على الرغم من أن بينديكت كان قد أخبر نفسه أن الأمر سيكون على ما يُرام، إلّا أن الجلوس وجهاً لوجه مع سيدريك في غرفة الإستقبال في منزل الدوق كايلاس جلب توتراً غريباً. أمضى بينديكت أكثر من 30 دقيقة في الحديث القصير قبل أن ينتقل بسلاسة إلى أخبار الآخرين، وكأنه يُطلع سيدريك بشكل عرضي على حياته الخاصة.
“بالمناسبة، هل تعرف الفيكونت ليفينغستون؟”
“أعتقد أنني سمعتُ الاسم. لقد بنى ثروة من خلال البناء، أليس كذلك؟”
“أوه، إذًا هل تعرفه؟ ابنه يدير شركة قطع أشجار، ويبدو أنه ماهر جدًا.”
“هل هذا صحيح؟”
وعندما لم يتطرّق سيدريك بنفسه إلى مشروع تطوير أراضيه، لم يكن أمام بينديكت خيار سوى التطرّق إلى الموضوع بشكل مباشر.
“ستحتاج إلى خدمات قطع الأشجار لمشروع استصلاح ألكينيث، أليس كذلك؟”
وبما أن موضوع تطوير الأراضي جاء مباشرة بعد الحديث عن شركة قطع الأشجار، فكان من الواضح ما كان بينديكت يقصده.
لكن سيدريك أومأ برأسه بخفة فقط.
غضب بينديكت بصمت: “يا لكَ من طفل وقح! إذا تطرّق عمكَ للموضوع، فعليكَ الرد فورًا، أليس كذلك؟”
كان بينديكت على وشك أن ينقر بلسانه لكنه تراجع.
“إذا لم تختار مقاولاً بعد، فماذا عن شركة عائلة ليفينغستون؟ الفيكونت رجل موثوق، ويُفترض أن ابنه واسع المعرفة أيضًا.”
“همم. لا أستطيع الجزم بذلك بناءً على الكلام المتداول.”
“أنا عمكَ، كما تعلم. ألَا تكفي توصيتي؟”
طلب بينديكت من سيدريك توقيع عقد بقيمة 3 ملايين بناءً على طلب أحدهم!
فكر سيدريك: “لم أكن أعلم إن كان عمي ساذجًا حقًا، أم أنه افترض ذلك فحسب. ربما الأخير.”
مع الحفاظ على تعبیر هادئ استجاب سيدريك بشكل طبيعي.
“أطلب منه أن يُحضّر عرض عمل.”
“هرض؟ لماذا يحتاجه؟ أنتَ من تُخطط للمشروع، وعليه فقط قطع الأشجار.”
“هاها يا عمي ما زلتَ تحب المزاح. أنتَ تعلم أن خطة العمل تتضمن أكثر من ذلك بكثير.”
وبنفس نبرة بنديكت الخفيفة، واصل سيدريك حديثه بشكل عرضي.
“نوع المعدات التي سيستخدمها، ومن أين سيحصل على العمال، وكيف سينقل جذوع الأشجار، وماذا يُخطط لاستخدامها، هذه مجرد أساسيات. إذا كانت الشركة جيدة فلا بد أنه على دراية بكل هذا مسبقًا.”
“حسنًا، نعم، ولكن…. أليس هذا كله مضيعة للوقت؟”
“مشروع الكينيث ليس مُلِّحًا. فقط اطلب من الفيكونت ليفينغستون إعداد عرض مُفصّل وطلب اجتماع رسمي.”
أدّى رفض سيدريك غير المباشر إلى تصلّب تعبير وجه بيندیکت.
“بالتأكيد. مع أنني أتوقع أن الفيكونت سيشعر بخيبة أمل….”
“لماذا؟ سيحصل على موعد بفضل تعريفكَ به. هذه خدمة عظيمة بالفعل، وأنا متأكد أنه سيتفهم ذلك.”
مع تأطير سيدريك للأمر وكأنه يُقدّم له خدمة كبيرة، كان على بينديكت أن يعترف بأن الصبي لم يكن من السهل التلاعب به.
فكر بينديكت: “يتظاهر بالغباء أثناء التخطيط لمثل هذا…. تمامًا مثل والده.”
غادر بينديكت الغرفة بوجه أكثر توتراً مما كان عليه عندما دخل.
وبينما كانت خطواته تتلاشى في القاعة، سمح سيدريك لنفسه بالضحك بهدوء. تمتم في نفسه: “هل يظن هؤلاء أنهم رجال أعمال؟ إنهم لا يرقون حتى إلى مستوى هارییت لیسترویل.”
كان سيدريك يعرف كل شيء عن ابن ليفينغستون، ورغم ثروة العائلة وسمعتها في مجال البناء، لم تُثر شركة الابن أي ضجة، لأنها ببساطة لم تكن جيدة بما يكفي، حتى مع اسم العائلة.
وبينما كان سيدريك يهز رأسه عند التفكير في بينديكت وعائلة ليفينغستون، اقترب منه مساعده.
“لقد أوشكنا على الانتهاء من عقد قطع الأشجار مع ويلبورن. هل عليّ الانتظار؟”
“لا داعي لذلك. أشك في أن فريق ليفينغستون سيتابع الأمر.”
أومأ المساعد برأسه وكان على وشك المغادرة عندما تذكر شيئًا ما.
“أوه، واكتمل تجديد متجر شارع سيريول. قامت السيدة ليسترويل بفحصه شخصيًا أمس.”
“إنها سريعة.”
“فعالة أيضًا. بصراحة، ظننتها مجرد شاباة نبيلة جاهلة.”
فكر سيدريك: “إنها لا يُستهان بها. تخيل الأمر، رجال أعمال بخبرة خمس سنوات يحاولون إبرام الصفقات بالرشاوى، بينما تأتي هي بعرض قوي واتفاقية سرية. لقد تمكنت من تحقيق التوازن في مفاوضات غير متكافئة باستخدام الثقة والإخلاص فقط. لم أستطع إلّا أن أتساءل إلى أي مدى ستذهب.”
“أرجو من السير أوستن الإشراف على الموقع مباشرة. أخبرني إذا حدث أي شيء.”
“نعم، فهمتُ.”
مع ذلك، وقف سيدريك من مقعده، بعد أن عهد للتو بأعمال هارييت إلى مساعده الأكثر ثقة.
أُقيم حفل شاي هارييت في أواخر شهر أغسطس، عندما بدأت حرارة الصيف في التراجع أخيرًا. أُقيم الحفل في حديقة منزل الكونت فيلون. تمّ تغطية الحديقة بقطعة قماش بيضاء لتوفير الظل، وتحتها كانت هناك أربع طاولات شاي مُزينة بشكل جميل مُحاطة بالزهور والمشروبات الفاخرة.
فكرت هارييت: “لقد خططتُ في الأصل لإقامة ثلاث طاولات، ولكن وصل عدد كبير من الضيوف فقمنا بإضافة طاولة أخرى. اعتقدتُ أنني سأكون محظوظةً إذا ظهر اثنان أو ثلاثة، لكن انظر إليكن جميعًا، هل ربما أنكن كنتن أكثر يأسًا مما كنتُ أعتقد؟ إن حضور خمسة أعضاء من مجموعة بيلا اليوم كان بمثابة فوز كبير.”
ابتسمت هارييت بشكل خفي عندما لاحظت أنهن يجلسن منفصلات بشكل محرج، ويحاولن بوضوح التظاهر بأنهن لا يعرفن بعضهن البعض.
ومع ذلك، فإن السيدات النبيلات اللواتي التقت بهن هارييت في حفل الشاي الذي أقامته آنابيل ملأن معظم المقاعد وساعدن في خلق جو دافئ وودود.
“شكرًا جزيلاً لكن جميعًا على حضوركن اليوم. إنها أول حفلة شاي أُحضّرها، لذا أنا متأكدة أنها تفتقر إلى بعض الجوانب لكنني آمل أن تستمتعن بها.”
عندما ألقت هارييت التحية على الجميع صفقت آنابيل وأصدقاؤها بحرارة.
ولكن حتى بدون لطفهم، عندما تجتمع شابات في مثل أعمارهن، يكون هناك دائمًا الكثير للحديث عنه، لذا سارت الحفلة بسلاسة. كان الشاي الذي قدّمته الخادمات والكيك والمرطبات لذيذ حقًا. وبطبيعة الحال، لم يأتوا من أجل الشاي فقط
“بالمناسبة، هارييت.”
أخذت آنابيل زمام المبادرة أخيرًا، غير قادرة على تحمّل المزاح من الآخرين من حولها.
“هل حقًا لن تخبرينا؟”
“آه؟ سأخبركم ماذا؟”
“هيا، لا تتظاهري بالجهل. لقد وعدتينا لاحقًا أن تخبرينا كيف تحسنت بشرتكِ كثيرًا.”
“آه، هذا؟”
صفقت هارييت بيديها معًا كما لو أنها تذكرت شيئًا ما للتو. لكن بدلًا من الإجابة فورًا، أشارت هارييت إلى الخادمات الواقفات على مسافة. أحضرن هدايا مُغلّفة بعناية، وسلّمن واحدةً لكل من الشابات.
“في الواقع، كنتُ سأُقدّمه لكُنَّ بعد انتهاء الحفل، لكن بما أنكُن مهتمات، فسأُشاركه الآن. ما قدّمتُه لكم هو سر تحسن بشرتي.”
“ماذا؟ ما هذا؟”
فتحت السيدات هداياهن بلهفة. كان بداخلها صابونة ملفوفة بورق مناديل وزجاجة صغيرة من التونر.
“أعتقد أن إرشاد الله لي كان سببًا في ذهابي إلى دير القديسة كلاريسا. كنتُ أُعاني من حب الشباب لأكثر من سبع سنوات، ولكن بعد استخدام الصابون الذي يصنعونه هناك تحسنت بشرتي تمامًا في غضون ثلاثة أشهر فقط.”
“يا إلهي، حقًا؟”
أومأت هارييت برأسها بشكل حاسم.
“بالطبع، غيّرتُ نظامي الغذائي كثيرًا أيضًا. أعتقد أن هذا مهم أيضًا. لكن بدون هذا الصابون والتونر، أشك في أنني كنتُ لأتعافى تمامًا.”
بينما كانت هارييت تتحدث كانت الشابات يستنشقن الصابون ويشعرن بسطحه.
لكن البعض ممن جرّبن العديد من المنتجات الفاخرة بدون متشككات.
“لقد رأيتُ نتائج رائعة مع منظف لابوناز، لكنني لستُ متأكدة ما إذا كان هذا يمكن أن يكون أفضل.”
“حقًا؟ حتى أنني جرّبتُ منتجات إيليناس ودوبوا، لكن لم يجد أي منها نفعًا كما تدّعي قصة هارييت. وهذا الصابون ليس حتى من شركة مستحضرات تجميل.”
وكان هذا هو رد الفعل الذي توقعته هارييت. أومأت برأسها فهمًا، ثم التقطت الصابونة التي كانت أمامها.
“عندما استلمتُ هذا الصابون من الدير، فكرتُ مثلكم تمامًا. لكنني قلتُ لنفسي أشكركم حتى على هذه الهدية المتواضعة. لم يُسمح لي حتى بأخذ صابون من المنزل.”
كان الصابون الذي قطعته صوفيا بعناية باستخدام القاطع على شكل مكعب بسيط مع ختم دير القديسة كلاريسا مطبوعًا في المنتصف. وبالمقارنة مع الصابون الجميل والناعم والمستدير الذي تستخدمه السيدات النبيلات، فقد بدا عاديًا وخشنًا للغاية.
“لكنني عملتُ في الورشة التي يُصنع فيها هذا الصابون. لذا أستطيع القول بثقة إنه عمل فني بامتياز.”
“ماذا؟ هارييت هل عملتِ في ورشة صابون؟”
“نعم. يُشجع الدير العمل كنوع من التأمل. لا يُجبرون النبلاء على العمل، لكنني انضممتُ إليه لتهدئة ذهني والتأمل في ماضيّ.”
التعليقات لهذا الفصل " 50"