احتجّت ثيل بصوت مفعم بالظلم والتذمر. فما جرى لها لم يكن ‘حادثًا’، بل إنها لم تُصب بأي أذى بفضل أنّ تلك الفتاة غيّرت رأيها في اللحظة الأخيرة.
لكن كيف وصل الخبر إلى إياندروس الذي كان من المفترض أن يبقى في القصر الإمبراطوري بهذه السرعة؟ تساءلت ثيل بعينين مرهقتين، ثم قفزت من جديد من على السرير.
“هل أبلّغه أنّ الأفضل أن يلقاكِ في وقت لاحق إذا كنتِ متعبة؟”
كانت ليا تعرف جيدًا كم عانت ثيل اليوم من كثرة من أحاطوا بها.
فقد أرهقها بيردي ولوديان أولًا، بعدما شهدا ما وقع بأعينهما، ثم جاء دور كاسوس وألفيوس حين بلغهما الأمر متأخرًا، وزاداها تعبًا باستجوابهما.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إنّ خدم قصر أستريان، القلقين على سيدتهم الصغيرة، كانوا كلما لمحوا ثيل وهي تخطو مسرعة في أروقة القصر يسألونها سبع مرّات إن كانت بخير.
لذلك كانت منهكة للغاية.
ومع ذلك، لم تستطع ثيل أن تصدّ إيان الذي جاء مشغولًا بالقلق عليها، فأومأت نافية مانعة ليا
“لا بأس، سأذهب للقائه. لقد جاء قلقًا من أجلي، لا يجوز أن أعيده أدراجه…! هل ينتظرني الآن في قاعة الاستقبال؟”
“نعم، إنّه بانتظارك هناك.”
“حسنًا…”
فتحت ليا الباب لثيل، فسارت الفتاة بخطوات لا بطيئة ولا متسارعة نحو قاعة الاستقبال.
كانت ثيل ضعيفة البنية، ولولا إرادتها القوية لما استطاعت أن تجمع ما تبقى لها من طاقة للذهاب لملاقاته.
حين وصلت أمام القاعة دفعت الباب برفق.
مدّ أحد الخدم يده ليساعدها بفتحه بدلًا عنها، لكن ليا التي كانت خلفها أومأت له بالرفض.
فثيل كانت تفضّل دومًا أن تدخل بنفسها حين تلتقي أحدًا، حتى في يوم كهذا أنهكها بشدّة.
في الداخل، جلس إياندروس على الأريكة، واضعًا ساقًا فوق الأخرى، مظهرًا توتره الشديد.
كان فتىً بشعر ذهبي متلألئ كالشمس، وعينين خضراوين لامعتين كالجواهر النفيسة. بدا أكثر نضجًا مما كان عليه قبل خمس سنوات.
ملامحه الحساسة بقيت كما هي، لكن طوله الذي ازداد وكتفيه اللذين اتسعا وبنيته التي صارت متينة جعلته يبدو أكبر من عمره الحقيقي.
وما إن لمح ثيل تدخل القاعة حتى نهض على الفور، وتقدّم نحوها بخطوات متسارعة.
“سيدي إيان!”
“ثيل، أنتِ… سمعت أنّك أصبتِ؟”
“لم أُصب بشيء! ممّن سمعت ذلك؟ لم يمضِ على ما حصل سوى ثلاث أو أربع ساعات، كيف علمتَ بهذه السرعة وجئت؟”
“سمعتُ من دوق إيفالت، وكنتُ قريبًا من هنا فجئت مباشرة. إذا لم تُصب بأذى…”
“صحيح!”
“لكنهم قالوا إنّكِ تعرّضتِ لحادث؟”
“قلت لك لم يحدث شيء. كل ما في الأمر أنّه كان ‘حادثة كادت تقع’ لا أكثر!”
ارتخت ملامح إيان قليلًا بعد سماع جوابها. ثم دقق النظر في جسدها ليتأكد من خلوه من أي أثر لإصابة، ولم يتركها حتى اطمأن.
لقد تصرف تمامًا مثل كاسوس. فأدارت ثيل حول نفسها دورة كاملة، كأنها تستعرض أنّها بخير ولا إصابات بها.
ارتفعت تنانير فستانها الأبيض المنزلي مع حركتها، وتطاير شعرها الفضي الطويل مع أطراف الفستان.
“ها قد رأيت بنفسك، أنا بخير، أليس كذلك؟”
“توقفي عن الدوران! ماذا لو شعرتِ بالدوار وسقطتِ؟ أنتِ ضعيفة البنية أصلًا. حتى لو لم تصابي بجروح، قد تكوني قد تعرضتِ لصدمة. عليكِ أن ترتاحي اليوم.”
قالها إياندروس بصوت صارم.
“لكن ما معنى أنّك ‘كدتِ تصابين’؟ لقد أُبلغت فقط أنك تعرضتِ لحادث، ولم أقرأ التفاصيل جيّدًا بسبب استعجالي. لخّصي لي ما وقع.”
“باختصار؟ هممم، تلك الفتاة أصيبت بدلاً مني…”
“انتظري، قوليها بالتفصيل.”
هزّت ثيل رأسها وأوضحت:
“كانت هناك فتاة تحاول أن تقدم لي باقة أزهار مسمومة، لكنّها غيّرت رأيها في اللحظة الأخيرة وانتزعتها من يدي. فسقطت متأثرة بالسم، وهي الآن تتلقى العلاج، لكنها محتجزة في السجن السفلي.”
ارتسمت على وجه إيان ملامح الفهم، ثم سأل بجدّية:
“هل كُشف عن مَن يقف وراءها؟ لا، أظن أنّ الحديث في هذا مع الماركيز سيكون أوضح.”
“لم تستعد وعيها بعد، لذلك لم يكشفوا شيئًا… لكنني أعرف القليل عمّا جرى!”
“أهكذا؟ حسنًا، عندما تستيقظ ونكشف من هو وراءها، سأقتلها بيدي…”
“لا يجوز!”
اندفعت ثيل لتعانق إياندروس وتشبثت به. فنظر إليها إيان بدهشة، إلى ثيل المتمسكة بخصره.
اختفى ذاك الشاب الحادّ الملامح، ولم يبقَ سوى ملامح امتلأت بالارتباك. ربت إياندروس بخفة على كتف ثيل وسألها:
“ثيل… ما بكِ؟”
“لا يجوز أن تقتلها! لقد قلت لك من قبل، في اللحظة الأخيرة غيّرت رأيها وحاولت إنقاذي…”
“لكنها حاولت إيذاءكِ أليس كذلك؟”
“لقد أجريتُ هذا الحوار للمرة العشرين بالفعل… محاولة إيذائي ليست هي الأهم. المهم أنها غيرت رأيها وأنقذتني. لذا توقف عن الحديث عن قتلها! هل تعلم كم كان صعبًا أن أمنع والدي من ذلك؟”
“في الحقيقة، بقوة أستريان كان يمكنه إيقاظها بالقوة وانتزاع اعترافها عن مَن يقف وراءها ثم القضاء عليها. لكن الآن فهمت، كان ذلك بسببكِ ثيل، أليس كذلك؟”
“إنها صغيرة! لا شك أنها أصغر سنًّا منك يا إيان…”
“أصغر مني؟”
“أكبر مني، لكن أصغر منك.”
“ومع ذلك، تجرؤين على وصف أحد بأنه صغير؟ وأنت ما زلتِ ضئيلة هكذا.”
قالها إيان مازحًا وهو يربّت على رأس ثيل. والحق أن قلبه كان يغلي منذ اللحظة التي بلغه فيها الخبر.
‘كيف يمكن أن يحدث مثل هذا في أراضي أستريان؟’
فوق ذلك، كان الغضب يعصف به من بيردي ولوديان، ومن فرسان الحرس الأسترياني الذين عجزوا عن حماية ثيل كما ينبغي.
وكان قد جاء وهو يضمر في نفسه عهدًا: إن كان الفاعل ما يزال حيًّا فسوف يقتله بيديه.
غير أن رؤية ثيل بخير، وموقفها وهي ترجوه ألّا يقتل، جعلا قلبه يلين كالبودينغ المغمور بشراب الكراميل؛ فلم يستطع أن يبقى صارمًا أمامها.
“حسنًا، لن أقول ذلك ثانية. لكن ثيل، لماذا لم تُجيبي على رسالتي؟”
سارع إياندروس إلى تغيير الموضوع، إذ لم يرد الدخول معها في جدال طويل.
وكذلك، فحين تفيق الجانية لا بد أن أستريان نفسه سيتواصل مع القصر الإمبراطوري، وعندها تُقرَّر العقوبة، ولن يكون الأوان قد فات.
التفتت ثيل إلى إيان بعد أن أرخَت ذراعيها عن خصره.
“آه صحيح…! لقد نسيت! كتبت الرد بالفعل، لكن نسيت أن أطلب من ليا أن ترسل الرسالة.”
“لقد تركتِني في انتظار طويل يا ثيل.”
“لكن يا إيان، أنت أيضًا تجعلني أنتظر أحيانًا… ألم تتركني المرة الماضية أسبوعًا كاملًا من دون رد على رسالتي؟”
ما إن رمقته ثيل بهذا حتى ارتسمت على ملامحه خيبةٌ طفيفة.
والواقع أنه بالفعل نسي مرتين الرد على رسائلها، وسط انشغاله الذي لا يطاق.
فإياندروس، بعد أن ترك الأكاديمية، كان يتلقى دروسًا مكثفة ليصبح إمبراطورًا، فكان وقته مزدحمًا حتى أقصاه.
ومع ذلك، كان يجد فسحات ضئيلة لكتابة الرسائل إلى ثيل، لذا نسيان الرد أحيانًا لم يكن أمرًا غريبًا.
لكن، وهو الذي كان يتأخر بالرد أيضًا، لم يكن في موقف يتيح له أن يعاتبها. لذا تنحنح متصنعًا الجدية.
“أحضريه لي الآن. سأقرؤه أمامك.”
“ماذا؟! لا، لا يمكن! سأرسله إلى القصر الإمبراطوري.”
“ولماذا؟ يمكنني أخذه بنفسي.”
“أخجل من أن تفتح الختم في العربة وتقرأه هناك…”
“لكن… ألم تكتبيه خصيصًا لي؟”
“مع ذلك، أشعر بالخجل. لذا سأرسله إلى القصر.”
قالت ثيل ذلك بإصرار. فضحك إياندروس بدهشة، ثم أومأ برأسه دون اعتراض.
“حسنًا. أرسليه إذن فورًا. لا، بل ينبغي أن أهديكِ… حمامة مراسلة. تكون الأسرع في التنقل بين القصر وأستريان. هكذا لن تتأخري عن استلام الرد، ولن أتأخر أنا أيضًا.”
“حمامة مراسلة؟”
“نعم. في أستريان يُعتمد غالبًا على إرسال الرسائل يدويًا، أما أنا فأستعمل الحمام كثيرًا. لو كان لكِ حمامة، لكان الأمر أفضل…”
قال إياندروس بصوت دافئ هامس.
وفي داخل قاعة الاستقبال، لم يبقَ أثر لذاك الشاب الحاد الملامح؛ بل غدا مجرد فتى ينظر بقلق إلى الفتاة الصغيرة أمامه.
دخل نسيم المساء المعتدل، الذي سخنته أشعة الغروب، من خلال النافذة المفتوحة، يداعب خصلات شعرها برفق.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "134"