ما إن أنهى كلايتون كلامه، حتى شعرت داليا وكأن قلبها يهوي إلى القاع. لقد انخدعت بروتينها اليومي مع داميان، ونسيت تمامًا أنها ستضطر إلى توديعه قريبًا.
«عليّ أن أفترق عن دميان…؟»
فكرة أنها لن تستطيع مناداته مجددًا، أو احتضانه مرة أخرى، كانت تفوق قدرتها على التصور.
لم تستطع حتى أن تتخيل مستقبلًا من دون داميان ، لم تستطع أن تتنفس لمجرد التفكير في ذلك.
لم تصدق أنها، قبل أيام فقط، قالت لكلايتون بنفسها إنها ستفعل ذلك.
قبضت داليا يدها على المستقبل المروع الذي أيقظها عليه الرجل، وهمست بصوت ميت بالكاد يُسمع: “…لا أريد”
اهتز جسد داليا الخافت قليلاً وهي تخفض رأسها تمامًا.
لمجرد أنها ابتعدت عن داميان لأيام قليلة، شعرت وكأن الظلام خيّم على حياتها، وكأن المستقبل قد اختفى.
كانت تبكي بلا توقف، كما لو أنها نسيت كيف تبتسم.
“لا أستطيع… لا أستطيع احتمال البقاء بعيدة عن داميان”
يا له من كائن متناقض هو الإنسان.
قبل أن تحصل على العلاج ، شعرت أنها قادرة على فعل أي شيء. لكن ما إن سمِعَت أن العلاج على وشك الوصول ، حتى تغيّر قلبها بين لحظة وأخرى.
ولذلك، رغم علمها بأن تصرفها أناني، قررت أن تتوسل إلى كلايتون.
أن تفعل أي شيء، فقط ليُسمح لها بالبقاء مع طفلها.
جثت داليا على ركبتيها أمامه و كأنها تنهار ، ثم ألصقت جبينها بالأرض و توسلت: “أرجوك … دعني أبقى مع داميان”
«أنتِ تستطيعين أن تفعلي ذلك ، أليس كذلك؟»
كانت تدرك جيدًا مدى وقاحتها في هذا الموقف. لكنها فضّلت أن تكون أنانية ، لأن ألم الابتعاد عن الطفل كان أكثر من أن يُحتمل.
حدّق بها كلايتون بصمت لبرهة، ثم نهض من مكانه، واقترب من داليا الراكعة على الأرض.
كانت هذه هي المرة الثانية التي تركع فيها تلك المرأة أمامه.
و كلاهما من أجل داميان.
كما فعل أول مرة، رفع كلايتون ذقنها بأصابعه.
كالعادة، كانت عيناها محمرتين بالدموع.
وعندما رأى داليا على وشك الانفجار بالبكاء، تفجّرت في داخله موجة من الغضب.
لماذا تجعلينني أنا المذنب؟
أنتِ المخطئة ، فلماذا يجب أن أكون أنا الشرير؟
من البداية، أنتِ التي …
“لماذا خُنتِني ، بحق الجحيم؟”
لو لم تخونيني … لما حدث كل هذا.
“داليا.”
لو أنكِ فقط لم تتورطي مع رجلٍ آخر غيري منذ البداية …
“لماذا خنتِني؟”
و لو أنكِ لم تهربي من جانبي على الأقل …
“لماذا هجرتِني و هربتِ؟”
ربما كنا استطعنا تجنب هذه النهاية …
تشوّه وجه كلايتون من شدة الانفعال.
الغضب ، و اللوم ، و اليأس ، و الندم — كل المشاعر التي ابتلعها بصمت طوال تلك السنين ، اختلطت و تفجرت دفعة واحدة.
كانت هذه أول مرة يُخرج فيها مكنونات قلبه.
سؤال ظل يردده في داخله لسنوات طويلة ، و لم يجرؤ على طرحه حتى حين قابل داليا مجددًا ، خوفًا من الجواب الذي قد يسمعه منها. لكنه الآن خرج منه بلا تفكير ، متجاوزًا كل قيود الصبر و الكتمان.
رغم أنكِ لم تحبيني ، كنت أظن أنه لا يزال بيننا نوع من الوفاء ، بحكم ما قضيناه معًا من وقت طويل.
رغم أن مشاعري تجاهكِ كانت من طرف واحد ، و رغم أنّك لم تبادليها يومًا ، إلا أنني كنتُ مؤمنًا أننا سنظل معًا في المستقبل. و لكن …
“ما الذي كنتِ تفكرين فيه حين كنتِ … مع ولي العهد …؟”
عضّ كلايتون على شفتيه عاجزًا عن إتمام الجملة.
ظن أنه إن أخرج ما في قلبه ، سيشعر بالارتياح ، لكنه لم يجد إلا شعورًا بالغرق في البؤس.
“……”
نظرت داليا إليه، وقد سمعت أخيرًا ما ظلّ يخفيه في صدره.
تأملت وجهه المشوّه بالألم، والعذاب الذي لم يُخفّه حتى بعد أن تنفّس به.
و انزلقت دمعة بهدوء على خدها.
كانت تشعر بالظلم.
كم كانت تلك التهم الموجهة إليها مؤلمة.
أرادت أن تبوح بكل شيء.
في الحقيقة ، أنا أيضًا ضحية.
حين فتحتُ عيني ، كنتُ في جسد امرأة تُدعى داليا ، و كل ما حدث بينها و بين ولي العهد كان قبل أن تحلّ روحها في هذا الجسد.
أرادت أن تقول له بكل صراحة:
لستُ أنا من خانك ، بل داليا الحقيقية.
أرادت أن تصرخ بأنها أيضًا مجروحة ، غاضبة ، و تشعر بالظلم …
أنا ضحية ، مثلك تمامًا.
“دوق ، أنا …”
تحركت شفاه داليا، وهي على وشك قول الحقيقة.
كل ما أرادته هو أن تفرغ قلبها، وتتخلص من ثقل الذنب الذي يخنقها. لكنها …
“…لا أعلم.”
“……”
“أنا أيضًا … لا أتذكر شيئًا …”
انهمرت دموعها على وجنتيها المتوردتين.
“لا أستطيع تذكّر أي شيء”
كان هذا أفضل ما تستطيع قوله في تلك اللحظة.
“لم أرغب في خيانتك، ولم أفكر يومًا في خيانتك”
ومع أن اعترافها بدأ بكلمات بسيطة، إلا أنه ما لبث أن خرج عن السيطرة، متدفقًا كالسيل الجارف.
“فجأة وجدتُ نفسي زوجتك عندما استيقظت، وحين بدأت أستوعب ما يحدث، كنتُ قد حملت بالفعل”
“…ماذا؟”
“و بالطبع لم أكن أعلم أن والد الطفل هو ولي العهد. أنا أيضًا لم أعرف إلا بعد أن وُلد داميان …! كنتُ … كنتُ أعتقد بكل تأكيد أن داميان هو ابنك. و لهذا ، ظننتُ أنه عندما أعود بالطفل … سأتمكن من حل كل شيء بيننا. كنتُ أظن أننا سنوضح كل سوء تفاهم. لكن … بعدما ظهرت على داميان علامة الدم الملكي …”
و لهذا ، دون قصد، أصبحت كما لو أنني هجرتك و هربت.
قالتها بكل صراحة.
لكن كلما استرسلت داليا في الحديث ، ازداد العبوس في ملامح كلايتون. بدأت الشكوك تملأ نظرته ، و ظهر في عينيه بعض من عدم التصديق.
“ما الذي تعنينه؟ أنكِ لا تتذكرين؟ هل تتوقعين مني أن أصدق ذلك؟”
“صدق أو لا، الأمر راجع لك! لكنني الآن أقول الحقيقة”
ساد صمت ثقيل بينهما.
كان كلايتون في حالة اضطراب داخلي شديد.
لم يكن يتوقع من داليا سوى اعتذار باهت ، لكن الذي سمعه كان شيئًا آخر تمامًا—أقرب إلى ما لا يُعقل.
هل تستخفّ بي؟
أم أنها تكذب من أجل الطفل؟
رمقها بنظرة شكية، لكنه لاحظ أن نبرة صوتها التي تنفّست بها السر المخفي، لم تكن نبرة كاذبة.
وفي تلك اللحظة، تذكّر كيف تغيّرت داليا فجأة ذات يوم ، وكأنها تحولت إلى شخص مختلف تمامًا.
هل أنا المجنون هنا؟ أم أنني فقط … أريد تصديقها؟
عقله كان يرفض القصة ، لكن قلبه كان يبحث عن منطق يجعلها صحيحة.
رغم ارتباكه الذي لم يهدأ ، سألها:
“إذًا، إن كنتِ تعتقدين أن الطفل لي، فلماذا هربتِ؟”
فأجابت داليا دون تردد:
“لأنّكَ كُنتَ تنوي قتل الطفل”
“…”
“كنت أرجوك أن نتحدث، لكنك لم تستمع إليّ أبدًا.”
سكت كلايتون أمام كلامها المليء بالعَتَب.
لأنها كانت محقّة. لم يكن هناك ما يمكنه قوله لينكر الأمر، حتى كذبة صغيرة لم يستطع أن يتفوّه بها.
فهي بالفعل، بعد أن حُبست في البرج، كانت ترجوه مرارًا أن يتحدث معها.
وفي لحظة، شعر وكأن كل ما حدث من مآسي هو خطؤه.
ثم جاءت كلماتها التالية، كالطعنة: “ولو أن داميان كان ابنك فعلاً… كنت ستقتله حقًا، أليس كذلك؟”
شعر أن كلماتها أصابت أعماقه.
“أنا …”
لم تكن مخطئة.
لقد كره الفكرة بأن الطفل قد يكون من دمه. أن يرث لعنته.
كانت تلك الفكرة بحد ذاتها مروعة. لكن ما كان يرعبه أكثر من كل شيء …
“…كنتُ خائفًا أن أفقدكِ”
كنت خائفًا أن تموتي.
أن تتركي هذا العالم وأبقى وحيدًا فيه من دونك.
عند تلك الكلمات، اتسعت عينا داليا وتوقفت دموعها فجأة.
“كنت خائفًا من أن تموتي، لأنكِ لن تستطيعي التغلب على لعنة العائلة.”
“……”
“و عندما سمعتُ بخبر موتكِ… أنا…”
لكن ما إن واصل كلايتون حديثه، حتى بدأت ملامح داليا تتغيّر بانزعاج.
“خبر موتي؟ ماذا تقصد بذلك…؟”
غير أن كلايتون لم يسمع سؤالها، واستمر بالكلام:
“لا أستطيع العيش من دونِكِ”
من دونكِ ، لم يعد للقب الدوق ، ولا لكوني سيد عائلة ساير أي أهمية. عندما أدرك ذلك ، فقد كل ما حدث سابقًا معناه.
“حتى وإن خنتِني، وحتى إن غرستِ خنجرًا في ظهري، فلن أستطيع التخلي عنك.”
وإن متِّ، فسأُبقي حتى جسدكِ بجانبي.
مسح كلايتون بأصابعه دموع داليا المتبقية على خدها.
“لذا، لا تفكّري أبدًا في مغادرتي مرة أخرى. لا يهم إن لم تحبيني، فقط ابقي بجانبي”
كانت حرارة يده على خدها دافئة جدًا.
“سأسمح لكِ برؤية الطفل أيضًا. ربما ليس كثيرًا، لكن يمكنكِ رؤيته بين حين وآخر. وإن كبر داميان قليلًا وخفّت علامة العائلة الملكية لديه… سأتبنّاه رسميًا ليكون ابنًا لعائلتنا”
ثم، بصوت مفعم بالتوسّل والشوق أكثر من أي وقت مضى، قال: “لذا، أرجوكِ، عِديْني. عِديْني أنكِ لن تذهبي إلى ولي العهد. إن وعدتِني أنكِ لن تختاريه… سأعطيكِ كل شيء.”
في النهاية، خضع كلايتون. لم يعد بإمكانه إنكار أي شيء.
أنا… أحب داليا.
“…هل يحبني الدوق حقًا؟” ،
رنّ صوت داليا في أذنيه ، و هي تسأله إن كان يحبها.
حب؟
إن كان حتى هذا القلب المعوجّ يُعدّ حبًا …
“بكل شغف”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "113"