كاسوس، وقد سلَّمَتهُ كرة الزجاج، راقَبَ ثيل بصمت.
الفتاة، بعدما أعطت أبيها كرتَها الثمينة، احمرّت أذناها خجلًا قليلاً.
قال كاسوس وهو يأخذ الكرة ويداعب رأس ثيل، فتمايلت تحت يده خصلات شعرها البيضاء الناعمة مثل موجٍ لطيف:
“شكرًا يا ثيل، سأحفظها جيدًا.”
“نعم! لا تُقدم على مخاطر، وحافظ على حذرك يا أبي.”
“لا تقلقي يا ابنتي.”
وضع كاسوس الكرة في داخل ثيابه، ثم انحنى وعانق ثيل بعطف. التفّت الفتاة إلى حضنه، واستندت بخدها الطري على كتفه، فضغطت خديها برقة على كتفه.
قال وهو يستعد للمغادرة:
“سأعود بخير. العِبي مع إخوتكِ ولا تقتربي من ‘ذلك الشخص’.”
أجابت ثيل مطمئنة:
“هل تقصِد تلك التي اسمها ليس؟”
“نعم.”
“لا تقلق! لن أقترب منها بلا سبب.”
اطمأن كاسوس بعدما أخذ وعدها، ثم نهض. بدا جيب ثيابه بارزًا حيث وُضعت الكرة. ربّت على ثيل للمرة الأخيرة وغادر غرفتها.
—
كان كاسوس يتابع المشهد داخل الضباب عبر عينه السلمندرية.
أم هل يُمكن إطلاق تسمية ‘دخان’ على ما رآه؟
لم يكن هذا الضباب كالضباب أو الدخان الاعتيادي؛ فحين راقبَه عبر السلمندر بدا كل شيء واضحًا للغاية، ليس غامضًا كما يفعل الضباب العادي. لقد كان ظلامًا واضحًا حادًّا.
بحث كاسوس طويلاً داخل ذلك الظلام عن أي أثر عبر السلمندر، لكنه لم يستخرج شيئًا فعليًا ثم تراجع. بدا جليًا أن هناك قوة خاصة تجعل الداخلين إلى هناك يتيهون ويتوهون؛ وفقدان السلمندر لاحقًا كان دليلًا واضحًا على ذلك.
في نهاية المطاف اضطر كاسوس إلى أن يُملي على السلمندر أن يحترق ذاتيًّا حتى يزول.
سأل قائد فرسان أستيريَان: “ما الذي ظهر لديك؟”
ضغط كاسوس جفنه برفق، فقد أزعجه دخولُه المفاجئ إلى النور بعد وقتٍ طويلٍ في العتمة. ثم أجاب:
“لا يُرى شيء. ومن حسن الحظ أننا لم ندخل أولًا. داخل ذلك المكان يبدو أن المرء يضيع بلا شك.”
تساءل القائد: “إذن هل لا يمكننا الاقتحام؟”
أجاب كاسوس: “يمكننا حرق الجبل بأكمله حتى يفرُّ من في الداخل من تلقاء أنفسهم.”
لكن إشعال الجبل بأكمله من أجل القبض عليهم كان إجراءً مبالغًا فيه.
لو كان ذلك كاسوس في شبابه القديم، لكان أضرم النار دون تردد، لكن الآن هو أب لثلاثة أطفال. لم يعد يرغب في مثل تلك الأفعال.
وعلاوة على ذلك.
‘قالوا إن هناك طفلاً بالداخل.’
لقد قيل إن هناك عدة أطفال. وإن شعر المجرمون بالتهديد فتركوا الأطفال وفرّوا، أو حتى قتلوهم، فلن يغفر كاسوس لنفسه أنه أشعل النار.
لذلك، بدلاً من إشعال النيران، اصطحب فرسانه ووقف أمام الضباب الأسود.
كانت قوى مظلمة تتماوج بفظاعة، تمد يدها كأنها ستبتلع الفرسان ثم تسحبها مرارًا. قبض الفرسان وجوههم يحدّقون في المشهد في صمت.
‘هل هذه نتيجة تلك التجارب المجنونة التي قيل إنها تجري هنا؟’
رفع كاسوس يده مشيرًا للفرسان أن يتراجعوا خطوة، ثم أخرج من صدره خرزة صغيرة أعطته إياها ثيل.
“ما هذا؟”
“إنها من ابنتي. تحوي قدرةً من نور.”
تأملها كاسوس، وكاد يجزم: هذه القوة ليست دخانًا أو ضبابًا، بل ظلام خالص. لا يعلم إن كان في هذا العالم قدرة كهذه، لكن ذلك كان مؤكدًا.
ليست قدرة ساذجة كالضباب أو الدخان.
لذا، لم يكن لهم الآن ما يعتمدون عليه سوى تلك الخرزة الصغيرة التي وضعتها ثيل في يد كاسوس.
لوّح كاسوس بيده، فظهر تحت جوادِه فهدٌ عظيم من لهب.
من جلده كانت تتراقص نيران متلوّية، وعيناه الذهبيتان، المشابهتان لعيون كاسوس، تحدّقتا بثبات في الضباب الأسود.
قذف كاسوس الخرزة إلى الفهد، فاختطفها بسرعة بين فكيه.
“اذهب.”
ما إن صدر الأمر، حتى انطلق الفهد الصغير، والخرزة في فمه، داخل الدخان الأسود.
ومن داخل الخرزة، انبعث بريق خافت.
ظل الفرسان في أماكنهم، يحدّقون بلا حراك حتى غاب فهد كاسوس تمامًا في الدخان.
اصطف عدد كبير من فرسان أستريان في نظام، منتظرين أوامر كاسوس.
عندها دوّى صوت:
“انظروا، هناك!”
أشار أحد الفرسان نحو الدخان. فرفع الجميع، ومعهم كاسوس، رؤوسهم باتجاه إشارته.
من حيث أشار، تسرّب خيط صغير من الضوء.
ضوء صغير وضعيف، أشبه بضوء ثيل أستريان، ابنة كاسوس.
لكن، مهما كان الضوء صغيرًا وضعيفًا، فهو يظل نورًا.
وفي الظلام، بدأ ذلك الضوء يتشعب ويتفرع، ثم أخذ الضباب الأسود الذي كان يحيط به يتلاشى شيئًا فشيئًا.
فتح الفرسان أعينهم بدهشة غير مصدّقين، أما كاسوس وحده فقد تابع المشهد بسلام، مؤمنًا أن قدرة ثيل تستطيع ذلك.
القوة السوداء العظيمة التي غطّت المكان انهارت بلا حول أمام مجرد شظية ضوء من ثيل.
تحطّم الدخان الأسود كالزجاج، وتوهّج كالنار، وانساب كالماء حتى تلاشى.
ثم ببطء، ظهر القصر الذي كان مخفيًا بداخله.
لم يكن القصر كبيرًا، حجمه مناسب تمامًا إذا ما أخذت حالة أسرة راسل المالية في الاعتبار. أما إذا قورن بأستريان، فهو لا يتعدى حجم مستودع لديهم.
وحين انقشع الظلام كليًا، عاد الفهد واقفًا بصلابة وهو يحمل الخرزة في فمه. تقدم نحو كاسوس ووضعها في يده.
ثم ما لبث أن تحوّل إلى قبضة من رماد وتلاشى.
أمسك كاسوس بالخرزة الزجاجية التي سخنت بحرارتها، وأخذ يتفحصها.
فقد كان قبل لحظات يرى في داخلها شظايا صغيرة من النور تتلألأ،
‘لقد تحوّلت الآن إلى السواد الكامل.’
وكأن الخرزة قد امتصت كل الدخان الأسود. ضيّق كاسوس ما بين حاجبيه وهو يتأملها، ثم أعادها إلى جيبه.
‘لعلّه من الأفضل أن تُفحَص لاحقًا.’
قفز بخفة من على ظهر جواده، ولوّح بسيفه إشارةً.
“المقدّمة تقتحم القصر من الداخل وتقبض على المجرمين، والبقية تحاصر القصر من الخارج. لا تدعوا حتى نملة واحدة تفلت. الخطأ غير مسموح.”
“أمرك!”
اندفع فرسان أستريان إلى داخل القصر، فيما تبعهم كاسوس بخطوات بطيئة.
غير أنّ الأمر بدا مريبًا.
‘لا أثر لحياةٍ في الداخل.’
ربما علموا بأن مكانهم قد كُشف، فهربوا مسبقًا. لقد ضيّعوا وقتًا طويلًا أمام الدخان الأسود، ما كان كافيًا للفرار.
داخل القصر، عثر الفرسان على أدوات وتجهيزات غامضة، وأدوية مبعثرة، وأَسِرّة لا تزال تحتفظ بحرارة من استُخدمت قبل قليل.
وغير ذلك من أشياء كثيرة، إلا أنّ أصحاب القصر، أولئك الذين يُفترض أنهم أقاموا هنا، لم يُر لهم أثر.
ولا حتى طفل واحد بقي. كان قائد الفرسان يقطّب وجهه في خيبة، وإذا بصوتٍ حاد يشقّ السكون:
“آآااه-!!”
“هنا! أوسيـان راسل موجود هنا!”
أحد الفرسان الذي كان يفتش آخر غرفة، أصغرها وأضيقها، عثر على أوشيان راسل مختبئًا داخل خزانة حائطية، فجرّه جرًّا إلى الخارج.
فتشوا الغرفة بدقة علّهم يجدون آخرين مختبئين، لكن لم يكن هناك سوى أوشيان.
“ا… اتركوني! اللعنة! لا، لا!!”
لم يُعره الفرسان أي انتباه، بل جرّوه كما تُجرّ البضاعة، وأجبروه على الركوع أمام كاسوس.
حدّق به كاسوس بعينين باردتين وسأله:
“أين البقية؟”
“لـ.. لا أعلم. ههع..! عندما وصلتُ أنا أيضًا، كانوا قد اختفوا جميعًا. ذلك الوغد جاي خانني وهرب! لا… لا أعلم إلى أين ذهب!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات