114

تحركت المجموعة وراء كارل. وبفضل معرفته الجيدة بجغرافيا المكان، لم يضلوا الطريق.

“لكن، لماذا انقلبت أثناء قدومنا ووقعت على الأرض؟”
سألت أوليفيا مشيرة إلى الجروح على جسد كارل. حاول كارل تغطية الجروح على ذراعه بيديه، وهو يشعر بالحرج.

“لقد كنت أسير في الطريق الذي أعرفه دائمًا، ولم أكن حذرًا، فتعثرت······”
قال كارل بصوت صغير كأنه يهمس. وبفضل ضوء ثيل الذي يملأ المكان بلطف، كان يمكن رؤية احمرار أذني كارل.

أصبحت السمكة التي ترافق ثيل تدور حول المجموعة وكأنها تتساءل لماذا تتحرك عكس الاتجاه الذي أعطاها إياه.

“لدي عمل أقوم به أولًا. بعد أن أنهيه، سأذهب إلى المكان الذي ستدلينني عليه. فهمتِ؟ لذا اهدئي، أيتها السمكة الصغيرة الطيبة.”

قالت ثيل بهدوء وهي تطمئن السمكة. توقفت السمكة عن الدوران وبدأت تضيء الطريق أمامهم.

خلال سيرهم، أظهرت بعض الملامح القلقة لدى الفرسان، لكن لم يُذكر أي كلام آخر.

كان هؤلاء السكان من عالم السوين، الذين لطالما اعتُبروا مجهولين. كانوا أحياء، لكن لا أحد كان يعرف كيف يعيشون، لذا ظلوا دائمًا غامضين.

والآن، بعد أن أصبحوا في خطر······ لم يكن بإمكان الفرسان تجاهلهم كزملائهم من نفس النوع.

بينما كانوا يسيرون بفضول وقلق، لمحوا بعيدًا ضوءًا يشبه النار. فتحت ثيل عينيها على وسعهما.
“نور؟”
“حجر مضيء. لم أرَ كمية بهذا القدر من قبل······”

أجاب إياندروس . كان الحجر المضيء نادرًا جدًا، ويُرسل عادةً إلى القصر الملكي فقط. حتى إياندروس  رأى بعضه مرات قليلة.

لكن في القرية البعيدة، كان الحجر المضيء كثيرًا لدرجة أنه مكدس. تقدم الأطفال بدهشة، متابعين ضوءه الخافت.

نظر كارل إلى الضوء البعيد همسًا:
“لكن حتى هذا سيصبح آخر ما لدينا······”
“لماذا؟”
“لا يوجد حجر مضيء جديد. منذ أن بدأ موت السكان، توقف استخراجه.”

لاحظ بيردي شيئًا غريبًا، فاقترب من كارل وهو يعبس.
“الحجر المضيء لا يفقد ضوءه إلا إذا كُسِر أو تحطم، أليس كذلك؟”
“لكن ظلام هذا المكان لا يُزال بالضوء العادي. يبدأ الحجر بفقدان ضوئه منذ استخراجه······ حتى يتحول في النهاية إلى حجر عادي بلا نور······”

“······كارل؟”

في تلك اللحظة، نادى صوت غريب الصبي. التفت كارل بسرعة نحو مصدر الصوت.

أضاءت ثيل المكان نحو الصوت تلقائيًا، فرأت رجلًا بالغًا يقف شامخًا. بدا أكبر سنًا من كاسوس.

“ما هذا······ أوه!”
“بي، أزيلي الضوء من فضلك!”

طلب كارل بسرعة. عندها فقط أدركت ثيل أنها أخطأت. فقد نُبهت مسبقًا بأن السكان حساسون للضوء حتى لو كان خافتًا، لكنها نسيت للحظة.

سحبت ثيل قوتها على الفور، وغمر الظلام المكان في لحظة. ولم يرَ أحد وجه ثيل المبيض من الخجل بسبب الخطأ.

“كارل، ما الذي يحدث؟ من هؤلاء؟ وماذا كان ذلك قبل قليل······”
“السيد إيرين!”

اندفع كارل بين ذراعي إيرين. التقط إيرين الصبي على الفور، واحتضنه بحنان. شد كارل ذراعيه حول رقبة إيرين وهو يصرخ بفرح:
“الآن كل شيء على ما يرام! قوة النور ظهرت! قوة النور ظهرت! أههاها!”

ربت إيرين على ظهره وهو لا يزال مذهولًا، وهمس:
“······قوة النور؟”

التفت إيرين إلى الأطفال. لم يتمكنوا هم أو الفرسان من رؤية وجهي كارل وإيرين منذ انطفاء الضوء، لكن إيرين وكارل، الذين اعتادا العيش في الظلام، استطاعوا رؤية وجوه الأطفال بوضوح حتى بلا نور.

بعد لحظة من التفكير، وضع إيرين كارل بحذر على الأرض. ثم توجه إلى ثيل وسألها بهدوء:
“عذرًا، هل يمكنك أن تُظهري لنا قوة النور مرة أخرى؟”

كانت عيناه هادئتين تمامًا، وصوته جادًا للغاية. ثيل، التي كانت طوال الوقت تستمع بانتباه للأصوات القادمة من الظلام، أومأت برأسها ببطء.
“نعم، ليس صعبًا.”

استخدمت ثيل قوتها بحذر. احتفظت بالضوء خافتًا داخل كفها، بحيث لا يصل إلى كارل وإيرين البعيدين.
ارتعش الضوء داخل كفها كما لو كان على وشك الانسكاب، لكنه سرعان ما استقر هناك بهدوء.

رأى إيرين هذه المعجزة، وتصلبت ملامحه أكثر. مد يده ليمس رأس كارل وسأل:
“أعلم أن هذا الصبي لم يخرج إلى الخارج. ما الذي جاء بكم إلى هنا، أيها النبلاء؟”

كارل هو الوحيد الذي لاحظ أن ملامح إيرين توحي بالجدية الشديدة بعد رؤية قوة النور.
‘لماذا يبدو عمي غريبًا هكذا؟’

قوة النور، وفق الأساطير، من شأنها أن تكسر لعنة هذه الأرض وتستدعي الصباح. وكان من المفترض أن يشعر الجميع بالفرح، إذ لم يعد عليهم العيش في الظلام بعد الآن······.

لكن ملامح إيرين كانت توحي بأن زيارتهُم مزعجة له. حاول كارل فهم الوضع، متنقلاً بنظره بين وجه إيرين ووجه ثيل.

في تلك اللحظة، تقدم إياندروس ، الذي كان يراقب بصمت طوال الوقت، خطوة إلى الأمام:
“دعوني أقدم نفسي أولًا. أنا إياندروس  كراسيون، ولي عهد إمبراطورية كراسيون.”

“······ولي العهد؟”
فتح إيرين عينيه بضيق، غير مصدق.

كانت هذه الأرض خاضعة لكراسيون في الماضي، لكنها تحررت منذ زمن. كان من الطبيعي أن تكون الإمبراطورية غير قادرة على متابعة أوضاعها هنا. ومع ذلك، جاء ولي العهد بنفسه إلى هذا المكان، وهو أمر أثار دهشة إيرين. عندها أدرك إيرين خطورة الوضع وانحنى برأسه احترامًا.
“سنرشدكم أولًا إلى القرية.”

—

“إذن······”
نظر إيلرام إلى إيرين، فأومأ الأخير برأسه.
“هل هؤلاء فعلاً خلفاء كل عائلة······ حقًا؟”
تمتم مستغربًا. كان من الطبيعي أن يتساءل: لماذا يأتون خلفاء العائلات الإمبراطورية إلى هذه الأرض؟

لكن لم يكن أمامه سوى الإيمان بذلك، فقد أظهروا قدراتهم لإثبات مكانتهم.

عرض بيردي أستريان ولوديان أستريان قواهما في النار.
أوليفيا وولفغانغ أظهرت الرياح.
كليمنس آرنيه أظهرت قوة النبات والخصوبة.
وأخيرًا، ثيل أستريان أظهرت قوة النور.

لم يُظهر ولي العهد إياندروس  قوته، لكنه لم يكن بحاجة لذلك؛ فالآخرون أظهروا بالفعل قدراتهم لإثبات مكانتهم، وكان واضحًا أن إياندروس  هو ولي العهد.
بالإضافة إلى ذلك، كانت زي الفرسان يحمل شعار القصر الملكي، مما زاد من المصداقية. شعر إيلرام بالدهشة، فلم يكن يتوقع أن يستقبل فرسانًا أرسلهم القصر الملكي يومًا.

“لا وقت للكلام الطويل. علينا التأكد بسرعة والعودة. سمعت من كارل أن السكان يموتون بسبب مرض غامض.”
“······نعم، صحيح.”

“الطبيب العسكري سيفحصهم ويصف العلاج المناسب لتخفيف حالتهم. دلوا الطبيب إلى مكان وجودهم.”

ابتسم إيلرام ابتسامة مُرّة وهو يهز رأسه:
“إنهم مرضى بمرض يجعل أجسادهم تتعفن عند التعرض للضوء. فإذا ألقى الطبيب الضوء عليهم أثناء الفحص، ستزداد حالتهم سوءًا.”

قالت إيان وقد عبست: لم تكن تتوقع أن تكون حالة السكان سيئة لدرجة أن الطبيب لا يمكنه إلقاء الضوء عليهم حتى لفترة قصيرة.
“لذلك، نعتذر عن الفحص.”

“أأنت المسؤول الأعلى عن هذه الأرض؟”
“نعم، صحيح. لقد تأخرت في تقديم نفسي، أنا إيلرام راينرس.”

انحن إيلرام برأسها. أومأ إياندروس  برأسه كأنه لا يملك خيارًا آخر؛ لم يكن بإمكانهم إجبار هؤلاء على الفحص الطبي إذا كان ذلك قد يفاقم حالتهم.

فالمهم هو تحقيق الهدف الذي جاءوا من أجله. وبينما كان إياندروس  يهم بشرح غرضهم لإيلرام، قالت ثيل بحذر:
“أأم، ولكن، يا سيد إيلرام…”

توجهت أنظار الجميع في الغرفة نحو ثيل. ركضت الفتاة الصغيرة بسرعة وأمسكت يد كارل.
“هذا الصبي كان يتعرض لضوئي لفترة طويلة من قبل، لكنه كان بخير.”