“كيف.. كيف أبدو؟”
سألت ثيل بتردد وهي تفحص تعابير وجوه الخادمات.
كان من الصعب عليها قراءة تعابيرهن، فإما كن يغطين أفواههن بأيديهن، أو يخفين وجوههن بكفيهن.
“هل أبدو غريبة؟”
في اللحظة التي لم تعد ثيل تتحمل فيها الانتظار وخفضت رأسها خجلًا، انفجرت الخادمات فجأة في هتافات متحمسة.
“إنك رائعة يا آنستنا! يا إلهي، الآن فهمت معنى أن يعجز المرء عن الكلام!”
“جميلة جداً، كاملة بكل معنى الكلمة. ببساطة الأفضل…”
“آه، كم أنا محظوظة لأني أعمل في قصر أستريان…”
انتشرت أصوات مفعمة بالانبهار في كل مكان. وقفت ثيل محرجة بين الخادمات اللاتي كن على وشك البكاء، وابتسمت ابتسامة خجولة.
“إذن.. يعني أن الفستان يناسبني..؟”
“إنه يناسبكِ للغاية! إستيلا عبقريّة حقاً!”
صاحت إحدى الخادمات وقد احمرّ وجنتاها، ثم قادت ثيل برفق إلى المرآة. وقفت ثيل أمام المرآة الضخمة تحدق بانعكاس صورتها.
“واو…”
انطلقت همسة انبهار من فم ثيل.
رأت في المرآة فتاة ترتدي فستانًا سماويًا رائعًا. دققت ثيل النظر في فستانها.
كانت حاشية الفستان المزركشة بخيوط ذهبية، وتزينه عشرات الكريستالات اللامعة التي تعكس الضوء مع كل حركة.
الأشرطة الزرقاء الداكنة، وأطراف الفستان التي تموج برقة مع كل خطوة، كلها كانت رائعة بما يفوق الوصف.
‘حقاً.. حقاً جميل…’
كان هذا أجمل فستان تراه في حياتها. بدأت تتفهم لماذا كانت الخادمات عاجزات عن الكلام وترتعشن من شدة الإعجاب.
بقيت ثيل واقفة أمام المرآة الضخمة لفترة طويلة، غير قادرة على الابتعاد.
لم تستطع تصديق ما تراه.
‘ظننت أني لن أرتدي شيئاً كهذا في حياتي…’
قبل أيام من مجيئها إلى أستريان، عندما أدركت أنها عادت إلى الحياة.
كان الفارق هائلاً بين حالتها حين كانت تنظر إلى جروحها في مرآة مكسورة، وحالتها الآن وهي واقفة بفستانها الجميل، لدرجة جعلتها تشعر بالدوار.
“هيا لنريكِ للسادة!”
سارعت الخادمات -المتحمسات كأن الأمر يخصهن- بأخذ ثيل إلى الخارج. وقفت ثيل بخديها المحمرتين ممسكة بأيدي الخادمات أمام بيردي ولوديان.
“يا أخوي!”
عندما نادتهما ثيل، التفت إليها بيردي ولوديان في نفس اللحظة.
“ثيل…!”
“لو أنني هنأتكِ بعيد ميلادك مرة واحدة… أعتقد أني أستطيع أن أفعلها مرة أخرى…”
غطى لوديان فمه بظهر يده كالخادمات، بينما حدق بيردي في ثيل مذهولًا.
مشت ثيل بخفة ووقفت أمام التوأم. مع كل حركة لها، تموجت أطراف الفستان كأجنحة الفراشة.
“كيف.. كيف أبدو؟”
تألقت عينا ثيل المليئتان بالتوقع بينما تطرح سؤالها.
ابتسم بيردي ابتسامة عريضة. تلاشت الصلابة التي كانت على وجهه.
“جميلة، أنتِ جميلة جداً يا أختي.”
“حقاً؟”
“بالتأكيد.”
أشرق وجه ثيل عند سماعها كلمات بيردي. انفجرت أضواء صغيرة في كل مكان كالألعاب النارية.
بينما كان بيردي يضحك بسعادة عند رؤية هذا المشهد، أمسك بيد ثيل بقوة.
“لكن عليكِ أن تتعلمي السيطرة على قدراتكِ أكثر قبل الذهاب إلى الاحتفال. لا يمكنكِ أن تومضي هكذا أمام الآخرين.”
“حسناً! علمني أنت يا أخي!”
أومأت ثيل برأسها.
صحيح أن ثيل كانت لا تزال غير ماهرة في التحكم بقدراتها.
لكن بمساعدة بيردي ولوديان، ستتمكن من إتقان التحكم بقدراتها قبل الاحتفال! على الأقل هذا ما اعتقدته الفتاة.
في تلك اللحظة…
“ثيل!”
“آه!”
رفع لوديان ثيل بسرعة وأدارها في الهواء. أمسكت ثيل بعنقه من شدة المفاجأة.
“أختي الصغيرة جميلة جداً! لا يمكننا السماح لأي أحد غريب أن ينظر إليها!”
“من سيجرؤ على ذلك بينما أنت تحملني هكذا؟!”
…على الأرجح لن يجرؤ أحد حتى على النظر… كتمت ثيل بقية كلامها.
وضع لوديان ثيل على الأرض بحذر حتى لا يتجعد الفستان.
نظرت ثيل إلى المرآة مرة أخرى، ثم ركضت إلى بيردي وبدأت تتحدث بحماس:
“يجب أن أشكر السيد إيان عندما أقابله! وأسأله إن أعجبته هديته!”
“بالطبع، سنراه في المهرجان. إيان سيحضر لوميناري أيضاً.”
“نعم!”
توردت وجنتا ثيل من شدة التوقع.
كانت تتشوق لإيصال شكرها إلى إيان.
وأيضاً…
‘يجب أن أسأله إن أعجبته هديتي…’
في الحقيقة، كان هذا أكثر ما يثير فضولها. هل أعجب إيان حقاً بهديتها؟
بما أنه شخص لطيف، ربما سيقول أنه أعجبه حتى لو لم يكن كذلك…
عبست ثيل قليلاً وهي تفكر في هذا الاحتمال.
في تلك اللحظة، فتح باب غرفة الملابس فجأة.
بفضل تعودها على ذلك، لم تفزع ثيل من فتح الباب المفاجئ.
“ثيل!”
“عزيزتي.”
كما هو متوقع، كان ألفيوس وكاسوس هما القادمان.
اتسعت عينا ألفيوس عندما رأى حفيدته ترتدي الفستان المخيط بأنامل حرفية ماهرة.
اقترب بسرعة وحملها بين ذراعيه. لفّت ثيل ذراعيها حول عنقه ببراعة.
أصبحت ثيل معتادة على الحمل أكثر من الوقوف، بسبب كثرة ما يحملها رجال عائلة أستريان.
قربت ثيل وجهها من جدها بحميمية:
“جدّي! ألم تكن مشغولاً؟”
كان ألفيوس فعلاً غارقاً في تحضيرات المهرجان. هذه الأيام لم يكن قادراً حتى على حضور العشاء العائلي.
نظرت إليه ثيل بمزيج من الفرح والقلق. ضحك ألفيوس بلطف وقال:
“عندما تُهدى حفيدتي فستاناً جديداً، يجب أن يأتي الجد ليراه! الاجتماعات ليست مهمة إطلاقاً!”
“يجب أن نكون صادقين. ثيل، جدك أجل اجتماعاً مهماً، لكنكِ أكثر أهمية.”
صحح كاسوس كلام ألفيوس وهو يقف بجانبهما.
انحنت عينا ثيل على شكل هلال. مدت يدها نحو أبيها من بين ذراعي جدها:
“أبي!”
“جميلة يا ثيل، أؤكد لكِ أنكِ ستكونين الأجمل بين كل فتيات الإمبراطورية.”
قبل كاسوس جبهة ثيل بلطف. في نفس اللحظة، انبثقت أنوار دافئة كالنبع من بين يدي ثيل.
ولكن لم يعترض أحد على ذلك. داعب ألفيوس شعر ثيل الأمامي وقال:
“لقد استأجرت أفضل رسام في الإمبراطورية! سيرسم صورتكِ بهذا الفستان ونعلقها على جدران أستريان!”
“هل ستعطيني واحدة أيضاً؟”
“بالطبع، سأعطيكِ واحدة.”
“لا تنسوني أنا أيضاً.”
“حسناً، سأعطيك واحدة أيضاً يا بيردي.”
تبادل ألفيوس ولوديان وبيردي الكلام ببهجة.
لم تكن ثيل تعرف بالضبط ما هي “الصورة الشخصية”، لكنها رأت مدى سعادة أخويها فأومأت برأسها.
‘ما دام أخواي سعيدين!’
هذا كان الأهم بالنسبة لها.
***
“أين روين؟”
“لا تسأل، ترفض الخروج من غرفتها. لماذا اضطررت لطرد المربية…” نقرت كورنيليا لسانها بضيق.
منذ أن طرد سيندر زيرا، انعزلت روين في غرفتها ورفضت رؤية أبيها.
بكيت وهددت بعدم تناول الطعام حتى تعود زيرا، واضطرت كورنيليا لبذل جهد كبير لإقناعها بالأكل.
تقطّب سيندر وجهه باستياء. أصبح مظهره القاسي أكثر قسوة.
“تش! يمكننا ببساطة إيجاد مربية جديدة! لا تبالغي في تدليلها، فسوف تفسد.”
“كيف يمكنني عدم تدليلها؟ ستكون روين رئيسة عائلة نيستيان القادمة.”
كان هناك توهج غريب في صوت كورنيليا.
“أن تصبح رئيسة عائلة نيستيان”. لم تكن روين ولا سيندر يدركان مدى أهمية هذا لكورنيليا.
كانت كورنيليا الوحيدة التي تفهم المعنى الحقيقي وراء ذلك.
أدرك سيندر المشاعر المخفية في صوت ابنته ورفع حاجبيه.
“لهذا السبب يجب ألا تدلليها أكثر. بسبب تدليلك المفرط، ستكبر مدللة.”
رمقت كورنيليا أبيها بنظرة مستغربة.
وهذا منطقي، فكورنيليا لم تكن مهتمة بروين في السابق.
لم تكن كورنيليا هي من أفسد روين بالتدليل، بل سيندر نفسه!
والآن هو يخبرها ألا تفسدها بالتدليل! كان هذا أكثر شيء مضحك بالنسبة لها.
لكنها لم تعترض أو تعلق على كلامه. أخفت كورنيليا مشاعرها ببراعة.
“سأكون حذرة.”
“جيد، مهرجان لوميناري قريب. لا يمكننا أن نظهر أي ضعف. تأكدي من تهدئتها قبل ذلك.”
كانت كورنيليا ستخلف سيندر كرئيسة لعائلة نيستيان، وعندما تصبح هي الرئيسة، ستكون روين الوريثة التالية.
لذلك لا يمكن أن يكون هناك أي عيب في لوميناري.
فمهرجان لوميناري ليس فقط احتفالاً لإلهة الضوء لوسيت، ولكنه أيضاً مناسبة لإظهار قوة العائلات الخمس العظيمة التي تدعم الإمبراطورية.
“يجب أن تكون روين مثالياً!”
مثل ابنته الفخورة، لينا!
بدت شفتاه المطبقتان وعيناه الحادتان أكثر عناداً اليوم من المعتاد.
حولت كورنيليا نظرها بعيداً عن سيندر.
التعليقات لهذا الفصل "62"