49
الفصل 49
“كيييك!”
قضى إيدن على أحد العناكب الجليدية، ونظر إلى ليليان التي كانت فاقدة الوعي.
رأى شفتيها البيضاء الجافة تحت الأغطية مع ملابس الحماية، والتي بدأت تظهر عليها علامات التجمّد.
كان يعلم أنه يستطيع الصمود قليلاً بعد، لكن إذا أخذ ملابس الحماية منها، فإن ليليان ستموت بالتأكيد.
قطع إيدن بسيفه ساق العنكبوت الجليدي الأخير، رغم أن يديه بدأت تتجمد.
“كييررووك!”
أصدر العنكبوت الجليدي صوتًا ألمًا وتراجع إلى الخلف.
وقف إيدن أمام ليليان المغمى عليها، ليمنع العنكبوت من الوصول إليها.
لماذا تقاتل بكل هذا الإصرار؟
تبدو ككلب مخلص لمالكه.
إيدن نفسه لم يعرف السبب.
في اللحظة التي رأى فيها الفتاة ترتجف وتبدأ في التجمّد، خلع سترته وغمرها بها بدون تفكير.
حتى عندما حاول الشاب ذو الوجه البغيض، الأمير فيترو، مهاجمة ليليان، أو عندما رفع والدها السيف عليها، تحرك جسده بلا وعي لحمايتها.
ضحك أحد الأصوات وقال:
أنت مسكين. لقد كبرت وسط نظرات الازدراء والكراهية. لم يعاملك أحد بلطف، ثم جاءت هذه الفتاة النبيلة الجميلة وقرّبتك دون أن تضربك، ففقدت عقلك.
أي نوع من اللطف الرخيص يملأ بطنك الجائع، مثل الخنزير الذي يلعق فضلات الطعام التي ترميها الأميرة.
آه، الآن فهمت!
قهقهت الأصوات بسخرية.
واصل إيدن التلويح بسيفه، متظاهرًا بعدم سماعهم.
الأصوات واصلت الحديث.
هل تعتقد أن إنقاذ حياة الأميرة سيجعلها تكافئك بشيء؟
ربما ستعينك الأميرة فارسًا لها!
السير إيدن، فارس حارس للأميرة ليليان سيرجينيف، أول فارس بدون والدين في حرس سيرجينيف!
قهقهت الأصوات بصوت عالٍ.
هل تعتقد أن هذا سيحدث؟
ستتخلى عنك في النهاية.
هل تصدق أنها ستأخذك إلى مكان آمن؟ إنها تريد التخلص منك في مكان بعيد.
مثلما يتخلص صاحب الكلب من كلبه بعيدًا حتى لا يعثر عليه مرة أخرى!
قهقهت الأصوات باستمتاع.
تحدث صوت آخر بجدية.
خذ ملابس الحماية من الأميرة واستخدم جسدها كغطاء. هذا هو السبيل الوحيد لعدم التجمّد حتى الموت.
حتى غريزة البقاء لدى إيدن همست له بأن هذا صحيح.
إنقاذها لن يفيدك، ستتخلى عنك مثلما فعلت أمك.
من أعتني بك عندما تختلت عنك أمك؟
والأميرة ستعتبرك قذرًا بسبب اللعنة التي عليك.
إيدن، لا أحد يريدك.
الجميع يكرهونك.
لا يوجد مكان آمن. الأميرة كذبت عليك لتتخلص منك.
لذا…
الأصوات همست كجوقة:
انضم إلينا الآن.
سنمنحك القوة… القوة لتدمير كل شيء.
يمكننا هدم هذه الحفرة في لحظة. ويمكننا قتل دودة الثلج أيضا!
ومن ثم الانتقام من كل من أذوك. البداية ستكون بأمك، أليس كذلك؟
امسك بأيدينا.
كن معنا بالكامل.
“اخرسوا!”
صرخ إيدن بقسوة وهو يقطع فك العنكبوت الجليدي الأخير.
“كيارررك!”
سقط العنكبوت الجليدي الأخير، مات مستلقيًا على الأرض.
“هاف، هاف…”
سقط إيدن على ركبتيه كدمية انقطعت خيوطها.
كان جسده يتجمد بشدة من الجروح، السم، والبرد.
شعر إيدن بأن جسده وصل إلى حده.
كانت الأصوات معه منذ فترة طويلة، منذ لحظة لا يتذكرها.
لم يكن يعرف ما الذي تعنيه تلك الأصوات بـ “أن تكون معهم بالكامل”.
كان فقط يشعر بأن تلك الأصوات مثيرة للاشمئزاز ومكروهة.
كان يعلم غريزيًا أنه إذا فقد وعيه الآن، ستخترق تلك الأصوات جسده الضعيف.
لذلك لم يستطع السماح لنفسه بفقدان الوعي.
“انهضي…”
بكل ما أوتي من قوة، فتح إيدن عينيه وهز الفتاة.
“سيدتي. سيدتي!”
حاول صوته المبحوح إيقاظ الفتاة.
“ليليان سيرجنيف!”
في اللحظة التي صرخ فيها إيدن بأقصى ما يملك من قوة متبقية.
ارتعشت رموش الفتاة الفضية كما لو كان ذلك خدعة.
نظر إيدن بذهول إلى جفون الفتاة التي بدأت تفتح ببطء.
“أه…”
أصدرت الفتاة أنينًا خافتًا، ثم فتحت عينيها تمامًا.
“إيدن؟”
امتلأت عيونها الزرقاء السماوية فجأة بالارتباك والقلق.
حدق إيدن فيها لبضع لحظات بذهول.
كان كل شيء في العالم مملوءًا بالكذب والخداع الرمادي، ولكن عيون الفتاة الزرقاء كانت تلمع بالنوايا الحسنة البريئة.
مثل الضوء الوحيد الذي يوجه الأعمى في عالمه المظلم، تمامًا كما أنقذته عندما وضعت قلب التنين في جسده.
ارتعشت أصابع إيدن كما لو كانت تحاول الإمساك بشيء ما.
أيها الوحش القذر.
همس أحد الأصوات الهادئة بمجرد أن فتحت الفتاة عينيها.
لا تعرف كيف تحافظ على شيء ثمين، لأنك لم تُعامل بذلك من قبل. في النهاية، ستدمر كل شيء… هيهي.
لكن إيدن لم يعد يسمع الصوت بعد الآن.
“أين… أين نحن؟”
ملأ صوت الفتاة العالم بأسره بالنسبة له.
لم يسمع شيئًا سوى صوتها.
ومرة أخرى، في الليلة التي قُتلت فيها دودة الثلج.
خرج إيدن من المعسكر بلا وجهة محددة.
على الرغم من أن برودة الشمال القاسية كانت تخترق بشرته، استمر في المشي.
حتى وصل إلى ساحة فارغة.
هيوووو.
في الليل الصامت، كان صوت الرياح هو الشيء الوحيد الذي يسمع.
تردد صوت الفتاة في ذهن إيدن مرة أخرى.
“أنا سعيدة حقًا، إيدن.”
“أخيرًا يمكنني إخراجك إلى مكان آمن.”
“الل*نة.”
عض إيدن شفتيه بعنف.
عندما نظرت ليليان مباشرة في عينيه وقالت ذلك، خفق قلب إيدن مثل الأمواج.
لم يكن يعرف لماذا كان مضطربًا جدًا.
حتى عندما علم أن وعدها بإرساله إلى مكان آمن كان حقيقيًا.
هل كان مصدومًا لأن النبيلة، التي كان يعتقد أنها مليئة بالكذب، حاولت حقًا الوفاء بوعدها؟
“الل*نة. الل*نة.”
ركل إيدن الأرض بغضب.
كان يشعر بالاشمئزاز بطريقة غريبة، وكان الشعور يزداد سوءًا لأنه لم يعرف السبب.
‘شعور؟’
ضحك إيدن بسخرية.
كيف يمكن لفقير بالكاد ينجو يومًا بعد يوم في الأحياء الفقيرة أن يهتم بشعور؟
شعر فجأة أن حالته قد تحسنت كثيرًا.
“ها…”
بينما كان إيدن يسخر من نفسه ويركل الأرض مرة أخرى، شعر بشخص يقترب.
“أوه؟ من هذا؟”
سمع صوتًا غير مألوف خلفه. عندما استدار، رأى رجلاً يتمايل باتجاهه، لم يره من قبل.
كان يرتدي درعًا يحمل شعارًا مشابهًا لفيترو، الشاب الذي هاجم ليليان.
ضيّق إيدن عينيه بحذر.
“من أنت؟”
“أوه، هل تتحدث الدمية؟”
اقترب الضيف غير المرغوب فيه. كان وجهه أحمر ورائحته كريهة من كثرة الشرب.
لم يكن الفارس متأثرًا بنظرة إيدن الغاضبة، واقترب حتى كان قريبًا جدًا منه.
“أنت وسيم بالفعل من قرب… لا عجب أن النبيلة تلعب بك كالدمية.”
نظر الفارس إلى وجه إيدن بفضول، مبتسمًا بسخرية.
“ابتعد.”
نظر إيدن إليه بشدة، وكان ضوء وحشي يلمع في عينيه الذهبية.
تراجع الفارس قليلاً، لكن تأثير الخمر على حكمه كان واضحًا.
صرخ الفارس بغضب.
“أصبحت متعجرفًا لأنك حصلت على رعاية الأميرة. لكنك مجرد فلاح تافه!”
فلاح؟ ضحك إيدن بسخرية.
بالنسبة له، الذي كان يتجول في الأحياء الفقيرة كيتيم، حتى لقب الفلاح كان مرتفعًا جدًا.
رأى الفارس ضحكته وأصبح أكثر عدوانية.
“هل تعتقد أن الأميرة تهتم بك؟ أنت مجرد دمية لها…”
لم يكمل الفارس جملته عندما أخذ إيدن بتلابيبه.
أخذ بتلابيبه: أمسكه من أعلى ثوبه كأنّه يريد ضربَه
“هل تريدني أن أكسر هذا الإصبع؟”