لم يطل الوقت حتى وصلت ثيل وبيردي إلى القصر الإمبراطوري. وما إن تعرّف الحرس على “الوريثة الصغيرة لآستريان” حتى أسرع بعضهم قائلين إنهم سيُحضِرون الأمير إيان فورًا.
انتظرت ثيل مع بيردي داخل قاعة الاستقبال. وبعد لحظات، فُتِح الباب، ودخل إياندرُس بخطوات واهنة.
“إيان!”
نادته ثيل بفرح، لكنها سرعان ما شهقت. لقد بدا شاحبًا، وجهه متعب، وتحت عينيه هالات قاتمة عميقة.
“إيان، إنّ مظهرك ليس بخير…” قالت ثيل بقلق وهي تعقد حاجبيها.
أردف بيردي الذي كان يراقب: “وجهك يوحي وكأنك لم تنم أسبوعًا كاملًا.”
ابتسم إيان بمرارة وهو يرد: “في الواقع… لم أنم حقًا طوال أسبوع.”
جلس بثقل على الأريكة بعد أن سلّم على ثيل.
سأله بيردي مباشرة: “لماذا؟ هل بسبب ‘ذلك الأمر’؟”
“نعم، هو كذلك.” أجاب إيان وهو يحتسي رشفة من الشاي.
هزّ بيردي وثيل رأسيهما، وكأنهما توقّعا هذا مسبقًا. فالأمر لم يكن هيّنًا:
كيف يمكن لشخص أن يتسلل إلى بُعدٍ شخصيّ كالأبعاد الداخلية لإيان؟ هذا أمر يُفترض أنه مستحيل، ومع ذلك حدث بالفعل. والأسوأ، لم يعرفوا بعد من هو الفاعل، ولا ما غايته.
‘وجهها… كان يشبه إيان.’
تذكّرت ثيل الوجه الذي لمحته في فضاء إيان الداخلي. لم يكن مجرد شبه في الملامح؛ كان هناك شيء أعمق، أكثر ارتباطًا. هل يمكن أن تكون من سلالة ملكية مخفيّة؟
لاحظ إيان شدّة تفكيرها، فناولها قطعة بسكويت صغيرة ودسّها في فمها.
“هاپ!” التهمتها ثيل لا شعوريًا، فانفرجت تقاطيع وجهها.
مدّ يده وربّت على رأسها بحنو، ثم قال:
“لقد وجدتُ في مكتبة القصر سجلّات عن إحدى الأميرات اللواتي استخدمن الأبعاد الداخلية.”
قال بيردي مترددًا: “تلك… الأميرة.”
لم يجرؤ على التلفّظ بلقبها الكامل، مخافة الوقوع في جريمة ازدراء العائلة الإمبراطورية—على الرغم من أنه اقترفها مرارًا من قبل.
فأكمل إيان عنه: “نعم، ما يُروى عنها بأنها ‘الأميرة المجنونة’.”
“لم أقل ذلك صراحة.”
“لكنها الحقيقة، فما العمل؟”
“إن كان ولي العهد نفسه يقولها، فلا اعتراض.”
أردف إيان: “على أي حال، وجدتُ سجلاتها. و…” توقّف قليلًا، كأنه كان على وشك قول المزيد، لكن شفتيه انطبقتا بإصرار.
“لا، سأحدثكم عنها لاحقًا عندما تتأكد الأمور أكثر.”
لم يلحّ عليه بيردي أو ثيل بالسؤال. جلست ثيل تتلقى الحلوى والبسكويت التي كان يمدّها بها إيان، فيما تراقبه بطرف عينها.
رغم ما بدا عليه من تعب، شعرت أنّ حالته ليست خطيرة كما ظنّت.
ذلك لأن ثيل كانت متصلة به بعقدٍ خاص، يسمح لها أن تستشعر وضعه الداخلي بوضوح.
‘الحمد لله.’
ثيل رأت أن النقش بينها وبين إيان، على الرغم من كونه نصف نقش، كان مريحاً للغاية.
وفكّرت أيضاً: ‘لو كان نقشاً كاملاً لا نصفاً، لكان الأمر أكثر راحة ربما…….’
“ثيل.”
فجأةً انتفضت ثيل من شرودها ورفعت رأسها عند سماع صوت يناديها.
كان إيان وبيردي ينظران إليها معاً.
“هل ناديتني؟”
“نعم، لقد صارت تحركات نيستيان غريبة جداً هذه الأيام. وأظن أنه ينبغي أن تعرفي.”
“نيستيان؟”
“حفيدة نيستيان، روين نيستيان، اختفت بلا أثر.”
“روين؟”
“وليس ذلك فحسب، بل لوحظت تصرفات توحي وكأنهم يخفون شيئاً. وأظن أن ما يبحث عنه بيتكم ربما يكون في نيستيان.”
التفت إياندروس إلى بيردي، فرفع الأخير حاجبيه.
“تقصد ذلك الفارّ؟”
“نعم، شريك أوشيان راسل. صراحةً، كم يوجد من مكان في إمبراطورية كراسيون يمكن الاختباء فيه عن عيون العائلة الإمبراطورية والأستيريان؟”
“آها، إذن تقصد أن ما جرى مع أوشيان راسل قد يكون نيستيان متورطاً فيه أيضاً.”
“حالياً مجرد افتراض.”
ويبدو أن إياندروس قد بحث وحقق كثيراً أثناء انقطاع تواصله مع ثيل. ثم التفت إلى بيردي قائلاً:
“من المستحيل أن يكون أوشيان راسل قد فعل ذلك بمفرده. وجود من يقف خلفه أمر مفروغ منه. وأنا أعتقد أن ذلك إما إيكر أو نيستيان.”
“صدف أنني أفكر بالشيء نفسه. لكن…… لا يمكننا تفتيش نيستيان دون أي دليل.”
“ألا يمكننا استخدام القدرات؟”
“السلمندر حين ينفصل عنا تضعف قوة ناره. وإذا دخل أراضي نيستيان، فإن النار الباقية ستخمد تماماً وتفنى.”
أجاب بيردي.
تبادل بيردي وإياندروس وثيل أحاديث كثيرة غير ذلك، لكن إياندروس لم يبح مطلقاً بما يتعلق بـ ‘الأميرة’.
‘لماذا يا ترى؟ هل لأن كل شيء ما يزال غير مؤكد، كما قال؟’
انتهى حديث الثلاثة حين بدأت الشمس بالمغيب.
“إلى هنا وكفى، عليكما أن ترتاحا أيضاً.”
“كنت أنوي ذلك فعلاً.”
لكن إياندروس تجاهل كلام بيردي والتفت نحو ثيل.
“أعتذر لأنني لم أتمكن من التواصل معك. سأرسل ردّي في أقرب وقت.”
“لا بأس، لا أريد أن أرهقك بالضغط وأنت مشغول. يكفيني أنني تأكدت أنك بخير يا سيد إيان. ثم…….”
حين أومأت ثيل بيدها إلى إيان، انحنى ليدنو بأذنه من شفتيها.
كوّرت ثيل كفها وهمّت بأن تهمس شيئاً في أذن إيان، لكنها توقفت وحدقت طويلاً ببيردي الذي كان يراقبهما.
“…….”
“…….”
“اخرج.”
خرج أولاً بيردي، ثم ثيل، وأخيراً إياندروس .
خرج بيردي من الغرفة وهو يرفع كتفيه بتعبير يوحي وكأنه قد انتُزع منه كنزه الغالي، أخته الصغيرة التي اعتنى بها طويلاً.
ثيل لم تهمس إلا بعد أن تأكدت أن بيردي قد خرج، فقرّبت يدها المكورة من فمها وقالت بخفوت:
“لم أخبر أحداً بشأن الوسادة.”
“……!”
“لذلك… لا تشعر بالحرج.”
—
“مات، تقول؟”
سقطت عدسة نظارة ألفيوس الوحيدة من يده وهو يعيد السؤال.
أومأ الحرّاس القادمون من السجن السفلي لتقديم تقريرهم برؤوسهم.
“صرخ فجأةً، فأسرعنا بإحضار الطبيب، لكنه كان قد انقطع نفسه بالفعل.”
“السبب.”
“يقولون إنه مات وكأنه من هول الصدمة.”
“مات من الصدمة؟”
نهض ألفيوس من مقعده متسائلاً. ‘مات من الخوف؟ ما معنى هذا؟ هل في السجن السفلي ما قد يثير رعبه إلى هذا الحد؟’
ذلك المكان مظلم إلى درجة لا يرى المرء أمامه شبراً، فكيف يمكن أن يموت من الخوف هناك؟
ظنّ الحرّاس أن سيدهم يلومهم، فارتعدوا بشدة وأحنوا رؤوسهم.
“إنها غلطتنا!”
“اشرحوا الأمر جيداً.”
“حين وجدناه، كانت عيناه مفتوحتين على اتساعهما وفمه مملوءاً بالرغوة، ساقطاً على الأرض. عدا ذلك لم نلاحظ شيئاً آخر. فأخذناه مباشرةً إلى الطبيب، لكنه أكد أن أنفاسه كانت قد توقفت قبل أن نصل.”
تنهد ألفيوس بعمق.
لم ينجحوا في القبض على الفارّ، وها هو الأسير الذي أمسكوا به أخيراً يموت. وذلك بسبب… الخوف؟ مهما فكّر، بدت القصة كلها غريبة.
لم يكن الأمر مقتصراً على قضية أوشيان راسل وحدها، بل إن كل ما جرى حتى الآن كان يحوي شذوذاً ما في طياته.
في النهاية، قرر ألفيوس أن يتفقد بنفسه جثة أوشيان راسل.
وكان الوقت مناسباً، إذ إن ثيل وبيردي قد غادرا القصر.
‘ثيل قد تتفهم، لكن ذلك الفتى بيردي لو علم أن أوشيان راسل مات دون سبب واضح، لأقام الدنيا مطالباً بشق الجثة وتشريحها!’
تقدّم ألفيوس متخطياً الحرّاس الجاثين على ركبهم وقال:
“سأذهب بنفسي لأتفقد. لا تخبروا لوديان في الوقت الراهن…….”
وفجأة دوّى صوت الباب يُفتح بعنف. ارتجفت أكتاف الحرّاس.
ولم يكن عليهم أن يلتفتوا ليدركوا أن الداخل هو لوديان أستيريـان، الاسم الذي كان ألفيوس يوصي للتو بعدم إخباره.
فمع خروج بيردي وكاسوس في مهمة، لم يكن هناك أحد يجرؤ على فتح باب مكتب ألفيوس على هذا النحو سوى لوديان أستيريـان.
رمقه ألفيوس بعين باردة، متأملاً حفيده الذي اقتحم مكتبه كما لو كان يحطمه.
أما ذلك ‘الحفيد’، فلم يبدُ عليه أي حياء، بل قابل نظرات ألفيوس متسائلاً بجرأة:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات