لم يكن بإمكان داليا، التي كانت تلامس جسده عن قرب، أن لا تلاحظ أن جسد كلايتون قد تجمّد وتصلّب فجأة.
فتحت داليا عينيها المغلقتين ببطء، ونظرت إليه بعينين بريئتين وكأنها تتساءل: هل هناك مشكلة؟
كانت عيناه، التي كانت دائمًا مشتعلة كالنار، قد خمد بريقها تمامًا.
داليا، وقد شعرت بأن شيئًا ما ليس على ما يرام، نادت اسمه بحذر: “…كلايتون؟”
لكن بدلًا من أن يجيبها، نهض فجأة من السرير وبدأ يرتب ملابسه.
“…تذكرتُ فجأة أمرًا عاجلًا”
“ماذا…؟”
أمر عاجل؟ مهما كان الأمر طارئًا، أليس من المفترض أن يضع كل شيء جانبًا ليؤدي واجبه كزوج؟ على الأقل ، هذا ما كانت داليا تعرفه عن كلايتون حتى الآن.
وسط هذه اللحظة الصادمة، لم تستوعب داليا ما يحدث إلا بعد برهة. و عندما لاحظت أنه يهمّ بمغادرة الغرفة تمامًا ، أمسكت به بسرعة.
“م-مهلًا، ما الذي حدث؟ كيف يمكنك أن تترك كل شيء هكذا فجأة…؟”
لكن كلايتون أبعد يدها برفق، رغم أنها كانت تمسكه بنظرة فيها من الرجاء الكثير، وقال: “…أنا آسف.”
لم يقدّم أي تبرير آخر.
فقط اعتذار مختصر، ثم خرج من غرفة النوم دون تردد.
داليا، التي بقيت وحدها في الغرفة الخالية، تمتمت بدهشة وعينان فارغتان: “ما هذا… الآن؟”
كانت لا تزال في حالة ذهول، غير قادرة على استيعاب ما حدث لتوّه.
هل يعقل أنه تركني فجأة بعد كل هذا؟
نظرت داليا إلى ملابسها التي كانت شبه منزوعة، وتمتمت بصوت يحمل خيبة أمل: “هل أنا… هل تم رفضي للتو؟”
منذ عودتها إلى العاصمة برفقة داميان قبل ثلاث سنوات، لم يحدث هذا الأمر معها قط.
* * *
في تلك الأثناء ،
كان المكان الذي توجه إليه كلايتون بعد خروجه من الغرفة هو مكتبه.
جلس على كرسي المكتب بتعب ظاهر في جسده ، و أسند ظهره إلى الكرسي. ومع الجلوس، خرجت منه تنهيدة منخفضة.
«أمم … آسفة ، لكن أعتقد أننا بحاجة إلى أخٍ صغير لـداميان»
كانت هذه الجملة كفيلة بأن تُعيد إليه وعيه، بعد أيام من الامتناع وضبط النفس.
“أخ صغير ، هاه …”
هو لم يكن يجهل ذلك. كان يدرك جيدًا أن داليا تتمنى إنجاب طفل ثانٍ، بشكل غير مباشر.
لكن الحقيقة… أنه لم يكن يرغب في إنجاب المزيد من الأطفال.
أو بالأحرى، كان يشعر بالخوف… هذه هي الكلمة الأدق.
ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتيه.
كان يعلم جيدًا أن داليا، التي تجري في عروقها بركة “إيستر”، كانت تحميه من لعنته. وولادة داميان دون أي أذى كانت دليلًا على ذلك، دون الحاجة إلى أي تضحيات.
ولهذا السبب، خطر في باله أحيانًا أن إنجاب طفل آخر يشبه داليا سيكون أمرًا جميلًا.
لكن … متى حدث ذلك التغيير؟ متى أصبح ذلك الحلم مجرد خوف كلما اقترب من التحقق؟
كان يمرر يده على طرف عينيه وكأنه متعب، حين تذكر ما حدث قبل نحو شهر.
«يبدو أن السيدة قد حملت!»
في اللحظة التي سمع فيها كلام جيسون، الذي جاء ليبلغه بوجه مليء بالحماس، شعر بالخوف يغمر قلبه بدلًا من الفرح.
ماذا لو حصل مكروه لداليا أثناء ولادتها؟ ماذا لو كانت البركة التي تجري في دمها تنطبق فقط على داميان؟ ماذا سيحدث حينها؟
لم يحدث قط أن أنجبت امرأة في عائلة ساير طفلين.
رغم أن دم إيستر كان يُقال إنه يقي من لعنة عائلة ساير، إلا أن القلق كان يخنقه من احتمال أن يكون ذلك التأثير خاصًا بالطفل الأول فقط.
ماذا لو حصل مكروه لداليا؟ هل سأتمكن من الاستمرار في العيش؟
الإجابة كانت واضحة.
لم يكن يستطيع تخيل حياته بدون داليا.
عادت إليه كوابيس الطفولة المدفونة في أعماق قلبه، وكأن صراخ زوجة أبيه المحتضرة يرنّ في أذنيه.
“هاه…”
تنهد كلايتون بعمق وكأنه غارق في أفكاره، ثم أخرج شيئًا من درج مكتبه.
كانت زجاجة صغيرة تحتوي على حبوب.
حبوب منع الحمل.
و كان يتناولها بإنتظام دون علم داليا.
ولحسن الحظ، لم تكن داليا حاملاً في المرة السابقة.
قال الطبيب إنها كانت تعاني فقط من أعراض مشابهة بسبب الإرهاق، مما خيب أملها.
لكن على عكسها، شعر هو بالارتياح.
فلم يكن مضطرًا للقلق بشأن فقدانها.
لذلك قرر قطع كل الأسباب التي قد تسبب له هذا القلق من جذورها.
ومنذ ذلك الحين، بدأ كلايتون يتناول حبوب منع الحمل بوصفة سرية من طبيبه الخاص.
كان قد سمع أن هذه الحبوب معروفة إلى حد ما في الأوساط العامة، وتبدو فعالة نوعًا ما.
تذكر ما قاله له طبيبه الخاص حين أعطاه الدواء:
“تناول هذه الحبوب لا يعني أن منع الحمل مضمون مئة بالمئة، إنما فقط يقلل من احتمالية حدوثه”
ربما كان ذلك سببًا في أنه بدأ يتجنب النوم مع داليا دون أن يشعر.
رغم ذلك ، كاد أن يستسلم لإغراءاتها ،
لكن ما إن ألمحت برغبتها في إنجاب طفل ، حتى عاد إلى وعيه فجأة، وكأن دلوًا من الماء البارد قد سكب عليه.
هل تأذت مشاعرها؟
حتى إن لم يُصبها الأذى، لا بد أن الأمر أزعجها.
شعر بثقل في قلبه ، لأنه على ما يبدو قد جرح مشاعر داليا برفضه غير المقصود.
أطلق زفرة ثقيلة، وفي ذهنه طيف من الذكريات، تحديدًا زجاجة الدواء التي أسقطتها داليا في الغرفة قبل قليل.
ذلك الدواء… لا بد أنه…
كان يظن أنه رآه من قبل، ومع قليل من التفكير، تذكّر أنه علاج للعقم.
ففي الماضي، كانت رايتشل قد أعطتها دواءً مشابهًا.
ويبدو أن داليا، بتناولها لهذا الدواء، كانت تعبّر بوضوح عن رغبتها في إنجاب طفل.
زاد شعوره بالضيق، وغمره الذنب لتناوله حبوب منع الحمل من دون استشارتها، في الوقت الذي كانت فيه تتوق لإنجاب طفل.
لكن لا خيار آخر لدي ، داليا.
لم يستطع التفكير بطريقة أخرى.
لم يكن مستعدًا للمخاطرة بفقدانها.
و هكذا ، انقضى الليل لكلٍ منهما على طريقته.
* * *
مرّت عدة أيام.
كانت داليا تتجول وحدها في الحديقة، وعلامات القلق تكسو وجهها.
“غريب…”
مهما فكّرت بالأمر، بدا لها سلوك كلايتون غير طبيعي.
أخذت تدور في نفس المكان، تسترجع أحداث الأيام الأخيرة.
أمس أيضًا، ظل خارج المنزل طوال اليوم.
وفي الصباح، تحجّج بالاجتماع ورفض تناول الفطور معي.
وبعدها، لم يعد يزورها ليلًا بحجة الانشغال.
منذ عودتهما مع داميان إلى قصر الدوق ، لم يسبق أن حدث هذا.
حتى في أكثر الأيام انشغالًا، كان يحرص على النوم إلى جوارها.
ولكن الآن، وعلى الرغم من أنهما لم يتشاجرا، باتا ينامان كلٌّ في غرفته.
حتى أن كبير الخدم تردّد وسألها بلُطف إن كان قد حصل شيء بينهما.
“ما الذي يجعله يتصرف هكذا فجأة؟”
تساءلت إن كانت قد ارتكبت خطأً في تلك الليلة، فأخذت تفكّر مليًا، لكنها لم تجد جوابًا.
وفي غمرة هذا القلق، وبينما كانت تعضّ أظافرها توترًا، ومض في ذهنها حديث سمعته عابرًا في المجتمع الأرستقراطي.
«ماركيز غرايتن الذي تحدّى معارضة عائلته و تزوج من ابنة البارون؟ قيل إنه يطلقها الآن!»
«يا إلهي ، طلاق؟! و بعد كل ما فعله من أجلها؟ ظننا أن حبهما خالد!»
«لا أحد يصمد أمام الملل الزوجي. بصراحة، هل يوجد شيء اسمه حب أبدي؟ الناس يعيشون معًا فقط لأنهم أنجبوا أولادًا!»
تذكّرت داليا قصة طلاق ذلك الثنائي الذي كان يُلقّب بـ”حب القرن”، فشعرت برعشة من الخوف.
“لا يمكن … كلايتون أيضًا …؟”
ربما يكونان قد وصلا إلى ما يُسمى بـ”مرحلة الملل” التي كثيرًا ما تصيب الأزواج بعد إنجاب الأطفال.
الملل الزوجي؟
يا إلهي … وهي لا تزال تشعر و كأنها في شهر العسل ، بل وأكثر حماسة من ذي قبل.
لو كان الأمر كذلك، فكأنها تحبّه من طرف واحد.
شعور جعل قلبها يغوص في اليأس.
لكن سرعان ما هزّت داليا رأسها لتنفض عن نفسها تلك الأفكار.
“لا، لا. لا بد أن هناك سببًا ما.”
كلما تعمّقت في التفكير، زادت الأفكار السلبية هجومًا على عقلها.
وهي تعلم أن الأزواج الحقيقيين، الذين يحبّون بعضهم بصدق، يجب أن يواجهوا تلك اللحظات بالحوار.
ألم يكن غياب الحديث الجاد بينهما قبل 8 سنوات سبب فراقهما لخمس سنوات؟
بهذا العزم، بدأت داليا تتحرك.
“يجب أن أرى كلايتون أولًا.”
من المرجح أنه قد أنهى اجتماعه الآن، ويتواجد في مكتبه.
خطوات داليا نحو مكتب كلايتون كانت ثابتة وواثقة، يملؤها التصميم.
التعليقات لهذا الفصل "الفصل الجانبي 3"