جلس سيدريك عمَّه بنديكت ثم اتخذ مقعده في رأس الطاولة بطبيعته الهادئة وأومأ للخادم عندها بدأ الخدم الذين كانوا ينتظرون الأوامر بوضع الأطباق الشهية على الطاولة الطويلة فعمّت أجواء البهجة قاعة المأدبة
انتظر سيدريك حتى صُبّ النبيذ في كؤوس الجميع ثم قال
”أود أن أشكر الجميع مجددًا على حضور جنازة والدي وتقديم واجب العزاء رغم أن رأس العائلة قد تغيّر بشكل مفاجئ آمل أن تظل عائلة كايلاس على علاقة وطيدة بكم جميعًا ما لم يحدث ما يُخلّ بتلك العلاقة بالطبع”
كتم الحضور ضحكاتهم على شرطه الطريف لكن سرعان ما اختفى الابتسام عن شفتي سيدريك حين تذكّر والده
”كان والدي رجلاً حكيمًا مخلصًا دقيقًا في كل ما يفعل ربما لا وجود للكمال في تصرفات البشر لكنني أؤمن بأن والدي اقترب منه مقارنةً به ما زلت مجرد مبتدئ أمامه طريق طويل”
كان سيدريك يكنّ احترامًا عميقًا وحبًا صادقًا لوالده الذي كان فارسًا مخلصًا وربّ عائلة كريمًا دائمًا ما يهب كل ما لديه لابنه لكن لم تكن الأمور تسير دائمًا في صالح سيدريك فبعض الناس كانوا يستخفّون بروان سرًّا أو يخدعونه بسبب طبعه الصامت وقلة كلامه
جالت عينا سيدريك الداكنتان بلون النبيذ الأحمر بنظرتهما الحادة حول الطاولة كانت هناك أعشاب سامة تنمو بينهم لكن التسرّع قد يدمّر كل شيئ حتى يقطع مناجل الحصاد رقابهم عليه أن يبقي أعداءه مطمئنين غير مرتابين
”ولهذا سأواجه التحديات المقبلة بتواضع وأتعلّم منكم جميعًا فلا تكونوا قساة عليّ حتى إن بدا أنني بطيئ بعض الشيئ”
انطلقت ضحكات خفيفة من الحاضرين مجددًا
وللآن كان هذا كافيًا صورة الفتى اليافع الذي فقد والده في ساحة المعركة ونجا بفضل تضحية والده وحاز على لقب بطل الحرب دون أن يستحقه بحق هذا القدر يكفي الآن
’من الأفضل أن يجهل الجميع ما يُخبَّأ خلف ظهر هذا المبتدئ في الوقت الراهن’
بابتسامة ماكرة رفع سيدريك كأسه عاليًا وهتف
”لنشرب نخب رابطة أبدية!”
”نخب الرابطة!”
رد المخلصون من رجاله بصوت واحد رافعين كؤوسهم ويروون حلوقهم بالنبيذ المعطّر لو كانوا يعلمون أن هذا النبيذ قد خُلط بدموع ودماء شخص ما لما شربوه بهذه البهجة
⸻
استقبلت زقزقة العصافير الصباحية اليوم الجديد تتردد من كل زاوية في الحديقة كانت الأزهار قد بدأت لتوّها تفتح بتلاتها والعشب المبلل بالندى يتلألأ تحت أشعة الشمس
تجولت هارييت بنظرها في حديقة قصر ليسترويل في كل زاوية كانت هناك ذكرى تتشبّث بقلبها وتثقل أنفاسها
’لماذا أشعر وكأنها المرة الأخيرة رغم أنني سأعود بعد عام ؟’
كان قلبها خاليًا وقدماها مترددتين لكن ربما بدت وكأنها تتباطأ إذ قال جون
”لا فائدة من التأخير إن أردنا تناول الغداء في الطريق علينا أن نغادر الآن تيري! هل أنهيت تجهيزك؟”
كان جون متوترًا خائفًا من أن تغيّر هارييت رأيها بشأن الرحيل لذا استعجلهم
”هذه رسالة قبولكِ في دير سانت كلاريسا احتفظي بها جيدًا ولا تضيعيها رأيت الطباخ يجهّز فطوركِ لتأخذيه معك في العربة لا داعي لأن تظهري وجهكِ أمام الجميع”
”حسنًا”
”لا تسيئي فهم كلمات عمّكِ كل هذا لمصلحتكِ فتاة ناضجة تسافر وحدها ستصبح حديث الناس”
”نعم…”
راضٍ عمّا قاله، لم يكلّف جون نفسه عناء مواساتها أكثر وبحسب أوامره أخذ السائق أمتعة هارييت ووضعها في العربة كانت هارييت قد اختارت أكبر حقيبة سُمح لها بأخذها لكنها بدت أصغر من حقيبة رحلة تستمر أسبوعين رغم أنها احتوت كل ما تحتاجه لعام كامل
لم تحزم سوى بعض الملابس ثوبين للخروج بضع فساتين بسيطة وبعض ملابس النوم ولعلمها بأن شتاء الدير سيكون باردًا وضعت بعض الملابس الداخلية الثقيلة
’أحضرت أيضًا كل مجوهراتي… هل كان ذلك غير ضروري ؟’
لم تكن كثيرة فقط قبضة صغيرة لكن معرفتها بأنها تملك شيئًا يمكن تحويله إلى مال منحها قليلًا من الراحة
أخذت معها أيضًا صورة عائلية مؤطّرة ومسبحة ورثتها عن والدتها وزوجين من الأحذية لاستخدامها في الدير كل هذا كان كافيًا لملئ الحقيبة دون أن يتبقى مكان لمستحضرات التجميل أو الكتب
وبينما كانت تحدق في الحقيبة بقلق قال جون مجددًا
”توقفي عن المماطلة واصعدي!”
”نعم… أراك بعد عام إذن”
صعدت هارييت إلى العربة بخطى مثقلة ولم تدرك أن جون لم يرد على وداعها الأخير
⸻
”رئيسة الدير الآنسة هارييت ليسترويل التي قدّمت طلبًا للالتحاق بنا من المتوقع أن تصل هذا الصباح”
أفادت أغنيس
تنهدت كاثرين بعمق عند سماع الخبر ووضعت نظارتها على المكتب كانت يداها رغم جفافهما وتجاعيدهما قويتين وهي تعبث بسلسلة صلاتها بمهارة
”من المفترض أن تمكث لمدة عام أليس كذلك ؟”
”نعم إنها فترة طويلة لفتاة شابة تأتي إلى هنا من أجل ‘التأمل'”
ترددت أغنيس للحظة قبل أن تضيف
”من المحرج قول هذا لكن التبرّع الذي رافقها والمخصص لنفقات إقامتها خلال العام كان سخيًا جدًا”
تعمّق تجعّد جبين كاثرين عند ذلك
”لو لم تكن موارد الدير في حالة يُرثى لها لربما كنّا رفضنا زيارة غير مرحّب بها كهذه”
”حسنًا أؤمن شخصيًا أنه قدر من الله أن يُعرف ديرنا كمكانٍ تتطهّر فيه الفتيات من خطاياهن بفضل ذلك يمكننا أن نمد يد العون لمن يحتجن ونأوي البنات المُهملات”
أغنيس الشابة المخلصة حاولت النظر للأمر بإيجابية كان دير سانت كلاريسا مكانًا تسكنه الرهبات فقط ويقع بالقرب نسبيًا من مدينة جنوة ولهذا السبب أصبح ملاذًا مناسبًا للفتيات النبيلات اللواتي يسعين للابتعاد عن الأنظار تحت ذريعة التأمل بعد أن تورطن في فضائح
”لو أن الفاتيكان فهم وضعنا حقًا لما اضطُررنا لحمل لقب مخزٍ مثل ‘منفى الفتيات'”
نقرت كاثرين بلسانها ثم نهضت في كل مرة يُفرض على الدير أداء دور محطة غسل للفضائح، كانت كاثرين لا تستطيع كتمان غيظها من الفاتيكان
لماذا تحصل الأديرة الرجالية دائمًا على تمويلٍ كافٍ في حين تُعطى الأديرة النسائية نصف ذلك، مع أعذار مثل
”التبرعات هذا العام منخفضة” أو “أليست لديكم مشاريع تجارية في الدير؟”
وبينما كانت الأديرة الرجالية تنخرط في أعمال دينية كنسخ الكتب المقدسة أو رسم الأيقونات كان يُفرض على الأديرة النسائية أعمال دنيوية لا تمت للإيمان بصلة
في دير سانت كلاريسا كانت هناك مزرعة مليئة بأشجار الزيتون والنباتات العطرية كان الرهبان والراهبات يجنونها ويحوّلونها إلى منتجات تُباع
”كيف يُتوقع من راهبات يعملن طوال اليوم أن يجدن وقتًا لحفظ الكتب المقدسة أو دراسة اللاهوت ؟ ثم يتنمرون علينا أننا لسنا بمستوى الرهبان الذكور ؟”
التفكير في الأمر دائمًا ما كان يشعل غضبها لكنها إن عبّرت عن ذلك تُقابل بالتوبيخ وسؤالها عن قوة إيمانها
’الفاتيكان والأديرة الأخرى لها همومها لمَ تتوقعين معاملة خاصة لدير سانت كلاريسا ؟ هل صلّيتِ حقًا لله تطلبين حلًا ؟’
وبسبب هذا الاستياء المتنامي حصل دير سانت كلاريسا على تمويل أقل من الأديرة النسائية الأخرى كانت الرسالة الضمنية واضحة
“تخلّوا عن هذا الدير”
لكن كاثرين لم تستطع التخلي عن الفتيات والراهبات اللواتي يعتمدن عليها في ظل هذا الوضع كان من الصعب رفض التبرعات التي تأتي مع قبول “فتاة مُشكلة” لبضعة أيام
”ما نوع المصيبة التي تسببت بها الآنسة هارييت ليسترويل؟”
سألت كاثرين بنبرة شبه يائسة
أجابت أغنيس، وقد بدا الارتباك على وجهها
”يبدو أنها تُحدث فضائح كثيرة في الأوساط الاجتماعية بجنوة”
”هل هي فضيحة غرامية أخرى ؟”
”يبدو أنها تظاهرت بأنها ابنة عمها لتجذب الرجال تلك القريبة مشهورة بجمالها الساحر”
”همم…”
أطلقت كاثرين ضحكة قصيرة ساخرة لكن بدا أن إرسال فتاة إلى المنفى لعام كامل بسبب شيئ كهذا مبالغ فيه حتى الفتيات اللواتي يُضبطن مع خطيب صديقتهن لا يُحتجزن لأكثر من بضعة أشهر
”لابد أن هناك ما هو أكثر من ذلك”
”بالفعل المشكلة الحقيقية هي أنها في مأدبة الانتصار انها سرقت بروشًا يعود إلى دوق كايلاس وارتدته كما لو كان ملكها هذا ما أغضب الدوق”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"