كانت هارييت أول من تحدّثت. درسها سيدريك بعناية، ناظرًا إليها في ذهول، فمظهرها لا يشبه مظهر امرأة نبيلة على الإطلاق.
لم يفتح سيدريك فمه ليتكلم إلّا بعد أن نفد صبر هارييت.
“لقد سمعتُ الخبر.”
“ما الخبر؟”
سألت هارييت على الرغم من أنها كانت تعرف بالفعل. بدلاً من الرد بشكل مباشر، قال سيدريك شيئًا مختلفًا تمامًا.
“لم يكن ذلك نيتي، لكنني أشعر ببعض المسؤولية عما حدث. لذا، إن رغبتِ في أن تصبحي راهبة، فأنا على استعداد لتغطية رسوم الدراسة في المعهد اللاهوتي ونفقات المعيشة.”
“ماذا؟”
“إذا كنتِ تريدين أن تعيشي كشخص عادي فسأوفر لكِ صندوق تسوية بدلاً من ذلك، لمساعدتكِ في بدء حياتكِ الجديدة.”
حدّقت هارييت بنظرات فارغة في سيدريك، مذهولةً من هذا العرض غير المتوقع. لم يبد عليه أنه يسخر منها أو يضايقها، لكن كان من الصعب تصديق ذلك. فسألته مجددًا.
“هل أنتَ جاد؟”
“هل يمزح أحد بشأن أشياء مثل هذه؟”
“نعم.”
تمتمت هارييت في نفسها: “عمي فعل ذلك بالضبط.”
بالكاد استطاعت هارييت أن تبتلع الكلمات التي وصلت إلى حلقها، لكن سيدريك بدا وكأنه لاحظ الإحباط الطفيف على وجهها.
استعاد سيدريك رباطة جأشه بسرعة.
“أنا لا أمزح، ولكن هناك شرط.”
فكرت هارييت: “بالطبع، كان لا بد من وجود ذلك. ومع ذلك لم يكن هذه الشرط مهم على الإطلاق.”
“لا تذكري اسمي في أي مكان آخر، حتى في ضجة آخر لقاء لنا.”
“أوه.”
أومأت هارييت برأسها دون وعي قبل أن تطلق ضحكة صغيرة.
“هل هذا ما يقلقكَ؟ هل تخشى أن أتحدث عنكَ بسوء؟”
على الرغم من أن سيدريك عبّس قليلاً وضيّق عينيه، إلّا أن هارييت لم تشعر بالخوف على الإطلاق.
بما أن هارييت كانت مضطرة للعودة إلى جنوا قريبًا، أدركت أنها يجب أن تكون أكثر حذرًا. لكن بعد أن علمت هارييت مؤخرًا حقيقة وفاة والديها، شعرت بالتهور، وكأنها لن تخسر شيئًا.
“أُقدّر هذا العرض، لكنني سأضطر للرفض. لا تقلق، لن أُسيء إليكَ. لن أقول كلمة واحدة عنكَ.”
“هل أزعجكِ الشرط؟”
“إنه ليس أمرًا ممتعًا، ولكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يجعلني أرفض.”
اختفت الابتسامة من شفتي هارييت.
“لن أصبح راهبة. لماذا أفعل ذلك من أجل شخص آخر؟ لا، سأعود وأتأكد من…”
قبضت هارييت قبضتيها بقوة. لكنها لم تجرؤ على التلفّظ بكلمة انتقام بهذه الوقاحة. ففي النهاية، لم تستطع الوثوق بالرجل الجالس أمامها.
“حتى لو عدتِ إلى جنوا، فستظلين بحاجة إلى بعض المال للاستقرار.”
“سأتدبر أمري بالمال الذي أملكه الآن.”
“سيدتي.”
تنهّد سيدريك.
“إن السماح للكبرياء بالتدخّل في مثل هذا الوقت ليس خيارًا حكيمًا.”
أشعلت هذه الكلمات النار في عيني هارييت.
“لقد عشتُ بلا كبرياء حتى الآن. وانظر إلى أين وصل بي الأمر. لهذا السبب، حاولتُ التمسك به هذه المرة. ماذا، هل يبدو هذا سخيفًا بالنسبة لكَ؟”
حدّق سيدريك فيها بشدة، كان وجهه جامدًا. بينما التقت هارييت بنظراته دون تراجع في النهاية، كان سيدريك أول من أشاح بنظره.
“لم يكن قصدي جرح كبريائكِ. إن كنتِ مصممًة لهذه الدرجة، فلا أستطيع إجباركِ.”
لقد وقف سيدريك، وكأن كل أعماله في دير القديسة كلاريسا قد انتهت.
بعد أن غادر سيدريك، عادت هارييت إلى غرفتها وغطّت رأسها بالبطانية. لم تكن تفعل ذلك بدافع البكاء، بل لأن الجو كان باردًا. لقد ساعدتها الأكمام البالية التي أعطاها لها شخص ما في منع يديها من التجمّد، لكنها ما زالت لا تملك ما يكفي من الملابس الدافئة.
“لو احضرتَ معكَ وشاحًا أو قفازات، لكنتُ اخذتهما دون تفكير ثان.”
تذمّرت هارييت وهي تتشبّث بالبطانية باحكام.
فكرت هارييت: “لقد بادرتُ بشجاعة أمام الدوق لكن الحقيقة أن وضعي لم يكن على ما يرام. حتى من كان يحتقرني يومًا ما جاء ليُقدّم لي صدقة ماذا يعني ذلك؟ يجب أن يكون من المعروف الآن أن هارييت ليسترويل قد انتهت.”
قرّرت هارييت أن تكتب رسالة إلى عمتها الكبرى، تطلب الوصاية عليها: “لقد التقيتُ بها مرة واحدة عندما كنتُ أصغر سنًا… أتساءل عما إذا كانت “ستتذكرني؟”
الشخص الذي فكرت فيه هارييت لأيام وقرّرت في النهاية التواصل معه، هي الكونتيسة تريشيا فيلان كانت تلك المرأة ذات الإرادة الحديدية التي تولّت بمفردها زمام أمور عائلة فيلان، وهي أيضًا عمة هارييت الكبرى. ونتيجة لسوء صحة زوجها وربما ندرة الأطفال في سلالة فيلان، لم ينجب الزوجان أطفالاً، وتوفي زوجها منذ أكثر من عشر سنوات. في الماضي، كان اللقب ينتقل مباشرةً إلى أقرب قريب رجل بعد وفاة الزوج. لكن مؤخرًا، ظهرت حالات تُمنح فيها الزوجة زمام أمور الأسرة بعد وفاة زوجها، مما يسمح لها بالحكم كربة للأسرة حتى اختيار خليفة. تريشيا مثال على ذلك.
فكرت هارييت: “إن حقيقة أنني لا املك عائلة غيرها تعني أنني سأحتاج فقط إلى كسب ثقة العمة تريشيا.”
إقناع شخص واحد أسهل بكثير من إقناع عائلة بأكملها. لكن ثمة مشكلة: تريشيا معروفة بشخصيتها الصعبة. سرت شائعات بأنها بعد فقدان زوجها، ازدادت عنادًا وغرورًا، لدرجة أنها كانت تُغلق الباب في وجه الضيوف الذين يقطعون مسافات طويلة لزيارتها إذا لم يُعجبوها. كما قيل إنها كانت متقلبة المزاج وسريعة الإساءة للآخرين.
فكرت هارييت: “قد تحرق الرسالة بمجرد أن ترى اسمي.”
ومع ذلك، قرّرت هارييت الاتصال بها. أولاً بسبب ذكرى بعيدة من زمن بعيد.
[مرحباً، أنا هارييت ليسترويل. سعيدة جداً بلقائكِ يا عمتي الكبرى.]
[يا إلهي آرثر، أيها الوغد! كيف لم تعرفني على طفلة فاتنة كهذه من قبل؟ انظر إلى تلك العيون البراقة؛ لا بد أنها فتاة ذكية جدًا.]
في أول لقاء لهما، كانت تريشيا ألطف بكثير مما توقعت هارييت في الحقيقة. كان هذا كل ما تذكرته هارييت عنها تقريبًا، لكن كان عليها الاعتماد على تلك الذكرى وحدها.
نهضت هارييت من فراشها، وهي لا تزال ملفوفة ببطانية، وجلست على مكتبها، حيث كانت ورقة الرسائل والقلم ينتظرانها منذ الأمس. فركت يديها الباردتين بسرعة لتدفئتهما، ثم التقطت القلم. كان قرار كتابة الرسالة صعبًا، لكن كتابتها كانت سهلة.
(عزيزتي عمتي الكبرى تريشيا…)
اخذت هارييت وقتها، محاولةً أن يكون خطها أنيقًا قدر الإمكان. لم يكن بإمكانها أن تمنح أحدًا سببًا لانتقادها، حتى على شيء تافه كخط يدها. بدأت حديثها بتحية مهذبة، مُعربةً عن قلقها على صحة عمتها الكبرى، وهي في منتصف عمرها. كما ذكرت ذكرى قديمة لتذكر تريشيا بلقائهما القديم. لكن هارييت عرفت أنها إذا بالغت في الكلام، فسيبدو الأمر كما لو كانت تحاول خداعها. لذا توجّهت مباشرة إلى الموضوع.
(سمعتُ شائعات عني انتشرت في الأوساط الاجتماعية في جنوا. لو أن عمتي الكبرى الحكيمة سمعت هذه الشائعات لربما خمّنت سبب هذه الرسالة. سأكون صريحة، عمتي الكبرى، هل أنتِ مستعدة لأن تصبحي وصيةً عليّ؟ سنتان تكفيان.)
أكدت لعمتها الكبرى أنها لن تكون عبئًا عليها. كل ما تحتاجه هارييت هو الطعام والمأوى وطريقة للعودة إلى المجتمع. لم تكن تريشيا بحاجة إلى بذل أي جهد لفعل أي شيء من أجلها. وبطبيعة الحال، حتى مثل هذا الطلب قد يترك انطباعًا سيئًا.
فكرت هارييت: “ابنة أخيها التي وصلت سمعتها إلى الحضيض بسبب فضيحة تكتب فجأة رسالة مثل هذه… معظم الناس سوف يصابون بالصدمة. أو ربما سيشفقون عليّ. على أي حال، كنتُ أتوقّع الإجابة قريبًا. إذا رفضت عمتي تريشيا، فسوف أسأل عمي جيريمي ودانيال. إذا رفضوا طلبي، سوف أسأل أقارب والدتي.”
سبق أن رفضها أعمامها خوفًا من استياء عمها جون. كانت عائلتهم بعيدة عنها جدًا بحيث لا يريدون منها الاعتماد عليهم، لكن لم يكن أمامها خيار آخر سوى المحاولة.
فكرت هارييت: “كل ما عليّ أن أفعله هو أن آمل أن يساعدني شخص ذو قلب طيب، حتى لو كان ذلك على مضض.”
التفكير في أقارب تكاد لا تعرف أسماءهم، جعل هارييت تدرك مدى خطورة وضعها. للحظة تساءلت إن كان عليها أن تتخلى عن كبريائها وتقبل عرض سيدريك.
لكن هارييت هزّت رأسها: “إذا أخذتُ هذه الأموال، فلن أتمكن أبدًا من رفع رأسي أمامه. لم أُرِد أن أمضي حياتي منحنيةً رأسي لأحد مرة أخرى. ففي النهاية، لطالما رضختُ لعمي، الذي وعدني بمهر لكنه احتقرني. كان هذا كافيًا. سأجد حلاً بطريقة ما. وإذا رفضني الجميع… سأذهب إلى هناك وأتوسّل.”
طوت هارييت الرسالة ووضعتها في ظرف، مصممةً على فعل أي شيء، حتى لو تطلّب الأمر التخييم أمام منزل أحدهم لأيام. كان غدًا الوقت الأمثل لإرسالها، فعربة البريد على وشك الوصول.
استمرت أجواء أسبوع المهرجانات المفعمة بالحيوية والنشاط حتى الأسبوع الأول من العام الجديد. خلال هذه الفترة، زار الناس أقاربهم، وعقدوا لقاءات صغيرة مع الأصدقاء، وتبادلوا البطاقات والرسائل للاطمئنان على بعضهم البعض. كانت خدمة البريد مشغولة بشكل خاص خلال هذه الفترة حيث قام بفرز جميع بريد العيد.
في منزل فيلان، كان كبير الخدم أندريه يفرز مجموعة من الرسائل التي سلّمها عامل البريد، ليُقرّر أي منها سيعطيها لسيدته وأي منها يستطيع التعامل معها بنفسه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات