“إنه صغير جداً… يبدو في عمر ثيل تقريباً.”
“ترى، من أي سلالة من السوين يكون؟ أيّ نوع كان يسكن هذه الأرض أصلاً؟”
“هنا كانوا…”
تمتمت كليمنس وهي تتأمل الصبي الراقد. وجهه الطفولي كان يلهث وكأنه يتألم، ونظراتها وقعت على شعره الأزرق.
“هنا كانت تعيش أسرة الماء، آل إيفرارد، ومعها الأسر التابعة لهم. ربما يكون هذا الصبي وريثاً لإحدى تلك الأسر التابعة…”
“ولم لا يكون وريث آل إيفرارد أنفسهم؟”
تدخّلت أوليفيا فجأة، لكن كليمنس هزّت رأسها بقوة.
“آل إيفرارد أُبيدوا. والإبادة تعني أن أحداً من نسلهم لم يبقَ ليحمل اسمهم… فلا يمكن أن يكون وريثهم.”
“لكن…”
تردّدت ثيل التي كانت تنصت ملياً إلى حديث إخوتها. نظرت إلى الصبي النائم، ثم إلى إخوتها وأخواتها، وسألت بحذر:
“ألم يطلب النجدة؟ ماذا لو كان قد حدث أمر خطير لأبناء السوين هنا؟”
“من يدري… علينا أن ننتظر حتى يفيق.”
أجابها ياندروس. لكن ثيل عادت لتقول:
“برأيي… لم يأتِ لأنه جُرح، بل لجأ إلينا لسبب آخر…”
كانت ثيل دقيقة الملاحظة على نحو يندر في طفلة في السابعة. وكما قالت، فكل جروح الصبي لم تكن سوى خدوش ورضوض من ارتطام أو اصطدام… علامات على أنّه كان يتحرك بصعوبة، يتنقّل وهو يتعثر ويُصاب.
‘إذن، كان يتنقّل بحثاً عن شخص يساعده؟’
لكن بيردي هزّ رأسه نافياً:
“أهل السوين هنا يعيشون فقط ضمن مناطق محددة، ولا يبتعدون عنها. لا أحد منهم يسكن خارجها. فإلى من كان سيلجأ هنا؟ الأرجح أنّه تاه فحسب…”
“لا، ليس ليساعده أحد من الداخل…”
قالت ثيل وهي تشير بإصبعها إلى خارج الكهف. نحو الظلام الدامس الممتد بلا نهاية. كانوا جميعاً يعرفون ما يكمن خلف ذلك الظلام.
“…النهر؟”
“ربما حاول عبور النهر… ليطلب المساعدة من وراءه.”
فالآن، كان مجرى الماء مفتوحاً. والآن فقط، كان ممكناً أن يبحر المرء خارجه. صحيح أنّه لم تكن هناك سفن في هذه الأرض…
“بما أنها كانت أرض آل إيفرارد، فمن المنطقي أن سكانها جميعاً من سُوّان الماء، أليس كذلك؟”
“بلى.”
“إذن، حتى بلا سفينة، يمكنهم الخروج ما دام مجرى الماء مفتوحاً.”
قالت ثيل بوضوح وثبات. لكن بيردي تردد لحظة ثم هزّ رأسه ثانية:
“لم يخرج أحد من سُوّان هذه الأرض إلى الخارج قط. إنه أحد قوانينهم… لا نعرف لماذا وضعوه، لكنّه قائم. لذلك، هذا الصغير لن يخالفه. على الأقل، هذا ما أعتقده.”
غير أنّ ثيل لم تشاطره الرأي.
“لكنّه ما زال طفلاً… ربما لم يعرف شيئاً عن ذلك القانون.”
طفل صغير، في مثل عمرها تقريباً. ورغم أنّ حياتهما مختلفتان تماماً، إلا أنّ ثيل أحسّت أنّها قد تفهم شعوره وهو يركض نحو ضفة النهر.
“آه…”
تململ الصبي، ثم فجأة فتح عينيه بحدّة، كأنه قد فزع من كابوس.
—
“أما زلتم لم تعثروا على كارل؟”
“لقد أرسلنا فرقة للبحث، لكن لم يصلنا خبر بعد…”
تنهد إيلُرام بأنين مكتوم. كان في الغرفة حجر مضيء صغير، ورغم ضعفه فقد كان كافياً ليُري أحدهما الآخر.
وبما أنّ السوين في هذه الأرض عاشوا دهوراً طويلة في الظلام، فقد اعتادت عيونهم على العتمة حتى صاروا قادرين على تمييز ملامح بعضهم بعضاً وسطها بوضوح.
“أتراه حقاً يحاول عبور النهر؟ لا يكون…”
“إيرِين! للصبي عقل وتفكير، فلن يفعل ذلك. سيكتفي، كما فعل من قبل، بالتحديق في الماء طويلاً ثم يعود. لذا فلننتظر وحسب.”
رفع إيلرام يده إلى صدغيه وكأنّ الألم يضغط رأسه. ما يكفيه ثِقَلُ المصائب التي تحاصرهم، فإذا بكارل يزيد الطين بلّة بتصرفاته.
“كل هذا من جرّائك. أنت من ضمّه إليك وربّيته. كان عليك أن تحسن تعليمه. ذلك الفتى، لا… بل ذلك الرجل…”
“…أعرف. أقسم أني علّمته بكل ما في وسعي وبإخلاص كامل. أوليس ذلك ما جعله يكبر على هذا النحو؟ لم يستطع أن يقف مكتوف اليدين أمام معاناة الآخرين…”
تبع بصر ايرين صفوف الحجارة المضيئة المرصوفة على الطريق. هناك، امتدّت القرية التي يسكنها القوم. وُضعت الحجارة لتضيء لهم سُبل العيش في عتمتهم الأبدية.
لكنها لم تكن قرية صغيرة فحسب، بل أقرب إلى مدينة متكاملة. في الماضي كان يسكنها عدد أكبر بكثير من السوين… بل وأكبر من ذلك في أزمان أسبق.
‘كفى…’
قطع ايرين أفكاره فجأة. لا خير في نبش حكايات الماضي.
القرية التي تطلّعت إليها عيناه كانت ساكنة على نحو غير مألوف. صحيح أنّ هذه الأرض لا تعرف ليلاً ولا نهاراً، غير أن السكون تجاوز الحد. وايرين وإيلرام… كانا يعلمان السبب.
“ما الذي جعل كل هذا يحدث فجأة؟”
تمتم ايرين وهو يتأمل ساعده. كان الضوء المنبعث من الحجارة المضيئة يكشف جلده الذي لطّخته بقع سوداء.
هذه الأرض التي كانت يوماً أركاديا… جنة الخصب. لم يبقَ منها الآن أثر. وصار السوين الذين عاشوا في نعيمها يكابدون شظف العيش.
ولم يكن الأمر أنهم “رفضوا” الرحيل… بل إنهم ‘لم يقدروا على الرحيل’.
فالظلام قيّد أجسادهم، وصارت غير صالحة للحياة تحت الشمس.
جلد إيلُرام وإيرين نفسه كان قد اسودّت منه بقع متناثرة. كل ذلك لأنهم تعرّضوا مراراً لضوء الحجارة المضيئة. فكيف لهم أن ينجوا تحت شمس حقيقية محرقة؟
لذلك لم يستطيعوا مغادرة هذه الأرض. فما قد يحدث لأجسادهم تحت ضوء الشمس أمر جليّ لا يحتاج إلى تفسير.
ومع ذلك، لم يكن في وسعهم الاستغناء عن الحجارة. إذ بالرغم من تكيفهم مع الظلام، فهم بحاجة إلى شيء من الضوء لممارسة حياتهم اليومية.
لكن المشكلة… أنّ أجسادهم أخذت في الآونة الأخيرة تزداد سوءاً.
“حتى بعدما أزلنا الحجارة من جوار من تدهورت حالتهم…”
قالها أحدهم بمرارة. فالبقع السوداء واصلت الزحف، وأجسادهم أخذت تنهار تدريجياً. الأسوأ أنّ الأعراض ظهرت حتى عند أولئك الذين تخلّوا عن الحجارة والمصابيح كلياً.
أمواج من الخوف والقلق اجتاحت القوم. لم يكن عدد الموتى بالقليل. والأسى الأعظم أنّ الذين لم يبرؤوا من السواد المتفشي في جلودهم كانوا يزدادون يوماً بعد يوم.
‘إن استمر الحال على هذا المنوال…’
“هذه أرض لم تبلغها يد الحاكم لوسيت أصلاً. بقاؤنا إلى اليوم كان معجزة بحد ذاته.”
قالها إيلرام ببرود. لقد صمد السوين المهجورون في هذه الأرض بفضل البحيرة القائمة في وسط القرية.
فقد تناقلت الأجيال أن الحاكم لوسيت مرّ بتلك البحيرة ذات زمن. ومنها استخرجوا الحجارة المضيئة، ومنها اصطادوا قوتهم. وبينما كان كل حيّ يذبل ويموت، بقيت أسماك البحيرة ونباتاتها تنمو بلا حاجة إلى نور.
رأى القوم في ذلك رحمةً ، عطيةً رقّت لها شفقته.
غير أنّ تلك النعمة آذنت بالزوال. فالأسماك أخذت في التناقص، والنباتات كفّت عن النمو. وصار السوين يموتون واحداً بعد الآخر بوتيرة متسارعة.
فهم إيلرام وإيرين أنّ النهاية وشيكة، وأن هذه الأرض ستخلو قريباً من كل حياة.
“أفلا تقع معجزة قط؟”
رفع إيلرام رأسه وحدّق بعيداً. لم يكن بوسعه أن يرى شيئاً من خلال الظلام الحالِك، لكنه كان يعلم ما الذي يكمن خلفه.
هناك… أعلى موضع في هذه الأرض.
المكان الذي تشرق منه الشمس.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "112"