في تلك اللحظة، فُتح الباب بعنف واقتحمت الغرفة امرأة بوجه متوتر. كانت تربط شعرها بإحكام، وملامحها صارمة بعض الشيء. اندفعت داخلة بسرعة، لكنها ما لبثت أن توقفت فجأة.
كان هناك غرباء في الغرفة.
لم تكن قد سمعت بعد عن وصول أشخاص من خارج هذه الأرض، فقد كانت منشغلة طيلة الوقت برعاية المرضى. ولم تكن تعلم أن أحد هؤلاء الغرباء هو طفلة تملك “قدرة الضوء”. تراجعت مترددة، وقد ارتسمت الحيرة في عينيها.
“······ما هذا النور؟”
تمتمت يُونيس، مذهولة.
“يُونيس! ما الذي تفعلينه هنا دون حتى أن تطرقي؟”
صاح إيلرام ، وقد لمح شرود يُونيس واستغرابها. لكن الذهول الذي أصابها بسبب سطوع الضوء لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما استعادت تركيزها، وأشارت إلى الخارج بعجلة وهي تنظر إلى إيلرام .
“الأمر خطير! حالة المرضى تسوء بسرعة! المرض يتفاقم فجأة! إن تُرك الوضع هكذا، فالجميع سي······!”
تفجّرت الكلمات من فم يُونيس وهي تتنفس بسرعة. لم يسبق لها أن رأت ضوءًا حقيقيًا بهذا الشكل. كان من المفترض أن تندهش، أن تتوقف عند هذا المشهد المضيء، لكنها لم تسمح لنفسها بذلك طويلًا.
‘المرضى في خطر!’
كان هناك ما هو أهم من الضوء بالنسبة لها. إيصال هذه الرسالة لإيلرام ، بأن أرواح سكان المكان تُزهق بسرعة غير طبيعية، كان هو الأولوية القصوى.
فعادةً ما تنتشر تلك البقع السوداء على أجسادهم ببطء، بطيئًا جدًا. في البداية لا تؤثر حتى على حياتهم اليومية.
لكن حينما تغزو البقع معظم الجلد، يضعف الجسد، وتخبو نظرة العين، وتصبح الحركة عسيرة على الأطراف.
وهذا التدهور عادةً ما يستغرق عامًا، أو نصف عام في أقصر الأحوال. لكن الآن، كانت البقع تنتشر بسرعة مذهلة، تنهش أجسادهم كما لو أن هناك من يمتص طاقاتهم الحياتية بلا رحمة. في هذه اللحظة بالذات، كان العديد من سكان هذا المكان يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
وإن استمر الأمر هكذا، فالجميع سيموت.
لم تُنهِ يُونيس عبارتها، لكنها لم تكن بحاجة لذلك — جميع من في الغرفة أدركوا ما كان على وشك أن يُقال.
ما إن أنهت يُونيس كلماتها حتى نهض إيلرام واقفًا فجأة، مفلتًا يد هيرود.
“يتدهور المرض؟ ماذا تقصدين؟ فسّري لي بهدوء… لا، لا داعي. سأذهب بنفسي لأرى.”
قال إيلرام بجديّة.
“نعم! بسرعة، أرجوك!”
هزّت يُونيس رأسها بسرعة، تتململ بقلق في مكانها. لم يكن لدى إيلرام وقت لمتابعة مراقبة حالة هيرود، فاستدار فورًا مغادرًا.
أما ثيل، فقد حدّقت بعينيها الواسعتين، ضامةً كفّيها معًا أمام صدرها. التوقيت كان غريبًا للغاية.
قبل لحظات فقط، اختفت أغلب البقع عن جسد هيرود بفعل قدرتها.
والآن، فجأةً، بدأت تلك البقع نفسها تنتشر بسرعة مرعبة في أجساد باقي السكان؟
بدت على ثيل علامات القلق. كان لديها إحساس غريب بأن شيئًا ما ليس على ما يرام.
راودها خوف خفي — ماذا لو كانت هي السبب في كل هذا؟ لا، لا تريده أن يكون كذلك، لكن التوقيت غريب بحق. لم تستطع إلا أن تتذكر ما قيل من قبل: أن سكان هذا المكان “لا يستطيعون العيش تحت الضوء”.
‘كأن······ استخدامي لقدرتي هو ما تسبب بردّ الفعل هذا.’
ربما، وربما فقط، استخدام قدراتها هنا قد أثر فيهم بطريقة ما.
بدأ التوتر يزحف إلى معدتها، لكن ثيل لم تستسلم له. قبضت على يدها الصغيرة بإصرار.
‘لا، لا بأس.’
لقد أزالت البقع من جسد هيرود، أليس كذلك؟ إذًا، ربما يمكنها أيضًا شفاء الآخرين.
كانت على وشك أن تطلب من إيلرام أن تذهب معه، عندما…
إيلرام ، وقد همّ باتباع يونيس، التفت فجأة نحو ثيل.
“…أيتها الفتاة ذات قدرة النور.”
“ن-نعم، يا سيدي إيلرام !”
“هل ترافقيننا؟ قد يكونون في أمسّ الحاجة إليك.”
أومأت ثيل من غير تردد.
“سأذهب معكم.”
أرادت أن ترى بأم عينها حال المرضى. وربما تستطيع، كما أنقذت هيرود، أن تعالج الآخرين أيضًا!
عند قرارها هذا، هزّ الأطفال الآخرون رؤوسهم صامتين بالموافقة.
“في كل الأحوال كنتُ أنوي أن أطلب من الطبيب العسكري فحص حالتهم، فلنرافقكم.”
قالها إياندروس .
فاكتفى إيلرام بإيماءة حازمة.
—
“آه، آه-! لا، لا!”
“يا للكارثة! هذا… هذا غير ممكن!”
“اللعنة! افتح عينيك! اصمد!”
كان المشهد فوضى عارمة.
صرخات متقطعة تتردّد من كل صوب. شهقت ثيل من هول ما رأت أمامها. لم تستطع أن تميز كل شيء في الظلام الدامس، لكن ما بدا جليًا أن عددًا هائلًا من المصابين كان ممدّدًا في مكان واحد.
لقد جُمعوا كلهم هناك ليسهل الاعتناء بهم. وقيل من قبل إن حتى بصيص نور قد يشكّل سمًّا قاتلًا لهم، فكان لا بد من وضعهم في أعمق الظلال.
بدأ الطبيب العسكري يفحص أحد المرضى القريبين. وما إن رأى القوم قدوم إيلرام حتى اندفعوا نحوه يمسكون بذراعيه بيأس.
“لقد مات أكثر من عشرين شخصًا بالفعل!”
“الأمر غريب، غريب جدًّا! هذه ليست المرة السابقة. جلودهم تتآكل، أجسادهم تذبل، والدم يتسرب من عروقهم حتى يموتوا كأنهم هياكل يابسة!”
أسرع إيلرام يتفحّص جثث الموتى. وكان كلامهم حقًا: أجساد جافة كالأخشاب البالية. خشِي أن يصدم الأطفال بمشهد كهذا، فاعترض طريق ثيل والآخرين كي لا يقتربوا.
“سموّكم… المشهد بشع. من الأفضل… من الأفضل أن تصرفوا أبصاركم قليلًا.”
أمير وليّ للعهد، وريث أستريان، ووريثا فولفغانغ وكليمنس… أسطورة أبناء النور.
لكن، ما قيمة تلك الألقاب الآن؟ بالنسبة إلى هؤلاء المنفيّين عن البلاط وعن بيوت النبلاء الكبرى منذ زمن بعيد، لم يكونوا سوى فتى وفتاة صغيرين. وكان ما يحدث أمامهم لا يليق أن تراه أعين الأطفال. شعر إيلرام بندم لأنه جلبهم إلى هذا المكان.
الشيء الوحيد الذي أراحه قليلًا هو أن الظلام هنا كثيف جدًا، فلا يرى الغرباء تمامًا ما يجري حولهم. صحيح أنهم، بوصفهم من القوم أنفسهم، يستطيعون التمييز في العتمة أكثر من البشر العاديين، لكن حتى هم لم يتمكنوا من رؤية التفاصيل البشعة للجثث. لحسن الحظ.
ومع ذلك، في كل لحظة كان مزيد من الأرواح تُزهق. وجد إيلرام نفسه أمام قرار عسير: أيتركهم يموتون أمام عينيه، أم يطلب من ثيل، ولو بلا وجه حق، أن تُعيد استخدام قدرتها مرة أخرى؟
كان يعرف عن القدرات بعض الشيء، لم يكن جاهلًا بها. علم أن لكل شخص حدًا محددًا من الطاقة في اليوم، وأن الأطفال خصوصًا طاقتهم ضئيلة جدًا.
فكيف يطلب منها أن تُنفق ما تبقى لديها على هذا العدد الهائل؟
عاجزًا، لم يجرؤ على النطق بالطلب، وظلّ يتردّد.
“…”
أما ثيل، فقد كانت تحدّق في المكان المشتعل بالفوضى. لم يكن ثمة ضوء صغير يبدّد شيئًا من السواد، لكن ما سمعته من صراخ، وما لمسته من حركة عشرات الأجساد المضطربة، كان يكفي لتتصوّر المشهد المروّع.
الشيء المطمئن الوحيد هو أن ما حدث قبل قليل حين استخدمت ثيل قدرتها على هيرود قد أثبت أنّ بإمكانها معالجة الآخرين أيضًا.
أغمضت الفتاة عينيها للحظة، محاولة أن تحدّد بأذنها مدى امتداد أنين المرضى وصراخهم. إذ لم يكن بوسعها أن ترى بوضوح وسط هذا الظلام، فلم تجد وسيلة إلا الاستماع.
بـ”بونغ!” صغير، برزت فوق رأس ثيل أذنان صغيرتان، تنتصبان وتتحركان في كل اتجاه تقيسان المسافة. إلى أي حد يصلون؟ حتى أين ينبغي أن أبسط قدرتي؟
لكن قدرة ثيل لها حدود. وفوق ذلك، لم يسبق لها أن استخدمتها لفترات طويلة من قبل. كي تنير هذا الجمع الغفير وتبقي النور حيًّا فيهم، ستحتاج إلى طاقة هائلة ولساعات طويلة…
‘المكان واسع جدًّا…’
تدلّت الأذنان الصغيرتان بحزن بعد أن حاولت التقدير. كم عدد المرضى أصلًا؟ لم تستطع حتى أن تحزر. بدا لها أن رقعةً بحجم قصر أستريان وساحاته كانت ممتلئة الى آخرها بأجساد ممدّدة.
وهذا لم يكن غريبًا، فمعظم من تبقّى من القوم في هذه الأرض كانوا مجتمعين في هذا الموضع بالذات.
“ثيل، هل تستطيعين؟”
جاء صوت بيردي قلقًا.
ثم وضع إياندروس يده برفق على كتفها. التفتت إليهما ثيل وهمست:
“أتراني قادرة على ذلك؟”
“بكل تأكيد.”
أجاب إياندروس بثبات.
ابتسمت ثيل قليلًا، وقالت:
“هذا جواب كافٍ. حتى إن لم أستطع… فسأفعلها على أي حال.”
وأومأت برأسها وهي تقبض كفيها وتفكهما، في صوت يفيض إصرارًا لا يليق بفتاة صغيرة مثلها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "117"