الجدة قلبها يصطرع شوقا مضنيا لهذا الخيال
بالتأكيد هي مشتاقة لمشعل
ولكن مشعل رأته منذ أشهر قليلة
لكن هذا الشبح الأسود هو وجع 27 سنة مضت
27 سنة مرت وهي تطوي أحشائها على ألم يمزقها
ألم حزَّ عميقا في أعمق أعماقها
حتى بات غائرا كالوشم
وجع شوقها لابن حُرمت منه
ثم انتزعت منه الحياة في عز شبابه
وماترك خلفه غير هذه الصبية
هي كل مابقي منه
كل مابقي من رائحته
هي ما تبقى من أمل عاشت سنين شيخوختها ترتجيه
أمل دعت ربها طويلا أن يسكن روحها برؤيته
قبل أن يأخذ أمانته إليه
مشعل اقترب أولا
احتضن جدته وقبل رأسها وهو يسلم عليها
ولكنها كانت عاجزة عن الرد
لأول مرة في حياته جدته لا ترحب به عشرات المرات
كان يعلم السبب ولا يلومها
لذا تأخر قليلا ليرجع إلى هيا
هيا التي كان يلفها إعصار مشاعر كاسح
كانت ترتعش بعنف وهي على وشك الانهيار
مشعل أمسك بيد هيا بحنان وهو يشدها
ويقول لها بلطف: تعالي سلمي على سميتش
هيا أزالت نقابها بأصابع مرتعشة
كانت تريد أن ترى جدتها وجهها
رغم أن جدتها كانت تحتفظ ببرقعها على وجهها
شعرت هيا أن روح والدها تحوم حولها
لم تشعر بقوة حضوره يوما كما تشعر اليوم
(هل عدت معي ياوالدي؟؟
هل تراها الآن كما أراها؟؟
هل ترى من حرموك من أحضانها؟!
هل ترى من استنزفك شوقك لأحضانها؟!!
هل ترى وجع أحلامك ويأس سنينك؟!!
هل ترى مابقي من ذكراك في رائحتها؟!!
كم تبدو جدتي عظيمة وشامخة يا أبي
كنخلة باسقة تضرب بجذورها في عمق الأرض؟؟
هل ستتقبلني وتحبني كما كنت أنت تحبني؟!!
هل سأشعر في أحضانها بدفئك وبعضا من عبقك الذي استنزفني شوقي إليه؟!!)
بقيت الاثنتان لبرهة متقابلتان
كل منهما تنظر للأخرى
الجدة لكل تفصيل في وجه هيا
وهيا لعيني جدتها اللتين أحاطت بهما تجاعيد غائرة
تحكي سيرة سلسلة طويلة من الألام
حينها الجدة شدت هيا واحتضنتها بعنف حانٍ
ثم انهارت هيا في أحضان جدتها
وهي تبكي بصوت مسموع
والجدة تسيل دموعها بصمت
وهيا تهتف بجملة واحدة
” مات وهو مايبي شي في الدنيا إلا شوفتش
مات وهو مايبي شيء في الدنيا إلا شوفتش”
الجملة التي أثارت أقصى أوجاع الجدة
ليبدأ صوت نشيج مؤلم يتعالى من روحها المثقلة
حينها صُعق كل من مشعل ومشاعل اللذين كانا أنهيا للتو
سلامهما الحار على بعضهما
فهما مطلقا لم يسمعا بكاء جدتهما قبلا
مشعل اقترب من هيا التي مازالت في أحضان جدتها
وهمس في أذنها بعتب: مافيه داعي تقلبين مواجعها بالكلام
جدتي عمرها مابكت قبل اليوم
هيا رفعت رأسها وابتعدت قليلا وهي تمسك بكف جدتها التي مازالت تنشج
وهي تهمس لها بحنان باكٍ: يمه فديتش.. خلاص لا تخربين علي فرحتي بشوفتش
الجدة بعمق متألم: إذا هو مات وهو يبي يشوفني
أنا أموت في اليوم ألف مرة لأني ماقدرت أشوفه
حينها مشاعل الرقيقة التي كانت تحاول التماسك انهارت في بكاءها الخاص
مشعل بحيرة بين الباكيات الثلاث:
خلاص الله يهداكم أنتو بتسوون مناحة
أذكروا الله
قولوا لا إله إلا الله
ثم توجه لجدته وشدها وأجلسها على الأريكة
وجلس هو إلى جوارها وهيا بجوارها من الناحية الأخرى
حتى تأكد أن الاثنتين سكنتا
حينها توجه لمشاعل التي كانت تجلس على كرسي لوحدها
وتبكي بصمت
جلس على طرف الكرسي واحتضنها بحنان: وأنتي يالدلوعة على طريف
حينها انتبهت هيا إلى حنانه المتدفق مع شقيقته
يبدو كما لو كان سيذوب من أجلها
هاهو يحتضنها مرة تلو الأخرى وهو يحايلها ويمازحها
حتى رأى ابتسامتها.. حينها أشرق وجهه بإبتسامة صافية
(ياترى ممكن يكون معي في يوم كذا؟!!)
حينها مشاعل قفزت وهي تقترب من هيا
وتسلم عليها بحماس وانفعال مغلفان بخجلها وعذوبتها
وهي تعتذر بتهذيب حقيقي.. وتسأل هيا عن أحوالها.. وترحب بها برقة
شعرت هيا أنها تبدو ذكرا فعلا أمام أنثى مثل هذه
كيف تتكلم بخفوت.. وتنتقي عباراتها برقة
ويدل كل مافيها على أنوثة مصفاة
من طريقة تحريكها ليديها.. لتعبيرها بملامحها.. لتحكمها بدرجة صوتها
وهيا مازالت مبهوتة في عذوبة مشاعل ورقة انثيال عباراتها
سمعت صوتا طفوليا رفيعا يأتي من الأعلى:
الزرافة جا ماحد قال لي..
مشعل حين رآها اتسعت ابتسامته
وهو يتلقاها وهي تنزل كالسهم من الأعلى
ليحملها عاليا وهو يحتضنها وضحكاتها تتعالى وهي تقول: وش جبت لي؟؟
ومع جملتها تغمر وجهه بالكثير من القبلات التي تعبر عن اشتياقها الطفولي الشفاف
مشعل يضحك: ماجبت لش شيء.. زعلان عليش..
يقوله وهو ينزلها وهي تحتضن خصره :
أفا.. أبو عبدالله زعلان
نزل رأسك خلني أحبه.. وجيب لي هديتي
لأنه مستحيل تنساها
مشعل مازال يضحك: أبوك يالثقة.. الشناط مع ناصر وفارس
إذا جات
الشنطة الصغيرة كلها لش أنتي ومريوم
ريم تضحك: مالي شغل في مريوم.. كلها حقتي..
وهو في حواره معها
الحوار الذي كان مدار تركيز شخص افتقد بعنف لهذه الأجواء العائلية
كان مشعل يغمر رأسها ويديها بقبلاته
وهي تتحسسه كأنه تريد أن تتأكد من وجوده أمامها
مشعل يبتسم: والله إني طيب لا نقص مني يد ولا رجل
أم مشعل بحنان مصفى وعيناها تلمعان ببريق الدموع:
أدري أنك طيب
ثم ألتفتت على هيا التي كانت واقفة للسلام عليها:
وخصوصا عقب ما تطمنت إن بنت سلطان معك وتراعيك
شعرت هيا بخجل مؤلم
(أي مراعاة؟ أنا لم أكن أكثر من حمل ثقيل هو من كان يراعيه)
أم مشعل رحبت كثيرا بهيا وهي تسألها عن أحوالها بحنان واهتمام
الأمر الذي أشعرها بالكثير من الخجل والتأثر
حينها دخل اعصار آخر من أعاصير آل مشعل العذبة
قادم من باب الصالة الرئيسي
كانت تصرخ بحماس: خيانة .. خيانة
ميشو يالعلة .. أشلون مشعل وصل وما تبلغيني
حينها مشعل وقف وهو يبتسم ابتسامة شاسعة:
والله المفروض أنتي قاعدة تنتظرين أخيش الكبير
مهوب تلوبين وتبينهم يبلغونش
موضي تقترب وهي تبتسم بسعادة: كنت عند بيت عمي محمد
واحسب إني بارجع قبل توصل.. السموحة فديتك
تستمر اللقاءات الاستثنائية
أمام عيني هيا
كل لقاء له مع أهله رأت أن له خصوصيته واستثنائيته
بدءا من أبناء عمه فلطيفة مرورا بجدته ثم مشاعل فريم ثم والدته والآن موضي
وموضي بالذات كان للقاءه بها عبق خاص
فهناك اختلاف حدث
فموضي طُلقت وهو في الخارج وعادت لبيت أهله
وموضي كانت سعيدة أنه لم يكن موجودا حينها ولم يعلم بما حصل لها
فهي تعلم معزتها عنده.. وأنه لا يرضى عليها حتى أن تخدش
طال احتضانه لها
وهي انفعال عميق يهزها
وإحساسها بوجوده يسكن بعضا من روحها الممزقة التي تخفيها عن الجميع
ثم ألتفتت موضي لهيا وهي تسلم عليها وتحتضنها بحماس
وتغدق عليها الكثير من الترحيب والانفعال والتعليقات المرحة
مشعل جلس معهم لخمس دقائق كان يدور بينهم فيها حوار صاخب
بينما هيا جالسة جوار جدتها صامتة
ومشاعر غريبة مليئة بالانفعال تلفها
بعدها وقف مشعل وهو يقول:
أنا باروح للمجلس مابعد سلمت على أبي وعمي
وماني برايح لهم ببنطلون
ثم ألتفت لمشاعل وهو يسأل:أبي أبدل.. ثيابي جاهزة؟؟
مشاعل قفزت باحترام وهي تقول:
بتلاقي ثوب وغترة مكوية ومبخرة معلقة في غرفة الملابس حقتك
وعلى العموم كل ثيابك البيض والشتوية والغتر مكوية ومبخرة في الدولاب
لو ماعجبك اللي طلعته طلع اللي تبي..
ثم أكملت موضي بذات الاهتمام: وترا كل نعالك وجزمك تكرم
وديناها ولمعناها وتوه السواق جابهم اليوم
مشعل يبتسم وهو يصعد ويقول بحنان لشقيقتيه: الله لا يخليني منكم
هيا شعرت بضيق يكتم على نفسها حين رأت كيف اهتمام شقيقاته به
بينما هي لم تشعره يوما بأدنى اهتمام رغم حرصه الدائم عليها
شعرت حينها بعمق صبره معها
وقلة تهذيبها معه
فشخص مثله تعود على كل هذا الاهتمام والتدليل
كان سيفترض أن زوجته لابد أن تقدم له بعضا من هذا الاهتمام
لكنه لم يطلب منها يوما شيئا
وهي لم تقدم شيئا
سوى الأمور الاعتيادية التي كانت ستفعلها لنفسها من الطبخ والتنظيف والغسيل
بعد صعود مشعل استمر الحوار بين البنات وأمهم والجدة وهيا
التي كانوا يسألونها عن أحوالها باهتمام حقيقي رقيق
موضي بحماس: أشلون مشعل معش؟؟ إذا مقصر عليش بشيء قولي لي أقطع أذانيه
هيا تبتسم: لا والله مايقصر ولا قصر بشيء..
أم مشعل بحنان: هيا يأمش ترا بكرة مسوين لش عشا وبيجون ناس كثير
إذا قاصرش شيء.. موضي وإلا لطيفة يودونش بكرة السوق
هيا ارتبكت: عشا شنو يمه؟؟
أم مشعل بهدوء: يأمش أنتي عارفة إنه عرس عيالنا وبناتنا عقب حوالي 10 أيام
ولازم نحتفل فيش قبلهم.. الناس يبون يتعرفون عليش
شعرت هيا بتوتر كاسح.. كيف ستقابل كل هؤلاء الناس
وهي مازالت لم تتعرف على عائلتها بعد
وحينها رأت ما أثار توترها وانفعالها أكثر وأكثر
وجعل قلبها يصطرع بجنون
ودقاته ترتفع
وترتفع
وترتفع
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "48"