كان هذا هو اللقاء الأخير الذي سيجريه كلايتون مع ملك إيستر قبل مغادرته إلى الإمبراطورية.
في اليوم السابق ، كان قد أنهى جولته في مرفأ بجنوب إيستر من أجل التحقق من استعدادات التبادل التجاري الناجح ، و هذا اللقاء يُعد آخر محطاته.
“إذًا ، هذه آخر مرة أراكَ فيها. صحيح أنك ستغادر إلى الإمبراطورية غدًا؟”
“نعم، أنوي المغادرة مع شروق الشمس”
مسح الملك تريسين لحيته بأسى بعد رد كلايتون.
“أما كان بإمكانِكَ أن تستمتع بالبقاء قليلًا بعد؟ لا أظن أن هناك جرة عسل تنتظرك في بيتك”
أدار كلايتون دفة الحديث بلباقة ، مبتسمًا ابتسامة رسمية تجاه الملك الذي كان يسعى إلى إبقائه في إيستر لفترة أطول.
“لقد استمتعتُ بما فيه الكفاية، جلالتك. وعلى أي حال، فور عودتي إلى الإمبراطورية، سأباشر العمل في تطوير المرفأ الواقع في الجهة الغربية من الإقطاعية، كما اتفقنا بشأن التبادل التجاري.”
أدرك تريسين أن محاولاته للمساومة لم تجدِ نفعًا، فتنهد بحسرة.
لقد كان يأمل و لو بفرصة بسيطة لتزويجه من ابنته ، لكنه لم يترك له أي منفذ ، لذا لم يكن أمامه سوى التراجع.
هز الملك رأسه و أطلق زفيرًا خافتًا.
“افعل ما تراه مناسبًا في هذا الشأن”
“نعم، إذًا سأغادر الآن”
و ما إن أذن له الملك بالمغادرة حتى نهض كلايتون على الفور من مقعده.
و ما إن خرج بهدوء بعد أن أدى التحية الأخيرة، حتى سُمع صوت امرأة ناعم يتردد في الأرجاء: “هل سترحل فعلًا هكذا؟”
كانت الأميرة جلوريا.
و ما إن رآها كلايتون حتى تنهد داخليًا.
كان يعرف تمامًا لماذا جاءت إليه حتى هنا.
بالفعل، الأب وابنته كانا أكثر إصرارًا مما ظن.
أخفى انزعاجه المتصاعد خلف مظهره الهادئ وردّ عليها:
“نعم، سأغادر صباح الغد”
“هل ستغادر برفقة تلك المرأة التي سمحت لها بالإقامة معك مؤخرًا؟”
لم يجب، لكن صمته كان كافيًا لتفهم جلوريا أنه يقر بذلك.
فقالت بنبرة وكأنها كانت تتوقع الأمر:
“لا مانع لدي من وجود عشيقات. كل ما أريده هو أن أكون الزوجة الرسمية. عليك أن تفكر في المكاسب التي ستجنيها كلا العائلتين من زواجنا …”
لكن كلايتون قاطعها فجأة ، رافضًا عرضها الأخير الذي قدّمت فيه كرامتها على طبق من أجل التحالف: “تلك السيدة ليست عشيقة”
“ماذا …؟”
“لذا ، أرجو من سموكِ أن تلتقي رجلًا يُناسب عائلتكِ و يحقق مصالحها. والآن أستأذنكِ”
“لا، انتظر لحظة! اللورد ساير …!”
لكنه مرّ بجانب الأميرة دون أي تردد. ورغم أنها نادته عدة مرات، لم يلتفت إليها. قد يرى البعض أن سلوكه كان وقحًا.
لكن بالنسبة لكلايتون، لم يكن يرغب في احترام امرأة تعتبر داليا مجرد عشيقة، ولم يكن يشغله سوى العودة إلى قصره بأسرع ما يمكن.
وهكذا، مشى بخطى سريعة أكثر من أي وقت مضى. وعندما وصل خارج القصر، كان كاديسون في انتظاره، فاقترب منه فور أن رآه.
“من ملامح وجهك يبدو أن الأمور سارت كما خططت لها.”
“نعم، لقد انتهى كل شيء.”
كان تعبير كلايتون وهو يجيب يعكس ارتياحًا.
في الواقع، رغم أن الأمور المزعجة مثل تورطه مع الأميرة قد حدثت، إلا أن عائلة ساير استفادت كثيرًا من قدومها إلى إيستر.
فرغم تدخل العائلة الإمبراطورية، إلا أنهم تمكنوا من الحصول على حقوق التجارة مع إيستر.
إضافة إلى ذلك، فإن الميناء الذي سيتم تطويره على الساحل الغربي من أراضي ساير سيصبح جسرًا يربط بين إيستر و الإمبراطورية.
لطالما كانت الأراضي المجاورة لذلك الساحل مجرد قرى صغيرة يعيش فيها الصيادون ويكتفون بصيد بسيط، لكن بفضل حقوق التجارة الجديدة، ستتحول تلك المنطقة إلى أكبر مدينة ميناء في الإمبراطورية.
في الأصل، كانت هذه الخطط قيد التصور حتى قبل اختفاء داليا. ورغم أن الأمور سارت ببطء خلال السنوات الماضية بسبب توقفه عن العمل عليها، فإنها الآن في طريقها للتنفيذ خلال بضع سنوات.
كل شيء يعود إلى مكانه.
ازدهار العائلة ، داليا ، و حتى العائلة التي لطالما تمناها … كل شيء.
ارتسمت على شفتي كلايتون ابتسامة هادئة ثم استدار لينظر إلى القصر الملكي.
مع ذلك ، من الأفضل أن أخبر داليا بحقيقة نسبها.
وفقاً لما اكتشفه كاديسون ، فإن السبب الذي دفع والدة داليا – التي كانت أميرة في إيستر – إلى الهرب من هناك ، هو تلقيها تهديدًا مباشرًا على حياتها من تريسين.
ربما كان يخشى أن تنتزع منه شقيقته، التي وُلدت بأقدس قدرة يقدّرها شعب إيستر، عرش الحكم.
وبالرغم من أن حكمه أصبح مستقرًا الآن، لا أحد يستطيع التنبؤ بما إذا كان سيتغاضى عن داليا، التي تحمل تلك القدرة المقدسة ذاتها.
فربما يقرر القضاء عليها من أجل أطفاله الذين سيرثون العرش من بعده. أو قد يستخدمها سياسيًا بأي طريقة ممكنة.
ولهذا، رغم رغبته في دفن هذا السر في قلبه إلى الأبد، فإن رأي داليا كان مهمًا أيضًا. و لهذا ، قرر أن يخبرها الليلة على الأقل بسر والدتها.
أيًا كان الخيار الذي ستتخذه، فسيحميها مهما حدث.
غاص كلايتون في أفكاره للحظات وهو يستقل العربة التي ستقله إلى القصر. وما إن تحركت العربة، حتى بدأ كاديسون في تقديم تقريره إليه على الفور.
“في الوقت الحالي، تم تحديد إقامة السيد داميان في كورلين. كونها منطقة نائية، فلا خطر من انكشاف هويته، كما أنها قريبة من كولن حيث يقع منزلنا الريفي ، لذا سيكون من السهل ترتيب لقاءات متكررة هناك”
أومأ كلايتون برأسه موافقًا على اختيار كاديسون لمكان إقامة داميان.
“وأيضًا، قم بتزوير خلفية مناسبة لميلاد داميان. حتى لا تثار أي شكوك لاحقًا أثناء إجراءات التبني”
كان كاديسون يستمع بصمت لأمر التبني، لكنه تردد قليلًا ثم تحدث بحذر: “في الواقع، كنت أفكر أن أخبرك بهذا مسبقًا يا سيدي الدوق…”
بدا عليه التردد، وكأن ما سيقوله أمر صعب.
“ما الأمر؟”
“إنه يتعلق بالسيد داميان. ألا تلاحظ أنه يشبهك كثيرًا، يا سيدي؟”
تردد كثيرًا قبل أن ينطق بهذا الكلام، لكنه قرر أخيرًا قوله، خاصة بعد أن لاحظ أن مزاج الدوق كان جيدًا مؤخرًا، وبعدما أعلن نيته تبني داميان كابن له.
عندها، توقف كلايتون عن التحديق بلا مبالاة خارج النافذة والتفت نحوه.
“داميان … يشبهني؟”
“نعم.”
حين سمع أن داميان يشبهه ، استحضر كلايتون ملامح الطفل في ذهنه. عندما أزال من ذهنه سمات العائلة الملكية البارزة، بدا له بالفعل أن هناك شبهًا.
بل وتذكر فجأة أنه في وقتٍ ما، قد راوده ذات الشعور.
لكنه كان قد اعتبره تفكيرًا غير مجدٍ ومحاه من ذهنه.
بدأت ملامح الغرابة ترتسم على وجه كلايتون، إذ لم يكن من السهل معرفة إن كان يشعر بالسعادة أو الاستياء. لكن سرعان ما ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، وكأن الأمر أعجبه.
“حسنًا، إن بدا كذلك، فليس في ذلك ضرر.”
فأن يشبهه داميان ولو قليلًا، خير من ألا يكون بينهما أي شبه، فهذا قد يكون لصالح الطفل. وبذلك، تجاهل كلايتون كلمات كاديسون دون أن يعطيها وزنًا كبيرًا. ثم عاد بنظره إلى خارج النافذة.
أشعة الشمس التي كانت تزعجه دائمًا بدت له اليوم دافئة ومريحة. وكانت حركة الناس في الخارج تنبض بالحيوية، والطريق المؤدي إلى منزله بدا سعيدًا للغاية. كل شيء كان يسير بسلاسة.
كم مضى من الوقت منذ أن شعر بهذا السلام؟ بدا وكأنه أخيرًا وجد الطمأنينة التي حُرم منها لسنوات.
وبينما كان يراقب الشارع المليء بالحيوية بتعبير وجه أكثر ارتخاءً، لفت انتباهه صناديق الحلوى التي يحملها الناس في أيديهم.
وبما أن الجميع يحمل صناديق من نفس المتجر، فقد بدا أنه متجر حلويات شهير في المنطقة.
وأثناء تأمله الهادئ لذلك المكان المزدحم، أعطى كلايتون أمرًا لكاديسون: “أوقف العربة.”
“عذرًا؟ ألن نتجه مباشرة إلى القصر؟”
“فكرت في التوقف قليلًا عند متجر الحلويات.”
رغم أنه يكره الأشياء الحلوة، إلا أنه ما دام قد خرج، فقد رأى أنه لا بأس من شراء شيء كهذا، خاصة عندما فكّر في وجود طفل صغير في القصر.
فلا يوجد طفل أو امرأة لا تحب الكعك الحلو.
ولم يمضِ وقت طويل حتى وُضعت إلى جواره صناديق الكعك التي تفوح منها رائحة عذبة. وبدا له صوت ضحكة الطفل الذي سيفرح عند استلامها وكأنه يسمعها بأذنيه.
ربما سيفرح كما فعل أول مرة احتضن فيها جروًا صغيرًا.
و ما إن ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي كلايتون دون أن يشعر ، حتى وصلت العربة إلى مدخل القصر. و لكن …
“أين ذهب الحراس؟”
لم يكن هناك أثر للفرسان الذين كان ينبغي أن يحرسوا المدخل. و الأسوأ من ذلك أن الباب الرئيسي كان نصف مفتوح. و كان القصر هادئًا بشكل غير طبيعي ، يسوده جو بارد لم يعهده من قبل.
ما إن التقط كلايتون هذا الإحساس الغريب حتى قفز من العربة بسرعة و استلّ سيفه. ثم بدأ يخطو بحذر إلى داخل القصر.
“…..!”
وسرعان ما وقعت عيناه على الحراس الملقَين بالقرب من المدخل. كانوا ينزفون وقد فارقوا الحياة، وكأن أحدهم قد هاجمهم فجأة.
وكان الوضع داخل القصر لا يختلف كثيرًا. فالخدم الذين كانوا يعملون هناك، وحتى الحراس الذين تركهم تحسبًا لأي طارئ، كانوا جميعًا ممددين على الأرض بلا حراك.
“ما الذي … حدث هنا بحق الجحيم؟!”
ابتلع كاديسون أنفاسه من هول ما يرى.
لقد تعرّض القصر لهجوم.
وما إن أدرك كلايتون هذه الحقيقة، حتى اجتاحه برد شديد في عموده الفقري. و كأن الدم انسحب من جسده كله وتركه متجمّدًا في مكانه.
“داليا …”
اجتاحه شعور مشؤوم لا يمكن وصفه. و مرّ وجه داليا في ذهنه، تلك التي قالت له إنها ستنتظره. و فجأة ، اندفع كمن فقد عقله إلى الطابق العلوي، يصعد السلالم بأقصى سرعته.
“أرجوكِ …”
راح يتوسّل في قلبه. أن تكون بخير ، أن تكون لا تزال هناك، تنتظر عودته مختبئة في مكان آمن … حتى أنه توجّه بالدعاء إلى الحاكم الذي لم يلجأ إليه منذ طفولته.
لكن ما استقبله حين فتح الباب ، كان مجرد غرفةٍ فارغة تمامًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "118"