“مممم…….”
نهضت ثيل من سريرها بوجه متورم من النوم، وأخذت تطرف بعينيها. كان شعرها نصف المموج قد تشابك عشوائيًا.
أدارت رأسها لتتأكد من الوقت. لم يكن قد تجاوز الثالثة فجرًا بعد.
وبالنظر إلى أنّها عادةً ما تستيقظ في حدود الثامنة صباحًا، فقد استيقظت هذه المرة في وقت مبكر للغاية.
فتحت ثيل فمها وهي تتثاءب، ثم مدت جسدها في تمطيه طويل. وارتسمت دموع صغيرة عند أطراف عينيها.
“آه… لماذا لا أستطيع النوم جيدًا هذه الأيام؟”
تمتمت وهي تسقط مرة أخرى على وسادتها. لقد صار هذا ثالث مرّة تستيقظ دون أن تنام بعمق.
وفي مثل هذه الليالي، لا بد أنّها ترى كوابيس. لكنها ما إن تستيقظ حتى تنسى تفاصيل الحلم تمامًا، فلا يبقى سوى شعور مزعج عالق بها.
“منذ متى بدأ هذا؟”
حاولت ثيل أن تسترجع في ذهنها متى بدأت معاناتها مع الأرق. بدا لها أنّ الأمر بدأ منذ حوالي أسبوع، أي منذ اليوم الذي خرجت فيه مع بيردي ولوديان والتقت “بتلك الفتاة”.
‘هل كنت مصدومة حينها؟’
ظنّت أنّها لم تتأثر كثيرًا بذلك الموقف، لكن ربما اهتزّت أكثر مما أدركت، فانعكس الأمر على نومها.
ورغم ذلك، لم ترد أن تلقي اللوم على تلك الفتاة. فقد سمعت من كاسوس بالفعل سبب مهاجمتها لها، كما سمعت أيضًا أنّ شقيق الفتاة كان محتجزًا كرهينة. ولهذا لم يكن في قلبها أي رغبة لإلقاء الذنب عليها.
ألصقت خدها بالوسادة وحاولت أن تعود للنوم. فكرت أنّها ستغفو قليلًا على الأقل. كان خدها الطري يغوص في الوسادة الناعمة.
—
“ثيل، هل استيقظتِ؟”
دخل بيردي من باب غرفتها وهو يسأل. كانت ثيل قد نامت نومًا عميقًا حتى ارتفعت الشمس في كبد السماء. وما إن سمعت وقع خطواته حتى تحركت بجسدها المثقل.
اقترب بيردي من سريرها، ومدّ يده ليمسّد شعرها. رمشت ثيل بعينيها بضع مرات ثم فتحتها ونظرت إليه.
“ممم… أخي؟”
“صرتِ تستيقظين متأخرة هذه الأيام.”
“لم أنم جيدًا… ظللت أتقلب طوال الليل. آهـام.”
تثاءبت وهي تجلس متثاقلة في مكانها. وكانت ليا، التي تعلم أنها تنام متأخرة مؤخرًا، تتعمد ألّا توقظها.
بألفة معتادة، مدّ بيردي يده إلى درج الطاولة الجانبية وأخرج مشطًا دائريًا. ثم أجلس ثيل ليديرها أمامه، وبدأ يمرر المشط بانسياب على شعرها. تدفقت خصلات شعرها الناعم بين أصابعه بلمعان جميل.
“قلتِ إنك لم تنامي جيدًا؟ هل تعانين من الأرق مؤخرًا؟”
“نعم… وأظنني أرى كوابيس أيضًا…….”
“كوابيس؟ يبدو أنك ما زلت متوترة من الحادثة السابقة. سأطلب أن يُحضَر لك شاي يساعد على النوم.”
“ليا تحضره لي أصلًا… صرت أشرب كوبًا كل ليلة قبل النوم.”
“لكنه إن صار عادة يومية فليس جيدًا أيضًا… هذا يقلقني.”
بعد أن أنهى تمشيط شعرها، مرّر بيردي يده على رأسها بحنان. فضحكت ثيل بخفة، وأظهرت بابتسامة مشرقة أنها بخير.
“أنا بخير! الأمر نادر جدًا. ليس وكأني لا أستطيع النوم كل يوم.”
“مع ذلك أنا قلق. كنت أتساءل لماذا لا توقظك خادمتك هذه الأيام… يبدو أن هذا هو السبب.”
تمتم بيردي وهو يراقبها. أومأت ثيل برأسها ثم مالت برأسها إلى الجانب وكأنها وجدت شيئًا غريبًا.
“لكن، يا أخي… لماذا جئت لتوقظني؟ أنت أيضًا عادة لا توقظني عندما أنام…”
“آه، لقد جاء ضيفك. لم أرغب باستقباله، لكن لم يكن ممكنًا رفضه.”
بمجرد أن سمعت ثيل عبارة ‘ضيف لم أرغب به لكن لا يمكن رفضه’ أدركت فورًا أنه يقصد إياندروس.
فقد صار إياندروس يزور قصر أستريان بشكل متكرر في الآونة الأخيرة، حتى حدٍّ بدا مفرطًا، الأمر الذي أثار استياء بيردي ولوديان كثيرًا.
بل إنهما اعترضا عدة مرات قائلين: كيف يليق بولي العهد أن يترك القصر الإمبراطوري فارغًا بهذه الكثرة؟ غير أن ‘ولي العهد’ إياندروس كان يتجاهلهما بكل بساطة.
وكان يرد ببرود: لقد منحني الإمبراطور إذنًا، فلماذا تثيران الضجة؟ لم يجد بيردي ولوديان حججًا للرد، ولم يبقَ أمامهما سوى مراقبته وهو يدخل ويخرج من قصر أستريان وكأنه منزله الخاص.
في تلك اللحظة، دخلت ليا تحمل ماء الغسيل بعدما سمعت أن ثيل قد استيقظت، ووضعت الطست أمامها ثم خرجت بهدوء.
كان بيردي يربط شعر ثيل بنفسه وهو يتمتم:
“هذه المرة قال… إنه يريد أن يُريك شيئًا. لكن لماذا أرسل الحمام الزاجل إذن؟ كان بإمكانه أن يعطيك الشيء بنفسه.”
“شيئًا يُريني إياه؟”
“نعم، قال إنه شيء قد يعجبك.”
تمتم بيردي متذمرًا، بينما كانت ثيل تغسل وجهها بماء فاتر ونظيف، فرفعت رأسها عند سماع كلامه.
“صحيح! أين طائري؟”
“وضعناه في قفص جديد. إياندروس أحضر قفصًا لكنه كان ضيقًا جدًا، فجهزنا له قفصًا ذهبيًا أكبر. أظن أن الخدم يطعمونه الآن.”
أومأت ثيل وأنهت غسل وجهها. كانت تنوي اصطحاب الحمام الزاجل معها عند لقاء إياندروس وتشكره على هديته.
وبعد أن أنهى بيردي ربط شعرها، ربت على ظهرها. عندها دخلت الخادمات يحملن فطور ثيل.
كان ذلك باقتراح من ليا، إذ رأت أنه من الأفضل أن تتناول طعامها سريعًا في غرفتها قبل أن تنزل لملاقاة إياندروس الذي كان ينتظر في الأسفل.
ورغم أن الوقت كان وقت غداء تقريبًا، إلا أن الطعام قُدِّم لها كفطور.
“شكرًا لكم!”
ابتسمت الخادمات ابتسامة مشرقة عند سماع شكرها وخرجن من الغرفة.
أكلت ثيل بنهم النقانق المشوية اللذيذة، والخبز المحمّص مع مربى التين، والحليب الأبيض، إضافة إلى طبق البيض، ثم نهضت بحماس.
بعدها أخذت الرسالة التي سهرت على كتابتها البارحة ولفّتها بعناية ثم وضعتها في أسطوانة صغيرة. كانت تنوي ربطها في ساق الحمام ليحملها إلى إياندروس.
راح بيردي يتأملها وهو يرفع حاجبيه:
“ولماذا لا تعطيه الرسالة مباشرة بدلًا من وضعها هناك؟”
“لأني أريد أن أطلب من الحمام أن يوصلها له!”
“لكن إياندروس موجود في الأسفل، وأنت ذاهبة لتقابليه بنفسك الآن.”
“ومع ذلك!”
“لقد تشبهتِ بعاداته السيئة…”
تمتم بيردي بلهجة متذمرة، لكنه لم يوبخها. ثم أفسح المجال لثيل كي تبدل ثيابها.
وعند باب الغرفة، التقى لوديان الذي كان ينتظر ليسلم عليها ويحييها بعدما علم أنها استيقظت.
أشار بيردي برأسه نافيًا، في إشارة منه إلى عدم الدخول. كان السبب أن ثيل بحاجة إلى تبديل ملابسها. فأدار لوديان رأسه متحسرًا وبدا على وجهه أثر الخيبة.
—
“إيان!”
نادَت ثيل بوجه مشرق وابتسامة عريضة وهي تقترب بخطوات مسرعة. كان طائر أبيض الريش، ناصع كالثلج، جاثمًا على كتفها.
إنه الحمام الزاجل الذي أهداها إياه إيان، وقد بدا متناسقًا جدًا مع شعرها الأبيض الناصع.
حررت ثيل الطائر برفق، فخفق بجناحيه وحلّق من كتفها ليستقر فوق كتف إيان. ثم مدّ قدمه التي رُبط بها أسطوانة الرسالة.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي إيان وهو يتأمل المنظر. أخذ الرسالة من الأسطوانة وقال:
“لقد جئتُ بنفسي، فما الداعي لإرسال رسالة عبر الحمام؟ ثيل أستريان…”
“لأني أردت أن أكون أول من يبعث إليك برسالة!”
أضحكته براءتها فأطلق ضحكة قصيرة. وضع الطائر مؤقتًا على الكرسي، ثم أدخل الرسالة في جيبه. بعد ذلك أمسك بيدها وقال:
“تعالي، لدي ما أريكه.”
أومأت ثيل برأسها موافقة. عندها حرّك إياندروس يده في الهواء، فانفتح مدخل ضخم إلى فضاء فراغي. كان ذلك هو الفضاء البيني الخاص بإياندروس.
تألق المدخل كفتحة بيضاء مضيئة، تنبض وتتحرك وكأنها تنتظر دخولهما. شدّ إيان على يد ثيل، فخطت معه إلى الداخل.
بمجرد أن دخلا، انغلق الباب خلفهما. راحت ثيل تدير بصرها حولها وهي تثرثر بدهشة:
“الشيء الذي أردت أن تُريني إياه… كان الفضاء البيني؟ أشعر وكأني لم أدخل إلى هنا منذ زمن بعيد!”
“طبيعي… فأنا لم أحضرك إلى هنا منذ ثلاث أو أربع سنوات.”
في البداية، كان ذلك قد أحزنها قليلًا. فقد شعرت وكأنه يرسم خطًا فاصلًا بينها وبينه.
لكنها ما لبثت أن أدركت أن معاملته لها لم تتغير، فاختفى شعورها بالضيق.
أفلتت ثيل يده للحظة وهي تتأمل المكان بنظرة سريعة، فإذا بعينيها تقعان أول ما تقعان على… وسادة ضخمة جدًا!
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات