3
“أ-أنا أسأتُ الفهم… أليس كذلك؟”
“…..”
“آه، هل أنتَ ثمل؟ يبدو أنكَ شربتَ كثيرًا.”
“…..”
“والأميرة أيضًا… لا أصدق أنها تتصرّف بلا مبالاةٍ هكذا. لا بد أنها أحبّتكَ كثيرًا، فابيان. أليس هكذا يحصل المرء على وظيفةٍ في العائلة المالكة؟ هاهاها…”
ظل فابيان صامتًا بينما كانت رييلا تتحدث بلا معنى وتضحك قسرًا.
بدأ الصمت يخنق رييلا شيئًا فشيئًا، حابسًا أنينها في داخلها. لم تستطع إلّا أن تبكي بقلب مُنهار.
“فابيان، من فضلك قل شيئًا، حتى لو كان عذرًا.”
“رييلا.”
عندما تحدّث فابيان أخيرًا، عادت ذاكرة رييلا إلى اللحظة التي التقيا فيها لأوّل مرّة.
«رييلا! رييلا! يا له من اسمٍ جميل!»
قبل ست سنوات…
أحبّت رييلا فابيان منذ ذلك اليوم الذي اقترب فيه منها ذلك الصبي الصغير ذو الشعر البني المتشابك والعينين اللطيفتين، والذي كان في مثل عمرها، وتحدّث إليها لأوّل مرّة.
في شوارع الموت التي اجتاحها الطاعون، كان الشيء الوحيد الذي تتذكّره رييلا الصغيرة هو اسمها. ومع ذلك، كانت فخورةً وسعيدةً لأن ‘رييلا’ كان الشيء الوحيد الذي تملكه.
لأن فابيان قال إن الاسم جميل.
«رييلا، تعالي معي! سأكون صديقكِ!»
فابيان، الذي نطق اسمها، كان مثل لحن أغنية حب. شفتاه المستديرتان، صوته الناعم، وصداه الدافئ… كل ذلك جعل رييلا سعيدةً دائمًا.
ظنّت رييلا الصغيرة حقًا أن هذا يكفيها.
كانت متأكدةً من ذلك.
«رييلا، أنتِ أغلى شيءٍ في العالم بالنسبة لي.»
كلمات فابيان العذبة كانت نفسها حينها والآن.
“رييلا، أتمنى لكِ السعادة بصدق. ألا تريدينني أن أكون سعيدًا أيضًا؟”
لكن لماذا يؤلمها قلبها اليوم عند سماع هذه الكلمات وكأنه يتمزّق؟
“أريد فقط منكِ أن تهنّئيني.”
“فابيان، لا أفهم ما تعنيه …”
“قالت الأميرة إنها تحبني… وقلبي يشعر مثلها.”
كأن السماء سقطت.
لأن فابيان كان العمود الذي يحمل عالم رييلا. ولذلك، كان من الطبيعي أن تسقط السماء في عالمٍ انهار عموده.
“نحن سنذهب إلى القصر الملكي معًا.”
لكن ‘نحن’ التي تكلم عنها فابيان لم تكن تشمل رييلا.
أصيبت رييلا بالذهول، وعقلها توقّف عن العمل.
“لا تمزح! ستذهب إلى العائلة المالكة مع الأميرة… كيف…؟”
“….”
“أنا… ماذا عني…؟”
عادةً، في مثل هذه المواقف، يسبّ الشخص الآخر أو يصفعه.
لكن رييلا لم تستطع فعل أيّ شيء. لم تتخيّل أبدًا أنها ستكون بطلة مأساةٍ كهذه.
“لقد وعدتَني… عندما تنتهي هذه المهمة، سنكون معًا لبقية حياتنا… لقد أقسمتَ لي!”
“لا شيء تغير، رييلا. سأظل بجانبكِ دائمًا… كـصديق.”
“ما الذي تتحدث عنه؟ هذا ليس ما قلتَه!”
كان الأمر محيّرًا ومجنونًا إلى حد الجنون. يقول إنه يحبّ الأميرة، لكنه سيبقى بجانبها؟
“فابيان، كيف تقول لي هذا… توقف عن المزاح!”
انفجرت رييلا في البكاء.
تتوسّل للشفقة دون حتى استخدام منطق. تبكي وتصرخ. إنه أكثر سلوكٍ مكروهٍ في العالم، لكنها وجدت نفسها تفعله.
على الرغم من معرفتها بذلك، فإن المشاعر التي لا تستطيع السيطرة عليها تدفّقت كالفيضان. كانت هذه أوّل مرّةٍ تهاجم فيها فابيان وهي تصرخ هكذا.
“رييلا! فابيان! ما الذي يحدث بحق الجحيم؟!”
بعد وقتٍ قصير، هرع زملائهم. اقتربوا منها، ورائحة الكحول تفوح منهم. عندما لاحظوا الاضطراب، أبعَدوا رييلا عن فابيان.
ازداد حزن رييلا عندما لمسها زملاؤها.
كان فابيان ورييلا دائمًا زوجًا واحدًا منذ أن كانا بحجم الأرانب.
لم يُعلِنا حتى عن خطبتهما، لكن الجميع عرف أن بينهما علاقةٌ خاصة.
لذلك، توقّعت رييلا بشكلٍ طبيعيٍّ أن زملاءها سيكونون في صفها.
“كيف تخونني بعد كل هذه السنوات من الثقة؟”
توقّعت أن يوبّخوا فابيان.
لكن…
“رييلا، لماذا لا تتركين هذا الموضوع؟ لن يتغيّر شيء.”
“نحن جميعًا مثل العائلة. إذا أراد أحد أفراد عائلتكِ أن يحصل على فرصةٍ جيدةٍ ويسير في طريق النجاح، أليس من المنطقي أن تدعميه؟”
كان رد فعل زملائها غير متوقعٍ تمامًا.
“هل تقولون إنني … مخطئة؟”
أصيب عقل رييلا بالفراغ. حتى أنها تساءلت إذا كان هذا حلمًا. لكن ردّ فعل زملائها ظلّ كما هو.
“إذن مَن المخطئ؟ فابيان؟ ماذا تريدين منا أن نفعل؟ سموّ الأميرة تحبّه، هل تريديننا أن نرفضها؟ هل تعتقدين أن هذا ممكن؟”
“بالصدفة، هل تزوّجتم رسميًا؟ هل لديكم أطفال؟ بين شابٍّ وفتاة، قد تتغيّر الأمور.”
‘هذا ليس صحيحًا.’
بغض النظر عن مدى محاولتها الفهم، لم يكن الأمر منطقيًا.
إما أن العالم انقلب رأسًا على عقب دون أن تدري، أو أن زملاءها الذين كانوا يمزحون معها ومع فابيان قبل وقتٍ قصير تغيّروا بين عشيّة وضحاها.
‘الآن عندما أفكر في الأمر…’
حتى أنها وجدت الأمر مضحكًا عندما حسبت التواريخ.
ألم يتوقّف زملاؤها الذين كانوا يمزحون معها كلّ يومٍ عن كلماتهم وأفعالهم المؤذية في وقتٍ ما؟
كان ذلك منذ شهرٍ تقريبًا…
في الوقت الذي قَبِل فيه فابيان هذه المهمة لأوّل مرّة.
في ذلك الوقت، بدأت رييلا تشعر بأنها غريبةٌ في المجموعة. عندما تقترب من زملائها، الذين كانوا ودودين للغاية، يصمتون فجأةً بغرابة، أو يحوّلون نظرهم ويغيّرون الموضوع.
ظنّت أن الجميع كان متوترًا لأن فابيان كان يعمل على مهمةٍ كبيرة، لكن الأمر لم يكن كذلك.
“الجميع… كان يعلم.”
الراتب الضخم الذي كانوا على وشك الحصول عليه كان مقابل جعل فابيان يبتسم للملكة.
عرف زملاؤها كلّ شيء.
كانوا يستعدّون للتخلّي عن رييلا منذ ذلك الحين.
“رييلا، نعرف كيف تشعرين. قد تشعرين أن هذا ظلمٌ الآن، لكن إذا فكّرتِ جيدًا، فهو صفقةٌ جيدةٌ لكِ.”
“نعم، تذكّري وعد الأميرة! خاصةً لكِ، قالت إنها ستمنحكِ مكافأةً أفضل.”
‘نعم، في مقابل أخذ الشيء الوحيد الذي أملكه في العالم … الشيء الذي يعني لي كلّ شيء.’
لم يكن لدى رييلا حتى الطاقة لتبصق الكلمات التي احتشدت في حلقها.
بدا جميع زملائها قلقين. لكنهم لم يكونوا قلقين عليها، بل خائفين من أن تسبّب فوضًى وتفسد الأمور.
‘ظننتُ أنهم زملائي… ظننتُ أنهم عائلتي.’
هل كان كلّ ذلك وهمًا؟ هل كانت مجرّد حمولةٍ زائدةٍ يمكن التخلّص منها عند الحاجة؟
خيانة زملائها آلمتها، لكن الأسوأ كان إدراكها أن فابيان كان أوّل مَن خانها.
“رييلا، لا تذهبي، استمعي إليّ أكثر. حسنًا؟”
“اتركني!”
“أرجوكِ… ماذا سأفعل إذا تركتِني هكذا؟”
‘ماذا تقصد؟ أنتَ مَن تركني أولاً!’
نظرت رييلا إلى فابيان في حيرة. بدا مثيرًا للشفقة، وكأنه هو الذي تُرِك وتمّت خيانته.
عيناه اللطيفتان، اللتان حاولتا إلقاء كلّ الذنب عليها، جعلتاها أكثر حزنًا.
لم تتخيّل رييلا أبدًا أن اليوم سيأتي الذي تبدو فيه عينا فابيان الخضراوان الجميلتان مروّعتين بهذا الشكل.
لم تعد تستطيع رؤيته.
ما زالت لا تصدّق أن هذا اليأس هو واقعها، ولا تعرف كيف تتخطّاه، لكنها هزّت يد فابيان بعيدًا على أيّ حال.
“إلى أين تذهبين؟ ليس لديكِ مكانٌ آخر، ستعودين قريبًا، أليس كذلك؟”
صدى صوت فابيان بينما كانت تبتعد. لكن، على الرغم من كل هذه الضجة، لم يجرِ فابيان ليمسك بها أو يعترض طريقها. ولا زملاؤها أيضًا.
كان الجميع واثقين أن رييلا، التي لا مكان لديها لتذهب إليه، ستعود في النهاية.
غير مدركين أن قناعاتهم الغبية ستجلب لهم المتاعب في المستقبل.
***
على الحدود الشرقية لمملكة ليوتا…
كانت قرية دييتّا قريةً هادئةً محاطةً بجبالٍ وعرة. نادرًا ما يُرى فيها غرباء، لكنها احتوت على جمالٍ غير متوقع. نهر لي دير، الذي تشكّل من مياه جبال ديرسن، كانت مياهه صافيةً وعميقة، لدرجة أنه في الليل يلمع وكأنه يحتوي السماء بأكملها.
وهناك، عند لي دير، كان الرجل.
كان غريبًا.
لم يكن الأمر فقط لأنه غريب، بل النبل والرهبة اللذان يشعان منه من رأسه إلى أخمص قدميه أعطاه حضورًا مختلفًا عن الآخرين.
كانت انطباعات الناس عنه متناقضة.
شعره الفضي الذي يحتفط بلمعة القمر، حاجباه المتناسقان… يبدو كنبيلٍ من عائلةٍ قوية. لكن عينيه الباردتين تحت الرموش الطويلة كانتا حادّتين كعينَي وحشٍ بري.
من الطبيعي أن يجذب مثل هذا الرجل الانتباه وهو جالسٌ على ضفة النهر بلا مبالاة، يشرب من زجاجة نبيذٍ رخيصة.
كلّ مَن مرّ بجوار لي دير حدّق فيه إما خلسةً أو بفضول. لكنه لم يكترث.
كان ذلك الرجل، هيرمان، يحدّق في شيءٍ واحدٍ فقط.
في البداية، كان الأمر مملًا.
«لا تشرب الكحول، ولا تذهب في المهام، سيهتمّون بكلّ شيء، فقط ابق ساكنًا، سيدي.»
لكن هيرمان خرج في نزهةٍ متعمّدًا هربًا من إلحاح مساعديه.
في موقفٍ ليس فيه أحدٌ ليشاركه الشراب، ولا أحدٌ ليمزح معه…
ثم لاحظ المرأة على الجانب الآخر من النهر.
مثله تمامًا… لا، غريبةٌ أخرى تتجوّل بجانب النهر بخطواتٍ غير ثابتةٍ أكثر منه.
وكأنه القدر، استولى شكلها البعيد الذي التقطه بنظره على كل عقله.
كانت تتمايل كزهرةٍ معلّقةٍ على حافة جرف.
شعرها الأحمر الذي تموّج في رياح النهر كان كاللهب.
لهبٌ على وشك الانطفاء، يحترق بقوّته الأخيرة.
‘إنها تبكي.’
على الرغم من بعدهما، بدا لهيرمان أنه يستطيع رؤية وجهها.
وجهٌ يائس، كأنها على وشك ارتكاب حماقة.
لم يكن المشهد مناسبًا للشرب. ومع ذلك، لم يستطع هيرمان أن يحوّل عينيه عنها.
لسببٍ ما، تساءل إذا كان مظهره يشبه مظهرها.
في تلك اللحظة، وضع زجاجته جانبًا بمرارة.
“…!”
فجأة، رمت المرأة نفسها في الماء كزهرةٍ تسقط.
اتسعت عينا هيران.
بعد ثوانٍ، سمع صرخة مكتومة:
“وااه! هناك امرأةٌ سقطت في النهر!”
لكن الصرخة تبعها صمت.
لم يتحرّك أحد.
التفت هيرمان بلا تعبير.
‘هذا ليس من شأني.’
من الناحية الفنية، لا يجب أن يتدخّل في أيّ شيء.
لكن…
أزعجه انعكاس القمر على الماء.
كان سطح الماء هادئًا، وكأن لا أحد هناك…
هذا يعني أنها لم تحاول حتى النجاة.
“لقد قفزت باختيارها…”
همهم هيرمان بتنهّدٍ عميق.
كان يعرف جيدًا أن لا أحد يرغب في الموت حقًا، حتى أولئك الذين يبكون ويسرعون نحو نهايتهم.
لقد عاش هو نفسه مطاردًا بالموت يومًا بعد يوم.
كان ذلك كافيًا ليجعله يستسلم لحياته الملعونة.
خاصةً في يوم مثل هذا، حيث طعم الكحول كان سيئًا للغاية.
قام هيرمان فجأةً واقفًا.
ما إن قرّر، حتى تحرّك بلا تردّد.
قفز إلى النهر، وأخرج المرأة قبل أن تفقد وعيها تمامًا.
ثم نظر إلى الحشد الغريب الذي تجمّع حوله.
“ما زالت تتنفّس، لكنها بحاجةٍ إلى الدفء. هل هناك أيّ شيءٍ يمكن استخدامه كبطانية؟”
لكن الناس كانوا مجرّد متفرجين.
رفع هيرمان رأسه نحوهم بوجهٍ مذهول.
“أليس هناك أيّ شخصٍ هنا يعرف كيف يتكلّم؟ أم أنكم جميعًا صُمّ؟”
تساقطت قطرات الماء ت من شعره كالجواهر وهو يحمل المرأة التي تتدلّى كزهرةٍ ذابلة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 - غـريبـان 2025-07-24
- 2 - المـرأةُ التـي تبـتسمُ مثل الشّـمس 2025-07-24
- 1 - عـودة النّـعمة 2025-07-24
التعليقات لهذا الفصل " 3"