كانت لازيل تتمنى لو استطاعت أن تمسك بأطراف ثيابهم وتترجاهم ألا يرحلوا.
(“هاه… أليس من المفترض أن يبقى واحد أو اثنان على الأقل…؟”)
تحقّق كايلو من أن الباب قد أُغلق، ثم تقدم نحوها بخطوات واسعة.
ارتجفت لازيل قليلًا وهي تحدّق به. كان ضخم الجثة، ومع ذلك لم يُحدث اقترابه أي صوت، وكأن الهواء نفسه لم يجرؤ على لمس جسده. وكأنه فعل ذلك ألف مرة من قبل، وقف خلفها ومدّ يده نحو ظهرها.
وحين أدركت لازيل ما ينوي فعله، سارعت تقول بصوتٍ مرتجف:
“ا، انتظر لحظة فقط… يمكنني أن أفعله بنفسي…”
لكن كايلو لم يتوقف. بل أمسك الشريط المفكوك عند ظهرها وجذبه بقوة.
في لحظةٍ ضُيِّق صدر ثوبها فجأة، فانتصب ظهرها واستُخرجت أنفاسها من صدرها مع أنينٍ قصير.
“آه…!”
“أتظنين أنني لا أعرف مدى قلة مرونتك؟”
صوته البارد كان يحمل ظلاً من سخرية خفيفة.
التقت عينا لازيل بعينيه عبر المرآة أمامها.
رأت في انعكاس الزجاج ابتسامة خافتة ترتسم على فمه الصارم بينما ينحني نحوها.
اقترب جسده المتأنق بثياب الخروج منها، حتى شعرت ببرودة خده الذي يحمل رائحة الشتاء عند أذنها.
ارتعشت لازيل حين لامستها تلك البرودة، وراقب كايلو كل ردّة فعل صغيرة منها من خلال المرآة بدقة تكاد تكون قاسية.
“يبدو أنك قضيت الأسبوع الذي غبت فيه بخير… ملامحك أفضل مما كانت.”
ارتفعت يده ببطء، تحيط بخدها وذقنها.
وحين أمسك وجهها لم تجد مهربًا من نظراته المنعكسة في المرآة.
عيناه كانتا تطلبان منها إجابة صامتة.
فتحت لازيل شفتيها بصعوبة، لا تعرف أي إجابة ينتظرها منها، فاضطربت طويلًا بين الخوف والحيرة قبل أن تقول بصوت خافت:
“فقط… عشت. لا أقول أنني كنت بخير، ولا أنني كنت سيئة… مجرد عيش لا أكثر.”
“مجرد عيش؟ هكذا تصفين مشاعرك تجاه من هو زوجك؟ مؤلم سماع ذلك.”
كلما انخفض صوته بالقرب من أذنها، تسلّل البرد إلى عظامها.
“مشاعر…؟” تمتمت هي بارتباك.
“قطعة نقد ذهبية واحدة.”
“ماذا؟”
“كما كنتِ تتفضلين عليّ، أردتُ أن أردّ لك المعروف بالمثل.”
لم تقل شيئًا. ترك يده التي كانت تشدّ الشريط تنزلق ببطء، ثم لامست أصابعه ظهرها الأبيض الرقيق.
شعرت لازيل بثوبها وقد أصبح أوسع قليلًا، فتصلّب جسدها.
“هذا الثوب، والطعام الذي كنتِ تشتهينه وتأكلينه حتى الشبع… كلها صدقة منّي، كما يُعطي الغنيّ الفقير ثيابه ومأواه.”
كانت كلماته هادئة، لكنها مغموسة ببرودٍ قاسٍ جعل عيني لازيل تضطربان. وثقل في صدرها شيء أشبه بالحجر.
“أنـ…”
همّت أن تعتذر، لكن أصابعه التي تسللت على امتداد عمودها الفقري أسكتتها.
كانت يداه باردتين كما لو أنه عاد للتو من الخارج، فارتجفت، وخرجت منها أنّة خافتة، فسارعت إلى إغلاق فمها بإحكام.
حينها فقط، أبعد كايلو يده عن بشرتها وأعاد الإمساك بالشريط.
“أتظنين أن ما أريده منك هو مجرد اعتذار؟”
“إن لم يكن الاعتذار، فماذا إذن؟ ماذا يمكن أن يكون أثقل من ذلك؟”
“أريد ما هو أكثر من ذلك… منك.”
أرادت أن تسأله ماذا يقصد، لكنه قطع عليها السؤال قبل أن ينبثق من لسانها، بصوتٍ حاسمٍ لا يقبل الرد:
“ما هو ذلك الشيء، عليكِ أنتِ أن تكتشفيه.”
ثم ترك وجهها لينزل بيده حتى يحيط بخصرها.
انفصل خدّه الذي استمدّ دفئه من بشرتها عنها، وسقط نظره من المرآة إلى ظهرها.
بمهارةٍ صامتة، أعاد شدّ رباط الفستان وربطه بإتقان، وكأن الأمر عادةٌ يومية بينهما لم تتغير رغم المسافة التي مرّت.
ردّدت لازيل كلماته في ذهنها ببطء.
(“…لا أفهم. ما الذي يريده كايلو مني بالضبط؟”)
كانت تخشاه، لأنها لا تعرف ما قد يفعله.
لكنها، وهي التي دمّرت حياته ذات يوم، كانت تعرف أن عليه أن يكرهها… وأن عليها أن تتحمّل حقده وكراهيته، مهما اتخذت من شكل—حتى لو كان طعنةً في قلبها أو دوسًا على روحها.
(“…يجب أن أعرف ما الذي يريده. هذا هو السبب الوحيد لبقائي حيّة.”)
ربما كي تعرف ما يريد، يجب أن تعتاد أولًا على كايلو الذي عاد مختلفًا عن ذي قبل.
ارتجفت شفتاها المرتبكتان قبل أن تنطق أخيرًا:
“سمعتُ أنك كنت في العاصمة الملكية… لأي أمرٍ غبتَ أسبوعًا كاملًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 8"