أن يكون أول ما يقوله الطفل عند رؤيته هو “أنا آسف”؟ لم يفهم تصرّف الطفل على الإطلاق.
لذا، سأل بنبرة تدل على عدم الفهم:
“ولمَ تعتذر لي؟”
كانت مجرد سؤال عابر، طرحه بلا اهتمام.
لكن الإجابة التي حصل عليها لم تكن عابرة أبدًا ؛ بل حطّمت ذلك الوجه البارد المتحجر.
“لأنك… تكره أمي، بسببي…”
“…ماذا؟”
“وأنت تكرهني أيضًا…”
تجمد جسد كلايتون تمامًا، وكأنه سمع شيئًا لا يجب أن يُقال.
لم يكن ليتخيل أبدًا أن يسمع مثل هذه الكلمات من فم طفل لم يتجاوز الخامسة.
لماذا يقول الطفل شيئًا كهذا؟
استعاد كلايتون ما حدث في ذهنه ، محاولًا فهم السبب ، حتى اصطدم بتلك العبارات التي تفوّه بها سابقًا:
«لم أعد بحاجة لأن أقتل الطفل بيدي»
«أتظنين أنني سأنقذ ابنك؟»
كلمات تفجرت من فمه دون تردد ، و قد أعماه الغضب ، دون أن يُدرك أن الطفل كان حاضرًا وقتها.
هل سمع كل شيء …؟
في الواقع، سيكون من الغريب أن لا يسمع.
حتى وإن كان صغيرًا، فأذناه تسمعان.
و أسهل ما يمكن أن يشعر به الطفل هو الكراهية الموجهة إليه.
عضّ كلايتون شفته برفق، ثم التقت عيناه بعيني داميان.
كان الطفل مستلقيًا بلا حراك ، دون أن يظهر عليه أي انفعال ، لكنه كان ينظر إليه بثبات ، يطلب الغفران.
أو بالأحرى، يتوسّل إليه من أجل والدته.
ظل كلايتون يحدّق إليه بصمت، ثم قبض يده ببطء.
لم يعرف كيف يجب أن يرد.
لقد كان يكره داليا.
و يكره هذا الطفل أيضًا ، الذي يثبت خيانتها بعلاقته برجل آخر.
لقد كان يحقد عليهما، لأنهما عاشا هنا بسعادة بينما كان هو يغرق في الجحيم.
ولذلك، كان من المنطقي أن يقول: “نعم، أكرهكما.”
لكن، ولسبب غريب، لم يستطع أن يتفوه بها.
طوال حياته، لم يكن يومًا يراعي مشاعر الآخرين حين يتحدث.
فهو في موقع لا يُلزمه بذلك، وكان دومًا من أولئك الذين يفعلون ما يشاؤون دون تردد.
ولم يحدث من قبل أن تردّد أو تردّع قبل أن يجيب.
و خاصة أمام طفل صغير لم يتجاوز الخامسة.
لكن، الطفل كان أذكى بكثير مما ظنّه كلايتون.
كلما طال صمت الرجل، أدرك الطفل أن الإجابة لن تكون جيدة.
ومع مرور الوقت، بدأت ملامح الحزن تغطّي وجه داميان.
بصوتٍ خافت يكاد يندثر، كرّر داميان كلامه وقد بدا عليه الحزن أكثر من ذي قبل: “…أرجوك، سامحني.”
“……”
“لا تكره أمي، أرجوك …”
تسلّلت كلمات الاعتذار، المتلعثمة بنطقٍ طفولي غير متقن، إلى أذني كلايتون.
لم يكن ليتوقّع أبدًا أن يسمع اعتذارًا كهذا من فم طفله ا، بعد أن لم يسمعه من داليا نفسها.
شعر بشيء ثقيل يجتاح صدره، شعور مألوف لكنه موجع … ثم تبعه سيلٌ من الذنب.
ما ذنب هذا الطفل؟
إنه لا يعرف حتى من هو والده.
كل ما في الأمر أنه وُلد دون أن يُؤخذ رأيه.
حتى لو كان قد وُلد بعد أن التهم أمه من الداخل ، ها هو حيّ يُرزق ، يعيش كأي كائن آخر.
رأى في الطفل انعكاسًا لذاته.
تذكّر نفسه عندما كان صغيرًا، يتساءل دومًا:
هل أنا وحش؟ هل أمي ماتت بسببي؟ هل أبي يكرهني؟
لم يكن هناك من يجيبه أو ينفي عنه تلك الظنون.
لا والده الذي كان لا يفكر إلا في مجد العائلة …
ولا والدته التي رحلت مبكرًا ودُفنت تحت التراب.
لم يكن هناك أحد يخبره بأنه ليس السبب.
وبينما كان تائهًا في ذكرياته، فتح كلايتون فمه أخيرًا و قال: “أنا…”
لكن صوته اختنق وسط دوامة من المشاعر.
“أنا لا أكرهك.”
فقط، لم أستطع أن أحبك.
لم أستطع أن أقبلك بعد.
لكنك، كطفل، لم ترتكب أي خطأ يستحق الكراهية.
وإن لم أقل شيئًا الآن، فربما ستعيش حياتك كلها تلوم نفسك … كما فعلت أنا.
اتسعت عينا داميان عند سماع الرد ، و بدأ يحدق في الرجل باندهاش.
عيناه، اللتان تشبهان الأحجار الكريمة، اهتزّتا بشدة وكأنهما لا تصدّقان ما سمعته.
“حقًا…؟ أنت لا تكرهني؟”
رغم أنه سمعه بنفسه ، لم يستطع أن يصدق تمامًا ، فأعاد السؤال.
وهنا، أومأ كلايتون برأسه بخفة، وأجاب من جديد:
“نعم…”
وفجأة، ازدهر وجه داميان بابتسامة مشرقة.
بدت عليه راحةٌ واضحة، وكأن حملًا ثقيلًا انزاح عن قلبه الصغير.
رغم أنه يُعتبر ناضجًا بالنسبة لعمره، إلا أنه ما زال في الخامسة.
وفي هذا العمر، يؤمن الأطفال بكل ما يُقال لهم.
لذلك، لم يشكّ في كلام الرجل ولو للحظة.
بعد لحظات، قال داميان بصوت خافت، فيه بعض الحذر ولكن أيضًا بعض الأمل: “إذًا… عمي…”
ولم ينسَ أن يراقب ملامح كلايتون أثناء حديثه.
“هل يمكنني… رؤية أمي؟”
“……”
“أشتاق لها… أريد أن أراها”
لم يتبقَ أي أثر من مظهره المتماسك قبل لحظات، وبدأ صوته يرتجف عندما قال إنه يشتاق إلى والدته.
عندما سمع داميان يقول إنه يريد رؤية والدته، غرق كلايتون في التفكير. وفي الوقت نفسه، مرّ في ذهنه مشهد داليا وهي ترجوه أن يسمح لها برؤية الطفل.
على أي حال، عندما تنتهي فترة العلاج، هذا الطفل…
لن يرى داليا مرة أخرى. لأنه سيحرص على ألا يحدث ذلك.
كان خيارًا لا مفر منه إذا أراد أن يبقى مع داليا. لذا …
خطر له أنه ربما لا بأس أن يكون الاثنان معًا طالما أنهما هنا.
أليس من الممكن أن يُتفَهَّم ذلك؟ على الأقل من أجل هذا الطفل الذي لا يشعر بما سيأتي من فراق قريب.
وبينما كان يحدق في دميان بصمت للحظة، أومأ كلايتون برأسه.
“حسنًا.”
“حقًا؟!”
نهض الطفل من مكانه، وقد كان يحدق في وجه كلايتون بعينين مليئتين بالتوتر والقلق، ثم انطلق فجأة ليعانقه بإبتسامة مشرقة لم يُظهر مثلها من قبل.
“شكرًا لك ، عمي!”
وعلى عكس داميان المشرق، تجمد جسد كلايتون من التوتر.
لم يكن يتوقع أن يعانقه الطفل فجأة.
توقف في مكانه في وضع غير مريح ، لا يحتضنه ولا يبعده.
ثم خفض رأسه ونظر إلى وجه ديميان.
هل هو ببساطة ساذج؟ أم نقي؟ أم أن ذاكرته ضعيفة؟
كان يبتسم له ببراءة وكأنه لم يسمع أبدًا تلك الكلمات التي قالها.
“…”
كان جسد الطفل الصغير والناعم لا يزال دافئًا، على ما يبدو أن الحمى لم تنخفض بعد.
و كان يدفن وجهه في صدر كلايتون مرارًا من شدة فرحته بأنه سيلتقي بوالدته.
و من تلك الابتسامة البريئة التي لم تحمل أي أذى، امتدت عدواها إلى كلايتون، فوضع يده بلا مبالاة على رأس الطفل.
كانت حركة محرجة للغاية.
ثم استدار مباشرة إلى الخلف. و عندما التقت عيناه بعيني كاديسون الواقف قرب الباب ، أومأ له الأخير و كأنه فهم ما يريده سيده. ثم خرج فورًا ليعود بالشخص الذي انتظره داميان طويلًا.
“داميان!”
“أمي!”
ما إن دخلت داليا الغرفة، حتى اندفع داميان مبتعدًا عن كلايتون وركض نحوها. ربما لأنه ظل مستلقيًا في السرير لفترة طويلة، فقد ترنح جسده قليلًا.
“داميان …”
راحت داليا تردد اسم ابنها، بينما تلامس وجهه مرارًا و تكرارًا ، وكأنها تتأكد من أنه لم يصب بأذى في أي مكان.
كانت الدموع تتساقط دون توقف على خديها وهي تحدق في وجه طفلها.
أما داميان ، الذي كان متماسكًا أمام كلايتون ، فقد انفجر أخيرًا بالبكاء ودفن وجهه في حضن داليا. كان لقاءً مؤثرًا لا يمكن وصفه إلا بأنه لقاء مشحون بالدموع.
ومن على بعد خطوات قليلة، كان كلايتون يراقب الاثنين بصمت.
مرة أخرى.
لم يستطع التخلص من الشعور بأنه غريب بينهما.
عالم لا يمكنه أبدًا أن يتسلل إليه …
عائلة دافئة.
حياة زوجية سعيدة.
طفل يشبهه.
لن يمتلك أيًا من تلك الأشياء أبدًا.
في تلك الصورة… لن أكون موجودًا أبدًا.
كما كان الحال دائمًا.
كان يشعر بفراغ داخلي و كأن كل شيء أصبح بلا معنى.
كلايتون، الذي بالكاد استطاع تجاهل مرارة قلبه، بدأ يتحرك بخطوات ثقيلة. شعر أنه يجب أن يبتعد عن هذا المكان بأسرع ما يمكن.
لأن رؤيته لهذين الاثنين تجعله يشعر بالانكسار أكثر فأكثر. وبينما كان يسرع الخطى، واقترب من باب الغرفة، كاد أن يختفي من أنظارهم، حينها نهضت داليا.
“كلايتون.”
توقف الرجل في مكانه عندما نادته داليا.
بدا وكأنها تحاول قول شيء ما، فترددت للحظة، ثم بصعوبة نطقت بكلماتها.
“شكرًا لك ، و أيضًا …”
ترددت قليلًا، ثم تابعت:
“أنا آسفة.”
من أعماق قلبها.
“…”
من دون أن يلتفت، استمع كلايتون بصمت إلى اعتذارها، ثم واصل طريقه من غير كلمة واحدة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "111"