رنّ جرس البرج موقظًا الدير الذي لا يزال يغطيه الظلام كانت شفق الفجر يقترب لكن الظلام كان لا يزال كثيفًا جدًا حتى أن بدون مصباح
لم يكن بالإمكان التمييز بين الأمام والظهر في ملابسها نهضت هارييت ببطء من السرير
”آه جسمي متصلب”
بينما كانت تتمدد تصدح عظامها ومفاصلها من الضغط على السرير الصلب كانت ترغب في النوم أكثر لكنها كانت تعلم أنه إذا تمادت في الكسل ستفوت الإفطار ولن تنال سوى نظرات الاستياء من الآخري
غسلت هارييت وجهها بسرعة بالماء الذي أعدته في الليلة السابقة ثم مسحته مرة أخرى بماء الورد الذي حصلت عليه من الدير
”آه رائحته جميلة جدًا”
ربّتت على وجهها بلطف بأصابعها وأخذت نفسًا عميقًا كان عبير اللافندر في ماء الورد دائمًا يجعلها تشعر بالهدوء كانت مزرعة الأعشاب المرفقة بالدير تنتج ليس فقط ماء الورد بل أيضًا البخور والأدوية والزيوت
في البداية، ظنت هارييت أن هذه المنتجات لن تكون جيدة مثل تلك التي اعتادت عليها لكنها تفاجأت بفعاليتها على بشرتها لذلك دون خجل طلبت المزيد من الزيت والبخور
”يعطونها مجانًا للنزلاء في الدير أشعر وكأنني ربحت الجائزة الكبرى!”
ظنت أنها قد تشتاق حتى إلى حياة الدير بسبب هذه المنتجات عندما تغادر في النهاية
ارتدت هارييت رداء الراهبات فوق القميص شدّت حزام الخصر بما يكفي ومشطت شعرها وربطته على شكل ذيل حصان بسيط
”مريح جدًا ألا أحتاج للقلق بشأن المكياج أو الملابس الفاخرة عندما أعود سيكون من الصعب التكيف لبعض الوقت”
لم تستغرق سوى خمس دقائق فقط لتستعد وتغادر غرفتها بالطبع السيدات النبيلات الأخريات اللاتي يقمن في الدير كن مختلفات
لم يرتدين رداء الراهبات وكن يضعن مكياجًا خفيفًا كل صباح كما أن غرفهن كانت أكبر وأفضل بكثير من غرفة هارييت وبعضهن جلبن خادمات معهن في البداية شعرت هارييت أن ذلك غير عادل لكنها بعد فترة وجدت وضعها أكثر راحة وأبقت على صمتها
”أنا سأبقى هنا أطول منهن على أي حال”
كانت السيدات النبيلات الأخريات يبقين فقط لبضعة أسابيع في أفضل الأحوال ثلاثة أو أربعة أشهر ثم يرحلن كانوا يعاملن كضيفات لكن بما أن هارييت ستبقى لمدة عام فقد عوملت أكثر كالراهبة النصفية
”على الأقل لا يعاملونني كراهبة كاملة لدي وقت فراغ أكثر من الآخرين”
مسحت هارييت بعض قطع الأثاث وإطارات النوافذ بقطعة قماش غمرتها في ماء الغسيل بعد ترتيب الحوض والقطعة توجهت إلى قاعة الطعام
قدمت صلاة قصيرة للتمثال المقدس المعلق فوق الباب قبل دخول قاعة الطعام
أومأ الرهبان الذين كانوا يصطفون عند الكاونتر تحية لها
كان فطور اليوم خبزًا جافًا وجبنة وزيتونًا وكأسًا من الحليب ونصف تفاحة في البداية ظنت هارييت أن هذه كمية كبيرة للأكل قبل الفجر لكنها أنهت كل شيئ دون أن تترك حتى زيتونة واحدة
إذا لم تأكل جيدًا فستجد صعوبة في إتمام واجباتها الصباحية بعد الانتهاء من وجبتها حان وقت الذهاب إلى العمل تم تعيين هارييت في ورشة صناعة الصابون
”الأخت هارييت! لا تحتاجين للمجيئ مبكرًا هكذا”
لوحت لها الأخت صوفيا المسؤولة عن صناعة الصابون مرحبة بها بحرارة كانت صوفيا في أوائل الأربعينيات ذات وجه لطيف وشخصية طيبة جدًا بفضلها خفت مخاوف هارييت من الدير كثيرًا
”لم يكن هناك ما أفعله ماذا علي أن أعمل اليوم؟”
سألت هارييت وهي تساعد صوفيا في إخراج الأدوات
”همم… ماذا لو جربت صنع الصابون بنفسكِ اليوم؟”
”ماذا؟ حقًا؟”
حتى الآن كانت هارييت تقوم بأعمال صغيرة فقط لذا شعرت ببعض الارتباك لاعترافهم بها كجزء من فريق صناعة الصابون أخيرًا ومع ذلك بدت صوفيا قلقة بعض الشيئ وأعطتها ابتسامة اعتذارية
”بصراحة قد يكون الأمر صعبًا على شخص من عائلة نبيلة إذا أصبح الأمر صعبًا جدًا فقط أخبريني حسنًا ؟”
”سأبذل قصارى جهدي”
ردت هارييت بثقة ونظرت إليها صوفيا بفضول
”أختي…”
”نعم؟ هل أخطأت؟”
”اه لا فقط… أنتِ مختلفة عما توقعت”
تجمدت هارييت للحظة تساءلت ماذا كانت تتخيل صوفيا عن امرأة نبيلة تم نفيها إلى الدير لمدة عام بسبب فضيحة في المجتمع الراقي
ربما تخيلتها متعجرفة ومتمركزة حول نفسها
لكن على عكس قادة الورش الأخرى الذين كانوا مترددين في قبول هارييت استقبلتها الأخت صوفيا بحرارة
”ورشتنا في الواقع من الأسهل سأحرص ألا يصبح العمل صعبًا جدًا عليكِ فقط حاولي بذل جهدكِ”
كبتت هارييت حماسها وابتسمت بخفة
كانت صناعة الصابون صعبة وأحيانًا خطيرة لكنها كانت كل شيئ جديد ومثير بالنسبة لها سرعان ما بدأ راهب ذو خبرة طلبته صوفيا في شرح مهام اليوم بنبرة صارمة
”سنغلي زيت الزيتون والماء والصودا في هذا القدر عليك التحريك المستمر لكن كوني حذرة فمن السهل أن تحترقي إذا لم تنتبهي”
”من المدهش كيف يمكن صنع الصابون من الزيت بغض النظر عن عدد المرات التي أشاهده فيها لا يزال الأمر مدهشًا”
”إذا نقّيت زيت زيتون عالي الجودة من الشوائب وصلبته يصبح كنزًا لا يقدر بثمن”
رفع الراهب قطعة صابون بيضاء وحليبية كانت نفس نوع الصابون الذي استخدمته هارييت
”بالمناسبة هذا الصابون جيد جدًا”
أشرق وجه الراهب
”أنتِ تفهمين قيمة هذا الصابون!”
أمسك يد هارييت بفرح ثم خفض صوته وهمس
”حاولت تقديم هذا الصابون لـ’الضيفات’ الأخريات لكنهن لم يعجبن به على الإطلاق”
”حقًا؟ هل لم يكن مناسبًا لبشرتهن؟”
”لو حاولن استخدامه قبل أن يحكمن لما كان الأمر محبطًا جدًا لكنهن كلهن قالن إنهن يستخدمن صابونًا أفضل بكثير ولا يحتجن إلى هذا”
كان ذلك محبطًا لتلك السيدات كانت هارييت تعاني من طفح وحبوب عشوائية لكن استخدام هذا الصابون مرة واحدة فقط أحدث فرقًا كبيرًا في بشرتها
”أستطيع أن أضمن ذلك هذا أفضل صابون استخدمته على الإطلاق. لطيف ينظف جيدًا ولا يترك بشرتي مشدودة بعد الاستخدام”
”بالضبط!”
”وساعد أيضًا مع حب الشباب”
كُرِهَت هارييت كثيرًا بسبب الحبوب التي كانت تنتشر على وجهها
لكن منذ بدأت تستخدم هذا الصابون الأبيض البسيط وماء الورد العشبي المنعش تحسنت بشرتها كانت البقع الحمراء تتقلص وبشرتها تصبح أكثر صفاءً
”هاها! سعيد أنك تحبين صابوننا كثيرًا بهذا الدافع لنصنع دفعة رائعة أخرى اليوم!”
”نعم! سأعمل بجد”
رفعت هارييت أكمامها بابتسامة مشرقة شعرت بالسعادة لوجود من يحب ما تقوم به ولم تعد ترى العمل صعبًا اليوم
⸻
لكن في المساء انهارت هارييت على سريرها
”آه… أنا متعبة جدًا…”
تظاهرت بالقوة في ورشة الصابون لكن الوقوف طوال اليوم وتحريك القدر كان عملًا متعبًا جدًا كانت كتفاها ذراعاها معصماها أسفل ظهرها وساقيها كل شيئ يؤلمها
”كم بقي لي من أيام لأفعل هذا ؟”
شعرت أنها قد تفقد وعيها
مع هذه العملية الشاقة، ليس غريبًا أن يكون جودة الصابون ممتازة
”إنها طريقة تم تناقلها لأكثر من 200 عام في هذه الأيام تستخدم المصانع المواد الكيميائية لصنع الصابون بسرعة لكنني أعتقد أن طريقتنا لا تزال الأفضل”
كانت الأخت صوفيا والرهبان في الورشة رغم أنهم أحيانًا يسعلون من الأبخرة يفخرون كثيرًا بالصابون الذي يصنعونه
في عالم اليوم سريع التغير قد يستهين الناس بطريقتهم ويعتبرونها قديمة لكن بالنسبة لـ هارييت كانت النتائج حقيقية
’لو عرف الناس في جينوفا عن هذا لكان مشهورًا حقًا’
هزت هارييت رأسها بسرعة
’لكن النبلاء لن يحبوا الصابون الذي لا يحتوي على ألوان فاخرة أو عطر أو علامة تجارية’
كانت علامات النبلاء الحديثة تدور حول الترويج لأنفسهم كـ”أفضل المنتجات التي يستخدمها المشاهير” لا يمكن للنبلاء أن يدفعوا المال مقابل صابون من دير فقير معروف فقط بالنفي بالإضافة إلى ذلك السعر الرخيص سيجعلهم ينظرون إليه بازدراء أكثر
كان هذا مؤسفًا لكنه أمر لا يمكن تغييره والأهم من ذلك بدأت هارييت تدرك أن الحياة في الدير لم تكن سيئة كما توقعت
’في الحقيقة أعتقد أنني أستمتع بالحياة أكثر الآن السرير لا يزال غير مريح لكن الطعام جيد… همم؟ الآن بعد التفكير لم أشعر بأي ألم في معدتي منذ أن وصلت هنا’
خطرت هذه الفكرة فجأة في رأسها واتسعت عيناها
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"