وعلى عكس ما كان متوقعًا، لم تكن تيارات المياه قوية، لذلك لم يحدث أن انقلبت السفينة فجأة.
أُصيبت ثيل ببعض دوار البحر، لكن لأن عرض النهر لم يكن كبيرًا، فقد وصلت إلى الضفة الأخرى بسرعة، فلم تقع أي حادثة تُسبب إزعاجًا لأوليفيا.
‘إنها المرة الأولى التي أركب فيها سفينة، لكن الأمر ليس ممتعًا كما توقعت…’
كانت السفينة تتأرجح بشكل يبعث على الغثيان. وفوق ذلك، لو كانت الرحلة في النهار، لربما استطاعت أن ترى جمال مياه النهر، أما الآن، وفي هذا الليل، فلم يكن تحت السفينة سوى مياه ساكنة بدت لها مخيفة بلا نهاية.
دُقّ صوت مكتوم.
ارتطمت السفينة بالشاطئ. وما إن أنزل الفرسان السلالم حتى قفزت ثيل سريعًا إلى اليابسة، وتبعها باقي الأطفال إلى الضفة.
“هل هذه هي؟”
سأل لوديان بلهجة باردة. آخر من نزل بخفة من السفينة كانت كليمنس، التي أومأت برأسها.
“هذه هي الأرض… التي كنتم تبحثون عنها.”
“لسنا نحن من بحث عنها، بل سيندر هو من فعل! لو لم يقل ذلك العجوز ما قاله، لما جئنا إلى هنا أصلًا!”
تذمرت أوليفيا وهي تقترب أكثر من لوديان. بفضل قدرات لوديان وبيردي الخاصة، كان الجو حولهما دافئًا وغير بارد، ولهذا التصق الأطفال جميعهم معًا كطيور البطريق، ما عدا إياندروس.
“عندما نعود، سأذهب إلى مقاطعة نيستيان لأفرغ غضبي عليه.”
تمتم بيردي، الذي كان يعاني من دوار البحر مثل ثيل، بوجه شاحب.
ولأن الجميع اتفق على أن معاناتهم حتى هذه اللحظة كانت خطأ سيندر بيوكانن نيستيان، فلم يعترضه أحد أو يحاول تهدئته.
“قبل كل شيء… لنذهب. هناك مكان ذُكر في الأسطورة. علينا الوصول إليه قبل أن نفعل أي شيء.”
“مكان ذُكر في الأسطورة؟”
“نعم، إنها المرة الأولى لي هنا أيضًا… لكن السجلات تقول ذلك بوضوح.”
“إلى أين يجب أن نذهب؟”
سأل إياندروس. أغمضت كليمنس عينيها وكأنها تستحضر ما تتذكره، ثم أشارت بيدها نحو البعيد.
“إلى أعلى مكان.”
“…؟”
“؟”
“؟”
“…”
حدّق بيردي، وأوليفيا، ولوديان، وثيل في كليمنس. بينما سألها إياندروس مجددًا وهو يكتف ذراعيه:
“أعلى مكان؟”
“نعم، هذا ما ورد في السجلات. وأيضًا… قيل إن النور يعرف الطريق.”
هذه المرة، تحولت أنظار الجميع نحو ثيل. فأمالت رأسها في حيرة تحت نظرات إخوتها وأخواتها الأكبر سنًا.
“أم… أنا…”
“نعم، ثيل!”
“… لكنني لا أعرف الطريق.”
أجابت ثيل بصوت مرتبك.
لقد كانوا جميعًا يظنون أن أرنيه تعرف الطريق، لكنهم كانوا مخطئين. فحتى لو كانت أرنيه تعرف أكثر من غيرها عن هذه الأرض، فمن المستحيل أن تملك معلومات دقيقة إلى هذا الحد.
بعد لحظة من التفكير، جمعت ثيل كفيها الصغيرتين بحذر وقالت:
“ممم… هل نجرب أن نسأل؟”
كانت ثيل قادرة على التواصل مع قدرتها الخاصة بدرجة معينة.
عادةً، عندما يستخدم الحاملون لقدرات خاصة هذه القوى، فإنهم يفعلون ذلك عبر “أوامر” وليس عبر “تواصل”. ولهذا كانت قدرة ثيل مميزة جدًا.
لكن ثيل لم تكن تخبر الآخرين بأنها تستطيع التواصل مع قدرتها.
والسبب الأول لذلك هو أن الجميع كان يظن أن التواصل مع القدرة أمر طبيعي لدى الجميع. أما السبب الثاني فهو… أن قدرة ثيل كانت بمثابة “صديق سري صغير” لها.
وحين استخدمت ثيل قدرتها، ظهر فوق راحتيها الصغيرتين سمكة مضيئة صغيرة، تطفو بخفة.
ومع كل حركة لزعانفها الرقيقة، كانت تتناثر ذرات ذهبية لامعة. قرّبت ثيل أنفها من السمكة الصغيرة، فلامست السمكة أنفها بأنفها؛ تحية خاصة لا يعرفها سوى “الأصدقاء السريون”.
“مرحبًا، يا سمكتي الصغيرة. لدي سؤال أريد أن أسألك إياه…”
“يُقال إن النور يعرف الطريق. هل تعرفين الطريق الذي يجب أن أذهب فيه؟ وإن كنت تعرفينه، هل يمكنك أن تدليني عليه؟”
ما إن أنهت كلامها حتى سبحت السمكة في الهواء أمامها، ثم التفتت إلى الخلف وكأنها تقول: لماذا لا تتبعينني؟ وظلّت تدور في مكانها.
“يبدو أنها تعرف!”
قالت ثيل بابتسامة مشرقة، ثم التفتت إلى الوراء. لكنها توقفت لحظة وهي ترى تعابير وجوه إخوتها وأخواتها.
“همم؟”
‘لماذا يبدون جميعًا مذهولين هكذا؟’
اقتربت من إياندروس وأمسكت طرف ثوبه.
“سيد إيان؟”
حتى إياندروس، الذي لم يكن معتادًا على إظهار ملامح ذهول، كان يحدق بها بوجه متفاجئ قليلًا.
“ثيل، أنتِ…”
“نعم؟”
“أيمكنك التحدث مع سمكتك؟”
“مممم…”
ترددت ثيل قليلًا قبل أن تجيب. أحيانًا كانت تسمع صوتًا في رأسها، لكن هل كان هذا الصوت هو ما تتحدث به السمكة؟
فكرت ثيل قليلًا، ثم قررت أن الأمر ليس كذلك.
لو كان ذلك صوت السمكة فعلًا، لما كان ليظهر على فترات متباعدة هكذا، بل كان سيلازم أذنيها باستمرار…
“لا، هي لا تستطيع التحدث. لكن أظن أنها تفهم كلامي، انظروا! إنها تشير لنا أن نتبعها!”
أشارت ثيل إلى السمكة. كانت السمكة ما تزال متوقفة في مكانها، وكأنها تنتظر أن يتبعها الأطفال.
في ليلة حالكة بلا حتى ضوء القمر، بدا ضوء السمكة أكثر بريقًا وسطوعًا. كان ضوءًا يبدو وكأنه يعرف تمامًا وجهته.
“أنتِ… حقًا مذهلة.”
تمتم إياندروس بدهشة متجددة. أمالت ثيل رأسها قليلًا وهي تُصدر صوت “هممم” ردًا على كلماته.
“ألست تقول لي كل يوم إنني مذهلة…؟ لماذا الآن تحديدًا؟”
“ومن أين تعلمتِ كلمة ‘تحديدًا’؟ ثم إن كلمة مذهلة يمكن قولها في كل مرة.”
“من إخوتي… هل أنا مذهلة حقًا؟ هل أصبحت الآن نمره أنيقة بعض الشيء؟”
“أنتِ كنتِ مذهلة منذ أول مرة التقيت بكِ…”
لكن حين مد إيان يده ليمسح على رأسها وهو يرد، تذكر ‘شبل النمر الثلجي القذر الذي لم يكن يُعرف إن كان أبيض أم رمادي’، فأطبق شفتيه.
“… كنتِ لطيفة منذ البداية.”
“ولماذا لا تقول إنني أنيقة؟”
“هيا، لا وقت نضيعه.”
رفعها إياندروس بخفة وحملها بين ذراعيه. لم تقل ثيل شيئًا، وظلت مسترخية في حضنه دون أي ملامح تدل على الانزعاج.
بينما كان الاثنان هكذا، تبعهما بيردي ولوديان وأوليفيا وكليمنس بعد أن كانوا يراقبونهما بصمت.
دفع لوديان بمرفقه بيردي وهمس:
“هيه، هل يمكن للمرء أن يتحدث مع قدرته الخارقة هكذا؟ ويفهمان بعضهما أيضًا؟”
“هل تعتقد ذلك؟ لو كان ممكنًا، لكنا فعلنا ذلك أنا وأنت منذ زمن.”
“لكن ألم تتحدث ثيل مع قدرتها قبل قليل؟ ألم تقل لها ‘سمكتي الصغيرة’؟ هل قدرة ثيل حية؟ هل القدرات الأسطورية دائمًا هكذا؟”
سألت أوليفيا بفضول مشتت.
لكن لم يصلهم أي جواب. فلم يكن بين الحاضرين أحد يعرف تفاصيل دقيقة عن ‘القدرات الأسطورية’…
***
كان ضوء السمكة ساطعًا لدرجة أن الفرسان الذين يسيرون خلف الأطفال استطاعوا رؤية الحصى وجذور الأشجار تحت أقدامهم وتفاديها بسهولة.
قادت السمكة الأطفال عبر طريق جبلي. وبينما كان إياندروس يراقب الأشجار الميتة اليابسة، قال بتحذير:
“انتبهوا لخطواتكم، هناك الكثير من الأغصان المكسورة تحت الأقدام، قد تتعثرون.”
كانت هذه الأرض تُسمى في ما مضى ‘الجنة’، لكنها الآن لم تعد تشبه الجنة في شيء.
الأشجار والزهور كانت بمعظمها ميتة وجافة متيبسة، ولم يُرَ أي أثر لحيوانات برية. كانت رائحة كريهة وغير مريحة تنبعث من الغابة، أشبه برائحة جثة حيوان تُركت دون دفن أو تنظيف منذ زمن طويل.
‘أهذه هي رائحة الموت؟’
رفعت ثيل رأسها من بين ذراعي إيان لتتأمل الأشجار الميتة.
بحسب ما أخبرتها كليمنس، فإن هذه الأرض، بعد أن توقف شروق الشمس فيها، ماتت معظم الكائنات الحية جفافًا. وهذا يعني أن هذه الأشجار ماتت على الأقل منذ مئة عام…
‘لكنها تبدو وكأنها ماتت البارحة.’
لماذا؟ لو كانت ماتت قبل مئة عام، لكانت قد تحللت وتفتتت وتحولت إلى غبار. لكن هذه الغابة، رغم موتها الكامل، ما زالت تحافظ على شكلها.
كان ذلك منظرًا غريبًا. شدّت ثيل ذراعيها أكثر حول عنق إيان، فضمّها هو بدوره داعمًا ظهرها الصغير.
وفجأة…
خشخشة!
انبعث صوت من بين الأعشاب وكأن شيئًا مرّ خلالها. استدار الأطفال جميعًا، الذين كانوا متوترين أصلًا، نحو مصدر الصوت في وقت واحد.
لقد كان إحساسًا بوجود شخص آخر!
‘هناك أحد!’
حدقت ثيل بعينيها متسعتين نحو الاتجاه الذي جاء منه الصوت. وأشار أحد الفرسان نحو الشجيرات وهو يصيح:
“ها؟ هناك!”
في المكان الذي أشار إليه الفارس، كان هناك فتى صغير ينكمش على نفسه قدر المستطاع.
كان فتى ذا شعر أزرق، وتقلصت حدقتاه بشدة وهو يحدق فيهم، وكأنه ارتبك من الضوء المفاجئ.
“الضوء…”
تمتم الفتى بذهول. بدأ يخطو بخطوات حذرة نحو الأطفال، لكنه ما لبث أن تراجع خطوة فجأة وكأنه تذكر شيئًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "110"