أبلغ أندريسُ ثيلَ بذلك الكلام ثم عاد مسرعًا إلى المعبد.
رافقت ثيل أندريس لتوديعه، ثم عادت إلى غرفتها.
جلست “ليا” قربها، تمشط شعرها من جديد وتساعدها على تبديل ملابسها إلى ثوب منزلي.
“آنسة، هل سمعتِ شيئًا سيئًا؟”
سألت ليا وهي تميل برأسها في حيرة، إذ لم تكن تعرف ما دار بين أندريس وثيل.
لقد مرّت خمسة أعوام منذ بدأت ليا تخدم ثيل عن قرب، ولذلك صار تمييز حالتها من مجرد النظر إلى وجهها أسهل عليها من شرب حساء بارد.
“أه؟ آه، ليس بالأمر المهم.”
قررت ثيل أن تكتم عن ليا ما قاله أندريس.
لم يكن ذلك لعدم ثقتها بليا، بل لأن ما رواه أندريس كان صادمًا إلى حدٍّ أنها نفسها لم تستطع تصديقه.
‘أيعقل أن الليل صار أطول من النهار؟’
هل يمكن أن يكون لذلك صلة بالأحداث المتوالية في الآونة الأخيرة؟
وبينما لزمت ثيل الصمت غارقة في التفكير، كانت ليا قد حلّت الجدائل المتشابكة لشعرها تمامًا.
“إذن فهذا مطمئن. هل تودين الاستراحة قليلًا؟ سأوقظك قبل موعد العشاء.”
ربّتت ليا برفق على كتف ثيل، وأرقدت الفتاة على السرير. لم ترفض ثيل لمستها، بل أغمضت عينيها واستسلمت بهدوء.
“إذن سأعتمد عليك قليلًا. أيقظيني حين يعود أبي وجدّي إلى القصر.”
“لا تقلقي، نامي بسلام يا آنسة.”
تمدّدت ثيل بجسدها المتثاقل تحت الأغطية الوثيرة، وأغمضت عينيها. سرعان ما غلبها النعاس.
بعد أن رتبت ليا اللحاف بعناية وأحكمت إغلاق النوافذ لئلا يتسرب الهواء، غادرت الغرفة.
طق.
أُغلق الباب.
—
‘أين أنا؟’
فتحت ثيل عينيها وسط الظلام. وما إن طرفت بجفنيها حتى تبيّن لها مشهد غامض وضبابي.
كان مكانًا لم تره من قبل. انتفضت ثيل برعب، وانكمشت، محاوِلةً استخدام قواها على نحو غريزي.
لكن القوى لم تعمل.
‘لِمَ… لِمَ يحدث هذا؟’
جمعت ثيل يديها كما كانت تفعل في طفولتها، وأطلقت توسلاتها الصادقة علّ قدراتها تستجيب.
لكن بدلًا من أن يتجمع الضوء في راحتَيها، راحت خيوط الظلمة تتسلل وتلتف.
تلك الظلال بدت أشبه ما تكون بحشرات، أو بظلال كائنٍ ما. انتاب ثيل الاشمئزاز، وكأنها لمست شيئًا محرّمًا، فسارعت إلى نفض يديها.
“أين أنا بحق السماء…؟”
لقد كانت تنام في جناحها داخل قصر أستريان، فكيف استيقظت لتجد نفسها في مكان مجهول؟
ولم تتعجّل بالحركة، بل حاولت استدعاء أسماكها لترى إن كانت ستستجيب.
لكن لم يحضر أي منها.
‘بما أن القوى لا تعمل، فلن تظهر الأسماك أيضًا.’
لماذا حصل ذلك الآن بالذات، مباشرة بعد سماعها تلك الكلمات المشؤومة من نائب الكاهن؟ غصّ رأسها الصغير بأفكار مقلقة.
‘أيمكن أنهم جرّوني إلى هنا وأنا نائمة؟’
لكن لو كان الأمر كذلك، فهل يُعقل أن خدم قصر أستريان وفرسانه، بل وأبي وجدّي وإخوتي، ظلّوا مكتوفي الأيدي؟
في تلك اللحظة سُمعت همهمة قادمة من عمق الظلام.
وكأنها منوَّمة، اقتربت ثيل شيئًا فشيئًا من مصدر الأصوات. وكلما خطت خطوة ازدادت الهمهمة وضوحًا.
‘ما هذا الصوت؟’
وما إن أرهفت السمع لتتبينه، حتى…
شويييييك–!
اندفع سرب هائل من الأفاعي من بين الأعشاب نحوها. فارتاعت ثيل وولت هاربة بكل ما أوتيت من قوة.
‘مـ… ما هذا!’
كُدانغ تانغ!
لم تنظر إلى طريقها، فعثرت قدمها بشيء وسقطت أرضًا، لكنها قفزت على الفور وأكملت جريها.
لكن الجري بساقين فقط له حدود، فاضطرت إلى التحوّل.
فتجلّت بشكل نمر ثلجي بفراء أبيض ناصع. كان جسدها قد نما أكثر مما كان في طفولتها، لكنه ما زال صغيرًا إذا ما قورن ببقية الفهود.
اندفعت النمرة الثلجية تجوب الظلام طويلًا.
غير أنّه لم يطل الأمر حتى…
شويييييك–!
أطبق سرب آخر من الأفاعي عليها مجددًا. ركضت بجنون محاولة الفرار، لكن سرعان ما تعثرت وسقطت مرة أخرى.
وهذه المرّة لم تستطع النهوض سريعًا. فالتفّت الأفاعي حول جسد النمرة بإحكام وكأنها كانت بانتظار تلك اللحظة.
‘لا، لا أريد!’
وفوق جسدها راحت تتراكم مخلوقات غريبة لا يُدرى ما هي.
تكدّست، وتكدّست، وتكدّست…
عندها فقط أبصرت ثيل وجه فتاة مألوفة أمامها.
‘تلك الفتاة…!’
إنها الفتاة التي حاولت مهاجمتها من قبل. والآن هي ذاتها التي تُقيم تحت حماية قصر أستريان.
لكن، ما الذي تفعله هنا…؟
“كيااااا!”
صرخت ثيل بأعلى صوتها، وانتفضت جالسة على سريرها. جسدها كله مبتل بعرق بارد، وثوبها المنزلي الذي بدّلته من قبل قد تشبّع بالندى.
وبسبب تقلّبها في نومها، كان اللحاف الذي غطّتها به ليا قد تراجع بعيدًا عنها.
أخذت ثيل تلهث وتحدّق حولها. إنها غرفتها.
‘أهذا… حلم؟’
فقط حين أدركت أنّ كل ما عانته لم يكن سوى كابوس، استطاعت أن تضع يدها على صدرها المرتجف وتلتقط أنفاسها.
‘لماذا رأيت حلمًا كهذا؟ ولماذا ظهرت تلك الفتاة فيه؟’
أيمكن أن يكون بسبب ما سمعته من نائب الكاهن في النهار؟
لا، لقد كانت ترى الكوابيس منذ زمن بعيد. ولهذا السبب بالذات دأبت ليا مؤخرًا على إعداد شاي مهدّئ لها قبل النوم.
لا يبدو أنّ ما جرى اليوم وحده هو السبب.
تقدّمت ثيل نحو النافذة، وأزاحت الستائر وفتحتها. انهمر ضوء القمر على الغرفة. شعرها الأبيض انعكس في شعاعه، فتلألأ كالأمواج الفضية.
وقفت طويلاً عند النافذة تتذوق نسيم الليل، ثم جمعت كفّيها بحذر، محاوِلة استدعاء قدراتها من جديد.
فووووووش–!
على خلاف ما جرى في الحلم، تجمّعت في كفّيها شظايا صغيرة من الضوء.
تجمّعت، وتجمّعت، حتى صارت كرة كبيرة مضيئة. وفي اللحظة نفسها ظهرت بوف! سمكتان أخذتا تدوران حول راحتَي ثيل في حلقات متتابعة.
تنفست ثيل الصعداء وقد أدركت أنّ قواها ما تزال تعمل، ثم جزّأت شظايا الضوء المتجمعة في كفّيها إلى مئات القطع الصغيرة ونثرتها نحو الخارج.
تناثرت الشظايا البيضاء المضيئة كأنها ثلوج، وبدأت تتراكم فوق حديقة القصر.
تأملت الفتاة المشهد برهة، ثم قالت وهي تغلق النافذة برفق:
‘ترى، كم الساعة الآن؟’
لقد وعدتها ليا أن توقظها قبل موعد العشاء، غير أنّ الوقت يبدو متأخرًا كثيرًا.
ربما دخلت ليا لتوقظها، لكنها إذ وجدتها نائمة بعمق تركتها تستريح. فهي تعلم أن ثيل تعاني من قلة النوم مؤخرًا، ولهذا لم تكن تجرؤ على إزعاجها حتى لو فاتتها الوجبة.
كييييك–
فتحت ثيل باب غرفتها بحذر. وما إن خرجت إلى الممر حتى أسرعت إليها بعض الخادمات اللاتي كنّ يجُبن أروقة القصر.
“آنسة، لقد استيقظتِ؟”
“هل تشعرين بالجوع؟ نُحضّر لكِ طعامًا؟”
“أه، لا بأس. لكن… أين أبي وجدّي؟ أين يكونان الآن؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات