في اللحظة التي مرّ فيها التساؤل بخاطره كلمح البصر، انطلقت الفتاة نحو ثيل من غير أن تترك مجالاً لصدّها.
مدّت يدها إلى باقة الزهور التي كانت ثيل تحملها، فارتبكت ثيل وأسقطت الباقة من يدها دون قصد.
“آه!”
اعترض بيردي ولوديان، ومعهما فرسان الحراسة التابعون لأستريان طريق الفتاة، غير أنها كانت أسرع منهم بخطوة. خطفت الباقة التي سقطت من يد ثيل وتراجعت سريعاً.
“ه، هذا لا يجوز…”
لو أنّ بيردي ولوديان استخدما قدراتهما الخاصة، لكانا تمكّنا من إيقاف الفتاة قبل أن تقترب من ثيل، بل ولحوّلا الباقة إلى رماد أيضاً.
لكن سرعتهما لم تكن تضاهي سرعة ألفيوس أو كاسوس، كما أنهما لم يريا سبباً وجيهاً لإحراق الباقة.
“أمم… إذا كنتِ تريدين استعادتها، فيمكنكِ أخذها من جديد.”
قالت ثيل بصوت يحمل شيئاً من الارتباك، وهي تحدّق بالفتاة. عندها ضحك بيردي ولوديان بخفة، كأن الموقف يبعث على السخرية.
“ما الذي تفعلينه بحق السماء؟ هل تعلمين ما الذي اقترفتِه الآن؟”
قال بيردي موجهاً بصره مباشرة إلى الفتاة. بينما رمقها لوديان بوجه متجمد ببرود، ثم التفت فجأة إلى فرسان الحراسة وقال بصرامة:
“ما بالكم لم تحموا في الوقت المناسب؟ متى صار حرس أستريان بهذا القدر من العجز؟”
انحنى الفرسان برؤوسهم خجلاً من تأنيبه. فلم يكن في كلامه خطأ، إذ كان واجبهم حماية السادة في أي ظرف.
“نعتذر.”
ألقى لوديان عليهم نظرة مقتضبة، ثم التفت إلى بيردي، قبل أن يوجّه بصره نحو الفتاة التي كانت تعانق الباقة إلى صدرها بإصرار.
كان الأمر مستغرباً للغاية؛ أن تُمنح الباقة ثم تُسلب ثانية؟ كيف يجرؤ أحد من العامة على الاندفاع وسلب الزهور من يد نبيلة، بل من يد السيدة التي تحكم هذه الأراضي؟
أمر كهذا لا يمكن أن يُسمح به. وكان يستوجب العقاب.
لكن في تلك اللحظة، أمسكت ثيل بخجل بطرفي كمّي بيردي ولوديان وقالت:
“أنا… أنا بخير. لم أُصب بأذى.”
كانت تخشى أن يُلحق أخواها الأذى بالفتاة، فسارعت تدافع عنها.
وبالفعل، لم تكن ثيل مصابة بشيء، ولم يكن من داعٍ لإيقاع العقوبة على الفتاة. ثم إن ثيل لم تكن يوماً قاسية مع الآخرين.
نظر إليها لوديان بعينين تملؤهما الندامة وقال:
“ثيل، سامحيني. الخطأ خطئي. كان عليّ أن أمنعها من الاقتراب منك.”
وفجأة، تغيّر وجه الفتاة الذي كان متصلباً طيلة الوقت. لم يَبدُ أنه شحب وحسب، بل كأن السواد قد غمره بالكامل.
“آآغ…!”
شهقت بعينين متسعتين من الألم، وأسقطت الباقة من حضنها.
وللمرة الثانية ارتطمت الباقة بالأرض، فتساقطت بعض بتلاتها وانكسرت سيقانها، ثم تُركت ملقاة على الأرض في حالة يرثى لها. اتسعت عينا ثيل دهشةً.
“ما هذا…؟ أوه، يا أخواي!”
“ثيل، تراجعي فوراً.”
مد بيردي ذراعه ليحول بينها وبين الفتاة، فيما جذبها لوديان خلفه وهو يومئ برأسه. وتقدم فرسان الحراسة ليقفوا في الصف الأمامي.
وفي تلك اللحظة، انهارت الفتاة على الأرض وهي تتلوى وكأن الألم يمزقها.
فزعت ثيل وهمّت بالركض نحوها، لكن لوديان أمسك بيدها سريعاً.
“آه! يا أُخي، تلك الفتاة!”
“انتظري.”
أشار لوديان برأسه، فسارع الفرسان إليها ليتحققوا من حالتها. وأخذ أحدهم يفحص الباقة بعناية.
“يوجد هنا أثر لشيء مكسور!”
قال وهو يشير إلى شظية زجاج صغيرة جداً. فتصلبت ملامح بيردي ولوديان في آنٍ واحد.
كان ذلك دليلاً على أن الفتاة جاءت بالباقة بنيّة إلحاق الضرر بثيل.
ومع ذلك، فثيل تحمل بركة قوة اللهب وقوة النور معاً، وحتى لو انفجر الشيء في حضنها، ما كان ليصيبها بأذى كبير.
‘يا للمهزلة.’
لكن لم يكن يتصور أن يحدث شيء كهذا داخل أراضي أستريان.
فثيل وبيردي ولوديان كانوا على علاقة وثيقة بأهالي الإقطاعية. وكثير من النبلاء اعتادوا معاملة رعاياهم بود، لكن الإخوة الثلاثة كانوا أوثق صلةً من غيرهم.
ذلك لأنهم منذ الصغر جابوا أطراف الأرض بحرية، كما أنهم امتلكوا قدرات قوية تمكنهم من حماية أنفسهم منذ نعومة أظفارهم.
فما من شيء تقريباً كان بإمكانه أن يلحق الأذى بأطفال كهؤلاء. لذا كان الأهالي يقدمون لهم أجمل الزهور وأطيب الثمار، والأطفال بدورهم كانوا يتقبلون تلك الهدايا بقلوب مفتوحة من غير ريبة.
ومن ثم، لم يخطر ببال بيردي ولوديان أن تقع حادثة كهذه في أراضيهم أبداً.
نظر بيردي إلى الفتاة. كان واضحاً أنها ستلفظ أنفاسها قريباً. ولم يكن بوسعه أن يتركها تموت قبل أن يُكشف من الذي حرّضها على فعل ذلك. فأصدر أمره:
“…خذوها إلى القصر. اعرضوها على الطبيب ليُبقي على حياتها، ثم اسجنوها في قبو قصر أستريان.”
بأمر بيردي، أسرع فرسان الحراسة بحمل الفتاة عن الأرض. عندها أمسكت ثيل يد بيردي بوجه متوتر قليلاً.
“…أخي.”
“ثيل، هل أنتِ بخير؟”
استدار لوديان نحوها وأوقفها في مكانها. فأومأت ثيل برأسها. لم يكن بها بأس سوى بعض الارتباك.
لكن في تلك اللحظة:
‘همم؟’
حدقت ثيل في يدها التي كانت تتفحصها، فعقدت حاجبيها قليلاً. كان على أطراف أصابعها أثر بقعة سوداء.
‘هل عَلِق شيء بيدي؟’
أخرجت منديلها ومسحت أطراف أصابعها بعناية. سرعان ما اختفت البقعة. يبدو أنها عَلِقت بها حين أمسكت بالباقة.
“ماذا هناك؟ هل حصل شيء غريب؟”
“لا، لا شيء. أنا بخير. بفضل الفتاة… لأنها خطفت الباقة من جديد.”
“لكنها هي نفسها من أعطتكِ الباقة.”
“صحيح، لكنها أيضاً غيّرت رأيها في اللحظة الأخيرة، وأنقذتني مجدداً.”
قالت ثيل وهي تنظر إلى المكان الذي كانت الفتاة ملقاة فيه، وعلامات الحيرة مرتسمة على وجهها.
لماذا غيّرت الفتاة رأيها في اللحظة الأخيرة وأخذت الباقة من جديد؟
“لقد بدا وضعها خطيراً… هل ستكون بخير؟”
“ثيل! لقد كنتِ على وشك أن تصابي الآن. من الأولى أن تقلقي على نفسكِ أولاً. فأنتِ وريثة أستريان.”
“لقد قصرنا نحن. كان ينبغي أن نصحب حرساً أكثر. لقد تهاونا. لم يخطر لنا أبداً أن يحدث أمر كهذا داخل أراضي أستريان.”
أمسك بيردي بيد ثيل وأدار جسدها. فيما بقي بقية الفرسان يحيطون بثيل وبيردي ولوديان للحماية.
“لنعد إلى القصر الآن.”
أومأ الفرسان موافقين على كلمات بيردي. أما ثيل فظلت تلتفت إلى مكان سقوط الفتاة مرة بعد مرة، وقد غمرها شعور بالانقباض لا تدري سببه. كان طرف أصابعها يؤلمها وكأنها تحترق قليلاً.
***
“آنستي!”
كانت ثيل جالسة بهدوء في غرفتها، تدلّي ساقيها وهي تهزهما بخفة. وما إن دخلت ليا من الباب حتى ابتسمت لها ثيل.
“ليا!”
“آنستي! لقد سمعت بما جرى. يا إلهي، ما الذي حدث؟ هل أنتِ بخير؟ ألم تُصبِي بأي أذى؟”
أمسكت ليا بيدي ثيل وتفحصت جسدها بعناية، وبلمسة أكثر رقة من بيردي ولوديان.
ولم تطلق ليا تنهيدة الارتياح إلا بعد أن تأكدت أن شعرة من رأس ثيل لم تُمسّ بسوء.
“أنا بخير تماماً. لم يصبني مكروه، حتى قلقي هدأ الآن. وأنتِ تعرفين جيداً كم أجيد استخدام قوى الحماية.”
ضحكت ثيل بخفة ولوّحت بيدها. فسرعان ما ظهر أمام جسدها حاجز رقيق من النور، كأنه نسج من آلاف الخيوط الذهبية المتينة. ورغم رقته، فقد كان شديد الصلابة، قادراً على صد أي اعتداء. كان ذلك أبرز ما تجيده ثيل ذات الاثني عشر عاماً.
“لذلك لا تقلقي علي! المشكلة فقط بتلك الفتاة… ليا، هل تظنين أن إخوتي سيقتلونها؟”
غدا وجه ثيل جاداً على غير عادتها. أما ليا فكادت تقول لها إن سؤالها هذا لا حاجة له، لكنها تماسكت وقالت:
“آنستي، صحيح أنني ما زلت أناديكِ بـ’آنستي’ كما طلبتِ مني حين كنتِ صغيرة، لكنك في الحقيقة وريثة أستريان.”
“أجل، بالطبع أعلم ذلك.”
“وتلك الفتاة حاولت الاعتداء على وريثة أستريان، لذا فمن الطبيعي أن تنال جزاءها.”
“لكنها أنقذتني أيضاً، أليس كذلك؟”
“وما الفائدة إن كانت قد رمتكِ في الماء أولاً ثم مدت يدها لإنقاذك؟ المهم أنها رمتكِ… آه، لقد اندفعتُ أكثر من اللازم. سامحيني آنستي.”
ابتسمت ليا بخجل وعانقت ثيل برفق. فأغمضت ثيل عينيها للحظة وهي بين ذراعيها.
ثم رفعت رأسها فجأة وقالت وهي تحدّق في ليا:
“صحيح! أين هي تلك الفتاة الآن؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "131"