في ذلك اليوم ، تردّد كلايتون كثيرًا قبل أن يفتح قلبه أخيرًا و يبدأ في إخبار داليا ، شيئًا فشيئًا ، عن صدمات طفولته التي لم يستطع البوح بها من قبل.
أخبرها لماذا كان يتصرف بحساسية شديدة تجاه الحيوانات الصغيرة ، و لماذا كان خائفًا بشدة من فكرة إنجاب الأطفال.
روى لها كل شيء عن طفولته.
و كانت داليا تمسك بيده و تواسيه كلما ارتسمت على وجهه ملامح الألم.
و اليوم ، كان يوم انطلاقهما إلى كوليستون لزيارة داميان ، في رحلة للراحة و التقاط الأنفاس.
تحركت العربة منذ الفجر الباكر ، و لم تصل إلى إقليم لانغستر إلا في وقت متأخر من بعد الظهر.
رغم أنهما قطعا نصف يوم سفرًا ، إلا أن الطريق ما زال طويلاً.
فوجهتهما الحقيقية كانت إقليم ليفيتان ، الذي لا يظهر إلا بعد عبور جبل آخر من بعد لانغستر. لذا كان من المقرر أن يريحا الخيول قليلًا ثم يتابعا الرحلة.
جلست داليا داخل العربة، تنتظر الانطلاق مجددًا، وقد لفت انتباهها أن هذه القرية تختلف عن سابقاتها ؛ كانت نابضة بالحياة على نحو غير مألوف ، فسألت بدهشة:
“يبدو أن هناك مهرجانًا أو حدثًا ما في هذا المكان اليوم. الناس كثيرون بشكل غير عادي ، أليس كذلك؟”
فأجابها السائق:
“في لانغستر يُقام مهرجان الزهور كل ربيع. و اليوم هو اليوم الأخير من المهرجان ، و يقال إنه سيكون هناك عرض ألعاب نارية مساءً.”
“ألعاب نارية؟”
لمعت عينا داليا فجأة ، لكن سرعان ما خمد الحماس في صوته ا، إذ تذكّرت أنهم مضطرون للوصول إلى ليفيتان قبل نهاية اليوم.
يا للأسف ، لن نتمكن من المشاهدة. علينا أن نصل إلى ليفيتان اليوم ، أليس كذلك؟
كانت أكاديمية كوليستون ، حيث يدرس داميان ، تقع على مسافة لا بأس بها من العاصمة، وتستغرق الرحلة إليها أربعة أيام بالعربة. وبسبب انشغال كلايتون، لم يتمكنا من ترتيب جدول مرن يسمح بالتأخير.
مهرجان ، هاه …
فكّرت داليا ، متسائلة متى كانت آخر مرة حضرت فيها مهرجانًا مع كلايتون.
ربما كان ذلك في الصيف الماضي، عندما أصر داميان على رؤية الألعاب النارية، فذهبوا معًا إلى مهرجان صغير في إحدى القرى القريبة.
لكن، متى كانت المرة التي حضرت فيها مهرجانًا مع كلايتون فقط، دون أحد آخر؟
كلما تذكرت ، بدا لها الأمر بعيدًا جدًا.
في البداية لم يكونا قريبين بما فيه الكفاية ليخرجا كثنائي ، ثم بعد أن اكتشف حملها ، هربت.
آه، صحيح.
ذهبنا إلى مهرجان تساقط الزهور مرة ، أليس كذلك؟
تذكّرت أنها كانت أول وآخر مرة قضت فيها موعدًا حقيقيًا مع كلايتون، وحدهما.
وبعدها، بسبب ظروف مختلفة، قضيا خمسة أعوام بعيدين عن بعضهما البعض.
تنهدت داليا بأسف ثم قالت:
“عندما نذهب إلى كوليستون في المرة القادمة ، لنخطط لرحلة بأريحية ، و نأتي لنشاهد المهرجان. سيكون الأمر أجمل إن حضر داميان معنا أيضًا”
كان لا بد من تأجيل المتعة إلى مرة قادمة.
على الأرجح، كان داميان ينتظر رسالتهما بفارغ الصبر، متشوقًا لوصولهما سريعًا.
لكن كلايتون، الذي لاحظ بقايا الأسف على وجه داليا، أمر السائق قائلاً: “سنقضي الليلة هنا ونكمل الطريق غدًا.”
كانت داليا هي من تفاجأت بهذه الكلمات.
نظرت إليه وقد بدت عليها الدهشة، وسألته مستنكرة:
“سنقضي الليلة هنا؟! لكن هذا سيؤخر خط سيرنا.”
“تأخرنا لـيوم واحد لا بأس به.”
“لكن داميان لا بد أنه ينتظرنا…”
أكثر ما كان يزعجها هو الشعور بالذنب تجاه داميان ، الذي ينتظر وصولهما. و لهذا همّت برفض اقتراحه مرة أخرى ، لكن كلايتون قاطعها: “إنه في الثامنة من عمره، و يمكنه الانتظار لهذا القدر”
“مع ذلك…”
“هذا النوع من القلق هو نوع من الحماية الزائدة أيضًا. لن ينهار العالم إذا انتظر في السكن يومًا إضافيًا.”
حين فكّرت في الأمر من زاويته، أدركت أنه محق. داميان ينتظر في سكن آمن، وتأخرهما يومًا واحدًا لن يغير شيئًا.
كل ما في الأمر أن موعد عودتهما إلى الإمبراطورية سيتأخر يومًا فقط.
وفي تلك اللحظة، فُتح باب العربة المتوقفة على جانب الطريق. نزل كلايتون أولًا، ثم مد يده نحوها وهو يقول:
“هيا، داليا”
“…”
ترددت للحظة، ثم وضعت يدها في يده.
* * *
كانت الشمس توشك على الغروب، والسماء قد تلونت تدريجيًا بألوان الشفق الأحمر.
رغم أن المهرجان كان في نهايته وقد تساقطت معظم الأزهار، إلا أن الزحام والحيوية في الأجواء جعلا القلب يمتلئ بهجة.
“واو —”
قبل لحظات فقط، كانت تقلق بشأن داميان، أما الآن، فقد كانت داليا تستمتع بالمهرجان أكثر من أي شخص آخر هناك.
“كلايتون، انظر هناك! يبدو أنهم سيقيمون عرض الألعاب النارية من هناك!”
وأشارت نحو ضفة النهر المزدحمة بالناس، لكنها لم تنتبه لأشخاص قادمين من الخلف، وكادت أن تصطدم بهم.
لكن كلايتون جذبها بسرعة إليه، مانعًا الاصطدام.
“آه، أنا آسفة.”
قالتها داليا وهي تنحني قليلاً معتذرة للناس خلفها ، ثم التفت إليها كلايتون يوبخها بنبرة هادئة:
“عليكِ أن تنتبهي”
و بعد توبيخه الخفيف ، أدركت داليا أنها كانت مندفعة للغاية ، فسعلت خجلاً لتغطي على ارتباكها.
ثم رمقت كلايتون بنظرة جانبية، وقد كان يبتسم لها بلطف.
بعد حوارهما قبل أيام، شعرت بأن خيط الثقة الذي يربط بينهما قد أصبح أكثر متانة.
وكانت تلك الثقة كفيلة بأن تُعمّق مشاعرها تجاه كلايتون أكثر فأكثر.
أمسك كلايتون بيد داليا وشبك أصابعه بأصابعها، وجذبها إليه بلطف.
“الناس هنا كثيرون جدًا”
ومن بين أصابعهما المتشابكة، تسلّل دفء هادئ.
ربما كان بسبب الشفق الأحمر، أو لأن مشاعرها نحوه تعمّقت فجأة من جديد، لكن وجه داليا احمرّ بشكل واضح.
وصل الاثنان أخيرًا إلى ضفة النهر، حيث ستنطلق الألعاب النارية قريبًا.
ورغم أنهما وصلا متأخرين فلم يتمكنا من الحصول على مكان مثالي، إلا أن الأمر لم يكن مهمًا؛ فالألعاب ستضيء السماء، ويمكن رؤيتها من أي مكان.
كانت داليا تمسك بيد كلايتون، تنتظر معه انطلاق العرض، وفجأة تذكّرت المهرجان الذي حضراه سويًا في الماضي، مهرجان تساقط الأزهار.
‘كان ذلك اليوم جميلًا حقًا …’
تساءلت داليا، تُرى، هل يتذكره هو أيضًا؟ فسألته بخفة:
“ألا تتذكّر شيئًا وأنت هنا؟ حضرنا سويًا مهرجان تساقط الأزهار من قبل، أليس كذلك؟ هل تتذكّره؟”
ارتسمت ابتسامة طويلة على شفتي كلايتون ، و كأنه استرجع تلك الذكرى أيضًا: “أتذكّره … لا يمكن نسيانه”
استغربت داليا من إجابته، وأمالت رأسها:
‘لا يمكن نسيانه؟ هل كان بذلك الجمال بالنسبة له؟’
بالنسبة لها، لم يكن اليوم بذلك التميّز.
تذكّرت فقط ازدحام الناس، وكيف لم تنتبه حينها جيدًا لملامح وجهه، لكنه بقي بجانبها طوال الوقت يفعل ما تريده دون تذمر.
فسألته مترددة:
“أكان جميلًا إلى ذلك الحد؟”
كان كلايتون ينظر إلى الأمام بصمت، ثم استدار نحوها، والتقت عيناه بعينيها البنفسجيتين في الهواء.
“لأنّكِ في ذلك اليوم … تمنيتِ أن تبقي بجانبي”
اتسعت عينا داليا من المفاجأة.
«كنتُ أتمنّى»
«ما الذي كنتِ تتمنيه؟»
«تمنيتُ أن أبقى إلى جانبكَ دائمًا، يا دوق»
آه، نعم.
لقد تمنت ذلك بالفعل في ذلك اليوم.
تذكّرت أمنيتها متأخرة، وفتحت فمها بدهشة.
في تلك اللحظة، بدأ دوي الأجراس يعلن انطلاق الألعاب النارية، وانفجرت الألوان الزاهية في السماء.
صوت الدهشة والإعجاب انطلق من الجميع، وبدأ الناس من حولهم يغمضون أعينهم ويدعون بأمنياتهم.
بينما كانت تراقبهم، سألت داليا كلايتون:
“ألن تتمنى أمنية؟”
فأجاب بهدوء:
“أمنيتي قد تحققت بالفعل”
“…وما هي أمنيتك؟”
رفع يدها التي كان يمسك بها، وأغمض عينيه بلطف، ثم طبع قبلة دافئة على ظهر كفها.
“أن أكون بجانبكِ ، و أن تبقي بجانبي”
كانت قبلته حارّة على بشرتها.
غمرها شعور غامر بالفرح، وكأنها على وشك البكاء من السعادة.
خفضت رأسها للحظة، ثم رفعت وجهها بابتسامة مشرقة وهي تنظر إليه: “إذًا ، أمنيتينا نحن الاثنان قد تحققتا”
نعم، كل شيء كان جيدًا كما هو.
أن يقضيا الوقت معًا أحيانًا وسط النسيم ، أن يسيرا معًا وسط الزحام ، أن يشاهدا الأشياء الجميلة سويًا — كانت هذه اللحظات ثمينة للغاية.
“أحبك، يا كلايتون”
اتسعت عيناه قليلًا من المفاجأة ، لكن سرعان ما ابتسم بعينيه المجذوبتين و قال بلطف: “و أنا أحبكِ ، يا داليا”
نعم ، كل شيء كما هو الآن … كان جميلًا بما يكفي.
نهاية القصة الجانبية –
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "الفصل الجانبي 5 <الأخير> "