“أن ننطلق الليلة فورًا؟ أشعر وكأننا نستعجل أكثر مما ينبغي.”
قال إياندروس، الذي كان يستمع بهدوء لحديث الاثنين.
“لقد انتهينا من الاستعدادات منذ وقت مبكر، لذا لن تكون هناك مشكلة في انطلاقكم.”
“همم… ما رأيك أنت، بيردي؟”
“علينا أن نستمع لكلام سيدة العائلة، فلا يوجد من يعرف تلك الأرض أفضل من آل أرنيه. حتى أنا لم أكن أعرف حتى قبل قليل أن هناك طريقتين فقط لعبور ذلك النهر.”
“وأنا أيضًا أوافق كلام أخي بيردي، أعتقد أن الأفضل هو الاستماع لسيدة العائلة. فنحن جئنا لطلب المساعدة منها.”
وافقت ثيل، وأومأ لوديان برأسه. تبادلت كليمنس وأوليفيا النظرات، ثم أومأتا بخفة، مما جعل إيان يوافق على مضض.
“سننطلق الليلة، وحتى ذلك الحين، أرجو أن تنالوا قسطًا من الراحة…”
أنهت إيريس حديثها وغادرت الغرفة بخطوات خفيفة.
في غرفة النوم التي خُصصت لثيل، كان الأطفال مجتمعين بوجوه يعلوها القلق.
“هل سيكون الأمر على ما يرام إن ذهبنا هكذا يا كليمنس؟”
“إن كانت أمي تقول ذلك فهو كذلك… ثم إن فرسان أرنيه يراقبون دائمًا تغيرات نهر أوسيان، فإذا كان قائد الفرسان قد قال هذا، فلابد أنه على حق.”
“لدي سؤال.”
نظر إياندروس إلى كليمنس، التي أومأت وكأنها تقول له أن يسأل ما يشاء. حدّق إيان بعينيه الزمرديتين بين كليمنس وثيل.
“ماذا لو أُغلق الطريق ونحن داخل تلك الأرض؟”
“علينا أن نخرج قبل أن يحدث ذلك…”
“لكنهم يقولون الآن إنهم لا يعرفون متى سيُغلق النهر، أليس هذا سبب استعجالهم لإدخالنا؟ فماذا لو أُغلق ونحن بالداخل؟”
ساد الصمت بين الأطفال إثر كلام إياندروس، إذ لم يفكر أحد منهم في الأمر حتى تلك اللحظة.
كانوا يعرفون بشكل غامض أن عبور نهر أوسيان أمر صعب، لكنهم لم يتخيلوا أن هناك مواسم يفتح فيها الطريق ويغلق.
لو كانوا يعلمون ذلك مسبقًا، لربما أعادوا النظر في الرحلة من الأساس خشية المخاطر. وبعد لحظة من التفكير، أشار بيردي إلى إياندروس.
“ألا يمكنك حل الأمر بقدرتك؟ إنشاء الفضاء الفرعي… أليس بإمكانك إنشاء فضاء فرعي متصل بمكان آخر؟”
“هذا مستحيل، لا أستطيع تحديد الموقع بدقة. ولو أخطأت فقد نسقط في وسط النهر.”
“هممم… هل علينا العودة الآن إذًا؟ أنا لا أحب المخاطر.”
“لكن، أليس كونهم يرسلوننا يعني أن الأمر سيكون آمنًا؟ ثم…”
نظرت ثيل دون وعي إلى كليمنس، وريثة آل أرنيه التي ستخلف إيريس في منصب سيدة العائلة.
ففي هذه الرحلة، سترافقهم كليمنس أرنيه نفسها. ومن ثم، لا يمكن لإيريس أرنيه أن تعرّض هذا العدد من الورثة للخطر. فهم لوديان المعنى وأومأ.
“صحيح، فآل أرنيه لم يراقبوا نهر أوسيان ليوم أو يومين فقط، ولديهم يقين أننا سنعود بسلام، وإلا لما سمحوا لنا بالذهاب.”
“قبل أن يُغلق نهر أوسيان، هناك علامات تظهر. بعد عبورنا، سيبقى بعض الفرسان هناك لمراقبة النهر. والمياه لا تُغلق فجأة، لذا حتى لو حدث ذلك، سنتمكن من الخروج بسلام…”
أجابت كليمنس، لكن إياندروس ظل يحدّق فيها وكأن شيئًا لا يعجبه، ثم استدار فجأة وغادر.
“انتظر لحظة.”
لحق بيردي بإياندروس.
***
“إيان، ما بك؟”
أمسك بيردي بمعصم إياندروس بقوة، فرفع الأخير حاجبيه ثم خفضهما وأشاح بنظره بعيدًا عن عيني بيردي، محركًا ذراعه ليتحرر.
“ما بي؟ دعني أولًا.”
“صحيح أن كلامك لم يكن خاطئًا، لكنك تتصرف بحساسية زائدة. أشعر أنك كنت متوترًا منذ فترة، أم أنني أتخيل؟”
“تتخيل يا بيردي، لم يحدث شيء من هذا.”
أجاب إياندروس، فابتسم بيردي بسخرية وقال:
“إياندروس، هل تظن أنني لم أعرفك إلا منذ يوم أو يومين؟ إذا كان هناك ما يقلقك، فتحدث بصراحة، كي نفكر جميعًا في الأمر معك.”
تبادل معه النظرات بجدية، لكن إياندروس نظر إليه بعدم رضا، وأطلق تنهيدة ممزوجة بالضيق، ثم أسند ظهره بلا مبالاة إلى الحائط.
“لماذا تحديدًا موعد الانطلاق هو الليل؟”
“هكذا فجأة؟”
“إن كان كلامهم صحيحًا، فالمياه لن تنقلب في ليلة واحدة، فلماذا إذًا ننطلق في الليل؟”
ردّ بيردي على سؤال إياندرُوس بعد أن مال برأسه وكأنه يفكر قليلاً، ثم أجاب:
“ربما لأننا إذا انطلقنا ليلاً سنصل نهاراً. فمن الأفضل أن الانطلاق ليلاً ونعبر النهر نهاراً، بدلاً من عبوره في الظلام.”
“أنا، أعني…”
ضاق إياندرُوس بعينيه وهو يحدّق نحو البعيد. تذكّر الصبي أول مرة خيّموا فيها منذ فترة قصيرة.
‘الطريق الذي كان موجوداً على الخريطة، اختفى عندما وصلنا.’
وكان على الأطفال مواجهة مواقف مماثلة مراراً. المشكلة أنّ كل ذلك كان يحدث في المساء، تحديداً قبل دخولهم إلى أي قرية.
وكأن أحداً يتعمّد أن يجعلهم ينامون في العراء. وكأن هناك سبباً يجعلهم يضطرون للمبيت خارجاً.
ولحسن الحظ، لم يحدث أي أمر سيّئ، لكن إياندرُوس لم يستطع أن يتخلّص من شعور الانزعاج الذي يلازمه. أيمكن أن يكون كل هذا مجرد وهم؟
“الأمر غريب يا بيردي. في الحقيقة، عندما كنا في طريقنا إلى هنا، اختفى الطريق الذي كنا نعتزم سلوكه.”
“لاحظت ذلك. لم أتدخل بالكلام لأنه لم يكن تهديداً مباشراً.”
“لكن بعد أن مررنا بمثل هذه المواقف ست أو سبع مرات، بدأت حتى في الشك بهذا… ما رأيك أنت؟ هل تظن أن آيريس هيلد أرنيه حقاً شخص يمكن الوثوق بها؟”
“ما أثق به ليس آيريس، بل نفسي، وأنت، وأوليفيا، ولوديان، وثيل.”
ابتسم بيردي ابتسامة خفيفة وهو يشير إلى نفسه وإلى إيان.
“على أي حال، لن يحدث أن نُحتجز هناك. معنا كليمنس أرنيه وفرسان أرنيه النخبة. وكما قالت ثيل، آيريس أرنيه لن تعرض ابنتها للخطر.”
“صحيح.”
“لذلك، لا أعتقد أن هناك ما يدعو للقلق بشأن النهر… وأظن أن ما يساورك الآن هو وجود من يستهدفنا… لكن من يجرؤ على ذلك أصلاً؟”
“هممم.”
“جدي وأبي ليسا غبيين. لو كان هناك أدنى احتمال لأن نصبح في خطر، لما سمحا لنا بالذهاب من الأساس.”
بالنسبة لكلام صبيين في الحادية عشرة، كان ذلك غروراً لا بأس به، إذ لم يختلف عن قولهم إن بقية العائلات النبيلة لا يمكنها مجاراتهم.
لكن فعلاً، ما لم تبذل إحدى العائلات — باستثناء أستريان وفولفغانغ — كل ما بوسعها بكل قوتها، فلن يكون في إمبراطورية كراسيون من يستطيع التغلب على بيردي ولوديان وأوليفيا وإياندرُوس.
ربّت بيردي بخفة على كتف إيان.
“إذن، لا تقلق وحاول أن ترتاح قليلاً. سننطلق قريباً.”
“بيردي.”
نظر إياندرُوس إلى بيردي. التقت عيناه الزمرديتان بعيني بيردي الذهبية التي بدت كأنها تتوهج.
“أنا لا أقلق على نفسي ولا عليك، ولا على أوليفيا أو لوديان.”
“هممم.”
“أنا أقلق على ثيل. مهما كانت رؤيتنا الليلية جيدة، إن تعرضنا لهجوم في الليل، فقد لا نتمكن من حمايتها. فالدفاع عن النفس أثناء القتال أسهل بكثير من حماية شخص آخر وأنت تقاتل.”
كانت تلك كلمات قالها له ألفيوس وكاسوس من قبل. وللحظة، رأى بيردي في إياندرُوس صورة ألفيوس وكاسوس معاً.
كان إياندرُوس الآن لا يرتدي ملامح الصديق، بل ملامح الحامي.
“إياندرُوس، أنت تقلق كثيراً. تلك الفتاة تملك قدرة النور. والظلام لا يمكنه أبداً مجابهة النور.”
ابتسم بيردي ابتسامة مشرقة وهو يزيح يد إياندرُوس عن كتفه. ظل الأخير محتفظاً بتلك الملامح المتفكرة.
“وحتى لو حدث ذلك فعلاً… فلا أنا ولا أنت سنعجز عن حماية ثيل.”
كان في صوت بيردي ما يعكس الثقة. أنهى كلامه، ثم استدار عائداً إلى الغرفة التي خرجا منها قبل لحظات.
لكن إياندرُوس لم يستطع أن يوافق بسهولة على كلام بيردي. رفع يده وتلمس بأطراف أصابعه الوسم المرسوم قرب عنقه.
لقد فشل إياندرُوس كراسيون بالفعل في حماية ثيل أستريان مرة من قبل.
وكانت تلك الحقيقة عالقة في حلقه كشوكة كبيرة، تغرز فيه كلما حاول ابتلاع ريقه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "108"