ودّعت آيريس الأطفال. ركب الأطفال عربتين مقسومين بينهم، إذ لم تكن عربة آرنيه كبيرة وواسعة مثل عربة أستريان.
لكن بما أن هذه هي العربة التي يستخدمها خدم آرنيه عند الخروج، فقد كانت مثالية للجري فوق الثلوج والطرق الجليدية.
ركب إياندروس ولوديان وكليمنس في عربة واحدة، بينما ركب بيردي وأوليفيا وثيل في العربة الأخرى.
كان لا بد من تقسيم بيردي ولوديان، اللذين يملكان قدرات نارية، على العربتين حتى يتمكّن الجميع من السفر في دفء طوال الطريق.
“ثيل! ألا تشعرين بالبرد؟ لا أريد لصغيرتنا أن تصاب بالزكام! كل هذا العناء بسبب ذلك الرجل سيندر!”
قالت أوليفيا وهي ترتدي ملابس صوفية سميكة، بينما كانت تعيد ترتيب غطاء الأذن الذي كانت ثيل تضعه على رأسها.
“لم نغادر آرنيه بعد! لست باردة، بل أشعر بالحرارة…”
تمتمت ثيل وهي تنظر إلى ملابسها بوجه محمّر من الدفء. كانت ترتدي الآن معطفًا سميكًا فوق آخر، إضافة إلى عباءة ثقيلة.
بمجرد تجاوز حدود آرنيه، تهب ريح باردة كالسكاكين، ولهذا كانت آيريس أكثر حرصًا على تجهيز الأطفال بالملابس المناسبة.
‘لكن عندما جئنا، كان الوضع مقبولًا!’
‘الأمر مختلف هذه المرة، فنحن متجهون إلى أرض لا يأتيها الصباح. الطريق إليها بارد جدًا.’
تذكرت أوليفيا كلمات آيريس، ثم وضعت بطانية فوق ثيل. وعلى الرغم من أن ثيل أكدت مرارًا أنها بخير لأنها نمر ثلجي، يبدو أن الفتاة لم تصغِ لها.
“أوليفيا، أنت تبالغين.”
قال بيردي، الذي كان يستخدم قدراته لتدفئة داخل العربة، وهو ينقر بلسانه نحو أوليفيا.
لكن أوليفيا، وكأنها لم تسمع كلام بيردي أيضًا، اكتفت بلف ثيل حتى بدت ككرة صغيرة، ثم ابتعدت وهي راضية.
لم ترغب ثيل في تجاهل لطف أوليفيا واهتمامها، فقررت تحمّل شعور الحر الزائد قليلًا.
ولحسن الحظ، لم يطل الأمر. فما إن تجاوزوا حدود آرني حتى هبت عاصفة جليدية هائلة.
غطّت الرياح الحادة العربات والفرسان. كان الفرسان المعتادون على هذا البرد يقودون خيولهم بهدوء، والخيول نفسها كانت مدرّبة على تحمّل البرد، فلم تُبدِ ذعرًا أو هياجًا.
لكن المشكلة كانت في العاصفة الثلجية.
كانت الرياح والثلوج تهاجم معًا، مما جعل المشاعل التي يحملها الفرسان تنطفئ باستمرار. ارتسمت على وجوههم علامات الحرج.
“غريب، لا ينبغي لعاصفة كهذه أن تطفئها.”
كانت هذه المشاعل مصنوعة من زيت خاص أنتج في آرنيه، لا تنطفئ بسهولة حتى في الرياح الشديدة. ومع ذلك، اليوم كانت تنطفئ مرة بعد أخرى.
في النهاية، أمر قائد الفرسان بالتوقف.
“علينا طلب المساعدة. هناك من يملك قدرة النور…”
“لكن هذا يعني أن ثيل ستضطر للخروج! ماذا لو أصيبت بالزكام؟”
التفت القائد نحو الصوت الحماسي، فرأى لوديان وقد قفز بخفة من العربة، مرتديًا ملابس سميكة.
“آ- آ- آتشّ!”
عطس لوديان، وجسده يهتز من البرد القارس الذي باغته فجأة. قال القائد بقلق:
“…سيدي، الجو شديد البرودة. من الأفضل أن تعود إلى العربة.”
“ثيل ما زالت صغيرة، ولإضاءة الطريق عليها أن تخرج من العربة، وهذا يعني أنها ستصاب بالزكام حتمًا.”
رغم أن احتمال إصابة لوديان، كنمر أسود من أرض دافئة، أكبر بكثير من احتمال إصابة ثيل النمر الثلجي، إلا أن هذا لم يكن يهمه.
“إذًا، كل ما عليكم هو إضاءة الطريق، أليس كذلك؟”
مدّ لوديان يده، فأومأ الفرسان برؤوسهم بدهشة.
فوووش!
اندلعت من يده شعلة هائلة، أكبر وأشد قوة مما يستخدمه عادة. كانت النار تتأجج بعنف، كأنها ستحرق العاصفة الثلجية بأكملها.
“آه، الآن أشعر أنني بخير!”
قال لوديان مرتاحًا وهو يرمي عباءته جانبًا.
“…ربما لم يكن هذا تصرفًا حكيمًا.”
لكنه سرعان ما التقط عباءته مجددًا ولفّها حول كتفيه وسط الرياح العاتية، ثم ألقى بالنار أمامه بخفة.
انفصلت كرة النار من يد لوديان، وفي لحظة تحولت إلى فهد ضخم من نار، يشبه تمامًا الفهد الناري الذي أظهره بيردي في لوميناري.
ولم يكن فهدًا واحدًا.
من بين ثلاثة فهود مكوَّنة من النار، تقدم اثنان منها إلى الأمام ليضيئا الطريق. صحيح أن ضوءهما لم يكن بسطوع نور ثيل، لكنهما كانا كافيين تمامًا لإضاءة الطريق في الليل.
أما الفهد الثالث فظل ملازمًا للوديان. تسلّم لوديان حصانًا من أحد الفرسان وامتطاه، وكان على وجهه تعبير رضا أكبر بكثير مما كان عليه داخل العربة.
“ما الذي تنتظره؟ هيا بنا.”
“آه؟ آه، شكرًا جزيلاً!”
أفاق قائد الفرسان من انبهاره وهو يراقب قدرة لوديان الخارقة، ثم حرّك حصانه.
‘ال أستريان… سلالة النار.’
لقد سمع كثيرًا عن اسم ال أستريان المهيب، لكنه لم يتخيل أن قدرة فتى لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره ستكون بهذه القوة…
الآن فقط فهم لماذا يوجد ترتيب هرمي بين عائلات السوين. حتى لو وُلد في آرنيه عبقري لا مثيل له، فلن يكون قادرًا على التفوق على ال أستريان.
وبينما كان قائد الفرسان يقود حصانه وهو معجب بقدرة لوديان، كان لوديان يخفي تعبيرًا حائرًا على وجهه.
“همم… ما الذي يحدث؟”
لا يدري إن كان الآخرون قد شعروا بذلك، لكن لوديان، وهو يستخدم قدرته، كان متأكدًا تمامًا…
قدراته… لا تعمل كما ينبغي.
وكأن هناك من يتعمد إعاقة الأمر، كانت ألسنة النار التي صنعها لوديان تتمايل باضطراب، مهددة بالانطفاء في أي لحظة.
لكن…
“أنا لوديان أستريان!”
ابتسم لوديان ابتسامة واسعة وهو يقبض يده بقوة. هذا الموقف الغريب لم يثبط عزيمته، بل أشعل داخله رغبة أكبر في التحدي. وارتفعت النيران التي كانت على وشك الخمود فجأة باندفاع أقوى.
***
“آه… أشعر أنني سأموت…”
تمتم لوديان بوجه متعب وهو يكاد ينهار فوق صهوة الحصان. نظر بيردي وإياندروس، اللذان نزلا من العربة، إلى جسد لوديان المتهالك وكأنه بودنغ مهروس، وأصدرا صوت نقر بألسنتهما.
“هل نتركه هنا؟”
“ولِمَ لا، يبدو أنه لن يكون ذا فائدة على أي حال.”
“لن أكون ذا فائدة؟! ومن تظنان أوصلكما بسلام إلى هنا في هذا الليل؟!”
انتفض لوديان وجلس معتدلًا. كان كخس طري ذبل فجأة ثم عاد لينتعش. تبادل بيردي وإياندروس نظرة وقال كل منهما في نفسه: ‘سهل التعامل معه فعلًا…’
في تلك اللحظة، قفزت ثيل من العربة بخفة وركضت نحو لوديان وإياندروس وكليمنس.
“أخي! سيد إيان! سيدة كليمنس!”
وخلف ظهر ثيل، كانت ذيلها السميك والناعم يتمايل برفق. فتحت عينا إياندروس ولوديان على اتساعهما عند رؤيتها.
“ثيل، لماذا أخرجتِ ذيلك؟”
“آه، في الحقيقة… فهود الثلج لديها عادة أن تمسك ذيلها بفمها في الأماكن الباردة. صحيح أنني لم أشعر بالبرد بفضل أخي بيردي، لكن الأمر فطري عندنا…”
ابتسمت ثيل بابتسامة خجولة وهي تمسك ذيلها السميك بكلتا يديها الصغيرتين، وكان ملائمًا تمامًا بين قبضتيها.
راقب إياندروس ولوديان المشهد بملامح تقول بوضوح إنهما وجدا الأمر لطيفًا للغاية.
ترددت ثيل للحظة، ثم أعادت ذيلها إلى مكانه. فتبدل وجه الصبيين إلى ملامح امتعاض واضحة. أما أوليفيا، التي كانت تراقب المشهد من خلفهم، فوجدت أنهم سهل الفهم للغاية.
بيردي، على عكسهم، لم يشعر بالأسف، فقد كان يستمتع طوال الطريق في العربة بمشاهدة ذيل ثيل الناعم الكثيف.
لاحظت ثيل نظرات إياندروس ولوديان الممتعضة، وفكرت للحظة في إخراج ذيلها مرة أخرى… لكنها قررت تجاهل ذلك، إذ لا يمكنها التجول أمام الجميع وذيلها خارج طوال الوقت.
“علينا ركوب تلك السفينة.”
قالت كليمنس وهي تشير إلى سفينة راسية قرب النهر. لم تكن السفينة كبيرة كما تخيلوا، لكن بدا أن هناك عدة سفن أخرى أُعدت أيضًا.
سار الأطفال خلف كليمنس نحو السفينة. اعتلت كليمنس السطح بخفة ومدت يدها.
فما كان إلا أن نبتت سيقان نباتية على درجات السلم، متشابكة لتجعل الصعود أكثر أمانًا ومنعًا للانزلاق.
“اصعدوا بهدوء… واحذروا من السقوط.”
ابتسمت كليمنس ابتسامة لطيفة.
ترجمة يوميكو
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "109"