصبحت زوجتك
انتفضت باكينام بعنف
زوجته.. زوجته.. زوجته
(أنا أصبحت زوجته
أي كابوس مرعب هذا؟!
متى سأصحو من هذا الكابوس
وأجد أني كنت أحلم حلما طويلا مريعا)
يوسف يمسك بيد باكينام ودفء يده يقنعها أنها لا تحلم: يالله حبيبي عشان أوصلك
باكينام تود أن تنتزع يدها من يده وأن تصفعه وتعضه
وتخلع حذائها وتحدث بكعبه ثقوب عميقة في رأسه العنيد المجنون
لم تشعر في حياتها كلها بالقهر كما تشعر الآن
هذا اليوسف الخبيث أجبرها على تنفيذ كل مايريد وقادها كما تُقاد الشاه للمسلخ
لا تحتمل وجوده ولا حتى دقيقة إضافية همست له:
يوسف اعتئني عشان ربنا..أنا مش طايئاك سيبني امشي
يوسف يهمس: وأنا كمان ياحبيبتي مش طايئك.. امشي أوصلك
باكينام مرهقة حقا: يوسف أنته ما بتهمدش..
حرام عليك بائول لك مش طايئاك.. يارب أموت عشان أرتاح
مزق يوسف دعائها على نفسها بالموت (لهذه الدرجة تكرهني!!!)
لم يرد عليها
تناول كفها وهو يعتصرها في كفه وخرج بها خارج القاعة وهو يجرها حتى وصل سيارته: اركبي
باكينام ركبت
ماعاد بها أدنى طاقة للصراخ.. مستنزفة تماما من هذه الليلة المارثونية
وهاهي في سيارته الفخمة تجوب بهما شوارع القاهرة التي لا تهدأ حتى في وقت متأخر كهذا
مسافة طويلة تفصل بين فندق الفورسينز وبيتها في المعادي
لم يسألها عن مكان بيتها فهو يحفظه
ووقف أمامه عدة مرات الأيام الماضية عله يلمحها
ولكنها لم تكن تخرج مطلقا
أكثر من عشر دقائق من الصمت مرت
كلاهما غارق في تفكيره الخاص
يداه على مقود السيارة
ويداها ترتاحان على فخذيها
مد يده لكفها الأقرب له
تناوله
باكينام ارتعشت بعنف
هناك أمسك يدها أمام الناس ومن أجل المظاهر
فماذا يريد الآن؟؟
رفع يدها إلى شفتيه وطبع على ظاهرها قبلة عميقة
باكينام انتزعت يدها وهي تحتضنها وترتعش:
ما اعتقدش أنه من لوازم تربيتي الحركات اللي مالهاش داعي دي
لم يرد عليها
مسكون بالنشوة
(إذا كان لملمس كفها هذا التأثير على روحي
فكيف بملمس خدها أو شفتيها؟!!)
تسربل الجو بينهما بالصمت لدقائق أخرى
همس بصوت عميق: تحبي نوئف شوية في كورنيش المعادي قبل ماأرجعك البيت؟؟
باكينام انفجرت
انفجرت تماما
كل كبت الساعات الماضية -الذي يوزاي سنوات- تدفق كحمم بركانية:
أنته تكون فاكر نفسك خطيبي وإلا جوزي بجد
نمشي عالكورنيش ونئزئز لب ووكل واحد يتغزل في التاني
اصحا يادلوعة ماما
أنا بأكرهك باكرهك.. ومهزلة الجواز دي زي ماورطتني فيها
تخلصني منها..
أنا عمري ماشفتش واحد حقير وندل زيك
أنا بأكرهك باكرهك ولاخر يوم في عمري هأكرهك
يوسف همس وابتسامة ملولة تتلاعب على شفتيه: خلصتي شتيمة؟؟
باكينام بغضب كاسح: لا هتسمعني وغصبا عنك هتسمعني
مش كل حاجة على كيفك
يوسف بحزم: باكي انزلي.. ئبل ما أنزلك سحب من العربية
باكينام تشتعل.. نزلت وهي تغلق الباب بعنف
ثم لفت من ناحيته لتقول له بهمس غاضب:
أتمنى يكون عندك شوية كرامة
وماتورنيش وشك تاني وتبعت لي ورئة الطلاء
خلاص أنته عملت اللي أنت عاوزه
ورديت لي الألم وزيادة..وزليتني وهنتني
وكده خالصين.. وده أخر كلام بيننا
كانت باكينام تتكلم بكل جدية
وكان رد يوسف عليها أن حرك سيارته وتركها تصرخ في الشارع
أمام باب بيتها
(كم هي غبية
غبية ولذيذة
“ئال خالصين ئال؟؟”
“إحنا لسه هنبتدي؟!”
مغرورة وسخيفة وتافهة
ولكنها تثير جنوني
لم تفعل بي امرأة هذا مطلقا
لطالما كانت المرأة مخلوقا فاقدا للأهلية في عرفي
حتى عرفتها
قلبت موازيني
قلبتها تماما!!)
قبل الفجر
الكثير من القلوب عاجزة عن النوم هذه الليلة
مريم جاءها والدها
وأخبرها بخطبة سعد لها
وطلب منها أن تفكر وتأخذ وقتها في التفكير
بعد أن أشاد في سعد كثيرا وزكاه كما يفرض عليه الحق
ولكنه في داخله كان يشعر بحزن عميق شفاف
بالكاد احتمل فكرة ذهاب العنود لبيت آخر
فكيف بمريم شمعة بيتهم؟!!
وهاهي مريم تفكر.. للمرة الثانية تفكر
أو ربما المرة الألف!!!
هيا عاجزة عن النوم
لم تستطع البقاء في غرفتها مع رائحة مشعل العميقة التي تغمر المكان
لذا قررت أن تستغل أيام غياب مشعل بالنوم عند جدتها
منها أن تتلهى عن غيابه
ومن ناحية أخرى تستمتع بقرب جدتها وأحاديثها
وهاهي مازالت ساهرة
وهي تنظر بحنان متعاظم لجدتها المستغرقة في النوم
وتدعو الله بعمق أن يحفظ مشعل ويعيده لها سالما
تشعر أن مشعلا هو كل ما تبقى لها في الحياة
نعم هي سعيدة بعودتها لأهلها واحتضانهم لها
ولكنها تشعر أنها لا تنتمي لأي شيء إلا لمشعل
لــمشــعـــل فقط
مشعل كان نائما وقتها
استعداد لنهوضه المبكر لصلاة الفجر وإكمال رحلتهما
لكن رفيق سفره جافاه النوم
راكان مستنزف من التفكير
لم يخطر له مطلقا أنه قد يتزوج موضي وبعد كل هذا الوقت
الأمر كما لو أنك كنت عطشانا طوال عمرك
ستموت من أجل قطرة ماء
وحينما أصابك الجفاف وأصبحت على شفير الهاوية
وماعادت كل مياه العالم لتنقذ روحك الذاوية
أحضروا الماء أمامك وأجبروك على ازدراده
ورغم أن الماء يبقى نعمة لا مثيل لها ولكنها نعمة ماعادت لتنفعك بشيء
ولا تستثير رغبتك فيها
وهذا هو حاله تماما مع موضي
هاهو يُجبر على ازدرادها
ورغم أنه يراها نعمة حقيقية ولكنها نعمة هو في غنى تام عنها وماعاد راغبا بها!!!
موضي ساهرة دامعة.. روحها تبكي قبل عينيها
محطمة ممزقة مشتتة ومُهانة
تكره نفسها
وتكره الظروف التي دفعتها لعرض نفسها على راكان بهذه الطريقة المزرية
راكان ذاته وحتى قبل أن تتزوج حمد لم تفكر به يوما كزوج
ولم تحمل له أي مشاعر خاصة
رغم أن المنطق الرومانسي قد يفترض شيئا من هذا
فراكان بشخصيته الواثقة الناجحة ومزاياه العديدة كان يبدو لها شيئا أشبه بأسطورة
ولا أحد يتزوج الأساطير
وخصوصا أنها عرفت بزواجه بعد زواجه بأشهر فقط
كانت حينها في الثامنة عشرة
السن الذي قد تبدأ الفتاة فيه بالتفكير في شخص قد يكون هو نصفها الآخر
معرفة موضي بزواج راكان وأسبابه وظروفه عززت صورته الأسطورية في خيالها
وأبعدته عن إطار تفكيرها الرومانسي
وفعليا هي لم تفكر مطلقا بأي رجل محدد
فهي كانت متفوقة في الدراسة
وفي الجامعة كان تخصصها الصعب يستنزف تفكيرها
وبعد تخرجها بأشهر تزوجت حمد
وطوال هذه السنوات كلها ظلت تحتفظ بسر راكان في أعمق بئر في روحها
شعرت أن احتفاظها بسره هو أقل شيء قد يقدم لمن هو في عظمة راكان وشهامته ونخوته
وهاهي خطوط حياتها تتقاطع مع خطوط حياته
رغم أنها رافضة لهذا التقاطع ورافضة لاقتراب أي رجل من حدودها الممتهنة المدمرة
تريد أن تحتفظ بما بقي من روحها الذاوية لنفسها
وتريد أن تعيش مابقي من حياتها لنفسها
وتريد أن تحتفظ بجسدها لنفسها
ولكنها مجبرة على تقديم التنازلات من أجلها.. من أجل المخلوقة الأعز والأغلى
كما اعتادت أن تتنازل طوال عمرها من أجل غيرها
في هذا التنازل ستخسر أشياء كثيرة
ولكنها على الأقل واثقة أنها مع راكان ستحتفظ بما تبقى من كرامة روحها وجسدها
باكينام
بعد أن تركها يوسف تصرخ في الشارع
دخلت إلى البيت وهي تتسحب لم تكن تريد أن ترى جدتيها في هذا الوقت بالذات
وهي مستثارة وتشعر برغبة حادة في البكاء والاختلاء بنفسها
دخلت غرفتها وأغلقت الباب على نفسها بالمفتاح
فهي تعلم أن والدتها ووالدها على وصول
وبالتأكيد سيمران بها لتهنئتها على حظها العظيم الذي بعث لها بهذا المغرور المعتوه أستاذ الجامعة المجنون ابن الذوات
وأخر شيء تريده هو أن يهنئها أحد
يعزونها ربما!!
لِـمَ عاد لحياتها بهذه الطريقة وبهذه الصورة المبالغ في تراجديتيها؟؟
كان يعرف مكانها طوال الوقت ويعرف من هي
لماذا لم يطلب مقابلتها كما قد يفعل كل الناس الطبيعين
يصفون مابينهما
ثم يطلبها للزواج
كانت حينها ستكون أسعد مخلوقات الله
ولكنها الآن وبما فعله هذه الليلة تشعر أنها المخلوق الأكثر تعاسة على وجه الأرض
فهي كانت تراه شيئا عظيما ومشاعرها نحوه كانت استثنائية تماما
ولكنه بما فعله الليلة كسر شيئا ثمينا في روحها
سلبها حقا مقدسا
حق اتخاذ القرار
فهو من اتخذ كل القرارات ونحاها جانبا
وكم كان هذا قاسيا على من هي مثلها
معتادة على الاستقلال واتخاذ قراراتها بنفسها
شعرت أنه بالغ في إهانتها والعبث بها والحط من شأنها
(يبدو أن أنّا صفية كانت محقة
عربي همجي.. يراني بضاعة تُشترى
أين كان عقلي حين نحيت قناعاتي وسمحت لقلبي أن يتعلق به
حتى بعد أن عرفت أنه مصري
ولكن لم تنتهِ اللعبة بعد يا يوسف
وأنت لم تعرفني بعد
فأنا سليلة عناد أصيل)
يوسف في شقته الخاصة في منطقة الزمالك
فهو استقل بسكنه منذ سنوات
فحياة والديه المليئة بالمجاملات والكثير من العزائم والضيوف
لم تكن تناسب رتم حياته الهادئ
فهو اعتاد على القراءة والبحث
لذا منذ بدأ بالعمل كأستاذ علم اجتماع في جامعة القاهرة
استقل بسكنه بحجة أنه يريد أن يكون قريبا من مكان عمله
وخصوصا أن قصر والده الجديد بناه في منطقة السادس من أكتوبر البعيدة قليلا عن قلب القاهرة
رغم أنه بات يفكر أن يعود للسكن معهما مجددا بعد تخرجه المقرر بعد عدة أشهر
فشقيقته الصغرى ستتزوج بعد أشهر
ولا يستطيع ترك والديه وحيدين في بيت ضخم ليس معهما سوى الخدم
وخصوصا أنه هو ذاته سيتزوج
تتسع ابتسامته وهو يتذكر هذا الأمر
من يصدق؟؟
هو ذاته مازال عاجزا عن التصديق
ينظر ليده اليسرى.. يدير دبلته عدة مرات
فهذه الدبلة لم تستقر في يمناه إلا أقل من ساعة لتنتقل بعدها ليسراه
في أقصر فترة خطوبة في التاريخ
يشعر بخدر لذيذ وهو يتذكر ملمس يديها
لا يصدق أن مخططه نجح
وضع كل الاحتمالات في ذهنه حتى يحكم سيطرته على الوضع
فهو عرف ابنة من تكون منذ أيام واشنطن
فهو يعرف والدها جيدا ورأه عدة مرات في بريطانيا في السفارة.. وفي القاهرة عند والده
شعر بتسلية غامرة وهو يراها تظنه مكسيكيا
وهذا الظن جعلها تتحدث أمامه بالعربية
تتحدث مع صديقتها في أشياء خاصة دون حرج لأنها تظنه لا يفهمها
بل وتتغزل به أحيانا
يبتسم وهو يتذكر
وحقيقة :كان يريد إخبارها بالحقيقة
ولكنه كان يريد إخبارها خارج إطار المقهى
لتراه بحقيقته وتتعرف عليه
ولكنها كانت ترفض مقابلته
وهي تضع بينهما حدودا رسمها غرورها وتكبرها
كان يكره فيها هذا الغرور.. كما كره الغرور طوال حياته
لذا يريد أن يكسر فيها هذا الغرور
تتسع ابتسامته وهو يتذكر أحداث هذه الليلة
التي سارت بشكل أفضل مما خطط له
فمخططه كان يشمل الخطبة فقط
فجاءت فكرة عقد القرآن كمكافاة حقيقية له
وسارت بشكل رائع ولا حتى أجمل أحلامه
أما لِـمَ فعل كل هذا؟؟ لِـمَ لم يطلبها للزواج بشكل طبيعي؟؟
لسبب وحيد
أنه يجهل مشاعرها
لذا خشي أن ترفضه.. وقرر أن يضعها أمام المدفع
حتى لا تجد لها منفذا للهروب من براثنه
وفعلا لم تجد لها منفذاً
اليوم التالي
القاهرة بعد صلاة الظهر
باكينام صلت الظهر ومازالت في غرفتها تغلق عليها الباب
فهي متأكدة أن جدتيها عرفتا بخبر عقد قرانها
وهي غير مستعدة لمواجهتهما
ولمواجهة أنّا صفية بالذات
تكره أن تسمع تقريع جدتها لها
والأسوا من التقريع أنها كانت محقة
(فهأنا أتزوج من عربي متخلف مهما درس وتعلم يبقى متخلفا
يريد إعادتي لعصور العبودية والجواري
بل أعادني وهو يجبرني عليه
كأني جارية له
أنا باكينام الرشيدي
التي لم يُفرض علي يوما شيئا حتى والدي نفسه لم يجبرني يوما على شيء
يأتي هذا اليوسف الحقير ليفعل بي مايشاء
أتمنى أن يكون راجع تفكيره اليوم وقرر أن يطلقني)
باكينام بعد فترة قررت أن تنزل
فهي ليست ضعيفة لتهرب من المواجهة
وهي لابد ستواجه جدتيها
فلماذا تأجل هذه المواجهة؟!!
وخصوصا أنها وعدت الاثنتين أن تأخذهما للأهرامات
ثم يتغدين سويا في المينا هاوس لتتذكر جدتها فيكتوريا ذكرياتها مع جدها وليام
ارتدت ملابسها
ونزلت وحجابها في يدها
فداخل المنزل لا يوجد خدم رجال
سمعت أصواتا وهي تنزل الدرج
تنهدت وتسلحت بقوتها
ورسمت ابتسامة على وجهها وهي تقول:
نهاركم نادي
لتتفاجأ بمن وقف لاستقبالها غامرا المكان بحضوره المختلف
وفي عينيه تلمع نظرة مختلفة
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات