عاد الأطفال أولاً إلى ‘أرنيه’. كانوا ينوون أن يحدّثوا سيدة العائلة هناك عمّا جرى في ‘أركاديا’، ويقدّموا لها شكرهم على كرمها.
كانوا قد أخبروا ‘إيلرام’ بأنهم لن يُفصحوا عن كون ‘كارل’ وريث آل إيفرارد، لكن لم يكن ممكناً إخفاء ذلك عن ‘أرنيه’.
فـ’كليمنس’ وريثة ‘أرنيه’ رأت بأمّ عينها كيف استخدم كارل قوّته الخاصة، كما أن فرسان أرنيه شهدوا هم أيضاً ما جرى من ظواهر عجيبة في أركاديا.
“لكن إذا حسبناها هكذا… ألن يعرف الجميع بالأمر؟”
قال ‘لوديان’ وهو متكئ في العربة المهتزّة، عاقداً ذراعيه، ثم رفع جفنه الواحد متأملاً.
“ماذا تعني؟”
ردّ ‘إيان’.
“ألم تقل إننا لن نُفصح عن أنّ كارل وريث آل إيفرارد؟ لكن انظر جيداً… أولاً: أستريان عرف بالأمر، صحيح؟”
وأشار لوديان إلى نفسه وإلى ‘بيردي’ و’ثيل’. فأومأ الاثنان برأسهما معاً.
“و’فولفغانغ’ عرف أيضاً، صحيح؟”
كانت ‘أوليفيا’ في عربة أخرى فلم يُشر إليها، واكتفى بطيّ إصبعه ليُحصي. أربع أصابع انطوت.
“صحيح.”
“وبما أن كليمنس كانت موجودة، فأرنيه أيضاً علمت.”
طوى إصبعاً آخر. فأومأ إيان برأسه صامتاً.
“وأخيراً، حتى البلاط الإمبراطوري.”
فتح إبهام يده اليسرى بعدما انتهى من أصابع يده اليمنى.
عند كلام لوديان، أسند بيردي رأسه إلى نافذة العربة، بينما أخذت ثيل تعدّ على أصابعها مثلما فعل لوديان، قبل أن تبدو على وجهها ملامح الحرج.
“ربما كان يجب أن نقول: ‘لن نُعلم نيستيان وإيكير’، بدلاً من ‘سنكتم السر’.”
قالت ثيل وهي تحدّق في إيان، فأومأ برأسه موافقاً.
“لم أقصد حقاً أن نُخفي الأمر إلى الأبد. أردت فقط أن أُطمئنهم.”
بالطبع لم يكن إيان ينوي أن يجاهر في كل مكان بأن وريث آل إيفرارد ما زال حيّاً. لكنه في الوقت ذاته لم يتوهّم، كما قال لوديان وثيل، أنه يمكن إبقاء الأمر طيّ الكتمان بعدما شهده هذا العدد الكبير.
ومع ذلك، كان في قوله حكمة:
“تلك الأرض بحاجة إلى الاستقرار. على الأقل إلى أن نتمكّن من جمع جثث السوين الموتى. ونحن قادرون على أن نكسب لهم ذلك الوقت.”
فالإمبراطور، وسيد أستريان، وكذلك سيد فولفغانغ، لم يكونوا من النوع الذي يتعجّل أو يستغل مصيبة الآخرين لمكاسب شخصية. فإذا علموا بالأمر سيحاولون قدر الإمكان كتمه.
أما أرنيه فالثقة بها صعبة، غير أن طبيعة أراضيها البعيدة عن بقية الأسر تجعل وصول الخبر منها إلى الآخرين يحتاج إلى وقت.
هكذا كان بإمكانهم، كما قال إيان، أن “يكسبوا وقتاً”، حتى لو كان إخفاء الأمر بالكامل إلى أن ينضج كارل ضرباً من المستحيل.
لقد كانت أركاديا تحت أشعة الشمس أفظع مما تخيّلوا، حتى إنها بدت وكأن استعادة مجدها القديم أمر يدعو للقلق والشك.
“المهم أن الأمور انتهت بسلام، وهذا يكفي. أليس كذلك؟ لقد ظننت حقاً… أن جميع السوين هناك سيموتون!”
“ربما كانوا سيموتون بالفعل. لولا حضورك يا ثيل لانقرضوا كلهم. علينا أن نشكر ‘سيندر نيستيان’ لأنه أرسلنا إلى هناك، أليس كذلك؟”
قال بيردي بهدوء وهو يحتضن ثيل. فابتسمت ابتسامة صغيرة في دفء صدر شقيقها، وأومأت بخفوت إلى قوله.
لم يسبق لسيندر أن أفادها بشيء في حياتها، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً بالفعل… حتى وإن لم يكن قصده أن يكون كذلك.
فكرّت ثيل: ‘لا يمكن إنكار أن سيندر كان عوناً هذه المرة.’
ولو سمع المعنيّ كلامها لثار غاضباً، وحاول أن يفتك بالأطفال بسيفه الجليدي. لكنه لم يكن موجوداً هنا، بل في أراضي نيستيان، ولهذا لم يكن ذلك مما يشغل ثيل.
“أنا سعيدة حقاً أن الأمر انتهى بخير. لولا كارل لما استطعنا إنجازه… تُرى هل كان السيد إيلرام قد توقّع أن كارل سيكون ضرورياً، ولذلك طلب منه أن يرشدنا؟”
في الحقيقة، لو كان الأمر مجرد إرشاد للطريق، لكان إيلرام أو ‘إيرين’ بنفسهم أولى بأن يتولّى المهمة، أو لكان أرسل سويناً أكبر سنّاً.
فقد تبيّن أن كارل يعرف تضاريس المكان جيداً، لكنه ‘عديم الاتجاهات’.
لذلك اضطروا أحياناً إلى الالتفاف حول طرق طويلة رغم وجود طرق مستقيمة. فشكا بيردي ولوديان وأوليفيا لاحقاً أنهم كان ينبغي أن يأتوا بدليل آخر.
‘لكن لو جاء دليل آخر… لفشلنا حتماً.’
إذ لم يكن ليستدعي الشمس، ولا ليسقي أرض أركاديا القاحلة بالماء. لكان السوين جميعاً قد ماتوا، وكانت ثيل لتتألّم بالذنب أمام جثثهم.
فكّر إيان مليّاً في كلام ثيل ثم أومأ برأسه.
“إيلرام واحد من القلائل الذين عرفوا أن كارل هو آخر أبناء آل إيفرارد. فحتى لو لم يكن يعرف التفاصيل، لعلّه أدرك أن دماء إيفرارد هي المفتاح لإحياء أركاديا.”
“لكن ألم يُمحَ آل إيفرارد منذ زمن بعيد…؟ أليس كذلك؟”
“بلى.”
“إذن… هل يُعقل أن توقيت فقس كارل الآن مرتبط بذلك؟ هل كان سيد إيفرارد يعلم بكل شيء، ويستعد له بتركه الابن وراءه؟”
“لست أظن ذلك.”
أسند بيردي ذقنه فوق رأس ثيل وهو يقول لها. رفعت ثيل رأسها لتنظر إليه، فالتقت عيناها بعيني بيردي الذي كان يتطلّع إليها من علٍ.
ابتسم بيردي ابتسامة رقيقة.
“قدرات إيفرارد لم تكن التنبؤ بالمستقبل، فكيف له أن يعرف؟ كما قال إيلرام، وجود أرض مثل أركاديا لا بد له من دمائه، لذلك أبقى كارل على قيد الحياة. مقابل حيويته.”
حوّل بيردي نظره إلى خارج نافذة العربة وأكمل:
“ولا بد أيضاً أنه أراد إنقاذ ابنه. لم يُبقِه لمجرّد أن يكون أداة من أجل سوين أركاديا. أظن أن سيد آل إيفرارد، الذي أحب تلك الأرض، تركه بدافع القلق عليها… وفي النهاية، كان ذلك ما أنقذ أركاديا. هذا ما أعتقده.”
“الآن بعد أن سمعتك… يبدو الأمر هكذا حقاً!”
“لكن لا أدري إن كان يعلم متى سيفقس ابنه. إيلرام قال إنهم لم يعرفوا متى سيحدث ذلك، ولهذا ظلّت عائلته تحرس كارل جيلاً بعد جيل. لكن إن كان قد فقس قبل سبع سنوات…”
تمتم إيان قائلاً: “فهذا بالضبط وقت ولادتك يا ثيل.”
كان إيان قد سأل إيلرام قبل أن يغادروا: كم مرّ من السنوات على ولادة كارل؟
‘كارل فقس قبل سبع سنوات.’
‘سبع سنوات؟’
‘نعم، إنه في عامه السابع الآن.’
أجابهم إيلرام بذلك. ومنذ سمع الصبية جوابه، ظلّوا جميعاً يفكرون في الأمر نفسه:
وريث أسرة الماء النائم، آل إيفرارد، والطفلة المولودة بقدرة الضوء الأسطورية… كلاهما ظهر في العام نفسه. هل يمكن أن يكون هذا مجرد صدفة؟
مدّ بيردي يده ليمرر أصابعه بلطف بين خصلات شعر ثيل المتموجة.
وبما أن الخادمة لم ترافقها لتمشط شعرها، تولّت كلّ من كليمنس وأوليفيا عقد شعرها، لكنه ظلّ مرتبكاً بعض الشيء، فتناثرت منه بعض الخصلات.
ومع ذلك أحبت ثيل كثيراً كون أختيها هما من سرّحتا شعرها!
ضحكت بخجل تحت لمسة بيردي، فابتسم بدوره، مقلّداً ضحكة شقيقته الصغيرة المحبوبة.
***
“لا يكون قد حدث لهم شيء؟”
“…….”
“ألا يجدر بنا إرسال فرقة بحث الآن؟”
“…….”
“لا، لا… بل الأفضل أن أذهب بنفسي…”
“أبي.”
ناداه كاسوس بنبرة رصينة. فالتفت ألفيوس بسرعة حادّة ينظر إليه، والتقت عيناهما في الفراغ.
قال كاسوس، وهو ينظر إلى والده بعينين مفعمتين بالاحترام والمحبّة، بصوت هادئ متّزن:
“اجلس يا أبي، إنك تثير الاضطراب.”
“…….”
“لم ينقطع اتصالنا بالأطفال، فلمَ هذا القلق الشديد؟”
كانت أرنيه ترسل إلى أستريان أخبار تحركات الأطفال بانتظام، بل وأبلغتهم أيضاً أنهم دخلوا ‘الأرض التي لا يشرق فيها الصبح’ بسلام.
ومع ذلك، ظلّ ألفيوس منذ رحيلهم يدور في مكتبه مئات المرات يومياً، متمتماً: ‘كان عليّ أن أذهب معهم.’
انفجر غيظه حين رأى برودة أعصاب كاسوس.
“ألا تقلق على الأطفال أبداً؟ لقد تأخروا كثيراً عن الموعد المتوقع!”
“بالطبع أنا قلق عليهم.”
كان كاسوس يثق بالأطفال، يوقن أنهم قادرون على مواجهة أي ظرف.
لكن أحياناً هناك أمور لا تُحلّ بقدراتهم وحدهم. لذلك فإن قلقه عليهم لم يكن أقلّ من قلق أبيه، ومع ذلك بدا أكثر تماسُكاً.
“لهذا السبب أرسلت السلمندر. يجب أن يكون قد وصل الآن.”
تمتم كاسوس وهو ينظر إلى التقويم المعلّق وقد شُطبت أيامه. عند أطراف أصابعه، اشتعلت شرارة صغيرة – فوف! – كما لو أن السلمندر نفسه يجيب نداءه.
***
وفي تلك اللحظة…
كان سلمندر صغير من لهب خالص يشقّ طريقه بسرعة فوق سهول الثلج المترامية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "124"