استخدمت ثيل قدرتها.
من بين كفيها الصغيرتين انبثق ضوء دافئ، بريق! لمع لحظة، ثم أخذ يكبر ويتسع. لم يكن في حجمه وضخامته مثل نيران بيردي أو لوديان المعتادة، لكنه كان كافيًا… كبيرًا، مشرقًا.
وسرعان ما خمدت الضوضاء. مئات، بل آلاف الأعين التفتت إليها.
لقد ظهر النور في أركاديا.
كان في حجمه شبيهًا بلهيب شمس الفجر المتواضع، لا بالشمس ذاتها، لكنه بلا شك نور. وفي طرفة عين عمّ الصمت الساحة التي كانت تغصّ بالضجيج. حينها فقط أدركت ثيل أن هذا المكان ليس سوى ساحة المدينة، أو قرية كبيرة يجتمع فيها الناس.
“إن فعلتُ هذا… فقد لا يصل الضوء إلى من في الخلف…”
تمتمت ثيل بصوت خافت.
ومن كفيها انبثقت عشرات من الأسماك الصغيرة. كانت أضعف حجمًا من تلك التي تستحضرها عادة، لكنها هذه المرة كانت أكثر عددًا بأضعاف.
تضاءلت آهات الألم. وبمجرد أن مستهم أشعة ثيل، بدا الطفح الأسود على جلودهم وكأن انتشاره تباطأ بوضوح.
لكن… مشكلة بقيت. قوة ثيل لم تكفِ لإحاطة الجميع. الضوء الذي تفرّق في مسارات عدة ضعف أثره، ولم يكن له الوقع نفسه كما حين محَت بقعة هيرود بالكامل. أقصى ما نجحت فيه الآن هو كبح سرعة انتشار المرض.
أخذت ثيل تروح وتجيء بين المرضى، تركز قدرتها على من كانوا أسوأ حالًا. كانت تضيء أجسادهم أكثر قوة، محاولة أن تمنحهم بعض الحياة.
“أليس هناك ما نفعله لنساعدها؟!”
قالت أوليفيا وقد شمرت عن ساعديها بعزم.
لكن معظم المهام كانت قد تولّاها الفرسان الذين جاؤوا برفقة الأطفال. ومع ذلك، أوليفيا أرادت أن تقدم يد العون بأي طريقة.
غير أن شيئًا لم يكن بوسع الأطفال فعله. أوقفها إيلرام قائلًا:
“أقدّر مشاعرك، لكن الفرسان يتكلفون بما يلزم، ولسنا بحاجة إلى أيادٍ إضافية.”
“صحيح، أوليفيا. لن نستطيع أن نكون عونًا حقيقيًا.”
أضافت كليمنس مهدّئة.
أومأت أوليفيا، وعادت إلى مكانها مترددة.
“حسنًا… فلننتظر هنا إذن.”
لكنها كانت غير مرتاحة لترك ثيل وحدها تكافح هكذا. الأمر نفسه بدا في عيون بيردي ولوديان وإياندرُس، إلا أن الحقيقة بقيت واضحة: لم يكن بوسعهم التدخل. كل ما استطاعوا هو مراقبة ثيل وهي تمضي بين المرضى، تنثر من بين كفيها شذرات نور تتلألأ في الظلام.
—
“هكذا… لن ينتهي الأمر!”
انهارت ثيل على ركبتيها وهي تهمس.
أسرع إليها إياندروس ، الذي لم يرفع عينيه عنها منذ البداية.
“اشربي ماءً.”
أمال القربة عند شفتيها، فشربت ببطء. انحدر الماء البارد المنعش في حلقها، فالتقطت أنفاسها.
“سيدي إيان…”
“هل أصبحت بخير قليلًا؟ إن شعرتِ بضعف فأخبِريني فورًا. لقد أوصيتُ الطبيب العسكري أن يراقب حالك أولًا.”
“أنا بخير! لكن…”
نظرت ثيل بطرف عينها إلى المرضى الممدّدين.
“عددهم كبير جدًا… وقوتي ما زالت ضعيفة. لن أستطيع أن أشفيهم جميعًا كما فعلت مع السيد هيرود. أقصى ما أقدر عليه هو إبطاء المرض فحسب…”
ابتسم إياندروس قليلًا وقال:
“إبطاء المرض وحده إنجاز عظيم، أنت فقط لا تدركين قيمته بعد.”
“لكن…”
عينان كبيرتان مستديرتان حدّقتا بالمرضى. كانتا صافتين تمامًا، لا تشوبهما شائبة. كثيرًا ما خطر لإياندرُس أنّ عيني ثيل تشبهان بحيرة ذهبية؛ واسعة وهادئة، حتى لو رميتَ فيها حجرًا فلن ترتجف أمواجها.
“لكن… لا أظن أن الأمر سينجح هكذا. هذا سرّ، في الحقيقة أنا متعبة قليلًا!”
عند قول ثيل هذا، توقّف إياندروس عن التفكير وحدّق بها. ثم وضع كفّه على شعرها الأبيض الناعم.
“بما أنه سرّ، فلا بد أن أحفظه لك. نعم، يا آنسة النور المتعبة قليلًا.”
“نعم، هذا سرّ… على كل حال، لا أظن أن الوضع سيُحلّ هكذا. ألا يوجد طريقة أخرى؟”
“نعم يا ثيل. لقد رأينا مع هيرود أن نورك قادر على شفاء هذا الداء… أو اللعنة، وما زال أثره ظاهرًا حتى الآن.”
“نعم.”
“إذن، إن منحتِ الجميع النور بالقدر نفسه الذي منحتِه لهيرود، فسيكون الأمر منصفًا للجميع.”
“لكن… قوتي ضعيفة، لا أستطيع أن أنشر نورًا قويًا إلى هذا الحد بعد…”
ابتسم إياندروس وقال:
“حسنًا، هذه مرة على شكل سؤال. ما الشيء الأكثر إنصافًا حين نريد أن نمنح الجميع النور بالتساوي؟”
“الأكثر إنصافًا… للجميع؟ ذاك هو…”
فكّرت ثيل قليلًا، ثم اتسعت عيناها فجأة وقد أدركت الجواب. أمسكت بيد إياندروس وهتفت:
“الشمس!”
“بالضبط. ولقد جئنا أصلًا إلى هنا كي نستدعي الفجر، أليس كذلك؟”
قالها إياندروس ببرود وثقة.
“لذلك، فلنترك هؤلاء المرضى مؤقتًا، ونمضي إلى المكان المذكور في الأساطير. لقد نجحتِ في إبطاء المرض، لذا لن يحدث أمر جلل إن ابتعدنا لساعتين.”
التفت إلى شذرات النور التي خلّفتها ثيل وهي تسبح متوهجة بين أجساد المرضى. لو امتلكت قدرة أعلى، لكانت قادرة على أن تبسط تأثيرها حتى خارج مجال بصرها. لكنّها لم تبلغ تلك المرحلة بعد.
كان ذلك مؤسفًا بعض الشيء، إلا أنّ جهدها الكبير كفيل بمنع التدهور الفوري.
‘وحتى إن تدهورت حالتهم… فالأمر خارج أيدينا.’
لو سمعه الآخرون لعدّوه قاسيًا. لكنه كان مقتنعًا تمامًا أنه ‘لا خيار آخر’. قدرة ثيل محدودة، وهذه الطفلة الصغيرة كانت قد استنفدت نفسها إلى أقصى حد. لو دفعتها أكثر، لربما انهارت كليًا. ومع ذلك لم يتحسن حال المرضى إلا بوقف التدهور لا غير. كان من الضروري البحث عن حل آخر.
أما ‘أسطورة النور’ فليست إلا مقامرة. أصلاً، جاؤوا إلى هنا بعقلية أنّ ثيل إن نجحت فبها، وإن لم تنجح فلا بأس.
لكنّ صبّ الماء في كوب مكسور عبث، بينما الرهان على الأسطورة يحمل على الأقل بصيص أمل. هكذا فكّر إياندروس .
“فلننطلق إذن. علينا أن نقوم بما جئنا من أجله.”
قالها وهو يشدّ على يد ثيل ليقيمها. أمسكت بيده ونهضت، لكنّ ساقيها لم تحتملان، فاختل توازنها وكادت تسقط.
“قلتُ لك كوني حذرة.”
قالها إياندروس وهو يرفعها بين ذراعيه دفعة واحدة. فوجدت ثيل نفسها في حضنه.
ثم تابع السير وهو يحملها، متجهًا نحو حيث يقف إيلرام وبقية الأطفال.
ثم قال لهم: “لا تنسوا الغاية التي جئنا من أجلها إلى هنا.”
وفورًا أدرك الأطفال ما الذي يعنيه إيان بكلامه.
” إيلرام .”
ناداه إيان، وكان إيلرام في تلك اللحظة يسقي أحد المرضى جرعات من ماء دافئ وهو يراقب حالته. رفع رأسه على الفور.
وما إن أوكل مهمته إلى من بجانبه حتى تقدّم بخطى ثابتة نحو إياندروس ، ثم انحنى قليلًا احترامًا.
“بماذا تأمرون، سيدي؟”
“أين تقع أعلى نقطة في هذه الأرض؟ نحن نبحث عن المكان المذكور في أسطورة النور.”
نقل إيلرام بصره بين إيان وثيل.
لقد باتوا جميعًا عاجزين عن العيش تحت أشعة الشمس. لذلك كان قد توسّل إلى ثيل من قبل ألا تستدعي الصبح إلى هذه الأرض.
غير أن نور هذا الصباح… إن كان مناديه هذه الفتاة الصغيرة… فهذا النور قد يكون مختلفًا.
وكان يعرف جيّدًا أن ما يجري الآن لن يصل إلى نهاية أبدًا. صحيح أن هيرود نجا بفضل الحظ، لكن قوة ثيل بلغت حدّها منذ زمن. هي طفلة صغيرة، طاقتها ضئيلة، ولن تحتمل الاستمرار. كان لزامًا أن يُبحث عن مخرج آخر. وكان إيلرام يعرف ما هو هذا المخرج.
أومأ برأسه، ثم أشار إلى كارل.
فتقدّم الفتى بخطوات سريعة حتى وقف أمامه، فوضع إيلرام يده على كتفه وقال:
“جميع أبناء هذه الأرض شبّوا على سماع أسطورة النور من آبائهم. وبالطبع، يعرفون مكان الموقع الذي تذكره الأسطورة. كارل سيقودكم إليه. أيها الأمير، اتبعوا كارل، فهو يعرف الطريق.”
توجّهت الأنظار كلّها نحو الصبي. وبرغم كلمات إيلرام القليلة، أدرك كارل على الفور ما الذي يُطلب منه. فأومأ قائلًا بحماس:
“نعم! سأرشدكم بنفسي!”
ابتسم إيلرام وربّت بخفة على وجنته.
“كارل، أستودعك الأمر.”
فشدّ الفتى قبضتيه علامة العزم، كأنه يقول: “اطمئنوا، سأهتم بهذا.”
—
“…هل نحن في المكان الصحيح فعلًا؟”
سأل بيردي بصوت متعب.
“آه، كان يجب أن نأتي بدليل آخر…”
تمتمت أوليفيا بضجر.
لكن كارل أجاب بثقة عالية:
“قلت لكم! المكان صحيح تمامًا!”
فلم يجد الأطفال إلا أن يطلقوا زفرة طويلة وهم يستسلمون.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "118"