فما إن شرب الدواء، حتى اختفت الحمى التي لطالما عذبته طيلة فترة طويلة، وكأنها لم تكن.
والآن، ها هو قد نهض من فراشه، وبدأ يجري ويلعب في الخارج كما كان يفعل في السابق.
كانت ملامح داليا هادئة وهي تنظر إلى داميان الذي يركض في الحديقة أمام القصر الذي يقيمان فيه.
سعادتها كانت بسيطة وصادقة، فقط لأنها ترى ابنها يعود لحياته الطبيعية مثل باقي الأطفال.
“أمي!”
ناداها داميان وهو يلوّح بيده من الحقل أمام القصر حيث كان يجلس.
ابتسمت داليا برضا وهي تنظر إليه، وتقدّمت نحوه على صوت مناداته المشرقة.
“ما الأمر يا صغيري؟”
ركض داميان نحوها، وكان يحمل بين ذراعيه باقة من الزهور البرية التي قُطفت بطريقة عشوائية.
مدّت داليا يدها لتزيل بعض الأوساخ العالقة على وجهه وسألته بابتسامة: “يا لها من زهور جميلة. هل قطفتها من أجلي؟”
“لا!”
“إذن، لمن قطفتها؟”
كان داميان دائمًا ما يقطف الزهور ويهديها إليها، لذا استغربت من جوابه.
لكن ما قاله بعد ذلك جعل عينيها تتسعان بدهشة.
“سأعطيها للعم!”
“العم…؟”
“نعم! العم ذو العيون الحمراء.”
وبما أن داميان لا يعرف اسم كلايتون ، فقد اعتاد أن يطلق عليه لقب “العم ذو العيون الحمراء”.
سألت داليا بحذر وقد أربكها هذا الجواب غير المتوقع:
“هل تحب ذلك العم، يا داميان؟”
“نعم! أحبه!”
كانت تظن أن داميان قد يخاف من كلايتون أو يتجنبه، لكنها أدركت في تلك اللحظة كم كانت مخاوفها في غير محلها.
بينما كانت داليا تتساءل إن كان قد حصل شيء ما بينها وبين كلايتون دون علمها، قاطع داميان أفكارها بصوته المشرق: “لكن، متى سنعود إلى منزلنا؟”
“آه؟”
“نحن نعيش هنا الآن مع العم، أليس كذلك؟”
“هذا…”
في تلك اللحظة، تجمد وجه داليا عند سماع سؤال داميان البريء.
و تذكّرت على الفور المحادثة التي جرت قبل أيام بينها وبين كلايتون:
«من الصعب أن تأخذي داميان معكِ إلى العاصمة في الوقت الحالي. ربما حتى يزول أثر دم العائلة الإمبراطورية، سيكون من الصعب أن تعيشوا معًا. لذلك، دعينا نجعل داميان يعيش في مكان ليس بعيدًا عن العاصمة. سيكون من السهل عليكِ زيارته كثيرًا. و عندما يخف أثر دم العائلة ، سأقوم بتسجيله رسميًا كإبن متبنى لعائلة ساير»
لم يكن أمامها سوى تقبّل أن الحياة لن تعود كما كانت، وأنها لن تتمكن من العيش مع داميان كما في السابق.
وفي الوقت ذاته، كانت تدرك جيدًا مقدار ما فعله كلايتون من أجلها ومن أجل داميان، ومدى مراعاته للأمر.
على الرغم من أنني لن أتمكن من العيش مع داميان ، إلا أنني سأتمكن من رؤيته مرة واحدة في الشهر على الأقل ، وإن بذلت بعض الجهد، فربما مرة كل نصف شهر.
و من المحتمل أن تأتي أيام خلال موسم العطل يمكننا أن نمضيها معًا طوال اليوم بذريعة السفر.
كنت لا أرغب في الابتعاد عنه ولو للحظة، لكن عندما أفكر في التنازلات التي قدمها كلايتون من أجلي، شعرت بأنه ينبغي عليّ أيضًا أن أتحمّل هذا القدر من الفراق.
نظرت داليا إلى داميان بعينين غارقتين بالهدوء.
الطفل كان يبتسم ببراءة دون أن يدرك المستقبل الذي ينتظره.
لماذا لا يبهت لون شعره و عينيه …؟
كانت قد سمعت عرضًا من لويد أن أفراد العائلة المالكة يصبح لون شعرهم وعينيهم باهتًا بعد إصابتهم بالمرض الوراثي الذي يعاني منه أفراد العائلة الإمبراطورية.
توقيت التغير يختلف من شخص لآخر ، لكنه يحدث بشكل واضح قبل وبعد الإصابة.
لكن داميان، ولسبب ما، لم يتغير على الإطلاق. و هذا ما جعلها تشعر بالقلق الخفي من أن يكون العلاج لم يكن فعّالًا كما يجب.
لا، سيكون بخير.
لكن داليا هزّت رأسها بسرعة.
فكل شخص يستجيب للعلاج بطريقة مختلفة. بالإضافة إلى أن داميان أصبح بصحة جيدة الآن. لذا لا بد أن العلاج لم يكن به مشكلة كبيرة. وبينما كانت تواسي نفسها بهذه الفكرة، تنهدت داليا تنهدًا قصيرًا.
و قبل ذلك، عليّ أن أخبر داميان قريبًا…
كان عليها أن تصارح الطفل، الذي يعتقد بطبيعة الحال أنه سيبقى معها هنا، بالحقيقة القاسية. بأننا سنغادر هذا المكان، وأنه بعد وصولنا إلى الإمبراطورية، لن نتمكن من البقاء معًا كما كنا من قبل.
ولهذا السبب، قررت أن تخبر داميان اليوم بطريقة يستطيع فهمها.
لكنها كانت تشعر بالحيرة الشديدة حيال كيفية إيصال ذلك إليه. فصحيح أن من الأفضل أن تشرح له قبل أن يضطروا للانفصال فجأة في الإمبراطورية …
ربما يمكنني تأجيل الحديث قليلاً.
فهو، رغم نضجه مقارنة بأقرانه، لا يزال طفلاً في الخامسة من عمره.”
ترى، هل كانت داليا تحدق في داميان بتلك المشاعر المعقدة؟
فجأة، تغيّرت ملامح الطفل، الذي كان يميل برأسه مستغربًا من نظرات والدته الثابتة عليه. ثم لوّح بيده عاليًا وهو يصرخ كمن رأى شخصًا عزيزًا عليه: “عمي!”
لقد لمح كلايتون و هو يقترب نحوهما.
وما إن التقت عينا داميان بعيني كلايتون ، حتى اندفع راكضًا نحوه متجاوزًا داليا.
لكن ربما لأن الحماس كان طاغيًا، أو لأنه ركّز على التقدم فقط، تعثرت قدم داميان بحجر صغير على الطريق لم ينتبه له.
كلايتون، الذي لاحظ على الفور أن الطفل سيسقط، تحرّك بسرعة واحتضنه بين ذراعيه.
“الركض هكذا خطير.”
حمل كلايتون الطفل بكلتا يديه ، لكنه بدا غير معتاد على ذلك؛ فحركاته بدت مترددة بعض الشيء، ربما لأنه لم يحمل طفلًا من قبل.
أما ديميان، الذي ارتفعت به السماء فجأة، فطرف بعينيه قليلاً ثم انفجر ضاحكًا: “عالي جدًا!”
ويبدو أنه نسي توبيخ كلايتون له قبل قليل ، إذ بدا مستمتعًا بالإحساس وكأنه يطير في السماء.
“عمي! أنت طويل جدًا! هل أستطيع أن أصبح طويلًا مثلك؟”
كلايتون، الذي كان ينظر إلى الطفل الذي يتحدث وحده دون أن يهتم للردود، أجابه أخيرًا: “…إذا أكلت جيدًا.”
“أنا آكل جيدًا!”
وبينما كان يضحك بسعادة، تذكّر فجأة السبب الذي جعله يركض إلى كلايتون في المقام الأول، فمد يده اليمنى، التي كان يُمسك بها شيئًا بإحكام، قائلاً: “هذه هدية!”
“…”
“إنها لك يا عمي!”
وكان ما في يد داميان زهرة برية مجهولة الاسم.
كلايتون، الذي كان يحمل الطفل بيديه الاثنتين، لم يعرف ماذا يفعل للحظة، ثم أنزل داميان على الأرض و تناول الزهرة منه.
زهرة برية، هاه…
كانت زهرة بيضاء، تمامًا مثل تلك الزهرة التي قدمتها له داليا في الماضي.
نظر كلايتون إلى الزهرة ، فارتسمت على وجهه ابتسامة من دون أن يشعر.
أن تهدي الأم والابن نفس النوع من الزهور لي، وكأنهما متفقان. كانت تلك الفكرة بحد ذاتها باعثة على الابتسام.
و داميان ، الذي كان يراقب تلك الابتسامة عن كثب، انفجر ضاحكًا بسعادة. فقد بدا له أن كلايتون أحب الهدية التي قدّمها، وهذا أسعده كثيرًا.
في تلك اللحظة، عندما كان داميان على وشك أن يبدأ الثرثرة بصوت أكثر حماسًا، سمع صوت أنين خافت خلف كلايتون، فحوّل نظره إلى الوراء.
رأى جروًا صغيرًا في حضن كاديسون، الذي كان يتبع كلايتون.
“جرو!”
كان جروًا صغيرًا لا يبدو أن عمره تجاوز الثلاثة أشهر. و ما إن لمح داميان الجرو حتى تحرر من ذراعي كلايتون وركض نحو كاديسون.
“أنا أيضًا، أريد لمسه!”
عند استعجال الطفل، انحنى كاديسون على ركبتيه ليكون على مستوى نظره، وقال: “إنه لا يزال صغيرًا ، لذا عليك لمسه بحذر.”
“حاضر!”
بدأ داميان يقفز مكانه من الحماس لرؤية الجرو، فما كان من كاديسون، الذي وجد تصرفه لطيفًا، إلا أن ابتسم وأظهر له الجرو بحذر.
كما قال كاديسون، بدأ داميان يلمس الجرو بلطف شديد، والجرو بدوره لم يبدِ أي انزعاج، بل أغمض عينيه بهدوء.
في تلك الأثناء، اقتربت داليا من كلايتون وهي تراقب الموقف عن بعد.
“ما قصة هذا الجرو؟”
“يبدو أنه فُقد أمه، ووجدته وحيدًا. الأطفال يحبون الحيوانات الصغيرة.”
بمعنى آخر، أحضره من أجل داميان.
لكن داليا نظرت إليه بنظرة قلقة قليلًا.
“هل هذا جيد؟… الدوق قد لا يرضى…”
كانت تتذكر عندما جلبت هرًا صغيرًا في الماضي، وكيف غضب كلايتون عند رؤيته.
صحيح أن الكلاب تختلف عن القطط، لكنها خرجت آنذاك باستنتاج أن كلايتون لا يحب الحيوانات الصغيرة.
لكن، وعلى عكس قلقها، أجابها كلايتون بهدوء وراحة:
“لم يعد الأمر يهمني الآن.”
كان رد فعله مختلفًا تمامًا عن الماضي، مما جعل داليا تشعر بالراحة وتقول له برفق: “شكرًا لك.”
وبدا أن كلايتون ما زال لديه شيء ليقوله:
“على أي حال، يجب أن أخرج الآن. قد لا أعود لمدة يومين.”
ويبدو أنه كان ذاهبًا لإنهاء بعض الأعمال المتعلقة بالمملكة.
كانت داليا على وشك أن تقول “حسنًا”، لكنها شعرت فجأة بقلق في نظراته.
لم ينطق بكلمة، لكنه كان يخشى أن يختفي شيء ما أثناء غيابه المؤقت عن المنزل.
فأدركت داليا مشاعره وأمسكت بيده بلطف.
ففُتحَت عينا كلايتون بدهشة من لمستها المفاجئة.
“لا تقلق. لقد وعدتك، أليس كذلك؟ لن أبتعد عنك بعد الآن”
وبكلماتها هذه، تلاشت مشاعر القلق التي كانت تملأ عينيه.
“…صحيح.”
ردّ كلايتون بصوت أكثر راحة من ذي قبل، وأمسك بدوره بيدها التي بادرت بالإمساك به، وابتسم لها بهدوء.
رجل و امرأة يتبادلان النظرات الحنونة ، و طفل يحتضن جروًا وهو يضحك بسعادة…
مشهدٌ لا يمكن وصفه إلا بصورة عائلة سعيدة متناغمة.
ولم يكن لأحد أن يتخيل أن هذه الصورة الجميلة ستتحطم قريبًا كأنها زجاج بفعل حجرٍ ألقي دون رحمة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "115"