أرشد الجندي الواقف أمام باب السجن الأرضي كاسوس وثيل إلى الداخل.
تضايقت ثيل من الجو المظلم والرطب للسجن، إذ أعاد إلى ذهنها علّية المنزل التي كانت تسكنها في الماضي.
حينها، انبثق من كفّها الصغيرة نور لطيف أخذ يطفو ويضيء المكان كله. ارتبك الجنود الحارسون وأخذوا يتلفتون.
لقد بُني سجن أستريان تحت الأرض وجُعل مظلمًا كي لا يرى السجناء ‘نور الحاكمة لوسيت’.
ولكن ها هي وريثة أستريان نفسها، مستخدمة قوى الحاكمة، تملأ السجن بالضياء! ابتلع الجنود ريقهم وألقوا نظرات مرتبكة نحو كاسوس.
تردد كاسوس قليلاً، ثم مد يده وربت بخفة على خد ابنته وسألها:
“هل تكرهين الظلام؟”
“نعم يا أبي. المكان مظلم جدًا. ليتَه أكثر إشراقًا قليلاً… لا أستطيع حتى التمييز بين الليل والنهار.”
“هذا سجن للمدانين، ومن الطبيعي أن يكون مظلمًا. وإن كان الأمر لا يعجبك، فيمكننا أن نخرج حالًا…”
“آه يا أبي! متى قلت إنني أكره ذلك؟ المكان الآن منير، ولم يعد مزعجًا. أريد فقط أن أرى تلك الفتاة بسرعة.”
تحركت ثيل في حضن والدها بقلق، خشية أن يحملها خارج السجن قبل أن ترى الفتاة.
عندها أنزلها كاسوس على الأرض. فانطلقت بخطوات صغيرة خلف الجندي الذي قادها إلى أبعد زنزانة في الداخل.
وهناك كانت الفتاة التي قدّمت لها الباقة محبوسة. دون أن تشعر، أمسكت ثيل بقضبان الزنزانة بكلتا يديها.
“آه! ساخن!”
سحبت يديها فجأة، إذ كان الحديد ملتهبًا. اتسعت عيناها وهي تحدق في القضبان ثم في كفيها. أسرع كاسوس إليها ليتفقد راحتيها.
“لقد نسيت أن أُنبّهك… لا تلمسي قضبان السجن يا ثيل.”
حدقت به ثيل بدهشة.
“لماذا هي ساخنة إلى هذا الحد؟”
“سجون أستريان الأرضية تُسخَّن قضبانها حتى يستحيل على السجناء الهرب.”
“أها! هذا ما شعرت به.”
خلعت ثيل بروشها المعلق على صدرها بحذر. وما إن أزالته حتى اندفعت موجة من الحرارة الحارقة، فكان الهواء من حولها يغلي تقريبًا.
كدت أذناها وذيلها يبرزان من الخوف، فسارعت إلى إعادة البروش إلى مكانه، ثم نظرت إلى كاسوس بتذمر.
“هذا غير عادل… ماذا لو احترقت يدي؟”
“لن يحدث لك شيء إن لم تلمسيها.”
قال كاسوس وهو يربت على كفها المتورم المحمر.
لحسن الحظ، لم تُصب ثيل بحروق. فالقضبان أُسخِّنت بقوى النار التي يسيطر عليها آل أستريان، وثيل بدورها تنال حماية من هذه القوة، فلم تُصب بأذى.
لكن، ولأن طاقة النار هنا صُممت لإيذاء الآخرين، فقد استطاعت ثيل أن تشعر بسخونتها على غير العادة.
تأملت يدها التي بدأ الورم يخفّ، ثم نظرت إلى يد والدها التي تضم كفها، قبل أن تُحوِّل بصرها إلى داخل الزنزانة.
كانت الفتاة ممددة على سرير ضيق كأنها ميتة. لو تحركت قليلًا لانزلقت أرضًا.
شبكة من العناكب تملأ الزوايا، والأرضية باردة وصلبة، والجدران قوية بلا شقوق، أما السرير فقد تصدع من أطرافه.
كان طبيعيًا أن يكون الوضع مزريًا، فهذا سجن للمجرمين، لكن صدر ثيل انقبض وهي تشاهد المشهد.
‘إنه يشبه علّيتي القديمة في نيستيان…’
ثم سألت بصوت خافت:
“هل حالتها سيئة جدًا؟”
“بحسب الطبيب، ستستعيد وعيها بعد ثلاثة أو أربعة أيام، ويمكننا حينها استجوابها.”
“…لن تعذّبوها، أليس كذلك؟”
“إن استدعى الأمر.”
رفعت ثيل عينيها مذهولة نحو كاسوس، فأجاب وهو يهز كتفيه:
“لا خيار لنا. الأمر بالغ الأهمية. هناك من حاول إيذاءك، وحتى الآن لم نعرف نوع السم الذي استُخدم.”
كانت ثيل تدرك خطورة الموقف، لكنها أرادت مع ذلك أن تثني والدها عن ذلك.
فهي متأكدة أن الفتاة حاولت إنقاذها. لا تعلم لماذا حاولت إيذاءها أول الأمر، لكن تراجعها في اللحظة الأخيرة كان واضحًا.
“أرجوك يا أبي… لا تعذبوها. حتى لو بدا الأمر ضروريًا، أتمنى ألا تفعلوا. إنها صغيرة جدًا. والحقيقة أنك تعرف هذا بنفسك.”
“أعرف ماذا؟”
“أنها لم تكن لتفعل ذلك بمفردها، وأنها حاولت إنقاذي.”
“ثيل، لقد قلت لك هذا من قبل…”
“لكن هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.”
رنّ صوت ثيل الصافي في السجن الأرضي. وألقى الجنود نظرات متعجبة على كاسوس، غير معتادين على رؤيته حائرًا أمام طفلته الصغيرة.
لم تكترث ثيل، بل أكملت حديثها:
“أرجوك، خففوا الحكم عنها… لقد تأذت بسببي كثيرًا. لو أنها اكتفت بمنحي الباقة وفرّت، لربما أُسرت لكنها ما كانت لتُصاب.”
“لو فعلت ذلك، لماتت فورًا.”
“لكنك تنوي قتلها الآن أيضًا… بينما هي مصابة كل هذا القدر بسببي.”
تنهد كاسوس وقال بمرارة:
“يا للعجب… ثيل، صغيرتي. متى كبرتِ إلى هذا الحد لتجادلي والدكِ في كل أمر؟”
كاسوس قرص خدّ ثيل بلطف. ولأنّه لم يستخدم أي قوة تؤلمها، فالأصح أن يُقال إنّه أمسك خدّها قليلًا لا أكثر.
“حين تستيقظ تلك الفتاة، أريد أن أتحدث معها… هل يمكنني ذلك؟”
“مع من حاولت قتلك، تريدين أن تتحدثي؟”
“لقد أنقذتني، أقول لك. نحن نعيد نفس الكلام منذ ساعة كاملة…”
تمتمت ثيل متذمّرة بصوت خافت، فتنهد كاسوس مرة أخرى.
“… لا أستطيع مجادلتك. لكن بشرط، لا تذهبي إليها وحدك. يجب أن أكون معك.”
“نعم! بالطبع!”
ابتسمت ثيل ابتسامة مشرقة وهي تعانق كاسوس، مسرورة لأنها حصلت على ما أرادت في النهاية.
وعلى الرغم من أن كاسوس وثيل تحدثا بصوت ليس بالهادئ، فإن الفتاة المصابة بجروح بالغة لم تستفق ولا مرة واحدة.
كان كاسوس يبدي نفورًا من البقاء في هذا المكان دقيقة إضافية، فأخذ ثيل وغادرا معًا السجن السفلي.
وما إن خرجت ثيل من السجن حتى اختفى الضوء الذي كان يملأه، وغرق المكان مجددًا في ظلام دامس.
“حين كانت السيدة الصغيرة هنا كان المكان مضاءً وجميلًا، والآن عاد إلى ظلامه.”
“في الحقيقة، هذا هو الطبيعي. منذ متى كنا نضيء للمدانين مكانهم؟ هذا كلام لا يعقل.”
بدأ الجنود يتمتمون بينهم بعد خروج كاسوس وثيل.
“لكن ألا تلاحظ أننا نحن أيضًا لا نرى النور؟ هذه المشاعل ضئيلة للغاية، لا تكفي لإنارة هذا السجن الواسع.”
“أنت تعمل هنا منذ زمن طويل، لماذا تتذمر فجأة؟”
وبّخه زميله بحدّة بعدما ضاق ذرعًا بتذمّره المتواصل، إذ بدا وكأن لذّة الضوء المؤقتة التي ذاقها جعلته أكثر ضجرًا.
وفي تلك اللحظة، أغمض أحد الجنود عينيه قليلًا ثم تمتم:
“هاه؟”
“ماذا هناك؟”
“أنظر، هناك شيء ما.”
وأشار بإصبعه إلى الزنزانة الأخيرة، تلك التي غادرها للتو كاسوس وثيل، حيث كانت الفتاة التي هاجمت ثيل محتجزة.
اقترب الجنود من المكان وحدّقوا داخل القضبان.
كان هناك سمكة صغيرة تتكوّن من نور متلألئ، تدور بلا انقطاع حول رأس الفتاة.
“أليست هذه قدرة السيدة؟”
“يبدو كذلك… لكن كيف وصلت إلى هنا؟”
وحين لاحظت السمكة وجود الجنود، سبحت ببطء في الهواء واقتربت منهم حتى صارت على مقربة من وجوههم.
وكانت زعانفها الطويلة والجميلة تتحرك بليونة، وكلما اهتزّت انبعثت منها ذرات ضوء متساقطة في مشهد غريب وساحر.
نظر الجنود إليها بوجوه مذهولة، بينما سبحت السمكة إلى خارج القضبان، دارت حولهم دورة كاملة، ثم عادت مجددًا إلى جوار رأس الفتاة.
لقد كان ذلك أثرًا صغيرًا من الضوء تركته ثيل، لأجل تلك الفتاة التي غيّرت رأيها في اللحظة الأخيرة وحاولت إنقاذها.
وفي تلك اللحظة، تحرّكت يد الفتاة قليلًا.
غير أنّ حرّاس السجن لم يلحظوا ذلك، لأنهم بعد أن أيقنوا أنّ “هذا الشيء الغريب” ما هو إلا جزء من قدرة سيدتهم، عادوا إلى مواقعهم مباشرة، فلم يرَ أحد ما جرى.
***
“من… جاء مجددًا؟”
سألت ثيل بعينين متعبتين وهي تحدّق في ليا.
فأجابتها ليا بحذر، وقد بدا عليها الحزن لرؤية ثيل بهذا الحال:
“لقد جاء سمو ولي العهد. سمع بما جرى لكِ يا آنستي الصغيرة…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "133"