فرحت داليا للحظة بعودة وعي داميان ، لكن سرعان ما تلاشت فرحتها حين رأت لون عيني الطفل و قد تغيّر فجأة ، فقطعت كلامها بتردد.
اقترب الطبيب من الاثنين اللذين التزما الصمت من شدة الدهشة.
“هذا الدواء لم يكن سُمًا في الأصل”
رفعت داليا رأسها عند سماع كلام الطبيب.
“ليس سُمًا؟ إذًا، ما هو هذا الدواء بالضبط؟”
سألت داليا بإستغراب ، فأخرج الطبيب الزجاجة التي أحضرها الفارس و قدّمها لها.
“هذا الدواء في حد ذاته مضاد سموم قوي جدًا”
“مضاد سموم؟”
“نعم. هو دواء يزيل السموم التي تراكمت في جسم الإنسان لفترة طويلة. في بعض الحالات ، يصاحب عملية إزالة السموم ارتفاع شديد في الحرارة. الطفل سيكون بخير الآن. على ما يبدو ، تراكمت السموم في جسده منذ فترة طويلة … لكن، لا أعرف ما هو هذا السُم بالضبط …”
طفل لا يتجاوز عمره خمس أو ست سنوات ، ما الذي قد يجعله يتناول السم؟
أمال الطبيب رأسه بتعجب، وبينما كانت داليا تستمع إلى كلماته بصمت، تنهدت فجأة وكأنها توصلت إلى إدراك ما.
ثم نظرت إلى كلايتون الذي كان بجانبها.
“يبدو أنني تناولت ذلك الدواء من دون أن أدرك أثناء حملي بداميان.”
تجنبت ذِكر كلمات مهمة أمام الطبيب ، لكن كلايتون فهم فورًا ما كانت تعنيه.
الدواء الذي يُظهِر علامة العائلة الإمبراطورية.
ذلك الدواء لم يكن سوى سم قاتل بالنسبة للطفل.
لهذا السبب كان أطفال العائلة الإمبراطورية يعانون من أمراض وراثية …
ما كان يُعرف بالأمراض الوراثية لم يكن في الحقيقة سوى أعراض تسمم ، و لعل هناك ترياقًا خاصًا لذلك السم.
الآن فقط أصبحت الصورة واضحة. و لعل هذا هو أيضًا السبب في تغيّر لون عيني داميان فجأة.
ربما هذا هو الشكل الحقيقي الذي كان يجب أن يولد به ديميان منذ البداية.
نظر كلايتون إلى داميان ، الذي كان يحدق بعينين واسعتين.
عيناه الحمراوان كانتا تشبهان عينيه تمامًا.
كان ذلك رمز عائلة “ساير”.
“حقًا…”
لقد كان داميان حقًا ابنه.
لم يكن يستطيع تصديق ذلك بعد ، لكن الحقيقة بدأت تلامس أعماقه و تهزّ مشاعره.
خفض كلايتون رأسه ، و بدأت كتفاه ترتجفان بخفة.
بدأت قطرات ساخنة تسقط على الأرض ، واحدة تلو الأخرى.
شعور بالراحة ، و ندم ، و فرح ، كلها اختلطت في قلبه.
“كلايتون …”
وكأنها تفهم ما يشعر به، وضعت داليا يدها على كتفه المرتجف.
دموع مشابهة لدموعه كانت تنساب على خديها أيضًا.
“الآن، كل شيء سيكون على ما يرام.”
كان داميان بخير.
لذا، أصبح كل شيء الآن على ما يرام.
أخيرًا ، أصبح بإمكاننا أن نحلم بالمستقبل السعيد الذي طالما تمنيناه.
“أمي؟”
تساءل داميان و هو يميل برأسه باستغراب ، غير قادر على فهم سبب بكاء الشخصين أمامه.
عند سماع صوت ابنها ، مسحت داليا دموعها ، ثم وضعت يدها على وجهه تمسحه برقة.
“هل أنت بخير؟ هل تشعر بأي ألم؟”
كان وجهه لا يزال محمّرًا من الحمى التي ألمّت به منذ لحظات ، لكن ما دامت الآلام قد زالت ، فهذا ما يهم.
“نعم. قبل قليل كان جسمي حارًا جدًا، لكن الآن لا أشعر بأي ألم! لكن …”
بدأ داميان يقضم إصبعه و هو ينظر إلى كلايتون بنظرة حائرة.
“لماذا تبكي يا عمي؟ هل أنت مريض؟”
كان في عيني الطفل قلق واضح تجاه كلايتون.
“أتعلم يا داميان … في الحقيقة ، هذا الرجل هو. ..”
وقبل أن تكمل داليا كلامها نيابةً عن كلايتون الذي كان يطأطئ رأسه بصمت، نهض الأخير من مكانه و ضمّ داميان إلى صدره.
“…أنا آسف”
ثم اعتذر له من أعماق قلبه.
لأنه لم يتعرف عليه كإبنه.
لأنه جرحه بكلمات قاسية.
لأنه لم يتمكن من حمايته.
كان يشعر بالأسف العميق تجاه هذا الطفل.
“عمي …؟” ،
سأل ديميان بإرتباك بعد أن ضمه كلايتون فجأة.
“أنا فقط … آسف جدًا …”
كانت تلك الكلمات ما أراد أن يقوله له إن تعافى ، إن أتيحت له فرصة ثانية.
و رغم أن تصرف الرجل بدا غريبًا ، فإن داميان لم يمانع أن يُضم ، بل لفّ ذراعيه حول عنق كلايتون.
أحاطه دفء ناعم يملأ القلب.
“لا بأس، يا عمي” ،
قالها داميان وهو يربّت على ظهره.
و حين رأت داليا المشهد أمامه ا، احتضنتهما معًا بذراعيها بكل حب وحنان.
انتهت جميع المِحَن.
* * *
بعد ذلك، سارت الأمور بسرعة كبيرة.
تمت الاستعدادات للعودة إلى الإمبراطورية على وجه السرعة، وجاء كلايتون برفقة سامانثا بعد أن وجدها وأحضرها إليهما.
“كيف لم تتواصلوا حتى باتصال واحد طوال تلك الفترة؟!”
بالطبع، كان مرهقًا تمامًا من تحمل دموع سامانثا و عتابها بعد لقائهما الطويل، لكن بالنسبة لها، كانت هذه الحياة السلمية بحد ذاتها مصدر سعادة لا توصف.
ومرت الأيام منذ مغادرتهم مملكة إيستر إلى الإمبراطورية.
وقد أصبح لون عيني ديميان الآن أحمرًا تمامًا.
أما شعره، فكان لا يزال أشقر، ولكن بما أن الجذور بدأت تتحول تدريجيًا إلى اللون الأسود ، فربما يستعيد لونه الطبيعي بالكامل قريبًا.
“قلت لك لا تركض هكذا يا سيدي الصغير!”
لهاث سامانثا كان يتسارع وهي تطارد داميان الذي يركض هنا وهناك كما لو لم يكن مريضًا أبدًا.
وفي تلك اللحظة، اقترب كلايتون من داليا التي كانت تبتسم وهي تراقب المشهد بسعادة.
“بقي نصف يوم فقط و سنصل إلى العاصمة. ربما إذا علم الناس أنّكِ عدتِ ، ستضج العاصمة كلها بالضجيج.”
“أعتقد ذلك ، خصوصًا وأن داميان معي أيضًا. أنا مستعدة نفسيًا إلى حد ما”
كانت قد ناقشت مسبقًا مع كلايتون كيفية التعامل مع الأمور القادمة.
لذا، حتى بعد عودتهم إلى قصر ساير، كانت تنوي البقاء فيه لبعض الوقت إلى أن يتحول شعر ديميان بالكامل إلى الأسود، لتجنب أي شائعات غير ضرورية قد تثير ولي العهد.
“لكن ، هل ستكونين بخير؟”
“بشأن ماذا؟”
“رحيلكِ عن إيستر بهذه البساطة”
تحدث كلايتون بتردد.
تأملت داليا سؤاله بصمت للحظة.
فقبل مغادرتهم إيستر، أخبرها كلايتون بسر يتعلق بوالدتها البيولوجية:
أن والدتها في الحقيقة تنتمي إلى سلالة العائلة المالكة في إيستر.
وأن الملك الحالي هو خالها، والأميرة التي خدمها لفترة قصيرة هي في الواقع ابنة خالها ، أي ابنة خال داليا.
فكرت داليا بكلمات كلايتون بينما كانت تمسح على شعرها.
“قالوا إن الشعر الفضي والعيون البنفسجية رمزان للقداسة، أليس كذلك…”
ولذلك أضاف شرحًا حول سبب زوال لعنة عائلة ساير عندما تكون برفقته.
كما قال أيضًا إن سبب عدم تفعُّل لعنة عائلة ساير بداميان يعود إلى القدرة الخاصة الكامنة في جسده.
“داليا.”
وعندما لم تُجب داليا لوقتٍ طويل ، نادى عليها كلايتون بإسمها بحذر ، وكأنه قلق.
فإبتسمت له داليا، وكأنها تطمئنه ألا يقلق.
“أنا بخير. في الحقيقة … أنا مرتاحة هكذا تمامًا”
لم تكن تملك ذكريات حقيقية عن والدتها البيولوجية من الأصل، لذا لم يكن هناك سبب لتشعر بأي حنين مفاجئ نحو عائلة والدتها.
بل على العكس، كانت تخشى أن يتسبب ارتباطها بالعائلة الملكية في تعقيدات سياسية. و كان يبدو أن كلايتون قلق أيضًا من أن يلحق بهما خطر ما بسبب ذلك.
أما هي ، فكانت تكره التعقيدات من أي نوع.
سواء كانت من سلالة ملكية أو لا ، كانت سعيدة جدًا بحياتها الحالية مع كلايتون و داميان.
ولهذا، أسندت داليا رأسها على كتف كلايتون بابتسامة راضية تمامًا.
“دعنا نبقى هكذا … نعيش بسعادة معًا، نحن فقط”
وحين أمسكت يدَه ، كان كلايتون قد ابتسم أخيرًا ردًا على جوابها. وفي تلك اللحظة ، هرع داميان من بعيد و هو يلوّح بيده.
“أبي!”
ثم قفز مباشرة في أحضان كلايتون.
لم يُعرف ما إن كان داميان يفتقد إلى وجود الأب طوال هذا الوقت، أم أنه شعر بالفطرة أن كلايتون هو والده، لكنه تقبّل حقيقة أن كلايتون والده بسرعة مذهلة بمجرد أن عرفها.
كانا كلايتون و داليا يظنّان أنه سيحتاج إلى بعض الوقت ليقبله كأب ، لكن مخاوفهما ذهبت أدراج الرياح ، إذ كان داميان أسرع من أي أحد في قبول الأمر.
بالطبع، ما ساعده على ذلك كان إدراكه أن لون عينيه قد تغيّر ليصبح مثل عيني كلايتون.
وعلى عكس ما كان يُخشى ، بدا أن داميان يتصرف بشكل طبيعي تمامًا مع كلايتون ، مما جعله سعيدًا للغاية.
رغم أن كلايتون يبدو كشخص لا يتسامح مع الدلال أو التذمر، إلا أن ذلك لم يكن ينطبق أبدًا على طفله.
حقًا، عند النظر إليهما معًا، يصعب تصديق كيف لم ينتبه أحد إلى مدى الشبه بينهما طوال هذا الوقت.
هل كانت داليا تنظر إليهما بإبتسامة رضًا؟
وعندما بدا أن وقت استراحتهم السعيدة قد انتهى ، اقترب كاديسون.
“لقد حان وقت المغادرة مجددًا”
يبدو أن تجهيز العربة قد انتهى.
تبقّى نصف نهار فقط.
نصف يوم من السير ، و سيصلون إلى العاصمة.
“إذًا، هل ننطلق؟”
وبمجرد أن أنهت جملتها، تحرّك الثلاثة معًا بخطى متناسقة.
متوجهين نحو ملاذهم الذي طالما انتظروه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "126"