كان جورج، الذي عاد إلى مسقط رأسه في “فيلسين” ليقضي حياة هادئة في شيخوخته ، يعاني مؤخرًا من صداعٍ شديد ، و لكن ليس بسبب المرض ، بل بسبب أتباع دوقية ساير الذين اجتاحوا القرية الهادئة.
في البداية، كانوا يطلبون الدواء بلطف ويرجون مساعدته، أما الآن، فقد بدأوا يهددونه.
ورغم أنه كان يود في قرارة نفسه أن يعطيهم العلاج سريعًا ليتخلص من وجودهم في فيلسين، إلا أنه لم يستطع أن يتصرف كما يشاء بسبب أمر ولي العهد الذي طلب منه الانتظار، فظل في حيرة و عجز.
وأخيرًا، وصل الرد من ولي العهد هذا الصباح.
لكن جورج ، الذي فتح الظرف بسعادة ، تجمد وجهه ما إن قرأ الرسالة.
“لا تُعطهم العلاج؟!”
كانت الرسالة تطلب منه أن يُعطيهم دواءً آخر بدلًا من العلاج الحقيقي.
و الدواء الذي أمر ولي العهد بإعطائه بدلًا من العلاج …
كان بمثابة سم قاتل بالنسبة للطفل.
ما الذي يفكر فيه هذا الرجل بحق السماء؟
جورج ضغط على جبهته بأصابعه بقلق و ارتباك.
لقد عرف منذ زمن طويل أن ولي العهد مختلف عن الآخرين.
و كان يدرك تمامًا أنه ليس مناسبًا ليكون إمبراطورًا في المستقبل.
فمن يعامل أرواح البشر وكأنها نملٌ عابر، لا يمكن أن يحكم الشعب بعدل.
لكن كل هذا لم يكن يعني جورج في الأصل. فقد كانت مهمته تقتصر فقط على رعاية أفراد العائلة الإمبراطورية.
وكان يخطط أصلًا لأن يتقاعد عندما يتولى أليكسيون العرش، معتقدًا أنه لن يكون بينهما أي احتكاك بعد ذلك.
لكن منذ أن طلب منه أليكسيون قبل خمس سنوات أن يسلمه ذلك الدواء، بات مرتبطًا به بشكل لا يمكن الفكاك منه.
و منذ ذلك الحين ، أصبح عرضةً لتهديدات دوق ساير أيضًا.
“هاه …”
اليوم هو آخر مهلة أعطوها له لتسليم العلاج. و إن لم يُعطِهم إياه اليوم ، فالدوق لن يتردد في إيذاء عائلته.
فتح جورج الدرج بقلب مثقل ، و كان بداخله دواء بلون أزرق متوهج.
كان هو العلاج الحقيقي ، الذي حضّره بنفسه بعد أن غادر ولي العهد مباشرة.
ما الذي ينبغي علي فعله الآن …؟
من تصرفات أتباع الدوق المضطربة ، كان واضحًا أن حالة الطفل ليست جيدة. و إذا أعطى الدواء الذي أمر به ولي العهد في مثل هذا الوضع، فلا شك أنه سيكون …
وفيما كان جورج غارقًا في تردده وعجزه، سُمع صوت طرق على الباب.
لقد حان الوقت المحدد الذي وعدهم به.
في النهاية، وبعد طول تردد، فتح جورج درجًا آخر.
آملًا من أعماقه أن يكون قراره هو الصواب.
* * *
“دوق”
اقترب كاديسون من كلايتون الذي كان يعمل في مكتبه المؤقت داخل المخبأ. بدا أن لديه أمرًا عاجلًا يبلغه ، فقد كانت خطواته سريعة.
“ما الأمر؟”
“وصلت رسالة من فيلسين”
توقّف كلايتون عن تحريك قلمه بمجرد سماعه اسم “فيلسين”.
“فيلسين؟”
“نعم، يبدو أنهم حصلوا أخيرًا على العلاج. ولحسن الحظ، سلّمه جورج من دون مقاومة تُذكر. على الأرجح، سيصل الدواء الليلة كحد أقصى.”
كان خبرًا سارًا بحق.
فداميان كان يعاني من ارتفاع مستمر في درجة حرارته كل يوم. بل إن الأمر وصل به إلى نوبات تشنج شديدة الليلة الماضية.
حتى الطبيب قال إنه لم يعد هناك أمل في أن يتحمّل جسده أكثر، وطلب منهم أن يكونوا مستعدين للأسوأ.
لا يوجد كلمات تستطيع وصف مدى خطورة الوضع.
الآن، مع ظهور بوادر لحل إحدى المشكلات التي أثقلت كاهله، أطلق كلايتون زفيرًا قصيرًا.
فتابع كاديسون حديثه بحذر:
“حسنًا… وماذا علينا أن نفعل الآن؟”
“بشأن ماذا؟”
“بمجرد أن يتناول الطفل العلاج، سيبدأ في التعافي شيئًا فشيئًا. لذا، أعتقد أنه من الأفضل البدء في تجهيز مكان لإقامته مسبقًا…”
عند سماعه نصيحة كاديسون ، تذكّر كلايتون ما كان قد نسيه للحظة.
صحيح، كنت قد قررت ذلك.
كان ينوي فصل داميان عن داليا بعد أن يتعافى.
كانت الأمور المتعلقة بمملكة إيستر توشك على الانتهاء، مما يعني أن موعد عودته إلى الإمبراطورية مع داليا لم يتبقَّ عليه الكثير.
عندها، مرت في ذهنه صورة الطفل وهو يطلب أمه، وصورة داليا. وبينما كان يتخيل ملامحهما، قال كلايتون ببطء: “ابحث عن مكان ليس بعيدًا كثيرًا عن العاصمة. مكان يمكن الوصول إليه خلال يوم أو يومين بالعربة”
“…ماذا؟ ولكن لماذا؟ ذلك سيزيد من احتمال كشف أمر الطفل من قبل العائلة الإمبراطورية. لا يوجد سبب لتحمل مثل هذه المخاطرة.”
ظهر الارتباك على وجه كاديسون بسبب أوامر كلايتون.
فقد كان السبب في فصل داميان بالأساس هو إخفاء وجوده عن العائلة الإمبراطورية.
“أحيانًا…”
لكن بعد كلمات كلايتون التالية، لم يستطع كاديسون أن يضيف شيئًا آخر.
“أفكر فقط … ربما من الأفضل السماح لهما بلقاء بعضهما أحيانًا.”
عندما حان وقت فصلهما فعليًا، شعر قلبه بالضعف.
فداميان، الذي لا يزال صغيرًا، لم يفارق ذهنه.
في الواقع، لم يكن عليه أن يهتم بمشاعر الطفل.
لكن، ولسببٍ ما، لم يرغب في رؤيته حزينًا.
“…مفهوم. سأبحث عن مكان آمن قدر الإمكان. وأيضًا، هذا…”
لم يجد كاديسون ما يعارض به كلمات كلايتون ، فاكتفى بهزّ رأسه موافقًا، ثم سلّمه قنينة زجاجية صغيرة.
“حان وقت شربها”
كان ما بداخل القنينة الزجاجية الشفافة دمًا. وعندها فقط، أدرك كلايتون أنه مضى وقت طويل دون أن يشرب دمًا، فأطلق تنهيدة قصيرة.
ربما لكون داليا قريبة منه مؤخرًا، لم يشعر بالعطش كالسابق.
رفع كلايتون القنينة بتعبير خالٍ من المشاعر. و عندما حرّكها قليلًا في يده، تمايل السائل الأحمر داخلها. لم يكن دم غزال ، بل دم روز هيرتز.
كان دمًا يُرسل إليه بإنتظام من بيت هيرتز منذ عدة سنوات، منذ أن أعلنت روز استعدادها لتزويده به.
وبينما كان يحدّق به بصمت، قال:
“أخبر عائلة هيرتز … أنني لم أعد بحاجة إلى دم روز هيرتز بعد الآن”
“حسنًا، سأنقل الرسالة.”
وبذلك، انسحب كاديسون من المكان.
كانت تنتظره أعمال كثيرة يجب معالجتها في الحال، لذا كانت خطواته أسرع من المعتاد.
ولكن، ما إن وصل إلى الباب، حتى توقف فجأة في مكانه.
“سيدتي …؟”
كانت داليا تقف أمام الباب.
“منذ متى وأنتِ هنا …؟”
“أنا… في الحقيقة…”
بدت متوترة أيضًا، وبدأت تتلعثم في كلامها.
وفي تلك اللحظة، تبادل كلايتون و كاديسون نظرة سريعة، ثم انحنى كاديسون أمامها بانحناءة احترام.
“إذن، سأذهب الآن. إذا كنت بحاجة إلى شيء، فقط نادِني”
مع انتهاء تلك الجملة، لم يبقَ في الغرفة سوى شخصين.
و ساد صمت محرج بينهما.
و كان من كسر هذا الصمت أولاً هي داليا.
“… أنا آسفة. لم أقصد التلصص على الحديث. لقد أتيت فقط لأن لدي ما أقوله لك …”
وأثناء حديثها، ثبتت عيناها على القارورة الزجاجية التي كان كلايتون يحملها. ويبدو أنها فهمت من الحديث السابق ما بداخلها.
كيف نسيت ذلك؟
في الحقيقة، داليا شعرت ببعض الصدمة بعد أن استمعت لحديثهما خلسة. لقد نسيت أن كلايتون لا يستطيع البقاء على قيد الحياة إلا إذا شرب الدم.
وما زاد من غرابة الأمر، أن كلايتون الذي التقته بعد خمس سنوات، لم يطلب دمها على الإطلاق. لماذا لم يطلبه منها؟
لم تستطع أن تكتم هذا السؤال الذي ظل يدور في رأسها، فسألت بحذر: “لماذا لم تطلب مني أن أعطيك دمي؟ لو كنت قد طلبت، أنا كنت…”
كنت سأعطيك بكل سرور.
عند سؤالها، وضع كلايتون القارورة الزجاجية على المكتب وقال:
“لأن هذا كان كافيًا”
عندها نظرت داليا مجددًا إلى القارورة.
قال سابقًا إنها تحتوي على دم روز.
لم يخطر ببالها أنه كان يعيش طوال الوقت على دم روز.
بل، كان دم روز كافيًا بالنسبة له…
لقد كانت تعيش في وهم أنها شخص مميز بالنسبة لكلايتون.
بينما كان يكفيه فقط دم شخص حي للبقاء.
ورغم أنها لم تكن تتوقع ذلك، تسللت مشاعر معقدة إلى قلبها، بل حتى شعرت بشيء من الحزن.
ولكن بعد لحظات، اتسعت عيناها بدهشة، حين أدركت أنها شعرت بالحزن.
مهلاً… حزن؟
كان ينبغي أن تشعر بالراحة، أليس كذلك؟ لم تعد بحاجة إلى منحه دمها، ولم يعد هو مضطرًا للتمسك بها.
لكن لماذا …
وبينما كانت داليا تغرق في دوامة من التساؤلات، خطرت ببالها فجأة ذكرى اليوم الذي قابل فيه كلايتون الأميرة.
الآن وقد تذكرت، حين أعلن أنه سيتزوج من الأميرة، شعرت حينها بمشاعر سيئة. وإن بالغت قليلاً، كانت وكأن العالم ينهار من حولها، بل وحتى شعرت بخيانة غريبة لا تفسير لها.
لا يمكن… هل من الممكن أنني…
وفي اللحظة التي كانت داليا على وشك أن تدرك فيها شيئًا مهمًا ، تسللت كلمات كلايتون إلى أعماق تفكيرها.
“ربما قد سمعتي، لقد حصلنا على العلاج.”
“حقًا؟”
في الواقع، داليا لم تسمع الجزء السابق من الحديث قبل موضوع القارورة. فقد وصلت إلى الغرفة في اللحظة التي كان فيها كاديسون يسلم القارورة لكلايتون.
“على الأرجح، سيصل الليلة على أبعد تقدير”
الليلة إذًا.
كانت قلقة بالفعل بشأن حالة داميان الصحية. لذا كان الأمر مريحًا للغاية بالنسبة لها.
وعلى وجهها بدأت ترتسم ملامح الارتياح والفرح.
لكن لم تلبث أن تجمدت ملامح وجهها عند سماع الجملة التالية من كلايتون: “من الأفضل أن تبدأي الاستعداد للانفصال عن الطفل”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "112"