1
ملأت مئات العيون القاعة، كلّها مركّزةٌ على رييلا على المنصّة. تحت نظراتهم الحادّة والمستمرّة، ارتعدت رييلا وهي تطلق زفيراً مرتجفاً.
“لا داعي للقلق.”
في تلك اللحظة، لفّ هيرمان ذراعيه حول كتفي رييلا.
“سأتعامل مع الأمر. كلّ ما عليكِ هو أن تفعليه هو أن تنظري إليّ.”
صوته كان خشنًا وجافًّا بجانب أذنها. صدّقته رييلا. كان سيتأكّد من أن لا أحد في هذه القاعة يجرؤ على لمس حتى شعرةٍ واحدةٍ من رأس رييلا.
لكن هذا جعلها أكثر خوفًا. كانت تعرف جيدًا إلى أيّ مدًى يمكن أن يصل هيرمان إذا فقد عقله.
سرعان ما صعد شخصٌ عجوزٌ بلحيةٍ بيضاء إلى المنصة.
تحوّلت أنظار قادة العالم، وكهنة المعبد، وأصحاب القُوى المجهولة من رييلا إلى الشيخ العجوز. بعيونٍ مختلفة الألوان وبشراتٍ متنوعة، كلٌّ منهم برفقة مترجمٍ وخدم، تومض منهم حِدّة اليقظة.
“لقد اكتملت جميع إجراءات التقييم.”
عند إعلان الشيخ، ساد الصمت القاعة بأكملها. بينما يخيّم التوتّر الثقيل على رؤوس الجميع.
“نتائج التقييم …. لرييلا بلينيت… إنها قديسة! من نسل آن الواضح، وتحمل صفات المُخلِّص الأعلى!”
تاك! تاك! تاك!
أصدر الشيخ صوت ضربٍ مبتهجٍ بعد انتهاء التقييم، وهو يضرب بعصا الحُكم. كانت كتفيه مرفوعتين بفخر، مثل جزّارٍ يتباهى بأفضل قطعة لحمٍ في السوق.
“نعمة الإله عادت بعد مئة عام.”
انطلق صوت إعجابٍ من اليسار. بعضهم ضحك، وبعضهم بكى، والبعض الآخر سجد في صلاةٍ شاكرًا مشيئة الإله.
صدى الضجيج ارتفع نحو السقف العالي. المعركة على القديسة قد بدأت. كانت تلك اللحظة التي تحوّل فيها المعبد النبيل إلى حلبة مصارعة.
“سآخذها مقابل 100 مليون بير!”
“20 ألف شلن! ماذا عن استبدالها بمنجم الذهب الملكي الخاص بنا؟”
في خضّم هذا الهَرَج، صعد رجلٌ إلى المنصة. كان ذلك الرجل الذي رفع ذقنه بتعالٍ منذ قليل، والذي كان يرمق رييلا بشغفٍ طوال الوقت.
“اهدأوا جميعًا! هل نسيتُم اتفاقية الكونفدرالية القارّية؟”
ما رفعه الرجل كان ورقةً قديمة. وكأنها وصيّةٌ إلهية.
“مكتوبٌ هنا بوضوح! وفقًا للاتفاقية، القديسون، خاصّةً المُخلِّصون الأعلى، يخضعون لإدارة الكونفدرالية، ولجميع أعضاء الكونفدرالية حقوق مُلكِيّةٍ مشتركة. هذا يعني أنه ليس علينا القتال فيما بيننا.”
عندها، أغلق أولئك الذين رفعوا أصواتهم وخاضوا النزاع أفواههم.
‘لا أعرف إذا كان ذِكر الاتفاقية سينجح، لكني اعتقدتُ أن مشاركتها مع العالم أفضل من التصارع على القديسة الوحيدة.’
“جلالتك، عليكَ تسليم الآنسة هنا.”
ابتسم الرجل ابتسامةً شريرةً وهزّ رأسه.
في تلك اللحظة، تحرك هيرمان. خلع عباءته ولفّها حول رييلا، ثم استدار وتقدّم بهدوءٍ نحو الرجل.
حبست رييلا أنفاسها خلفه.
“لا تقلق، جلالتك. وفقًا لعهد الأسلاف، ستحظى الآنسة بلينيت برعاية الكونفدرالية من الآن فصاعدًا—”
قبل أن يُكمِل الرجل كلامه، ضربه هيرمان بذراعه التي تحمل سيفًا. تناثر رذاذ الدم الأحمر في مسار الضربة.
سقط الرجل وهو يتأوّه، ما زال ممسكًا بالاتفاقيّة القديمة.
انطلقت الصرخات الحادّة من السيدات النبيلات اللاتي شهدن المشهد، بينما بدأ الرجال يبحثون عن سيوفهم لحماية أنفسهم.
تحت المنصة، تحوّل المكان إلى فوضًى في لحظة.
“هذا مكانٌ مثيرٌ للاهتمام. الذين كانوا ذات مرّة مجموعة مجرمي الحرب المهزومين، يُشكّلون الآن كونفدرالية، أتعامل امرأة الإمبراطور كسلعةٍ وتودّون شراءها؟”
قال هيرمان بصوته البارد.
كما قال، تصلّب كلّ من أراد ‘شراء’ رييلا ونظر إلى الآخرين بعيونٍ مرتجفة.
“هل لدى أيٍّ منكم نكتةٌ أكثر إضحاكًا؟”
كانت عيون هيرمان مُحمَّلةً بالجنون الأزرق وهو يمسح بنظره الحشد.
أحاط الصمت العظيم القاعة. حتى أولئك الذين كانوا يصرخون ويتقاتلون قبل قليل، أصبحوا يغطّون أفواههم خوفًا من أن يُسمَع حتى صوت أنفاسهم.
“جلالتك …! نرجو أن تهدأ. هذا المعبد المركزي.”
“أوه. للحظة ظننتُ أنه وكر لصوص.”
لم يُجِب الشيخ المحمرّ بشيء، بل ارتعش.
“لا أستطيع تحمّل طريقة جرأتهم للتطلّع إلى كنزي.”
“ها، لكن جلالتك، القديسون مُختارون من الإله…!”
“وما المشكلة؟ هل هناك شيءٌ هنا، على هذه الأرض، ليس مِلكي؟”
على المنصّة التي أصبحت بحرًا من الدم، كانت أوراق الاتفاقية الممزّقة تتطاير في الجو.
في تلك اللحظة، فارق الرجل الذي قطعه هيرمان الحياة، بينما تراجع الشيخ الذي خاطر بحياته مغمضًا عينيه في النهاية.
فتح هيرمان فمه مخاطبًا الحشد.
“أُعلِن ذلك رسميًا. ليُعلم الجميع أن رييلا بلينيت هي امرأتي، هيرمان لينهارت فون بيلسباخ. استجبتُ لاستدعائكم اليوم لتبليغكم هذه الكلمات. هذا هو التحذير الأخير الذي سأقدّمه لكم. إذا كان هناك مَن لا يزال طامعًا بمَن يخصّني، فليستعد للحرب.”
كان صوت خطوات هيرمان وهو يدوس على الدماء عائدًا إلى رييلا الصوت الوحيد المسموع. ولا حتى صوت إبرة.
“لنذهب، رييلا.”
هيرمان الذي عاد أخيرًا إلى مكانه، كان لطيفًا كما لو أنه لم يفعل شيئًا للآخرين.
“لا تقلقي. يمكنكِ رفع رأسكِ الآن.”
داعبت يده الساخنة خد رييلا. بلمسةٍ حذرة، كما لو كان يعامل كنزًا ثمينًا لا يجب حتى لمسه، رفعت رييلا رأسها ببطء. طانت عينا هيرمان الداكنتان ممتلئتين بانعكاس صورتها كالمرآة.
“تمسّكي بي. لا تدعي الدم القذر يلوّث قدميكِ.”
اتكأت عليه، فرفعها برفق.
بينما كان يخطو بهدوءٍ نزولًا من المنصة، تذكّرت رييلا فجأةً الليلة الأولى التي حملها فيها هيرمان.
‘أشعر بالدوار.’
على الرغم من كلّ اللحظات التي قضتها معه، لمسة جسده ما زالت تجعلها تشعر بالدوار.
***
في أحد أيام الخريف الدافئة، ابتسمت رييلا على اتساعها. على مدى السنوات القليلة الماضية، لا، منذ ولادتها، لم تبدُ أبدًا بهذا القدر من الإثارة.
“ما رأيكَ بهذا الزي؟ أم أن هذه الملابس أفضل؟”
“لا أعرف. البسي أيّ شيء.”
“العم كارل! لا تكن هكذا، انظر جيدًا!”
“حسنًا، قلتُ لا أعرف، لا أريد!”
على الرغم من ردّ كارل المتجاهل، لم تعبس رييلا. بل ضحكت فقط وهي تقول.
“يبدو أن العم كارل متوتّرًا أيضًا! ليس كالمعتاد!”
في تلك اللحظة، اقترب هانك، الذي كان يرمقها بنظراتٍ غير وديّةٍ منذ قليل.
“يا صغيرة! ما هذا الهراء الذي تفعلينه؟ هل تريدين أن تبدي جميلةً أمام العميل؟”
‘لماذا يهتم كثيرًا؟ عجوزٌ غاضب.’
“مَن قال إنني أفعل هذا لأبدو جميلةً أمام العميل؟”
‘أنا أفعل هذا لإبهار فابيان.’
برطمت رييلا شفتيها وكتمت الكلمات الأخيرة. شعرت بالحرج من ذكر فابيان، وأيضًا لأنها لا تريد أن تفسد مزاجها الجيد بالثرثرة.
كرانش!
أحبت الشعور بأوراق الشجر تتكسّر تحت قدميها. كانت رائحة الخريف الممزوجة بالتربة دافئة، والخيام ونيران المخيم المنتشرة فوقها كانت مريحة.
كانت هذه الغابة مكانًا جميلًا للغاية.
عادةً كانت تشعر بالتعب من التخييم أثناء المَهمّات. كانت خيمتها قديمةً وضيّقة، لكن اليوم بدا كلّ شيءٍ حزينًا بشكلٍ خاص.
‘أعتقد لأنها المرّة الأخيرة.’
بعد أن التقطها هانك وهي طفلة، انضمّت رييلا إلى فرقة المرتزقة الخاصّة به وتجوّلت في البلاد.
ما يُسمّى بمرتزقة هانك لم يكونوا سوى مجموعةٍ من الرجال الذين ينفّذون مهام تافهةً لأحد النبلاء الأثرياء.
لم يكن مفاجئًا أن يكون أجرهم ضئيلًا. بالإضافة إلى ذلك، كان الرجال فظّين جدًا لتربية فتاة، وكانت رييلا زهرةً حسّاسةً جدًا لتكبر بينهم.
كانت هناك ليالٍ كثيرةً بكت فيها رييلا حتى نامت بعد تعرّضها للإساءة والأذى. كانت قصّةً مؤسفةً تبدو وكأنها تحدث في كلّ مكان.
لكن رييلا لم تعتبر نفسها تعيسة. لأنه كلّما عانت، كانت هناك روعةٌ تفوق معاناتها بجانبها.
‘فابيان.’
فابيان، العضو الوحيد في فرقة المرتزقة الذي كان صديق رييلا الأول وعائلتها، حبيبها، وكلّ شيءٍ في حياتها.
كان فابيان يعيد نفس الكلمات كلّما عزّاها بعد إساءة هانك.
«رييلا، سأجعلكِ سعيدةً حتمًا. إذا جنيتُ المال وخرجتُ من هنا، سآخذكِ زوجةً لي أولاً. مهما حدث، سأحميكِ.»
اليوم الذي وعدها فيه فابيان كان اليوم.
اليوم، بعد أن يسلّم العميل المال، سيتزوّجان.
“انظروا! عربة العميل قادمة!”
“حسنًا! الجميع إلى أماكنهم!”
“تذكّروا، لا تتصرّفوا بتهوّر! التحلّي بالأدب والوقار هو ما يهم!”
لم تكن رييلا تعرف مَن هو ذلك ‘العميل المجهول’ المُهِم، ولماذا قدّم طلبًا ضخمًا لفرقة مرتزقةٍ مجهولةٍ مثلهم ودفع لهم هذا المبلغ.
لكن ذلك لم يكن مُهِمًّا على أيّ حال.
‘فابيان!’
الأهم لرييلا هو أن فابيان، الذي ذهب لمقابلة العميل، يعود الآن بمظهرٍ مهيبٍ من أعلى التل.
وتلك العربة الفضيّة التي يقودها فابيان ستجلب لها السعادة العظيمة في المستقبل.
“تبتسمين مثل الحمقاء حتى النهاية. هذا مزعج.”
حتى تلك اللحظة، لم يكن لدى رييلا أيّ شكوكٍ بشأن مستقبلها الوردي. حتى أنها لم تلاحظ تحذير هانك وهو ينظر إليها بوجهٍ قلق.
أخيرًا، توقّفت العربة الفاخرة أمام المرتزقة المصطفّين، وكان فابيان أوّل مَن نزل منها.
“فابيـ —!”
كادت رييلا أن تناديه وتجري نحوه لتعانقه، لكنها كتمت ذلك. لم ينزل العميل بعد، ومهما كانت متحمّسة، كان عليها أن تبقى مهذّبةً حتى ذلك الحين.
‘مَن هو هذا العميل حتى يكون الجميع بهذا الأدب؟’
توقّفت رييلا ومدّت رقبتها الطويلة كالغزالة بدافع الفضول.
كانت اليد التي خرجت من باب العربة المفتوح ترتدي قفازًا من الدانتيل جميلًا كندفة الثلج، وأمسكت بيد فابيان.
‘امرأة؟’
اندهشت رييلا ونظرت إلى الجانب دون سبب. زملاؤها لم يغيّروا تعابير وجوههم، مما يعني أنهم كانوا يعرفون أن العميل امرأة.
“شكرًا لحضوركِ، سموّ الأميرة.”
‘ماذا! إنها أميرة!؟’
جعلتها تحيّة هانك للعميلة تكاد تسقط من شدّة الدهشة.
‘من المدهش رؤية ذلك العجوز العنيد ينحني باحترام، لكن الأكثر من ذلك، أميرة … العميلة أميرة!’
بدأ قلبها يدقّ كأنه سينفجر. لأنها دائمًا حلمت بحكايةٍ سعيدة، كانت ‘الأميرة التي تعيش في القصر’ كائنًا سحريًا مثل الجنيّة بالنسبة لها.
“شكرًا لترحيبكم. قابلتُ هانك من قبل، لكنني لم أرَ بقيّتكم. كيف حالكم جميعًا؟”
عرّفت نفسها باسم ‘غريتا’، وابتسمت كأشعة الشمس. كان لديها وجهٌ جميلٌ بلا عيوب، مثل دميةٍ خزفيّةٍ صنعها حرفيٌّ ماهر.
كان دبوس الفراشة في شعر الأميرة يعكس الضوء مع كلّ حركة، وحافة فستانها الزمردي الفاخر كانت ترفرف كالشفق القطبي. امرأةٌ تتألّق من الرأس إلى أخمص القدمين.
لم تستطع رييلا أن ترفع عينيها عن الجمال والأناقة التي وُلِدَت بها.
“أنتِ رييلا.”
عندما اقتربت الأميرة غريتا، جفلت رييلا وخفضت رأسها. ابتسمت الأميرة وهي ترفع عينيها الداكنتين كاللؤلؤ الأسود.
“سمعتُ الكثير عنكِ من فابيان. كنتُ أتوق لمقابلتكِ.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 - غـريبـان 2025-07-24
- 2 - المـرأةُ التـي تبـتسمُ مثل الشّـمس 2025-07-24
- 1 - عـودة النّـعمة 2025-07-24
التعليقات لهذا الفصل " 1"