رفع كاسوس ثيل عاليًا بين ذراعيه. فالتصقت به مألوفةً بأحضانه.
ربّت على ظهر ابنته وهو يعيدها إلى داخل الغرفة.
“قيل لي إنك نائمة، فطلبت ألا يوقظوك… هل رأيتِ كابوسًا؟ جسدك كله مبلّل بعرق بارد…”
نظر كاسوس إلى ثوب النوم المبتل الذي ترتديه ثيل وسألها. ترددت لحظة، ثم أومأت برأسها.
“رأيت حلمًا سيئًا… حلمًا كانت الأفاعي تطاردني فيه.”
“الأفاعي التافهة لا تستطيع المساس بك. فأنت نمرة ثلجية تشبهين رينا، وأنت سيدة أسرة أستريان.”
“لكن الأفاعي كانت تنهال عليّ… ثم…”
قطّبت ثيل جبينها وهي بين ذراعيه، وقد استعاد عقلها مشهد الأفاعي المتساقطة فوق جسدها بوضوح مخيف.
حاولت جهدها أن تبعد عن ذهنها تلك الصورة، ثم سألت:
“لكن أبي… أين هي تلك الفتاة التي جاءت من قبل؟ أعني… اسمها لِيس.”
“ليس؟ ولماذا تسألين عنها؟”
غطّاها كاسوس ببطانية، خوفًا من أن تصاب بالبرد مع تعرّق جسدها. فاختبأت ثيل تحتها وقالت بخفوت متردّد:
“ظهرت في حلمي. وأشعر… أنه يجب أن ألتقي بها ولو مرة.”
“تقولين إن تلك الفتاة ظهرت في كابوسك؟”
“نعم.”
غرق كاسوس في تفكير قصير.
لم يكن ينوي أصلًا السماح للقاء بين ثيل وليس.
فمهما كانت الظروف، تبقى حقيقة أنّ تلك الفتاة هاجمت ثيل.
‘سواء كان بإرادتها أو لا، الهجوم وقع.’
ولهذا اختار كاسوس ألا يعاقبها علنًا، بل أن يفصلها كليًا عن ثيل. وقد وافقه على هذا القرار ألفيوس، ولوديان، وبيردي، وحتى إياندروس.
لكن الآن…
“ألا يمكن يا أبي؟”
رفعت ثيل عينيها الصافيتين الذهبيتين نحو كاسوس، وهما تلمعان كأنهما غبارٌ ذهبي يتساقط.
في تلك اللحظة توهّم وكأن أضواءً متلألئة تنهمر من خلفها.
“…….”
أطبق كاسوس جفنيه، وأطرق رأسه نافيًا وهو يتنهّد.
لقد كان ضعيفًا جدًا أمام ابنته.
“لا بد أن لديك سببًا لرغبتك في رؤيتها.”
ثم استدعى إحدى الخادمات، وأمرها أن تُحضر “ليس”.
أجابت الخادمة بأنها ستفعل دون تأخير وغادرت، فيما أخذ كاسوس يتأكد من تدفئة ابنته، فأحكم عليها البطانية أكثر.
“من الآن فصاعدًا، عليك تبديل ملابسك قبل أن تنزلي. صحيح أنك نمرة ثلجية، لكن برد الليل قاسٍ. وإن ظللتِ بملابس مبللة ستُصابين بالبرد.”
“نعم، أشكرك يا أبي لاهتمامك. من الآن فلن أنزل بملابس مبتلة. وإن حدث واضطررت للنزول بها، فسآتي إليك مباشرة… حينها ستلفّني أنت ببطانية دافئة مثلما تفعل الآن!”
ضحكت ثيل ببهجة وهي تدندن بكلماتها. ابتسم كاسوس وربّت على شعرها، منتظرًا عودة الخادمة التي ذهبت لإحضار ليس.
لم تمضِ برهة حتى طرق أحدهم الباب.
“ادخل.”
ما إن صدر أمر كاسوس حتى انفتح الباب ببطء.
ثيل حدّقت في الباب وهو يُفتح ببطء، فإذا بالوصيفة التي ذهبت لإحضار ليس تدخل ومعها تلك الفتاة، تقفان جنبًا إلى جنب مطأطئتين الرؤوس.
“كما أمرت يا سيدي، أحضرتها.”
“أحسنتِ، يمكنكِ الانصراف.”
وما إن أذن لها كاسوس حتى أسرعت الوصيفة بخطى صغيرة لتغادر الغرفة، بينما ظلّت ليس تلتفت نحوها بقلق وهي تبتعد.
كانت حالتها أفضل بكثير مما كانت عليه عند اللقاء الأول. فقد امتلأت وجنتاها بحمرة وامتلاء طفيف، كما ارتدت ثيابًا أنظف بكثير مما لبسته أول مرة.
“اقتربي.”
أمرها كاسوس.
اقتربت الفتاة مترددة حتى وقفت أمامه. أما ثيل فقد نزعت الغطاء الذي كانت تلفّه حولها ووقفت مباشرة في مواجهة ليس.
“أم… أهلاً.”
حيّتها ثيل بخجل، بصوت صغير أشبه بوشوشة طائر.
لكن ليس، وقد جِيء بها فجأة وهي متوترة، فزعت حتى من ذلك الصوت الخافت ورفعت رأسها بسرعة.
نظرت الفتاة إلى كاسوس مرة، وإلى ثيل مرة أخرى، ثم أسرعت تخفض رأسها أكثر.
“لقد… ناديتِني…”
تمتمت بصوت متردّد.
عندها رفعت ليس رأسها فجأة وحدّقت بثيل.
ثيل بدورها اتسعت عيناها دهشة من تلك الحركة المفاجئة، فيما راقب كاسوس الموقف بوجه مستغرب.
“أنا… طلبتُ من أبي أن يستدعيكِ لأني أردت أن…”
“لماذا تملكين هذا الشيء؟”
قاطعت ليس كلام ثيل بصوت مشوب بالحيرة.
تغيّرت ملامح ثيل إلى الاستغراب هي الأخرى، وبدأت تلف خصلة من شعرها الأبيض المنسدل حول إصبعها وهي تسأل:
“آه؟ أيّ شيء تقصدين؟”
بدا أنّ ليس تفكّر بعمق لحظة، ثم شحب وجهها وهي تهمس:
“لا يمكن… أذلك الوقت…؟”
“ليس، عمّاذا تتحدثين؟”
“نعم، ماذا تعنين؟ راقبي ألفاظك.”
حذّرها كاسوس بحدة، لكن الفتاة بدت كأنها لا تلقي له بالًا.
“آ… آنستي.”
“ناديها بسيدة الدار.”
أمرها كاسوس.
هزّت ليس رأسها بشرود وردّدت:
“سيّدة الدار… لماذا استدعيتِني؟”
ترددت ثيل قليلًا أمام سؤالها.
‘هل أقول لها إنني رأيتُها في الحلم؟’
لكن ذلك بدا كلامًا فارغًا لا يُصدّق. هي نفسها لم تكن تعرف لماذا أصرّت على رؤية ليس وطلبت من كاسوس استدعاءها.
فقط شعرت أنه ينبغي لها أن تفعل. لا أكثر.
أترى كان لذلك صلة بـ’الصوت’ الذي سمعته منذ زمن، حين كانت في السابعة من عمرها؟
وبينما ظلّت ثيل صامتة مترددة في الإجابة، مدت ليس يدها الصغيرة نحوها.
“سيّدة الدار، هل تسمحين لي أن ألقي نظرة على يدكِ لبرهة؟”
سألت ليس بحذر.
ثيل بدت وكأنها تتردد لوهلة، لكنها سلّمت يدها لليس دون مقاومة.
فلم يبدُ أنّ الفتاة تنوي إيذاءها، ثم إنّ كاسوس كان يقف بجانبها.
إن حاولت ليس أن تفعل بها سوءًا، فسيتدخل كاسوس فورًا ويمنعها.
وفوق ذلك، أصبحت ثيل قادرة الآن على استخدام بعض قواها الدفاعية.
هي لم تكن تثق بليس نفسها، بل كانت تثق بنفسها وبأبيها كاسوس.
فالظنّ بأن ليس لا تضمر شرًا شيء، أما أن توضع فيها الثقة الكاملة فذلك أمر آخر.
ثيل كانت تدرك أنها وريثة بيت أستريان وسيدة الدار، والوحيدة من بين السوين التي ورثت قدرة النور، ولهذا كان عليها أن تتحلى دومًا بالحذر.
حين مدّت ثيل يدها بتروٍّ، قبضت ليس عليها.
وضعت الصغيرة أصابعها عند معصم ثيل، ثم أغمضت عينيها كأنها تتحقق من أمر ما.
وفي اللحظة ذاتها، شعرت ثيل بشيء مزعج يتلوّى داخل جسدها.
“……!!!”
صرخت بلا وعي، وانتفضت لتسحب يدها بعنف، وقد شحب وجهها.
فزع كاسوس فالتقطها بسرعة وضمّها إلى صدره. أما ليس فلم تُظهر أدنى ذعر، واكتفت بالنظر إليهما بهدوء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات