ارتعشت عيناها و هي تُحاوِلُ التأكّد مرارًا من وجود الرجل الذي يقف أمامها.
ما الذي يفعله هذا الرجل هنا؟ جَفَّ فمُها من هولِ الواقع الذي بدا وكأنه حُلم، وابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة.
وبينما كانت داليا متيبّسة في مكانها، تقدَّم كلايتون بالكلام:
“لم أتخيّل حتّى في أحلامي أنّكِ ستكونين هنا”
كانت نبرة صوته عادية، لا غضبَ فيها ولا عتب.
“وفوق هذا، ما زلتِ على قيدِ الحياة، بل وقد أنجبتِ طفلاً أيضًا”
وفي اللحظة نفسها، خطا كلايتون خطوةً إلى الأمام.
داليا، وقد استشعرت الخطر بشكلٍ غريزي، تراجعت خطوةً إلى الوراء دون أن تدري.
خطوة … ثم خطوةٌ أخرى.
و سرعان ما أصبح قريبًا منها جدًا ، ونظر مباشرةً في عينيها.
انعكس وجه المرأة التي كان يبحث عنها لسنواتٍ طويلة في عينيه الحمراوين.
لقد كان لقاءً بعد فِراق دامَ خمسَ سنوات.
مدّ كليتون يده نحو وجه داليا، الذي لم يره إلا بعد مضي هذه السنوات الخمس. مسح بإبهامه خدّها الذي برد فجأة، كما لو كان يحاول التمييز بين الحلم والحقيقة.
هل كان الصوت الوحيد في هذا السكون الخانق هو صوت دقات قلب داليا المضطربة؟ انتقل نظر كلايتون بهدوء إلى الطفل الذي كانت تحتضنه في صدرها.
شَعرٌ ذهبيٌّ يُمثّل رمزية العائلة الإمبراطورية. عينا الطفل مغلقتان، لكن من المؤكّد أن لون عينيه سيكون مثلهم أيضًا.
ابتسم كليتون ابتسامةً خفيفة بعدما تأكد من مظهر الطفل.
أدركت داليا أن نظرات كلايتون قد ثَبَتَت على داميان ، فأخفته سريعًا بين ذراعيها.
ولكن، كان ذلك سببًا آخرَ لزيادة انزعاج كليتون.
قطّب حاجبيه بشدّة ، ثم تكلّم:
“مَن هو والدُ الطفل؟”
ثَبَتَت نظراتُ كلايتون الحادّة على وجه داميان النائم، وكأنّه يحاول العثور على أثرٍ لأيّ شخص يعرفه في ملامح الطفل.
“هل هو أليكسيون؟”
هل كان ذلك سؤالاً غبيًا؟
الطفل نفسه ، بمجرّد وجوده ، يصرخ بصمتٍ أن في عروقه يجري دم العائلة الإمبراطورية. ضحك كلايتون بسخرية من سؤاله الساذج.
تهرّبت داليا من نظراته، وحدّقت إلى داميان.
لم تعرف كيف تُجيبه. فهي نفسها لا تعرف من هو والد داميان الحقيقي.
لكنها أيضًا لم تستطع أن تقول لكلايتون بأنها تجهل هوية والد الطفل، فلم يكن أمامها سوى أن تعضَّ شفتها بصمت.
وذاك الصمت، بالنّسبة لكلايتون، كان بمثابة تأكيدٍ على ما كان يتوقّعه. فإلتوى طرفُ شفَتَيه مرةً أخرى وكأنه كان يعلم منذ البداية.
الغريب في الأمر، أنّه لم يشعر بأي اضطرابٍ عاطفي.
حين كان ينتظر قدوم داليا إلى هذا المكان، كان يُخطّط لأن يَنفُثَ كلّ ما تراكم في صدره من غضبٍ قديم.
لكنّ قلبه كان هادئاً بشكلٍ غريب، كما لو أنّ السنوات الطويلة من الألم والمعاناة لم تكن ذات جدوى.
لقد تخيّل هذا اللقاء مئات، بل آلاف المرّات.
ماذا لو كانت داليا على قيد الحياة؟
ماذا لو جاء اليوم الذي يلتقيها فيه مجدّدًا؟
«يجب أن أَحبِسَ داليا في مكانٍ أشدّ صلابةً من البرج في القصر، وأكثرَ وحدةً من هَدسون.»
وإن لم يكن ذلك كافيًا ، فقد فكّر في أن يُقَيِّدَ قدميها بالسلاسل حتى لا تستطيع الحركة بمفردها.
بل وحتى أن يُزيلَ النوافذ من الغرفة، خشية أن تنظر إلى السماء فتُراوِدَها رغبةٌ في الحرية من جديد.
وهكذا، فإن السنوات الخمس التي اختفت فيها داليا بدأت تنهش روحه شيئًـا فشيئًـا.
تحوّل الغضب تجاه المرأة التي خانته إلى ندمٍ ، ثم تحوّل إلى يأسٍ لا نهائي يُطبق على عنقه كحبل مشنقة.
عامٌ تِلْوَ عام ، و مع تغيّر الأيام ، كان يعاهد نفسه أن يُذيق تلك المرأة نفس الألم الذي عاناه.
لكن ، الغريب أن كل تلك الصور التي رسمها في مخيّلته تبعثرت كالرياح في اللحظة التي التقى فيها بعيني داليا من جديد.
وجود داليا أمام ناظريه فجأة جعل كُلّ مشاعر الكراهية العالقة في صدره تبدو بلا معنى ، بل شعر بالارتياح لكونها لا تزال على قيد الحياة.
«هذا يكفي الآن»
يكفي أنها حَيّة.
يكفي أنها باتت على بُعدِ خطوةٍ منه، وفي متناولِ بصره.
أو على الأقل، هذا ما كان يظنه …
حتى دخل رجلٌ آخر خلفها.
“ثمة أمرٌ غريب… الأجواء مشحونة بطريقةٍ غريبة…”
كان صوت لويد المتأخر يُحاول ملء الصمت الثقيل في الغرفة.
وما إن أبصر الرجل الواقف أمامه، حتى ارتجف جسده للحظة ، لكن سرعان ما تقدّم بخطواتٍ ثابتة ليقف حائلاً بين داليا و بين كلايتون.
“ما الذي تفعله هنا؟!”
حركة جسده ، التي تُشبه مَن يحاول حماية امرأته من قطاع طرق، جعلت ملامح كلايتون تتلوّى بغضبٍ واضح.
“ذلك ما كان يجدر بي أن أسأله”
“…”
“من كان ليُصدق أن الوريث الأكبر لعائلة هيرتز المختفي سيظهر في مكانٍ كهذا… ومع زوجتي المفقودة”
كان كلايتون يحدّق فيه بنظراتٍ تُشبه الاستجواب، بينما كان لويد يعضّ شفتيه و لم يُسقط حذره للحظة ، قبل أن يسأله بنبرةٍ صارمة:
“ما الذي تريده؟”
كان ذلك مثيرًا للسخرية. أن يأتي هذا الرجل، الذي اختطف منه أعزّ ما يملك، ويسأله ما الذي يريد!
كلايتون، وقد ضاق ذرعًا بلويد، تمتم بنبرةٍ باردة:
“لقد خَلَطتَ الترتيب.”
وما هي إلا لحظات، حتى كان كلايتون قد اقترب كثيرًا ، وأمسك لويد من تلابيبه بشراسة.
“قبل أن تسألني، كان عليك أن تركع وتطلب المغفرة أولاً.”
وما إن انتهت كلماته، حتى سدد لكمة قوية إلى وجه لويد.
تردّد صوتُ الضربة في المكان، وخرج تأوّهٌ مكتوم من فم لويد الذي سقط إلى الوراء.
“لويد!”
صرخت داليا بإسم لويد، وكأنّها تصرخ من هول الفاجعة.
لم تتخيّل أن كلايتون قد يستخدم العنف بهذه الطريقة.
وفجأة، استيقظ داميان مفزوعًا على الصوت المرتفع الذي ملأ المكان.
“… ماما؟”
كان داميان يتلفَّت حوله بنظراتٍ مذهولة، ثمّ نظر إلى لويد المُلقى على الأرض. و بعد أن أدار رأسه ، التقت عيناه بعيني كلايتون المتقدتين غضبًا.
رمش داميان بعينيه للحظات، ثم بدا أنه أدرك قُبحَ الموقف، فما لبث أن انفجر باكيًا من شدّة الخوف.
“أواااااه-!”
رغم أنه كان طفلاً ناضجًا مقارنةً بأقرانه ، إلا أنّ عمره لم يتجاوز الخمس سنوات، وكان من الصعب عليه أن يتحمّل موقفاً كهذا.
“لا بأس، ليس هناك ما يُقلق يا داميان.”
كانت داليا تُحاول تهدئته وهي تراقب تعابير وجه كلايتون بحذر. لكن الحزن الذي انفجر في صدر الطفل لم يكن ليسهل إسكاته.
ربما خفّت نيران الغضب المتأجّجة في صدر كلايتون بسبب بكاء الطفل المفاجئ، فلويد الذي كان قد لطّخ الدمُ طرفَ فمه، مسحه بظهر يده ثم نهض من مكانه.
وبدون تردّد، مدّ يده نحو داميان.
“دعيني أُمسكه”
عندما كان داميان يبكي بهذه الطريقة، كان لويد هو من يُهدّئه في العادة بدلاً من داليا.
رغم أنّه طفلٌ في الخامسة، إلّا أنّ التعامل معه كان أسهل بالنسبة للويد من داليا، خاصةً لكونه فتى.
وكانت داليا، المرهقة من بكاء ابنها، قد نسيت للحظةٍ أنّ كلايتون ما زال واقفاً أمامها، فناولته الطفل بشكلٍ عفوي.
لكنّ داميان، في لحظة احتضان لويد له ، تلفّظ بذلك الخطأ المتكرّر الذي اعتاد قوله …
“أبي-!”
الكلمة التي خرجت من فمٍ صغير، كأنها دلْوُ ماءٍ بارد على صدر كلايتون الذي كان يراقب بصمت.
ماذا قال الطفل لتوّه؟ لقد ناداه … أبي
كلايتون ردّد في داخله بهدوء تلك الكلمة التي خرجت من طفلٍ في الخامسة من عمره دون أن يُفكّر.
أما لويد، الذي لم يُدرِك بعد وقع تلك الكلمة، فقد بدأ يربّت على ظهر الطفل بصوتٍ حنون: “نعم، نعم يا داميان، كلّ شيءٍ بخير.”
وبدأ الطفل يهدأ تدريجيًا ويتوقّف عن البكاء.
كان كلايتون يُراقبهم بصمت.
طفلٌ باكٍ، ورجلٌ يُهدّئه بحنان، وامرأةٌ تنفّست براحة وهي تراهما معًا. لم يكن من الممكن أن تبدو هذه الصورة أكثر عائليّةً ممّا كانت عليه.
شعر و كأنّ شيئًا ما ينهار بداخله. وكأنه أصبح جسمًا غريبًا بين أبطال قصةٍ سعيدة ، كما لو كان هو الشرير في حكاية خرافية.
كنتُ أعيش في الجحيم …
و أنتم ، كنتم تنعمون بحياةٍ هادئةٍ و سعيدة كأسرةٍ صغيرة.
أنتم الذين ألقيتم بي في هاوية الجحيم.
بدأ رأسه، الذي كان باردًا ، يشتعل غضبًا. وفي تلك اللحظة تحديدًا ، انفجر الغضب الذي ظلّ يُراكمه في قلبه طوال تلك السنين.
“سمعتُ أنّ الطفل مريض.”
نطق بصوتٍ باردٍ كسر سكون اللحظة ، فتوجّهت إليه أنظار الجميع. أما هو ، فقد ثبّت عينيه على مقلتي الطفل الغارقتين في الدموع ، و تابع: “قيل إنه يُعاني من مرضٍ وراثي.”
في ذهنه، تذكّر كلمات الكونت فريتون التي سمعها قبل أن يأتي إلى هذا المكان:
«إنه يُعاني من مرضٍ وراثي يعود إلى العائلة الإمبراطورية»
بدت كلمات الكونت وكأنها صحيحة، فقد كان وجه الطفل محمرًا وكأنّه مصاب بالحمّى.
عندما طرح كلايتون سؤاله، اقتربت داليا منه كما لو أنها تذكرت هدفها في المجيء إلى هنا.
“نعم. الطفل مريض”
كان صوتها يهتز كما لو أنها تشعر بالتوتر.
“لهذا، نحن بحاجة إلى دواء … دواء يُعالج المرض الوراثي لعائلة الإمبراطورية”
نعم، الدواء.
لقد كان السبب الذي جعل داليا ترغب في لقاء الكونت فريتون هو البحث عن دواء.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "106"